تاريخك ظلك
يتبعك التاريخ كظلك، فلا تستطيع أن تبتره من حاضرك، ولا أن تمنعه من اللحاق بك إلى مستقبلك، والإنسان أولا ابن أبيه وأمه يربيانه ويؤدبانه، ويصير بعد ذلك متأدبا وفق أقرانه الذين يصاحبهم كما تؤدبه أحداث حياته وتفاعلاته مع المجتمع وأفراده وعناصره المختلفة، ويصير على ضوء ذلك ما هو عليه شخصا مميزا بمواصفاته.
وعلى ذلك فإن الإنسان كائن حي يتبدل ويتغير بتغير الزمان والمكان وبتأثير مما يعايش وممن يعايش.
إن عمر الإنسان على هذا الأساس ليس ثلاثون عاما أو أكثر أو أقل قضاها منذ صرخة ميلاده الأولى، ولكن يقدر عمره بثراء تجربته في الحياة وتعمقه في تفاصيلها ألما وسرورا وحبورا وكآبة، وبقدر تعلمه من حياة المجربين ممن حوله من أفواههم مباشرة أو مما يكتبون ويسجلون في صفحات التاريخ والعصر الذي يعيشه، وبقدر تعامله مع الآخرين من هنا وهناك في أزمنة مختلفة وأمكنة متباينة جغرافيا وديموغرافيا وثقافيا.
وإذا كان الإنسان يعيش لنفسه فلن يغادر قول القائل: " ما عاش حقا من عاش لنفسه"، لأنك بكل تأكيد لن تفارق مكانك رغم انتقالك ولا زمانك رغم سنة الله في حركة الزمان في هذا الكون الذي خلقه فقدره تقديرا.
سوف يستمر التاريخ في تعقبك كظلك حتى آخر لحظة في حياتك فكما لا تستطيع أن تسلخ جلدك عن جسدك لا تستطيع أن تسلخ تاريخك عن واقعك ومستقبلك، وفي هذه الحالة ووفقا لهذه المعادلة ينبغي أن تقف عندما تهم بعمل شيء في لحظتك هذه التي تعيشها فتصنع لنفسك ذاكرة جميلة وواقعا حسنا وأحرص على أن تبذر في أرض واقعك بذرة تنبت لك الخير في غدك.
لا تقل ما كان كان وأنه لن يعود، لحقيقة واضحة وهي أن ما كان لا زال متعلقا بك كعضو من جسدك، غير أنه من الأجدى أن تفكر في أن تجعله لبنة في صرح أو خطوة صعبة في طريق، وربما لفحة شمس حارقة أصابتك يوم أن خرجت عن ظل دربك ونهجك.
نشاهد نجوما تلمع في السماء في ليلة صافية وما يلمع في حقيقة الأمر لا يعدو صورا لنجوم ربما تكون احترقت وانتهت لكن ضياءها وصلنا بعد فترة من زمان، كذلك أشخاص التاريخ وأحداثه ربما يكونون قد غابوا لكنهم لا زالوا بيننا مجسدين في واقع نعيشه لهم اثر كبير في تشكيله، ومستقبل يرتكز على التاريخ والواقع قد نتمناه وقد لا نتمناه.