حركة السّرد الروائي و مناخاته لكمال الرياحي
إنّ تطوّر الحركة الإبداعية العربية رهين بتطوّر الحركة النقدية ، منها يستمدّ علاماته المضيئة ، و بها يستقيم إبداعا " واعيا " بشروط انبنائه و آفاقه المنتظرة و إمكاناته المتاحة . و لئن كانت النصوص الإبداعية التونسية تشهد اطّرادا ملحوظا فإنّ النصوص النقدية ما تزال شحيحة لا تفي بحاجة و لا تروي ظمأ . و لذلك يعدّ صدور كتاب نقدي تونسي حدثا هامّا ن بالنسبة إلى القرّاء و الباحثين أو بالنسبة إلى المبدعين الذين تستحثّهم الكتابة النقدية لمزيد الإبداع . كتاب " حركة السّرد الروائي و مناخاته في استراتيجيات التشكيل الروائي " كتاب نقدي جديد لصاحبه الناقد التونسي كمال الرياحي ، صدر الكتاب مؤخرا عن دار مجدلاوي الأردنية للنشر و التوزيع ، و إنّه لمن الأهمية بمكان أن يصدر كتاب خاص بالرواية المغاربية عن دار نشر مشرقية تراهن على قيمة هذا الكتاب النقدي .
لمحة عن الكاتب
كمال الرياحي – ناقد تونسي – متحصّل على شهادة الماجستير في الأدب العربي عن بحثه الموسوم بـ " خصائص الكتابة الروائية عند واسيني الأعرج : حارسة الظلال نموذجا ". درّس بالمعهد العالي لغات بتونس ، يشتغل بالصحافة العربية في أقسامها الثقافية . نشر دراساته و حواراته " المتميّزة " بالمجلات و الدوريات و الجرائد العربية نمثل لها بمجلة " كتابات معاصرة " و مجلة " الآداب البيروتية " و مجلة " عمان " الأردنية . كمال الرياحي عضو اتحاد الكتاب التونسيين ، و عضو وحدة الأدب المغاربي بكلية الآداب منوبة بتونس ، عضو الجمعية التونسية للدراسات و البحوث حول التراث الفكري التونسي ، عضو اتحاد كتاب الإنترنت ، إضافة إلى عضوية اتحاد كتاب بلا حدود .
شارك في عديد الملتقيات العربية و الدولية مثل الملتقى الدولي ببشار – الجزائر أكتوبر2003. نال عدّة جوائز محلية و عربية مثل جائزة النقد بتونس و جائزة القصة القصيرة بمصر جانفي 2005 .
أعماله
له في الكتابة الإبداعية مجموعتان قصصيتان : الأولى : " نوارس الذاكرة " سنة 1999 و الثانية " سرق وجهي " ( قصص و شعر ) 2001 . و له رواية " المشرط " من سيرة خديجة و أحزانها . و له في النقد كتاب جماعي : قراءات في تجربة سميحة خريس الروائية . له في انتظار النشر : كتاب يضم حوارات مع روائيين عرب : الإبداع الروائي العربي . كتاب يضم حوارات مع نقاد عرب : النقد الروائي العربي اليوم . كتاب يضم حوارات مع شعراء عرب : شعراء الألفية الثالثة .
لمحة عن الكتاب
" حركة السرد الروائي و مناخاته " كتاب نقدي يحتوي على سبع دراسات في الرواية المغاربية باستثناء دراسة واحدة في رواية أردنية ، و هي على التوالي :
– الدراسة الأولى : فورة الأجناس و رسوخ السيرة الذاتية في " وجوه " لمحمد شكري.
– الدراسة الثانية : حرية الرواية و رواية الحرية : سجلاّت رأس الديك لحسن نصر نموذجا .
– الدراسة الثالثة : وداعا حمورابي لمسعودة بوبكر : انتصار الفني على الإيديولوجي .
– الدراسة الخامسة : الحفر في الممنوع أو البحث عن المنسي في رواية التمثال لمحمود طرشونة .
– الدراسة السادسة : فن الرواية و رواية الفن : الموسيقى و الغناء في دروب الفرار لبنت البحر - الدراسة السابعة : لغة الحياة و حياة اللغة في " البق و القرصان " للروائي الجزائري المهاجر عمارة لخوص .
قدّم لهذا الكتاب الناقد و الشاعر الأردني الدكتور محمد عبيد الله ، نائب عميد كلية فيلادلفيا بينما وقّع عتبة الخروج التونسي الدكتور صلاح الدين بوجاه . و هذه لمحة خاطفة عن محتوى الكتاب .
– اهتمّ الناقد كمال الرياحي في دراسته الأولى الموسومة بـ " فورة الأجناس و رسوخ السيرة الذاتية في وجوه لمحمد شكري " بملاحقة تواشج جنسيْ الرواية و السيرة الذاتية في نص الروائي المغربي ، متبعا في ذلك خطّة تنهض على جملة من النقاط – محور الاهتمام : لماذا محمد شكري ؟ / الميثاق السير ذاتي – العقد الغائم / الحقيقة التائهة بين الذاكرة الخؤون و الأنا الرقيب / وجوه الأمكنة في " وجوه " / وجوه الأزمنة في " وجوه " / وجه الكاتب بين الوجوه / تراجع اللهجي و المتداول و تنامي الدّخيل / و أخيرا : فورة الأجناس و رسوخ السيرة الذاتية ، و يختم الناقد دراسته بقوله : مثّل نص " وجوه " لمحمد شكري حالة من حالات الكتابة الإشكالية ، فكل العلامات توقع انتماء النص إلى جنس السيرة الذاتية غير أن هذا الانتماء لا يحجب عنّا تلوّن العمل بألوان أجناسية أخرى حوّلت فضاءه إلى بانوراما من الأجناس يستدعي بعضها بعضا و ينفتح الواحد منها على الآخر في لعبة تشكيلية تحمل النص إلى عوام التجريب ، فينكر جنسه ساعة ليخونه مع غيره ، و لكن هذه " الخيانات الفنية " لتقاليد الجنس و نقاوته لا تُخرج النص من جنسه الأصلي .
أمّا الدراسة الثانية المعنونة بـ " حرية الرواية و رواية الحرية : سجلاّت رأس الدّيك لحسن نصر نموذجا " فقد كان وَكْدُهَا النّظر في الحرية موضوعا و تشكيلا فنيا فعلى الحرية مدار المتن الحكائي لرواية الكاتب التونسي حسن نصر ، كما نهضت روايته على حرية تجاور الأجناس الأدبية المختلفة و تناقدها و على رأسها القصة القصيرة إضافة إلى المقامة و الخاطرة و الخبر و النادرة .. و هو ما عناه الناقد في قوله :" إنّ سجلاّت رأس الدّيك رواية تحرّرت من ضوابطها لتسقط بفنية الأجناس في عبوديتها حتى تكون رواية استثنائية ".
و قد كان اهتمام الناقد في الدراسة الثالثة : "وداعا حمورابي لمسعودة بوبكر انتصار الفني على الإيديولوجي" ، منصبّا على آليات تشكيل الرواية عملا فنيا همّه انتصار الجمالي و إن كان الإيديولوجي سؤال متنه و قطب الرحى فيه . و قد تتبع الناقد التحوّلات التي مرّ بها عنوان الرواية – موضوع الدّرس – لما له من عميق صلة بالعمل الروائي و لما ينضح به من رمزية دالّة يمكن أن تجعل العنوان عتبة مضيئة يقرأ النص في ضوئها . و قد توقف الناقد كمال الرياحي عند تقنيتي الكولاّج و المونتاج اللّذين قامت عليهما رواية الكاتبة التونسية مسعودة بوبكر و كانا خصيصة نصّها ، يقول الناقد : " إن هذه العناية بالخطاب الروائي تؤكّد أنّ مسعودة بوبكر أدركت أن الرواية لا يمكن أن تكون مجرّد " حكايتها " فالحكاية بمثابة " المدلول لدالّ متعدّد " كما يقول عبد الرزاق عبيد ، و استطاعت الكاتبة أن تحافظ على فنية العمل الروائي دون أن تسقط في هوّة الخطاب الإيديولوجي .
أمّا الدراسة الرابعة فقد وسمها صاحبها بـ " الميتاقاص أو مرايا السّرد النارسيسي في رواية " خشخاش " لسميحة خريس ، و هي دراسة – كما يشي بذلك عنوانها – تلتقط عملية محاورة النص لذاته عبر ثنائية التخفّي و التجلّي بوصفها البؤرة التي تتشابك فيها خيوط عمل الروائية الأردنية سميحة خريس ، انطلاقا من العنوان وصولا إلى تاريخ الشخصية الروائية مرورا بخصوصية تشكل الرواية و مضمونها . و يختم الناقد دراسته بقوله :" لقد تجسّست هذه الرواية على نفسها فعمدت إلى نزع ثيابها و فتح ستائرها و قمصانها أمام القارئ دون أن تتعرّى له ، فمع انتهاء فعل التلقّي / القراءة يكتشف نفس ذلك القارئ أن الرواية محافظة بعد على ألغازها ، محكمة مغالقها و أنّ ما كشفته له ليس سوى أبواب وهميّة لغرف مزيّفة ، أمّا غرفها الحقيقية فتظلّ مجهولة ، و مفاتيحها عند الكاتب الفعلي الذي يظهر على غلاف الرواية ساخرا ، مشيرا بيده إلى القارئ بإعادة الكرّة " .
– " الحفر في الممنوع أو البحث عن المنسي في رواية " التمثال " لمحمود طرشونة " هو عنوان دراسة الرياحي الخامسة التي تستند إلى فتوحات النظرية الإنشائية فقد عالج فيها الناقد مقوّمات الخطاب الروائي من بنية زمنية و صيغة سردية و اهتم بخصوصيات الخبر (المتن) الروائي ، فضاءات و شخصيات و عرّج على مستويات اللغة في الرواية و خصائص أسلوبها ، و من هذه الدراسة نقتطف قول الناقد :" تشفّ هذه المسافة ( بين الكاتب و شخصية عمله ) أحيانا حتّى لكأنّ أمينة تصبح مجرّد قناع يتقنّع به الكاتب ، فإذا هي بوق تعبّر عن آرائه و أفكاره و تتبنّى مواقفه . غير أنّ هذه المسافة تصبح أحيانا أخرى كثيفة ، فإذا بأمينة البوني تستقلّ امرأة لها طموحاتها و مشاعرها الخاصة فتنفلت الذات الساردة من قبضة الذات الكاتبة ، أو هي الذات الكاتبة تعطي الذات الساردة الكلمة و حرية القرار . فكانت الرواية حلقات من لعبة المواقعة و الانفلات يلعبها محمود طرشونة مع بطلة روايته و ساردتها أمينة البوني ".
و ينعطف الناقد كمال الرياحي نحو الفن في تواشجه مع الرواية من خلال نصّ " دروب الفرار " للكاتبة التونسية حفيظة قارة بيبان واسما دراسته السادسة بـ " فن الرواية و رواية الفن : الموسيقى و الغناء في دروب الفرار لبنت البحر " و قد أبرز الناقد في هذه الدراسة أن الفن في رواية بنت البحر الطافحة بالموسيقى و الغناء لم يكن مسقطا أو مجرّد لعبة شكليّة وظيفتها تزويقية ، و إنّما مثّل هذان الفنّان جوهر العمل الروائي . عليهما ينهض و من خلالهما يكتسب علامة خصوصيته بنية خطاب و أسئلة متن ، فتغدو الرواية فنا تنصهر في بوتقته سائر الفنون ، و لعلّ هذا ما قصده الناقد بقوله :" و الحقّ أنّ الرواية لا ترتكب بهذه الممارسة خطيئة أو انحرافا لأنّها أصلا لا يمكن أن تكون حوارية ، إنّها فنّ التنوّع بامتياز و فنّ الاحتواء بلا منازع ، فهي الجنس الذي يميل إلى ابتلاع جميع الأنواع الأدبية الأخرى تقريبا ، بل ابتلاع فنون أخرى ".
و ينهي الناقد كمال الرياحي كتابه بدراسة عن رواية " البق و القرصان " للكاتب الجزائري المقيم بإيطاليا عمارة لخوص بعنوان " لغة الحياة و حياة اللغة في رواية " البق و القرصان ".
لقد وجّه الرياحي وجهه شطر اللغة باعتبارها بؤرة رواية عمارة خوص و علامة هامة من علامات خصوصيتها ، فأخذ الناقد في تقصّي طرائق حضور اللغة في هذا العمل الروائي حضورا ديناميا يعكس واقع الحياة في الجزائر خاصة و العالم العربي عامة و هو ما جعل لغة لخوص في " البق و القرصان " لغة الحياة بوصفها معبّرة عنها ، حاملة هواجسها و رؤاها و في ذات الوقت أبرز الناقد كيف كانت اللغة في الرواية لغة حيّة / جامدة ، لغة تتفاعل مع تطورات المرحلة و هواجس الإنسان العربي اليوم . فتوقف الناقد عند جميع الأشكال التعبيرية التي توسّل بها الروائي من استعمال للعامية و لغة الأرقام و محاكاة للأصوات و تنقيط و توظيف للغة المقدّس ، و كشف الناقدة لهذه اللغة الحية من أبعاد فنية و دلالية . يقول الرياحي في دراسته :" هكذا كانت اللغة في " البق و القرصان " لغة حية بانفتاحها على لغة الحياة اليومية و حيّة بتنوعها اللساني و حضورها البصري و تشكّلها السيميائي و ضروب اشتغالها داخل النص في مستوييه الفني و الدلالي حتى ينتزع روائيته بجدارة و يثبت أن صاحبه يمتلك من المؤهلات ما يمكنه من أن يجترح لنفسه مكانة في المشهد الروائي الجزائري و العربي " .
و أخيرا ننوّه بالكتاب لما بذل فيه صاحبه من جهد معرفي واضح في مواجهته لروايات حديثة الصّدور و بكر لم يقع التصدّي لها بالنقد قبله – إلاّ ما ندر من المقالات – فالكتاب حفريّات في أعمال مختومة و قرع لنصوص محكمة مغالقها . كما ننوّه بدار النشر الأردنية التي راهنت على ناقد تونسي و كتاب نقدي مغاربي دون تحيّز قطري و عسى أن تسير دور النشر العربية على نفس الخطى الواثقة لدار مجدلاوي حتّى تنتعش نصوصنا الإبداعية و تزدهر أقلامنا النقدية .
مشاركة منتدى
1 كانون الأول (ديسمبر) 2014, 16:05
النص الروائي التقانيت المنهج برنار