الخميس ١٠ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم جميل حمداوي

حركية الإخراج المسرحي بمنطقة الريف المغربي

تمهيـــد:

عرفت منطقة الريف انتعاشا مسرحيا كبيرا منذ التسعينيات من القرن العشرين على الرغم من البدايات المتعثرة الأولى في فترة السبعينيات بسبب هيمنة التمثيليات والسكيتشات على الساحة الإبداعية . بينما لم ينطلق الإخراج المسرحي إلا في بداية عقد التسعين مع مجموعة من المخرجين المسرحيين الرواد أمثال: أزروال فؤاد وفاروق أزنابط وفخر الدين العمراني ونعمان أوراغ...
وبعد أن كان الإخراج فطريا عشوائيا فجماعيا انتقل ليصبح إخراجا فرديا أو ثنائيا ليمتحّ بعد ذلك من نتائج الدراسات الأكاديمية والبحث الدراماتورجي.

إذا، ماهي أهم مراحل المسرح الأمازيغي في منطقة الريف؟ وماهو مسار حركية الإخراج في هذه المنطقة؟ وماهي مميزات الإخراج المسرحي الأمازيغي صياغة ودلالة وسينوغرافية؟ وماهو حصاد هذا الإخراج على المستوى الوطني والدولي؟ هذه هي الأسئلة التي سوف نرصدها في موضوعنا هذا.

أ- مراحل المسرح الأمازيغي وحركية الإخراج الدرامي في منطقة الريف:

تميز الإخراج المسرحي الأمازيغي في منطقة الريف بفطريته العشوائية إبان فترة الأشكال اللعبية والظواهر ما قبل المسرحية، لينتقل إلى إخراج جماعي في السبعينيات، وبعد ذلك انتشر الوعي بين صفوف الممثلين بأهمية الإخراج الذي اتخذ طابعا فرديا مع فخر الدين العمراني أو ثنائيا مع فؤاد أزروال أو فاروق أزنابط وأحمد المغنوجي وعبد الكريم بوتكيوت... ثم انتقل الأمر بعد ذلك إلى مرحلة المخرج المتخصص مع فخر الدين العمراني، وسعيد المرسي، وفاروق أزنابط، وفؤاد أزروال، وشعيب المسعودي...

وللحديث عن هذا الإخراج ومميزاته الفنية والتقنية لابد من تأطيره ضمن صيرورة المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف الذي عرف مجموعة من المراحل الفنية المتداخلة والمتشابكة التي من الصعب تحديدها بدقة وضبطها منهجيا أو حصرها موضوعيا بفواصل تاريخية معينة . وهذه المراحل هي:

1- مرحلة الظواهر الفطرية أو الأشكال ما قبل المسرحية:

ظهرت في الريف قبل الاستقلال وبعده مجموعة من الأشكال اللعبية التي شكلت ما يسمى بالظواهر المسرحية الفطرية أو ما يسمى بفترة الأشكال اللعبية التي اتخذت أبعادا طقوسية واحتفالية ، وكان يشارك في هذه الأشكال اللعبية الأطفال الصغار والشباب والكبار.

ومن هذه الظواهر ماقبل المسرحية نجد : فولعلاع، وشاح ماجّاح، وقاشقاش، وأقلوز، وإيمدقان، وإيمذيازن، وأورار، وأقنوفار، وثيحوجا نتوافيت، وثيحوجا طامزا، وبيکو صورو تايني، وزيمزامزو، وأوليما، وثيخامين، وموراي تاسريث، وثاسريث أونزار، ولابويا، وإيزران، وپيصو، وأرمّاس، وسبحاينو خاليق، و رقام، وريپالاو، وتولاّ، وندار ثاشنيفت، وأمسجباذ.
وكان الإخراج المسرحي في هذه المرحلة عملا جماعيا فطريا بطريقة عفوية لعبية عشوائية ، وكان الممثلون جميعهم مخرجين يقومون بعملهم بكل بساطة وسذاجة فنية. ولايمكن الحديث هنا عن الإخراج المسرحي بالمفهوم المعتاد للإخراج إلا من باب التجاوز ليس إلا.

1- مرحلة نشأة المسرح الأمازيغي والتبلور الجنيني:

ظهر المسرح الأمازيغي في منطقة الريف منذ السبعينيات في شكل تمثيليات وسكيتشات غير ناضجة مع أعضاء " جمعية أهل الدربالة" التي كانت تتكون من فخر الدين العمراني، وعبد الكريم بوتكيوت، ورشيد العبدي الذي يعد الفقيد الأول للمسرح بمنطقة الريف،ومصطفى بنعلال، وفاروق أزنابط . وكان هؤلاء يؤلفون المسرحيات ويخرجونها سواء بالعربية أم الأمازيغية بطريقة جماعية. وقد أخرجوا أول نص مسرحي بعنوان "إيرحاگد أميثناغ / وصل ابننا" ، والذي عرض سنة 1978م بكل من ميضار والعروي وزايو ، و قدم كذلك لصالح عمال مناجم شركة (سيف ريف) بوكسان وبقاعة الجماعة بآيت سيدال. وتتحدث هذه المسرحية الوطنية عن قضية الصحراء وتهجير المغاربة من الجزائر، وقد صيغت المسرحية في قالب تمثيلي تنقصه الكثير من مقومات المسرح الناضج.

