بين سوء الفهم أو التعبير
الإختلاف بين الناس طبيعي وعادي. فكما كل واحد منا له بصمته الخاصة وصوته وملامحه وغيرها من خواصه، كذلك رأيه ووجهة نظره. ومما قرأت أن ابن القيم يقول (وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه). يقول الحافظ بن رجب: (ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين وكثر تفرقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم وكل منهم يظن أنه يبغض لله وقد يكون في نفس الأمر معذوراً وقد لا يكون معذوراً بل يكون متبعاً لهواه مقصراً في البحث عن معرفة ما يبغض فإن كثيراً كذلك إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق وهذا الظن قد يخطئ ويصيب وقد يكون الحامل على الميل إليه مجرد الهوى والألفة أو العادة وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله فالواجب على المسلم أن ينصح لنفسه ويتحرز في هذا غاية التحرز وما أشكل منه فلا يدخل نفسه فيه خشية أن يقع فيما نهى عنه من البغض المحرم). قال الإمام مالك للخليفة العباسي حينما أرد حمل الناس على الموطأ وهو كتاب مالك وخلاصة اختياره في الحديث والفقه (لا تفعل يا أمير المؤمنين) معتبراً أن لكل قطر علماءه وآراءه الفقهية فرجع الخليفة عن موقفه بسبب هذا الموقف الرفيع من مالك في احترام رأي المخالف وإفساح المجال له). وللكتاب المعاصرين الكثير عن أدب الإختلاف.
وسوء الفهم أو التعبير أو الخطأ المطبعي وارد وهو إن لم يُحسن الظن مشكل. وسأضرب أمثلة من واقع تجربتي. خذ مثلا الأخطاء المطبعية وكلنا نقع فيها. فبدلا من الجنوب تكتب الحنوب وبدلا من فرد تصبح قرد. مثل آخر، مرة من المرات أرسلت رسالة لكن الكمبيوتر لم يرسلها لأن هناك مشكلة فى الإرسال، حاولت إرسالها عدة مرات. بعد ذلك تركتها. بعد حين ومن حسن الحظ أن المرسل إليه أرسل لى يقول لماذا ترسل نفس الرسالة عدة مرات فشرحت له الوضع، يبدوا أن البرنامج أرسلها لاحقا ولم أنتبه لذلك. مثلا آخر، بعض الكلمات العربية تتلخبط من الشمال الى اليمين ومن اليمين الى الشمال فجنوب إفريقيا تصبح إفريقيا جنوب، وحسين بن على تصبح على بن حسين أو على حسين بن. وفى مقالتي عن الكلام والكتابة بين اللغة والثقافة ظن البعض أنني أقصد شخصا بعينه. ليس ذلك صحيحا ما قصدته هو من كلمة همجي ليس والله شخصا بعينه بل المقصود هو من الضرب بالحذاء وكلمة السوء صفة مستمرة فيه وفى تلك المقالة ذكرت صفة مستمرة أى من يفعل ذلك دائما، وليس شخصا معينا.
ومن روائع الشافعي قوله (ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة وقال: ما ناظرت أحداً إلا قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه فإن كان الحق معي اتبعني وإذا كان الحق معه اتبعته). الخلاصة كلنا بشر نصيب ونخطئ، والإستيضاح والتعقيب والإستفسار وعدم الإستعجال يزيل ما قد يُتوهم من سوء فهم أو تعبير أو أخطاء إملائية أو كمبيوترية.