الأربعاء ٣٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم عبد السلام محمود الحايك

جدارية الحرب على غزة

(1)
المدينة تصحو على موتها فجأة
وابل الموت تقذفه فوهات براكين جلادها
من عنان السماء
ومن مطلع الأرض
تسقط أحمالها فوق صدر المدينة
تنثر أشلاءنا فوق كل مكان
ويبدأ فصل البكاء
على الشهداء.
المدينة تبحث عن طفلها
قد غدا رجلاً
ضرب الأرض في قوة وتحدى الغزاةْ.
أرسلته البراكين للموت
في حفلة القصف وهو يردد
- " الله اكبر"
مهما تمادى الطغاة.
 
(2)
 
سوف أكتب غزة بالطلقات
بلون السماء التي أشعلتها القنابل ساعة موتٍ
بصرخات أم تفتش عن طفلها في الركام
سأكتب غزة أغنية اللازورد المعلق تحت السماء
وتحت غيوم الدخانْ.
لم يكن من ملاذ لنا تحت قصف المدافع
والطائرات
سوى سورة الرفض
- لا لن نغادر
لو دمرونا
ولا لن نغادر
لو قطعونا
ولن ننحني للطغاة.
لم يكن من ملاذ لأطفالنا
غير أن يكبروا فجاة
أن يعيدوا صياغة أحلامهم وفق ما تقتضي لغة الحرب
قصف وقتل ودم يغالب قاتله
وصمود تطاول حتى المماتْ.
أن تداعب أحلامهم ذكريات غدت كالبعيدة
حين يفوزون بالنوم
في غفلة الطائراتْ.
أن تبدل ألعابهم لتحاكي الأماني
حرب يفوزون فيها
وتفنى جيوش الغزاةْ.
 
(3)
 
القنابل تدهمنا دون صوت
ولكنها
تنشر الموت
تشعل فينا الحرائقْ.
اليدان تشعان بالنار
وجه القتيل تفتته النار
جسم الشهيد
بقية قنبلة تتشظي
وتومض مثل فتيل
يبشر بالإنفجارْ.
والحرائق بيضاء مثل غيوم بخار
تغلف وجه السماء الحزين
تَخبّأ فيها الأذى والدمارْ.
 
(4)
 
الصغيرة كانت تنام
ذراع أبيها مخدتها
كيف تغفو وقد رحلت بالذراع القذيفة
- نامي بنية روحي
على صدر أمك هذا المساء
- وكيف أنام
وأمي التي سقطت بالرصاصة لا تتنفس
تغفو الصغيرة في حزنها
فوق فخذ أبيها
وتأتي القذيفة
تأخذ غفوتها في غبار انفجار جديد
ويختلط المشهد الأبوي
بالجدار المدمر
قطعة لحم هنا..... وهناك
حجرْ.
 
(5)
 
الصغيرة تبحث عن لعبة وسط كوم الخرائب
نصف ذراع بدا تحت برميل ماء تدحرج
حتى رأت أختها
نصف باسمة
نصف باكية
نصف موجودة في الركام
وغائبة في الفناء
على وجهها المتشظي غبار الأسى والسخام
ودم تيبسْ.
الصغيرة راحت تفتش وسط الثرى
عن بقيتها
ربما لو تلم يديها إلى صدرها ستعود لها أختها
ربما لو تكلمها سترد وتهمس
صه
أسكتي سوف يسمعك الجند
لا تنطقي...
ألصغيرة تبحث عن أختها في الخراب المدنسْ.
 
(6)
 
الشهيد الذي زُيِنتْ يده للزفاف
- اشترى الخاتمين
وأقبل يملؤه الوعد أن يلتقي في المساء
حبيبته -
لم يعد في المساء
ليلقى الصبيةْ.
الحبيب المعلق بالوعد
خبّأ في صدره خاتميه
وكفاً تلاشت ملامحها
وشظيّةْ.
الحبيب الشهيد القتيل
مضى فجأة
دون أي تحيةْ.
 
(7)
 
الشهيد الذي سكن الأرض
إصبعه دفنت مع أخيه الشهيد
الذي دفنت يده
مع أخيه الشهيد
الذي مزقته القذيفة
فانتشرت في المقابر جثته
بين ألف شهيدْ.
 
(8)
 
المعارك في التل
جيش الحديد يفتش عن وهم ظل ليثقبه بالرصاص
يفتش عن نبتة
حفرة
أو جدار
ليهدمه ويمر إلى حيث لا يستطيع التقدم
أسوارُ غزة
- ليس لغزة سور ولكنه الخوف يملأ أرواحهم بالخواء-
ففي ليلها يكمن الموت للقادمين الغزاة
لجيش الحديد المدجج بالكبرياء الغبية
والتوق للقتل دون انتظار
لأسوار غزة
- ليس لغزة سور ولكنه الوهم يملأ أرواحهم-
لم يروا حجراً واقفا
لكن الرعب يملؤهم
من غموض البعيد القريب المحصن بالموت
أسوارُ غزة
كانت هناك تطل وتعلو
تحاصر جيش الحديد وتدفعه للوراء
هناك
هناك وراء البيوت
وتحت الشوارع
كل صغير سلاح
وكل ذراع قذيفةْ.
الحديد المدجج بالجيش لا يستطيع العبور
الحديد المدجج بالجيش يخشى اقتراب اللقاء
ويرجع ثانية للوراء
 
(9)
المقاتل يحمل رشاشه في سديم التلال
هناك يكون
وليس هناك
المقاتل في جبة الأرض يكمن
تحضنه الأرض
تمنحه سرها في سكون التماهي
- أنا منك أحيا
ومني تكون
المقاتل يختار لحظته
- لن يمروا ببيارة البرتقال الحزينة
إلا هنيهةَ
لحظة موت
وتأخذهم للفناء القذائف
لن يعبروا لتخوم المدينة
لن يعبروا
فوق هذا التراب المقدسْ.
 
