المثقف العربي شديد التداعي والزيف و الفساد !!
الكاتب والناقد السينمائي محمود الغيطاني : أظن أن الأمور الحالية بكل ما فيها من عفن و خراب إذا ما ظلت على ما هي عليه فالمحصلة النهائية لكل ما يدور حولنا الآن هو الموت الحتمي للمثقف العربي الذي هو بالفعل شديد التداعي والزيف و الفساد .
محمود الغيطاني كاتب قصصي وناقد سينمائي وروائي مصري صدرت روايته الأولى " كائن العزلة " في أوائل العام 2006 .
في روايته شرّح لنا واقعاً عربياً مشوهاً ومتردياً ، ثم امتدت خيوط روايته لتقنع كل مثقف مدّعي أنه بثقافته الشوهاء جزء وسبب في و من هذا التردي الحاصل ، وتوحي لكل مثقف أصيل بأن مصيره الانفصام الحاد في شخصيته كبطل الرواية .
مارس النقد السينمائي بحب شديد وكتب القصةالقصيرة بفنتازيا و باقتصاد شديد أما آراؤه الشخصية فيما يحدث حولنا فهي لكم الآن في هذا الحوار معه عبر الانترنت ..
– كناقد وكاتب عربي برأيك هل هناك حركة نقدية عربية تواكب حركة الإبداع العربي بكافة فنونه، السينما ، المسرح ، الرواية، الشعر ..... الخ ؟
– سؤالك هذا ليس بالسؤال السهل على الإطلاق؛ لأنه بقدر وجود إجابة وافية عن هذا التساؤل الهام إلا أنها ستثير الكثير من اللغط ، فالحركة النقدية عامة تكاد أن تكون منعدمة إن لم ننساق أكثر لنقول أنها قد ماتت تماما و كل ما نراه حولنا الآن لا يعدو أكثر من مجرد محاولات و تأويلات و محاولة ليّ النص من أجل مجموعة من النظريات التي تم استيرادها فقط دون النظر إلى الظروف الثقافية و الاجتماعية التي نشأت في ظلها هذه النظريات ، و إذا لم يكن الأمر هكذا فنحن نرى الكثيرين ممن لا علاقة لهم بالنقد يتعاطونه إما لأنهم يرون أن هذا سوف يجعل المبدعين متكالبين عليهم أو لأنهم يتكسبون من هذه الكتابة و بالتالي رأينا في الآونة الأخيرة الكثير جدا من المرتزقة الذين يكتبون غثا رديئا لا علاقة له بالنقد لمجرد أن هذا المبدع أو ذاك سوف يسهر معه سهرة حمراء أو لأنه سيعزمه على زجاجتين من البيرة أو ما إلى ذلك فبتنا نرى الكثيرين من النقاد حسب الطلب و المقاس و صار من السهل لأي أحد أن يكتب لأنه سيجد الناقد التفصيل الذي سيحاول تأويل النص المكتوب بليّ عنق الحقيقية النقدية، أما بالنسبة لما نراه في مصر فأنا أظن (و بعض الظن إثم و بعضه حلال كما قال عمنا فتحي غانم) أنه بعد الدكتور المرحوم غالي شكري و الناقد القدير لويس عوض و الدكتور محمد مندور و الناقد الرائع أنور المعداوي لم يعد هناك نقد حقيقي في مصر سوى فاروق عبد القادر و رجاء النقاش تقريبا ، كما أن النقاد الأكاديميين كادوا أن يفسدوا الحركة النقدية تماما بما يقومون به من محاولة تطويع النص من أجل نظرياتهم التي يقومون بتدريسها لطلابهم، هذا من ناحية الأدب ، أما من ناحية السينما فنستطيع أن نتحدث بلا حرج ،لأن الحركة النقدية السينمائية تكاد تكون ماتت لولا بعض الأصوات القليلة و الضعيفة التي تكاد أن تموت مع انهيار السينما المصرية الذي نراه حولنا الآن و لعل موت النقد السينمائي يعود بالضرورة إلى انتشار الكثير من قيم الفساد التي باتت تسيطر على مقدرات الثقافة في مصر فهناك من يقوم بكتابة ما هو غث و ردئ مدعيا أنه نقدا لفيلم ما – قد يكون ردئيا أيضا- و لكنه يقوم بذلك لأن هذا الناقد له الكثير من المصالح مع شركة الإنتاج أو الممثل أو المخرج أو ما إلى ذلك، إذن فالمصالح المادية هنا تطغى على الموضوعية و الأمانة النقدية ، و هناك من يكتب غثا و يدعي أنه نقد لأنه لا يمتلك أكثر من ذلك فهو فقير في المعرفة السينمائية أساسا و لولا أنه وجد نفسه بين ليلة و ضحاها مسئولا عن إحدى الصفحات الفنية أو المجلات الفنية لما قام بكتابة هذا الغث و نحن نستطيع القول أن العيب ليس في هذا الناقد الفاشل بقدر ما هو في المسئول عن تعيينه في تلك الصفحة، إلا أنها قيم الفساد و الشللية و الرشاوي و المحسوبية التي سادت في الأوساط الثقافية في الآونة الأخيرة، كما أننا نرى الآن الكثير من النقد سواء على المستوى الأدبي أو السينمائي يكاد يكون نقدا انطباعيا يفتقر إلى الدقة النقدية.
– برأيك من هو الناقد السينمائي ، وما هي وظيفته بصفة النقد السينمائي موضوعاً اختصاصياً جدا، وما الذي جذبك لهذا الاتجاه تحديدا ؟
– الناقد السينمائي هو في رأيي المبدع الثاني بعد المخرج السينمائي؛ لأن الناقد يقوم من جهة بعملية إبداعية أخرى جديدة و موازية لما تم تقديمه له سينمائيا ،إذن فهناك عملية خلق أخرى و جديدة قد يكتشف و يضع من خلالها الناقد السينمائي يده على الكثير من الأمور التي جاءت عفو الخاطر من المخرج إلا أن الناقد هو الذي رآها لأنه يرى الموضوع من الخارج و من ثم يبدأ هو الآخر في الإبداع النقدي بعد المخرج ، و من جهة أخرى أرى أن الناقد السينمائي هو بمثابة القنطرة بين النص السينمائي و بين الجمهور بدون المرور على المخرج أو القائمين على صناعة الفيلم ؛ لأني لا أرى أن دور الناقد هنا دورا تقويميا أو توجيهيا بمعنى أن أقول للمخرج لقد أخفقت في هذا و كان يجب أن تفعل ذاك ، لا ، ليس هذا دوري على الإطلاق إنما يتمثل دوري في إيصال جماليات الفيلم السينمائي و مضمونه الفني إلى المشاهد الذي قد يستغلق عليه الكثير من آليات العمل السينمائي و أنا أقوم بذلك من خلال عملية إبداعية بحتة ، و من هنا أيضا تظهر وظيفة الناقد السينمائي الذي قد يجعل متفرجا ما معرضا عن مشاهدة أحد الأفلام يتحول تماما إلى الإقبال لمشاهدة الفيلم بعد قراءة ما كتبه هذا الناقد ، أما ما جذبني إلى هذا المجال فهو أمر شديد البساطة و هو حبي و إخلاصي الشديد للسينما و من ثم رغبتي القصوى في وجود سينما جيدة.
– باعتقادي أي متعاطف مع فيلم ما يمكنه بعد أن يشاهد الفيلم أن يخبرنا بالقصة ويحلل المَشَاهد ، ويلقي الينا بما كتب من تكوين كلامي دون عمق معرفي وبغض النظر عن مؤهلاته الاكاديميه نجد كلمة ناقد تسبق اسمه أعلى الصفحة ، من الذي يحدد هوية الناقد السينمائي ويمنحه مشروعية هذا الاختصاص؟
– هذا الحديث يذكرني بحوار كنت قد قرأته للناقد السينمائي سمير فريد يقول فيه (أن كل ما يكتب عن الأفلام من آراء هو نقد، لكن ما هي قيمته، و ما مدى عمقه، و هل هو منهجي أم لا؟ ) بالتأكيد هذا الحديث من الناقد سمير فريد أختلف معه تماما لأننا إذا ما فتحنا الباب هكذا على مصراعية سوف يؤدي بنا إلى كارثة نقدية و من ثم يستطيع كل واحد أن يقول على فيلم ما أنه ليس بفيلم سينمائي و من ثم يأتي آخر ليقول أنه فيلم سينمائي و يأتي ثالث كي يقول لنا غير هذا و بالتالي يقع النقد السينمائي في مستنقع السطحية و التضارب و اللامعنى و من هنا قد يصدق رأي البعض الذين يرون أن النقاد السينمائيين يكتبون تبعا لمصالحهم و حالاتهم المزاجية و هذا ليس صحيح على الإطلاق ، و لكني أرى أن الناقد السينمائي هو مشروع ثقافي سينمائي ضخم ، فهو مخرج إذا استلزم الأمر و هو مونتير و سيناريست و مصور وووو و هو في النهاية ناقد سينمائي و مثقف كبير و هذا ما يمنح الناقد السينمائي مشروعيته و بالتالي يحدد هويته ؛ فهذا المشروع الثقافي السينمائي الضخم هو الناقد الحقيقي.
– قرأت الكثير من المقالات النقدية ومن ضمنها مقالتك في نقد فيلم " حريم كريم" ، تشير الكتابات التي أعنيها الى وجود أزمة في مسألة النقد السينمائي وتحديداً عدم وجود اتجاه عربي أو رابط متخصص أو منهجية متخصصة توحد نقاد السينما العربية ، هل ما يكتبه الأغلب اليوم في نقد الأفلام مجرد انطباعات وآراء تتبع أهواء الناقد ، لماذا لا يوجد خصائص مميزة ومرجعيات منهجية واضحة توحد النقد السينمائي العربي ؟
– مقالي عن فيلم "حريم كريم" كان حالة خاصة تماما حاولت فيها قدر الامكان الحديث عن الحالة النقدية السينمائية المتخبطة في مصر و التي كان الفضل في كشف كل هذا الزيف النقدي يعود إلى المخرج "على إدريس" ، أنا أعتبر أن "علي إدريس" قد صنع لنا فخا سينمائيا و ليس فيلما سينمائيا حينما قدم لنا هذا الفيلم البسيط في فكرته و من ثم فلقد تخبط جميع النقاد تقريبا في تناول هذا الفيلم ، فرأينا من كتب عنه و كأنه كان يمارس بالفعل فعلا استمنائيا حينما أطال الحديث عن مشهد المايوهات و هناك من كتب عنه مستنكرا لأن بطلة الفيلم شرهة في تدخين السجائر، مما يجعلنا نتوقف أمام ذلك متسائلين ،هل هؤلاء الذين كتبوا مثل هذا الهراء نقاد سينما بالفعل و هل هذا الكلام يمت للنقد السينمائي بصلة؟ ألم يروا في هذا الفيلم البسيط- الذي لا أدعي أنه ذو عمق سينمائي- سوى المايوهات و تدخين السجائر و ما قيل أنه منفصل عن الواقع؟ و هنا أيضا سيتساءل القارئ العادي ما هذا الخراء المكتوب ، و لعل تلك الحالة تكررت مع الفيلم الجميل "ليلة سقوط بغداد" للمخرج البديع "محمد أمين" و لكن محمد أمين هنا لم يقدم فخا سينمائيا بقدر ما قدم فيلما مميزا سينمائيا، إلا أنه يبدو لي أن هناك حالة ما من الحقد تجاه هذا المخرج الجميل الذي قدم لنا من قبل "فيلم ثقافي" لأن معظم من تناولوا "ليلة سقوط بغداد" تحدثوا أيضا في أمور تكاد تكون بعيدة تماما عن الفيلم أيضا ، و هنا لا بد أن يكون هناك سؤالا يطرح نفسه علينا و بقوة ، لما كل هذا التخبط السينمائي ، أو فلنعود إلى تساؤلك أنت (هل ما يكتب اليوم مجرد انطباعات و آراء تتبع أهواء النقاد) بالفعل يبدو لي في الفترة الأخيرة أن هناك الكثير من المجاملات و الشلليات في مسألة النقد السينمائي هي التي تجعل هذا الناقد أو ذاك يتعرض بالنقد لهذا الفيلم أو غيره و لولا وجود هذه المصالح لما تعرض هذا الناقد أو غيره للفيلم و بذلك صارت ساحة النقد يشوبها الفساد و من ثم عدم الثقة بين المشاهد و ما يقوله الناقد نظرا لتفشي هذا الفساد ، و لكن ليس معنى هذا أنه لا يوجد خصائص مميزة و مرجعيات واضحة توحد النقد السينمائي العربي ، فالنقد هو النقد ، له آلياته و قوانينه المتفق عليها و إن كان الأمر يختلف من ناقد لآخر تبعا لمنهجه و رؤيته الثقافية و السينمائية إلا أن تفشي مثل هذا الفساد السالف الذكر هو الذي أوقع النقد في مثل هذا المستنقع.
– برأيك من المخول باخراج فن النقد السينمائي من هذه الأزمة؟ ان صح اعتبارها ازمة تمس هوية الناقد، النقد نفسه والمتلقي سواء كان القارئ أو المشاهد ؟
– بالتأكيد أن المسئول الأول و الأخير بإخراج هذا الفن من تلك الأزمة هو ضمير الناقد السينمائي نفسه ، فالساحة النقدية الآن خلت من الضمير النقدي الصحيح نتيجة للكثير من الفساد الذي سبق ذكره، فأنا أذكر القاعدة النقدية الهامة جدا و التي تفيد أنه إذا كنت أريد أن أكون ناقد حقيقيا و موضوعيا فلا بد من الحرص على عدم الاختلاط بالوسط الذي أكتب عنه أو تكوين علاقات داخله أو حتى قبول دعوات خاصة من هذا الوسط و من الأفضل كذلك الإقامة بعيدا عنه حتى يتسنى لي الكتابة عنه بعيدا عن المصالح و المجاملات و ما إلى ذلك، و لكن هل يفعل النقاد ذلك اليوم؟ بالتأكيد لا و من ثم ظهر كل هذا الزبد الذي نراه، و لكنه مجرد زبد سيذهب من تلقاء نفسه، و لكن قبل أن يذهب يصنع أزمة نقدية بالفعل تمس الناقد و القارئ/المشاهد الذي يفقد الثقة في الناقد و ما يكتبه و بالتالي لا يصدقه فيترتب عليه أنه لا يقبل على الفيلم المكتوب عنه نظرا لوجود أزمة الثقة التي هي أكثر شبها بتصريحات الحكومة التي تجعلنا نعيش في الفردوس المفقود فقط من خلال تصريحاتها.
– حين تراودك فكرة نقد فيلم ما في رأسك بماذا تبدأ ؟ بكينونة الفيلم ؟أم باعادة انتاج المعنى فيه ؟أم تجذبك الوسائط السمعية والبصرية .. الخ ؟ المكان والزمان ...... أم غير ذلك ؟أم ربما لك منهجية خاصة تخبرنا عنها ؟
– أولا أنا لا أفكر في نقد أي فيلم إلا إذا كان هذا الفيلم مستفزا لي ، بمعنى أنه يحفزني للكتابة عنه و من ثم لا أستطيع التخلي عن تلك الرغبة ، كما أنه ليس كل فيلم لا بد من التعرض له بالنقد ، لأنه هناك العديد من الأفلام التافهة التي يتم تقديمها في الآونة الأخيرة و مثل هذه الأفلام لا تعلي من شأن النقد و بالتالي الناقد السينمائي بقدر ما تؤدي إلى تتفيه ما يكتبه هو الآخر ، و لذلك حينما يستفزني فيلم ما للكتابة عنه أحاول الالتفات أولا إلى تقنياته السينمائية التي قدمها الفيلم و هل أدى ذلك دورا في الفيلم أم أنه جاء مجانيا ، ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة هامة من مراحل الخلق النقدي و هي ما أطلقت عليها أنت إعادة إنتاج المعنى في الفيلم السينمائي ، أي مرحلة الإبداع الموازي للفيلم السينمائي و هذه المرحلة هامة جدا نظرا لأنها تعيد خلق الفيلم السينمائي برؤية أخرى مغايرة تضرب في عمق معناه و من ثم تستخرج مالم يلتفت إليه البعض، و تلك مهمة النقد ، أما بالنسبة لي أنا شخصيا فأنا أشاهد الفيلم السينمائي على ثلاثة مراحل، في المرة الأولى أتعرف على الفيلم ، بمعنى أني أشاهده بعين المتلقي العادي، و في المرة الثانية أحاول النظر إليه من حيث تقنياته السينمائية أي من حيث الإخراج و الديكور و المونتاج و التصوير و ما إلى ذلك ، ثم تأتي المرحلة الأخيرة و التي أحاول فيها الاهتمام باستخراج بواطن الفيلم أي النظرة العميقة له و من ثم الوصول إلى ما قد يخفى على المشاهد العادي من إسقاطات و رموز رغب المخرج في بثها بين ثناياه، و لكن ليس معنى ذلك أن هذا لا بد أن يحدث معي في كل فيلم ، فهناك فيلما قد أشاهده مرة واحدة و أكتب عنه أجمل ما كتبت .
– أريد منك ثلاثة أسماء من نقاد السينما العربية أنت تعترف بهم كنقاد إن كنت تعتبر أن من حقك التقييم .
– اسمحي إعادة توجيه سؤالك بشكل آخر ، و لنتواطئ على أنك رغبت منّي ثلاثة أسماء على المستوي النقدي المصري و ثلاثة أسماء من نقاد السينما العربية ، و لكني إذا كنت سأتخير تلك الأسماء فليس معنى ذلك أني من حقي التقييم على الإطلاق ، بل سيأتي ذلك من منطلق مدى إعجابي بمنهج هذا الناقد أو ذاك، و لذلك أنا أرى أنه على مستوى النقد السينمائي المصري هناك عصام ذكريا و هو ناقد بالفعل له ثقله و احترامه ، كما أحب كتابات وائل عبد الفتاح كثيرا حينما يكتب في السينما؛ فهو عاشق لها و يعرف ما يقوله و مدى مسئولية الكلمة التي تخرج منه، و هناك الناقد الجميل و الصديق خالد عزت ، و إذا كنت قد ذكرت خالد عزت فليس ذلك لأننا أصدقاء فأنا أقرأ له و أحترم كثيرا كتابته قبل صداقتنا بزمن طويل ، هذا على المستوى المحلي المصري ، أما على المستوى العربي فهناك الناقد الجميل قصي صالح درويش و هو من أكثر النقاد العرب احتراما من وجهة نظري الشخصية و إن كان يثير الكثير من الخلافات إلا أني أراها جميلة ، كما أحترم كثيرا الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس و أعده من أجمل من أقرأ لهم ، و الناقد العراقي الهام ليث عبد الكريم الربيعي ، كما لا أستطيع نسيان الناقد السوري صلاح سرميني ، و الناقد البحريني حسن حداد- عفوا فالنقاد العرب أفضل بكثير من الفوضى السائدة في الساحة النقدية المصرية.
– نأتي إلى تجربتك الروائية المفاجئة .. ما علاقتك كناقد سينمائي في الكتابة الروائية ؟ ألا تعتقد نفسك دخيلاً على هذا النوع من الكتابة ؟
– سؤالك شديد الأهمية لأنه يسأل دائما، أولا تجربة رواية "كائن العزلة" لم تكن مفاجئة كما قد يتصور البعض ، فأنا لم أبدأ كناقد سينمائي لأن ذلك كان في مرحلة متأخرة ، أنا بدأت كتابة القصة القصيرة منذ فترة مبكرة جدا و لدي مجموعتين قصصيتين لم تطبعا بعد، ثم بدأت كتابة النقد السينمائي عام 2000 و كان أول مقال سينمائي كتبته عن فيلم الآخر للمخرج يوسف شاهين ، ثم كانت كتابة الرواية في عام 2003 ، إذن فأنا أكتب الإبداع الأدبي قبل الاتجاه إلى الكتابة السينمائية و من ثم تكون كتابتي للرواية طبيعية جدا و منطقية ، و لكن لأني لم أكن أحرص على نشر الإبداع القصصي في الصحف أو المجلات و انصب جل اهتمامي على نشر الدراسات النقدية السينمائية فلقد تصور البعض أني ناقد سينمائي هبط فجأة على عالم الإبداع، و لكن للحق أقول انك إذا ما حاولت تخييري بين الإبداع و النقد السينمائي فبالتأكيد سترجح كفة السينما و لكن ليس معنى ذلك أن الاختيار من الممكن أن يكون سهلا بل هو منتفي على الرغم من ميلي أكثر إلى السينما، و بذلك فأنا لست دخيلا على هذا النوع من الكتابة الأدبية الروائية كما قد يتصور البعض لا سيما و أني انتهيت من روايتي الثانية.
– في روايتك " كائن العزلة " شخصيتان مركزيتان تؤمئ احداهما للأخرى كي تقترب ،وبقدر ما تقتربان تبتعدان، وبقدر هذا التناقض تتجاوران ، تنموان ، تلتحمان بحميمية عالية جسدياً ..ولكن عاطفياً وفكرياً لا تلتقيان مما يضعنا في دائرة الاعتقاد أننا في اطار علاقة ملفقة لم تثمر غير النفاصيل التي حركت باقي القص في الرواية ، هل هناك خديعة ما لجذب القارئ ؟أم انها اضاءة لقراءة الأفكار والحقائق الناس وكشف المستور ؟أم ماذا؟
(مما يضعنا في دائرة الاعتقاد أننا في إطار علاقة ملفقة) عفوا إذا كنت قد استعرت منك قولك هذا ، و لكني رأيته شديد الصدق ليس داخل الرواية و لكن عند سحبه إلى الخارجي و الواقعي الذي نعيشه، بالفعل كائن العزلة كان يريد التعبير عن الكثير من العلاقات الملفقة التي باتت تسود كل ما حولنا ، و لكن بالرغم من ذلك علاقة كائن العزلة بلينا لم تكن ملفقة على الإطلاق ، فهو كان متسقا مع نفسه بكل ما يدور في شخصيته المضطربة من تناقضات ، كما أنها كانت شديدة الاتساق مع ذاتها كأنثى ، أتدرين... رأى البعض أن كائن العزلة ليس في حقيقة الأمر كائن عزلة و أن هذا العنوان خادع ، فهو له أصدقاء و يعمل و يظهر في العديد من الأماكن، و لكني أرى أن هذا الرأي قاصر إلى حد كبير ، لأن الكثير منا يفعل كل ذلك و يخرج و يرى الناس و ما إلى ذلك و على الرغم من هذا يشعر بالكثير من الانفصال و الاغتراب بينه و بين الآخرين بالرغم من كونه يجلس بينهم و يتحدث معهم، و أعود إلى سؤالك ، لم تكن هناك أية خديعة موجهة للقارئ في ذلك ، بل كان الأمر رغبة في كشف أو رصد الكثير من الزيف الذي بتنا نرضاه و نعيشه و كأنه ليس في الامكان أفضل مما كان، سواء كان هذا الزيف أو الفساد سياسي أو ثقافي أو اجتماعي أو فكري، كل هذه الأمور صرنا جميعا نتواطأ على كونها غير موجودة أو نتجاهلها متعمدين لأننا لم نعد نمتلك الشجاعة على مواجهة الذات، فهل كنت قاسيا حينما وضعت يدي على ما نسكت عنه؟ لا بأس و لكن كان لا بد من ذلك.
– انهيار الباطن لدى الراوي _كائن العزلة_الاعتراف بالهزيمة أمام الخارج وما بينهما من تفاصيل وممارسات وتفاهات اجتماعية وسياسية وسلطوية ...الخ وتتصاعد الاحداث لتصور لنا مأساة الواقع في الصميم من مواجهة تاريخ بآخر وألم بآخر سواه
من هو كائن العزلة ؟ وكيف اكتسب مشروعية سيطرته عليك كانسان وكناقد فجأة على الورق؟
– بالنسبة لمن هو كائن العزلة فبالتأكيد ليس هو محمود الغيطاني كما ظن ذلك معظم من قرأ الرواية و تلك نظرة غريبة جدا باتت تسيطر على الناس في تناول الأدب و كأن كل ما يكتبه الراوي اليوم هو ذاته أو كأننا بتنا لا نكتب إلا ذواتنا ، و لكن إذا تحول الأمر بنا إلى عدم كتابة شئ آخر سوى ذواتنا فهذا بالتأكيد لا يدل إلا على مستوى الفقر الإبداعي الذي بتنا نعيش فيه ، و هذا ليس صحيح على الإطلاق ، لأني إذا ما كتبت ذاتي فلقد كتبت تجربتي التي امتلكتها و عشتها و من ثم صرت أجوفا و لم يعد لدي ما أكتبه فيما بعد ، فماذا أكتب و أنا لا أمتلك غير تجربتي؟ كائن العزلة هو أكثر النماذج وضوحا بين أبناء جيلي الذي أنتسب إليه، أنا لم أخلق شخصية من فراغ و لم أرغب أن أكون مستفزا كما ظن البعض ، و لكني عبرت بصدق عن أكبر شريحة من أبناء هذا الجيل المتأزم و الشاعر بالكثير من الاغتراب و عدم القيمة و اللاجدوى و اللامعنى و اللانتماء ، تستطيعي الإتيان بالكثير جدا من المعاني الجميلة و القيم لتضعي أمامها لا و تكون تلك هي أزمة هذا الجيل الذي تحدثت عنه، جيل التيك أواي و العولمة ، جيل أسميه أنا جيلا معلقا في الفراغ كانسان ابن سينا في فلسفته مع الفارق الكبير في التشبيه، و هكذا تلبستني حالة كائن العزلة لأني أعيش بين أبناء هذا الجيل الذين يفجرهم الاستياء مما يدور حولهم و لأني من أبناء هذا الجيل المستاء سيطر عليّ كائن العزلة و رغب منيّ خروجه على الورق، كما أن أشباه كائن العزلة يتواجدون بكثرة عند الكثيرين من الكتاب ، فمن الممكن أن تقرأي رواية سحر أسود للروائي حمدي الجزار، قانون الوراثة لياسر عبد اللطيف، بمناسبة الحياة لياسر عبد الحافظ ، ثلاث حقائب للسفر للروائية منى برنس و غير ذلك الكثير و الكثير مما يكتبه أبناء هذا الجيل لتتأكدي أن هذا الجيل بالفعل مأزوم و يريد أن يقول شيئا خطيرا على الرغم من استفزازيته، إلا أنه يستحق الوقوف المتأمل أمامه لأن كل هذا التناقض وكل هذه المسوخ و كل هذا التغيّب و الانفصال عن الواقع إما بخلق عالم آخر موازي لا وجود له إلا في ذهن صاحبه أو بالتغيّب في ممارسة الجنس الشبقي و الأسطوري أو بالإغراق في الكحوليات أو المخدرات ، كل هذا إنما هو نتاج طبيعي و إفراز غير شيطاني لكل ما يدور حولنا من تهرؤات، منذ فترة قرأت قولا لا أذكر صاحبه الآن- أعتقد أنه الروائي الياباني أوي كنزابورو- يقول "الاستياء يدفع إلى اليأس و الانغماس في الملذات" و هذا الجيل بالفعل مستاء .
– عن رواية كائن العزلة أنا أقول كأنها " سيرة الحياة التي سقطت علينا"* وحالة كشف تفضح وتفكك حقيقة الحياة الانسانية المرّة التي يحياها كل مثقف عربي اليوم ، الصراع الفكري والجدل المستمر في الرواية أنتج أغلب التفاصيل وفي النهاية نكتشف أكذوبة كائن العزلة وانفصامه عن واقعه واكتشفنا أن صوته العالي طيلة الرواية هو في النهاية صوتا أخرسا متماديا بالصمت وكل ما كان وهم ..
برأيك هل هذه الحالة التحليلية هي تنبؤ لمستقبل ونهاية المثقف العربي الذي يمعن في استبطان عالمه وتفحص دواعي حاضره ؟ أم أنها حالة انكار للواقع وتأسيس للحياة بمنظور آخر ؟
– أنا معك في هذا القول الجميل منك ( سيرة الحياة التي سقطت علينا) كم هو معبر و لكنها ليست سيرة حياتي الشخصية ، بالطبع أنا لا أنكر أن الرواية بها بعض من سيرتي التي لا تتعدى 20% من أحداث الرواية و لكنه الجزء البسيط و اليسير الذي يضعه كل فرد فينا في عمله الإبداعي ، و لكني أوافقك أنها سيرة حياة هذا الجيل بأكمله بكل ما يسوده من تهرؤات و تفسخات تدفعه إلى الانفصال التام، و أنا هنا أود الإشارة إلى أمر هام التبس على الكثيرين لست أدري لماذا ، و هو أن لغة الرواية التي رأى البعض أنها غير متناسبة مع الرواية نظرا لأنها من وجهة نظرهم إما متعالية أو كلاسيكية أو قديمة لا توحي بالصدق ، هي من أصدق الأمور داخل كائن العزلة و لم يكن من الممكن اختيار أية لغة أخرى غير هذه اللغة المنفصلة بدورها عن الواقع ، إذن فهي أصدق ما يمكن استخدامه داخل كائن العزلة لأنها منفصلة و تابعة بالضرورة لصاحبها كائن العزلة الشديد الانفصال عن واقعه، و لنعود إلى سؤالك (هل هي تنبؤ لمستقبل و نهاية المثقف العربي؟) أظن أن الأمور الحالية بكل ما فيها من عفن و خراب إذا ما ظلت على ما هي عليه فالمحصلة النهائية لكل ما يدور حولنا الآن هو الموت الحتمي للمثقف العربي الذي هو بالفعل شديد التداعي و الزيف و الفساد ، إلا أن ما يحدث الآن على جميع الأصعدة تقريبا هو القشة التي ستقصم ظهر البعير، و لكن لنكن أكثر تفاؤلا بعض الشئ ، كائن العزلة هي بالفعل رواية تنكر كل ما يدور حولنا من صخب لا معنى له سوى الخواء ، انه يريد القول و الصراخ العبثي "إذا لم يتم الانتباه إلى كل هذا العبث فالمحصلة النهائية أن نتحول جميعا إلى كائن عزلة شديد المسخ مما رأيناه في هذه الرواية.
– إيقاع النص الداخلي للرواية من منظور شمولي لا يخرج عن مدركات الواقع الحالية والتاريخية ، بمعنى آخر هو قراءة اسقاطية لواقع عربي يثير أسئلة تستدعي اجابات باعتقادك ألم يسقط ذلك الرواية في فخ التنظير واستعراض المعلومات ؟
– لا أعتقد أن الحديث عن الواقع و ما يدور فيه مما نراه يوميا و نعيشه بصدق قد أوقع الرواية في فخ التنظير و استعراض المعلومات بقدر ما أعطاها الكثير من المصداقية و الواقعية التي تفضح كل هذا الزيف و اللامعنى الذي نعيشه اليوم، كما أن هذا الجيل لم يعد يمتلك للأسف أية قدرة على الفعل و من ثم المشاركة ايجابيا فيما يحدث حوله، أتدرين ماذا بقى لهذا الجيل كي يفعله؟ الكلام، مجرد الكلام فقط ، فهو يقف موقف المتفرج المصاب بحالة قاسية من العزلة و اللامبالاة مما يحدث حوله و من ثم يبدأ في الثرثرة و الكلام الذي يدرك جيدا أنه لا فائدة مرجوة منه إلا مجرد التنفيس عن ذاته بدلا من خلق عوالم أخرى متوهمة، و هذا ما رأيناه في كائن العزلة، كذلك فان الواقع العربي على المستوى السياسي و الاجتماعي و الثقافي شديد التداعي مما يجعلني أتساءل هل نحن فقط الذين نرى هذا التداعي أم أن الحكام العرب أيضا يرونه و لكنهم يرغبوننا نحيا داخل أوهامهم المعسولة بأن كل شئ على ما يرام؟ و لكن للأسف مثل هذه الأوهام التي يصدرونها لنا تصنع منا في نهاية الأمر مسوخا، أنا لا أنكر أنه كان في الامكان الاستعانة بالكثير من الوقائع التاريخية الدالة على مثل هذا التداعي الذي نحيا فيه ، و لكن ما الداعي إلى ذلك إذا كان ما نحياه خير معبر؟
– وإذا ما انتبهنا الى محاولتك سحب القارئ زمانياً الى مرحلة تاريخية مضت بأمكنتها وشخوصها .. أهي حالة نكوص أم امعانا في الألم والانكار للواقع ؟
هما الحالتان معا يا منال... هي حالة نكوصية و حنين شغوف "نوستالوجيا" إلى الماضي الذي نراه أفضل بكثير مما يحدث الآن على الأقل من الناحية الجمالية التي كان يبتغيها كائن العزلة المهووس بالجمال و الشكل المعماري لوسط البلد و لذلك هناك فصلا كاملا و ليس هينا داخل الرواية بعنوان "توق" يذهب فيه كائن العزلة إلى قاهرة الأربعينيات و السبعينيات و التسعينيات بلا أي ترتيب أو رابط منه و لعلي تعمدت عدم الترتيب الزمني هنا لأن هذا ما يتناسب تماما مع حالة كائن العزلة الهذيانية المنفصلة، و لأني إذا ما حاولت ترتيب الزمن داخل هذا الفصل لوقعت في عدم مصداقية أزمته التي يعيشها مع سيكولوجيته المهتزة الهذيانية، كما أن هذه الحالة في ذات الوقت إمعانا في الألم و الإنكار للواقع و لكن هذا الإمعان لم يكن برغبة خاصة منّي بقدر ما كانت الرغبة الأولى و الأخيرة عائدة إلى كائن العزلة ذاته و الذي أصابته أزمته بحالة مازوخية يستمرئ فيها جلد الذات بمثل هذا الشكل القاسي ، كما أنه بالفعل كان يحاول إنكار كل هذا الواقع و كل هذا الزيف الذي يحياه.
– المرأة في رواية كائن العزلة .. هل هي المرأة العربية التي يجب أن تكون ؟ أليست بطلة الرواية لينا مبالغة في سلوكها واعتقاداتها اذا ما انتبهنا للجانب التنظيري للرواية ؟ وما نظرتك أنت كروائي عربي للمرأة العربية ولواقعها باعتبار واقعها مادة خصبة جدا للكتابة ؟
– هذا السؤال في اعتقادي أجمل ما في أسئلتك ، المرأة في كائن العزلة كانت أهم عناصرها ، بل كان هناك إمكانية بالفعل إلى إطلاق اسم لينا على كائن العزلة بدلا من هذا العنوان، إنها بالفعل النظرة التي أبتغيها أنا في المرأة العربية ، إنها المرأة المثال التي تكاد تكون غير موجودة على الإطلاق سوى في الخيال ، المرأة المبتغاة بكل أنوثتها و جمالها و رونقها و شموخها و رقيها الذي ظهر في لينا ، و لكن لا بد من طرح سؤال هام هنا .... هل مثل هذه المرأة المثال موجودة بالفعل في عالمنا العربي؟ بالتأكيد النظرة المتأملة حولنا تؤكد لنا للأسف عدم تواجد مثل هذه المرأة التي إن وجدت لقدستها ، ربما لنضجها و ثقافتها و جمالها و اكتمالها ، إنها الأنثى و فقط، بكل ما يمكن أن تحيلك لفظة أنثى من جمال و معاني راقية، أعتقد أن المرأة العربية قد آن لها أن تكون مثل لينا، أما عن الشق الثاني من سؤالك الخاص بمبالغة لينا في سلوكها و اعتقادها ، فأنا أرى أنك أنت فقط التي ترين ذلك و لكن بشكل ظاهري نظرا للسياق الاجتماعي العربي الخانق الذي يقيد المرأة و الذي ينشأها من خلال مجتمع ذكوري وقح لا يرى فيها سوى متاعا ، و لكني واثق تمام الثقة أنك معجبة تماما بسلوك لينا و أن أية أنثى أخرى تتمنى أن تكون لينا و لكنها لا تستطيع ذلك نظرا للجهامة و العرف الاجتماعي القاسي ، لينا كانت شديدة الاتساق مع ذاتها و ثقافتها الفرنسية التي هي ابنة لها ، امرأة تمتلك إرادتها و تعرف ما ترغبه تماما حتى أنها ترفض أن يتعامل معها الرجل – أيا كان و مهما كانت درجة حبها له- كمجرد أنثى فقط مهمتها الوحيدة هي إرضاؤه جنسيا ، بل تريد منه الاحترام و التعامل معها ككل متكامل ، فهي أنثى و صديقة و مثقفة و ذات لها اعتبار و لقد رأيت في الرواية أنها بمجرد ما شعرت أن كائن العزلة لا يتعامل معها سوى باعتبارها موضوعا جنسيا إلا و تركته مباشرة في قرار شديد الجرأة تحسد عليه و لم تكن نادمة على أي شئ، أما عن نظرتي للمرأة العربية فأنا أرى أنها ترغب كثيرا في التحرر مما هي فيه من هوان اجتماعي و مجتمع سلطوي ذكوري إلا أنها تتحدث فقط و تثير الكثير من الثرثرة و اللغط دون الفعل ، حتى لكأن الأمر توقف بها عند مرحلة الكلام كما كان يفعل كائن العزلة، أما أن تكون امرأة بالفعل كما ينبغي لها أن تكون فهذا للأسف غير متحقق حتى الآن ، ربما لأن المجتمع ما زال يعزلها من خلال نظرته الذكورية المسيطرة حتى من قبل المثقفين أنفسهم الذين يدعون التقدمية و لكنهم لا يتعاملون مع المرأة إلا باعتبارها موضوعا جنسيا ، أو كائنا جميلا سوف يقضي معه وقتا جميلا و ليس هناك أهمية بعد ذلك لثقافتها أو أي شئ آخر و لعل السبب في ذلك يعود إلى أمرين و هما أن المثقف العربي يتمتع للأسف بشيزوفرانيا منقطعة النظير يحسد عليها ، و الأمر الآخر أن المرأة العربية التي نشأت وسط كل هذا القسر و التخلف تساعد الرجل في ذلك، للأسف المرأة العربية لم تتحول إلى امرأة حقيقية بعد.
سيرة الحياة التي سقطت علينا من أقوال الكاتب والمخرج المسرحي العراقي هادي المهدي