جواز سفر
أسلمتْ شعرها و هي في حالة استرخاء تامّ، كان مجفّف الشعر يحدث ضجيجا و كأنّه يحفر في دهاليز ذاكرتها.تستحضر ملامحه الرجولية الجذّابة، بأنفه الشامخ و لونه القمحي و نظراته المشعّة بالذكاء. سواد عينيه كان نقطة التحوّل في حياتها، مثلما حوّلت لون شعرها من الكستنائي إلى الأسود ليصير وجهها مغريا أكثر، ليزداد لمعان عينيها و تتورّد وجنتاها أكثر، أليست العيون السوداء رمز الحالمين الأسخياء الكرماء. تمسّكت فقط بلون عينيها البنّيتين و رفضت وضع العدسات اللاصقة، فالعينان البنّيتان ترمزان إلى الحنان و العطف و هي تريد أن تغمره بكلّ الحنان الذي تملك.
منذ شهور التقت به كان يحمل حقيبة سفره و كانت هي تحمل هموم الدنيا كلّها على كتفيها، وقفت تودّعه و تنظر إليه و هو يغيب عنها شيئا فشيئا حتى تلاشى في الأفق.
توقف صوت مجفف الشعر، تراخت خصلات شعرها، تهدهدت بين يدي المزيّنة، و هو مازال يستفزها بعطره، بشعره المتماوج سحرا، كانت المرّة الأولى التي يعود فيها بعد طول غياب، تهيّأت لتكون له و ينتهي غيابه، لكنّ ردّه كان هادئا:
– دعيني أرتّب أموري و سأعود، لا تقلقي.
ابتسمت يومها برغم مسحة الحزن على وجهها و ذاب هو أمام سحرها، لم يقاوم حزنها، سحب جواز السفر من حقيبته و هو يقول:
– تأكّدي، هذا الجواز سأمزّقه.
انتبهت لألم الدبوس في شعرها، بدأت المزيّنة تشكّل الخصلات على شكل وردة تتطلّع لشمس الفرح و هي تعاند دمعة التصقت بجفنها.
ضغطت المزيّنة على وجهها، مسحت الدمعة و بدأت بصبغ أهداب عينيها البنّيتين الواسعتين الذابحتين، تألّقت المساحيق على وجنتيها، على شفتيها، على وجهها البضّ الساحر.
ابتسمت المزيّنة، زغردت النسوة، تقدّ مت إحداهنّ، قبّلت جبينها و همست في أذنها:
– ما أجملك ، جميلة أنت يا وردة، ألف مبروك.
غاصت رجلاها في حذاء بكعب عال، و تفتّحت داخل فستان أبيض زهرة من زهور الربيع.
وقفت أمام المرآة، تدرّج نظرها من حذائها، إلى أعلى الرداء الأبيض الشفاف على تاج رأسها.
تعالت الزغاريد، فتح الباب، ضرب على الدف و تعالت الأغاني و الزغاريد.
ها هو قادم ببذلته السوداء الأنيقة طويل القامة، هادئ الملامح، مشرق الابتسامة، فارس من الزمن الجميل، تأبّطت ذراعه، ضغطت عليه لتتأكّد بأنّها لا تحلم. رشات الورد و السكر أنعشتها، انتشت فرحا، همس في أذنها:
– ألف مبروك
تطلّعت إلى وجهه و قالت:
– و جواز السفر، هل مزقته فعلا؟