(10)
 
- لن تؤبنني يا أبي
حينما تقصف الطائرات المكان وتأخذني
قال طفلي.
- لن توبخني إن تركتك
فالأمنيات الجميلة صارت جراحي
ولا درب لي غير موتي لأنجو بروحي
وأدركَ قصدي
- هل نبدل أدوارنا
فتوسدني في التراب
وتمنحني قبلة للوداع وتتركني
إن تركتك
تقلع شوكك وحدك.
لن تعيد عليَّ السؤال
- أيدفنني في التراب صغيري
كما ينبغي أن تسير الحياة
أم الموت يسبقني
في حياتي إليه ؟
أأذرف دمعي على قبره
ويغيب عن الجمع حين أوسد قبري.
 
(11)
 
لم يعد في قراب الأسى نبلة
ألف موت يمرون فوق ترابي
ولست أموت
الأسى يملأ الأرض
والكائنات جميعاً تئن
فمليون طن من الموت
تفرغها الطائرات الغريبة
فوق بلاديَ
لا لم يعد في قراب الأسى طلقة
كي أفجر صمتي
وأعلن للعالمين اعتزال السكوت
وعزم التحدي
سأغتال ضعفي
ولن أنحني لازدراء الغزاة لشعبي
لم يعد في قراب الأسى كلمة
إن أساوم على جرح شعبي
فلسطين فجري
فلسطين صبحي وظهري
فلسطين جرحي وطهري
فلسطين عيشي وموتي
فلسطين قصري و قبري
فلسطين مجدي وقهري
فلسطين أمنيتي
لن أفارقها في العراء
مجللة بالدماء
وأختار وهم الفناء
ففي داخلي انفجرت للحياة عيون
تدافع عن حقها في البقاء
وتخرج روحي من اليأس
هل أستطيع التحدي
وهل
أستطيع
التحدي؟
 
(12)
 
الشقيق الذي لي
قليل الرجولة
مهترئ العقل
مستسلم للضغينة
يلهو بجرحي ويقتلني
حين آتي إليه بجرحي
الشقيق الذي لي
غدا بطلاً في الكلام
وصرت أنا قصة الجلسات الطويلة
للبحث عن مخرج من مسار الدخان
الشقيق الذي لي يطالبني بالرحيل
ويصرخ بي
أن أسلمه جثتي كي يؤبنني
ويؤدي التحية في مهرجان السلامْ.
شقيقي المسالم يغتالني كل يوم بخبرته في اختيار الطريق
إلى وطن الأنبياء
ويقحمني في رؤاه العنيدةْ.
- سأكمل هذا المسار
فمن حق قاتلكم أن يحاسبكم
إن خرقتم معاهدة الذل
من حق قاتلكم أن يعذبكم
بالحصار المؤبد
من حقه
أن أقاتل في صفه
كي يدوم الحصارْ.
 
(13)
 
- أحبكِ
لكن أحب عدوكِ أكثرْ.
فإن علقوك على باب قلعتهم
سوف أبكيك حتى تجف دموعي
وأمنح خصمك حبلاً ليربط كفيك
أسنده كي يعريك أكثر
أرفع جسمك بالحبل
كي يتدلى ويظهرْ.
- أحبك
لكن أحب عدوك أكثرْ.
فلا تخرجي للقتال إذا قاتلوك
ولا تدفعي الموت عنك إذا قتلوك
ولا تصرخي
فيكدر صوتك أسماع من غدروك
وموتي كما ترغبين وأكثرْ.
 
(14)
 
لن أغامر بالإنكسار
وإن أعلن الكل أني انكسرت
-كما يشتهون-
وإن شربوا نخب موتي
وإن رقصوا فوق جدثي
وإن قدموا للشماتة وجه النصيحة
- "أثقلت كاهل شعب ضعيف"
بحمل التحدي
لن أغامر في لحظة بانتظار النهار
من الراقصين على جسد الوطن المستباح
لن أغامر باليأس
فاليأس في زمني ليس لي منه شيء
ولا ذرة من غبارْ.
 
(15)
 
لست آخر قلعة عز لنا
يا بساتين غزة
بل أنت خندقنا اليوم في وجه غائلة التيه
لا تفقدي البوصلةْ.
لست آخر قلعة عز لنا
فالقلاع ستولد من رحم هذي البداية
يا درة البحر
ما قيدوك لأنك خائنة
بل لأنك عنوان عزةْ.
(16)
 
القتيلة غزة
من نزفت في جحيم المعارك
كي يزهر البرتقال بيافا
ستخرج من موتها وتقاتل.
الحزينة غزة من مزقتها الصواريخ
حتى غدا لحمها حجراً
لن تقاتل من أجل وهم السلام المدنس
بل لتراب الجليل المقدس
سوف تقاتلْ.
الضعيفة غزة لن تقبل الوهم
من أجل عيني ضعيف تدنس بالذل
بل ستقاتل.
الشهيدة غزة
لن تنتهي للتراب فمنه ستحيا
وتبعث سر الصمود المخبأ في دمها
وتقاتل.
 
(17)
 
الصغيرات يحملن أقلامهن
ويمشين عبر الطريق المدمر للمدرسةْ.
الصغيرات يبحثن عن بابها
لا يجدن سوى ما تبقى
سقوف تعانقها الأرض
أعمدة لم تعد أعمدةْ.
الصغيرات يبحثن عن فسحة في الركام
ويجلسن
تأتي معلمة الصف
كي يبدأ الدرس
درس الحياة الجديدة بعد الخرابْ.

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى