السبت ١٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٨
بقلم فاروق مواسي

بيت لامرئ القيس

البيت هو من وصف حصانه في معلقة امرئ القيس:

له أيطَـلا ظبيٍ وساقا نعامة
وإرخاءُ سِرحانٍ وتقريبُ تتَـْفُلِ

والمعنى في "أيطلا ظبي" أي أن كِشحيه ككشحي الغزال (أي خاصرتيه)، فهما ضامران، وهكذا كشحا الحصان.

وشبه ساقيه بساقي النعامة، والنعامة قصيرة الساقين صُلبتهما، ويستحب من الفرس قصر الساق لأنه أشد لرميها بفخذها، ويستحب منه مع قصر الساق طول فخذ الرِّجْل وطولِ الذراع، لأنه أشد لدحوه أي لرميه به.

أما الإرخاء فهو جري ليس بالشديد، والسرحان أي الذئب- هكذا جريه.
والتقريب أن يرفع يديه معًا ويضعهما معًا- يجمع يديه ويثب. والتتفل ولد الثعلب، وقد أراد الثعلب، وهكذا هو يتحرك.

عندما درّست النص لطلاب الشعر القديم في الكلية عجب طالب من هذا الوصف، فقال:

لقد غمط الشاعر الحصان ولم يصفه بما يجب، فأي حصان هذا بهذه الصفات المجتمعة:
له أيطلا الغزال، وله ساقا النعامة ويجري كالذئب ويتحرك كالثعلب الصغير؟

خفي على الطالب أن امرأ القيس يصف التشبيهات من واقعه ومن بيئته، فهو يشبه تشبيهات بلاغية حذف منها وجه الشبه، وحذف أداة التشبيه، وقد كان المشبه به هو الأقوى لدى العرب.
..
أضاف الشاعر المشبه إلى المشبه به، فشبه خاصرتي فرسه بخاصرتي الفرس في الضمور، وساقيه بساقي النعامة في الانتصاب والطول والصلابة، وعدْوه بإرخاء الذئب، وتقريبه – وضع الرجلين موضع اليدين في العدو – بتقريب االثعلب، فجمع أربعة تشبيهات في بيت واحد.

لاقى البيت استحسان النقاد القدامى.

يقول أبو هلال العسكري:

"قد يكون التشبيه بغير أداة التشبيه، كقول امرئ القيس- له أيطَلا ظبي ....إلخ،"

ثم قال:

"هذا إذا لم يحمل على التشبيه فسد الكلام، لأنّ الفرس لا يكون له أيطلا ظبي ولا ساقا نعامة ولا غيره مما ذكره، وإنما المعنى له أيطلان كأيطلي ظبيٍ وساقان كساقَي نعامة. وهذا من بديع التشبيه، لأنه شبّه أربعة أشياء بأربعة أشياء في بيت واحد".

(العسكري: كتاب الصناعتين، ص 249- موضوع – "وجوه التشبيه"؛

قدامة بن جعفر: نقد الشعر، ص 126- 127 موضوع "نعت التشبيه").

ويقول خلَف الأحمر: لم أر أجمع من بيت امرئ القيس.(يقصد أجمع للتشبيهات، انظر-الجاحظ: البيان والتبيين، ج4، ص 53، الجاحظ: الحيوان، ج 3، ص 52- 53).

وقال ابن قتيبة:

”ومما انفرد به ... وقد تبعه الناس في هذا الوصف وأخذوه، ولم يجتمع لهم ما اجتمع له في بيت واحد”.

(ابن قتيبة: الشعر والشعراء، ج1، ص 134)

ويقول الباقلاني عن هذه التشبيهات:

"أن الشاعر جاء بها وأحسن فيها" (إعجاز القرآن، ص 112)

يبدو أن وصف الحصان في هذا البيت كان مألوفًا ودقيقًا في التاريخ الأدبي، فعندما وصف أبو علي القالي الفرسَ وكيف يُستحب أن يكون، قال وكأنه يستذكر بيت امرئ القيس، أو كأن حصانه/ فرسه هو المقياس:

"ومما يستحب من الفرس قصر عَضُديه ونَجَل مقلتيه (أي سَعة شق العين مع حَسن) ولُحوقُ أياطله"- (أي ضمور خاصرتيه، القالي: الأمالي، ج2، ص 248).

الشعر ابن بيئته، وامرؤ القيس عندما وصف الفرس جمع التشبيهات، وقد أعاد صدر البيت في بيت آخر من قصيدة أخرى، فقال:

له أيطلا ظبي وساقا نعامة
وصَهوةٌ عَيرِ قائم فوق مَرْقَبِ

ففي العجز شبه ظهر الفرس بظهر العَير- الحمار الوحشي في اعتداله واستوائه، وجعله قائمًا، لأنه إذا قام تمدد واستوى، وإذا عدا اضطرب. وقد جعل العَير في مرقب- مكان عال، لأن ذلك يبين تمام خلقه وحسن منظره.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى