السبت ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم محمد فرج البدري

بكائية للوطن البعيد

عِمْ مساءً أيها الوطنُ البعيدُ
أنا مُذْ هجرْتُكَ مرغماً ..
والوجدُ يمضُغني بمنفايَ العتيدِ
يحدو الغيابُ مرَاكبي
وشراعُ وحدتيَ المسافرُ للمدىْ
لفظتْ موانئُه السفائن للردىْ
ما مِن جديدٍ
أدمنتُ في منفايَ صمتَ موائدي
ما من أنيسٍ باسمٍ..نتقاسمُ الخبزَ المقددَ بيننا
أو طفلةٍ تلهو بقرقعةِ الملاعقِ في الثريدِ
أدمنتُ في منفايَ طعمَ جرائدي ..
ومرارَ حنظلها المسافرِ بالوريدِ
ما من جديدٍ عن بلادي؟
أليسَ مِن خبرٍ سعيد ؟
ما جاوبتنى غيرَ ليلكةً تنامتْ في فراشِ قصائدي
قالتْ :أقص عليكَ من نبأِ البلادِ قصيدةَ الوجعِ المديدِ..
"النيلُ يظمأُ في بلادِك للرحيلِ
شاختْ صبايا الحيِ فانقطعَ السبيلُ
كلُ الذينَ تحبُهم ركبوا السفائنَ للخليجِ
يغزو سوادُ النَّفطُ بيضَ قلوبِهمْ ..
شاهتْ ملامحُ عشْقِهمْ للأرضِ ..تَبدَلوا..
ياألفَ سحقٍ للبديل
حتى النخيلِ ..
ما عادَ يفرشُ ظلَّهُ للعابرين ..
ما عادَ تطرقُهُ الفلولُ العائداتُ من الحمائمِ للأصيلِ..
ظمئتْ جريداتُ التعالي للحنينِ ..فطأطأتْ سعفاً وساق..
والنيلُ يظمأُ للعناق
يرتدُ صدياناً لتحنانِ الأحبةِ في اشتياقٍ .
فما الغريبُ إذا ما ماتَ صديانَ النخيلُ
زمزِمْ جِراحَكَ في الفؤادِ ولا تَنُحْ ..
كنواحِ قبّرةِ السواقي الساكناتِ هناكَ من أمدٍ طويلٍ..
ما مِن سبيلٍ للرجوعِ إلى البلاد ..
قد خانَكَ الخِلاَّن عن عمدٍ..
وضيَّعكَ الدليلُ."
...........
عِمْ صباحاً أيها الوطنُ المخضَّبُ بالعذابِ
أنا مُذْ هجرتك للشمالِ تعهدتنى يدُ العِقابِ
طاردتُّ لقمةَ عيشِيَ الممرورِ ..طاردَنِي الغيابُ
وتركتُ كرميَ في الجنوبِ يلوُكهُ سِربُ الجرادِ..
والحُصرماتُ البكرُ في ألمٍ يُضَاجِعُها الذبابُ.
في غابةِ الأسمنتِ قيدتُ الرواحل .. وانحنيتُ
أفتشُ في سوادِ القارِ عن أصحابٍ ..
صعقتني أبواقُ الشوارعِ ..
لكزتني شاراتُ المرورِ ..
شرَّدني الغيابُ..
ونيونُ أحمرِها المخنَّثُ ضاحكاً :
" يا لسذاجة القرويِ في ضجرِ الشوارعِ يبحثُ عن صحابٍ"
وشريطُ أخبارِ المدينةِ في رتابتهِ المملةِ شامتاً :
"يا ضيعةَ الأحبابِ .. يا ضيعةَ الأحبابِ"..
أماهُ يا ضِرعَ الحنينِ الحُلوِ ..
تأكلنُي المدائنُ في سُعارٍ..
ما زلتُ أبحثُ عن سماركِ في الوجوهِ الآتياتِ من الديارِ.
ما يعتريني سوي الدُوار .
فأعودُ للمَنْفى أقلبُ في رمادِ قصائدي
وأزيلُ طحلبَ غربتي ..
عن وجهكِ الموشومِ بالحِنَّاء في قلبِ الجِدار.
أنا ما اشتهيتُ سوى ابتسامُك في المساءِ ..
وحنينُ كفِّك تحتَ أرديةِ الشتاءِ .
أماهُ جفَّفنِي الخريفُ بغربتي ..
وثُغاءُ طفلُ الجارِ أجَّجَ وَحدتِي ..
يجتاحُني همسُ الأحبةِ في الجوار.
كيفَ الفرارُ؟..
وأنا المقيدُ في مدارِ الخبزِ.. يأسرُني المدارُ.
صُبِّي مراراتِ انتظارِك في كؤوس الانتظار..
الموتُ في منفايَ أقربُ من رجوعي المُرِّ في ثوبِ انكسارٍ.
دهستني عجلاتُ المدائنِ كي أعيشَ ..
والجوعُ في منفايَ يا أماهُ تذكرةُ القطارِ.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى