جُـثّــة
آخر ما أذكرُهُ:
كانَ الجوعُ يُحاصِرُنا
خمسة أطفالٍ وأنا
لم نأكلْ مِن آخرِ قَصفٍ
أنـقـذَ أمّيْ وأبِـيْ
مِن هذي الدُّنيا الوَحشِيّة
****
كي أنجو مِن زفراتٍ حَـرَّى
تُحرِقني،
بِالكَادِ خرجتُ لأستجدي شربةَ ماءٍ
أو قطعةَ خبزٍ
في رِحلةِ بحثٍ عَـبَـثِــيّة
****
قصفٌ عشوائيٌّ
بعثَرَني في الشَّارعِ أشلاءً
قِطَعاً من لحمٍ وعظامٍ
في مِزَقِ ثيابٍ مَشويّة
****
وصَعَدتُ بروحي للأعلى
فوقَ ركامٍ في نارٍ ودُخانٍ
راحتْ تلفظُ أشلاءً من قومي،
جيراني، والأطفالِ الخمسةِ
حممٌ ليستْ بُركانيّة
****
وَعَلوتُ
حَملتُ معي عطشي
ليسَ لماءٍ وشرابٍ
بَـلْ للتّحريرِ وللحريَّـة
****
وَيَدي المقطوعةُ
لم تـتركْ مِفتاحَ البابِ
وينزفُ في قَبضةِ كَــفِّي
كَـشَظِــيّة
****
قلبي يتخبّطُ وَحدَهُ
فوقَ رُكامِ البيتِ
ومازالتْ في النّبضِ قَضِيَّة
****
ورأيتُ بلادي ما أجملها
عَكّا، حَيفا، يافا، قيساريّةْ
والرملة واللدّ وطبريّا
إنَّ الوطنَ يَحِنُّ لأهلهِ
غَـسّانَ ومحمودٍ وصَفيَّةْ
إنَّ الأرضَ فـلـسطينيّة
****
وصعدتُ إلى الأعلى أكثر
فرأيتُ بلاداً عَرَبيّة
كانت تشجبُ وتُــندّدُ
بكلامٍ لا يُسمِعُ أحداً
وعباراتٍ مَخصِيّة
****
ونظرتُ بعيداً فرأيتُ مَمَالكَ غَـربيّة
(قامتْ تحتَ شِعارِ الإنسانيّة)
قد عَرفتْ من لَونِ دِمائي
أنّي القاتلُ والطائرة ضَحيَّة
قد شَمَّتْ في رَثِّ ثيابي
رائحةً ضِدَّ السامِيّة
****
وانكشفَتْ سَوءَةُ أمريكا
وتَعَرَّى الغربُ كَعاهرةٍ
تُسعِفُ شَبَقَ الصُهيونيَّة
سَقَطتْ أقنعةُ مُلوكِ النفطِ
وما عادتْ
في الرّوحِ العَـرَبيِّ حَمِيَّة
*****
أكمَلتُ إلى شُرُفاتِ اللهِ
وأعلى
"ما أشهى طعمَ الحريّة"
وصَرَختُ بكاملِ وَجَعي
وذُهُولي:
يا آدَمُ، لا تَـقـربْ شَجَراً
ما أقبحَ وَجهَ البشريّة
يا آدَمُ، لا تأكلْ ثمَراً
ما أقبحَ وجهَ البشريّة.