وفي سنة 1979م ، عرضت مسرحية" إيهواد أوكامپاوي غاپاساپورتي /أتي القروي إلى المدينة للحصول على جواز السفر" بقاعة العروض بمقر الاتحاد الاشتراكي وسينما الريف بمدينة الناظور، والمسرحية ذات تأليف وإخراج جماعي، وقد تبنت جمعية" زرياب للموسيقا والمسرح" هذا العرض المسرحي ضمن برنامجها الفني والثقافي. ومن أهم الممثلين الذين شاركوا في هذا العمل التمثيلي : نذكر محمد العبدلاوي زوج لويزا بوسطاش، والأستاذ محمد بوزرو، والكوميدي عبد الإلاه اليزيدي المعروف بعنتر. وتتحدث المسرحية عن العوائق التي كانت تحول دون الحصول على جواز السفر بسبب الرشوة والبيروقراطية. وبذلك تكون هذه المسرحية هي الأولى التي طرحت ظاهرة الهجرة بشكل تمثيلي يقوم على شكل سكيتش كوميدي في قاعة ضيقة بدون كواليس ، وهي أيضا لاتصلح للعرض المسرحي نظرا لكونها مخزنا للآلات الموسيقية وآليات الحزب و هي بمثابة جدارية تعلق عليها منشورات الاتحاد الاشتراكي السياسية والحزبية.

3-مرحلة استواء المسرح الأمازيغي واعتداله :

انطلقت هذه المرحلة منذ بداية سنوات التسعين مع مسرحيات فؤاد أزروال وفاروق أزنابط وعمر بومزوغ وفخر الدين العمراني وعبد الكريم بوتكيوت وأحمد المغنوجي... ويمكن اعتبار الأستاذ فؤاد أزروال رائد هذه المرحلة بمسرحيته "أزّوغ ذي ثايوث /أبحث في الضباب" والتي عرضت في29 شتنبر1991م، و هذه المسرحية من تأليف فؤاد أزروال وإخراجه، ومثّل فيها أحمد زاهد، وأعد سينوغرافيتها كل من أحمد البصري وعبد الخالقي. وقد قدمت المسرحية باسم "جمعية إلماس الثقافية"، ويعتبرها الأستاذ فؤاد أزروال أول نص مسرحي بالمفهوم الناضج في إقليم الناظور.

ويعد فؤاد ازروال مؤلفا محنكا ومخرجا نشيطا في منطقة الريف بصفة خاصة والمغرب الامازيغي بصفة عامة، إذ ألف العيد من النصوص التي قام بإخراجها سواء بطريقة فردية أم ثنائية أم جماعية.

ومن المسرحيات التي قام بإخراجها "أزوغ ذي ثايوث/ أبحث في الضباب"، و"أغنيج إذورار/ أغنية الجبال"، و"أغيور إينو إيعيزان/ حماري العزيز" بالمشاركة مع أحمد المغنوجي في نسختها الأولى، و"أمزروظ ذي ربحار/ الفقير في البحر"، و"بوسحاسح/ الكذاب" باشتراك مع عبد الكريم بوتكيوت، و"أسي أسنوس/ السيد الجحش"، و"علال ذكليمان/ علال في ألمانيا، و"يما عيشة/ أمي عيشة"، و"إرحگد لمفتش/ جاء المفتش" ، وشارك في مسرحة نص " أمان ذومان ذ لامان/الماء والأمان" مع أعضاء فرقة إزوران للمسرح الأمازيغي بالرباط، و ألف كذلك مسرحية" أعباس أعسّاس/ عباس الحارس" التي اكتفى فيها بالتأليف، بينما تولى إخراجها مصطفى الدريوش أيناو ...

ومعظم نصوص هذا الريبرتوار من تأليف فؤاد أزروال وإخراجه، ويعتبر أول من التجأ إلى تقنية الاقتباس من اللغة العربية في منطقة الريف كما هو الحال مع نصي " أغيور إينو إيعيزان" و" السي أسنوس " المقتبسين عن توفيق الحكيم، ونص" يمّا عيشة" التي اقتبسها عن المسرح الإيراني، و"أغنيج إذورار" المقتبسة عن المسرح العربي، ومسرحية "إيرحاگ لمفتش" التي اقتبسها عن الكاتب الروسي گوگول.... كما ألف فؤاد أزروال نصوصا مسرحية أخرجها آخرون كمسرحية "أورتي أوريلين / الحديقة الموهومة" التي أخرجها محمد داسر، وهي مسرحية رديئة من حيث السينوغرافيا والإخراج، وقد جرب فيها فؤاد أزروال لأول مرة تقنية التعدد اللغوي إذ مزج في المسرحية بين ثلاث لغات : تامازيغت وتاريفت وتاشلحيت.
ويستعمل فؤاد أزروال في انتقاده للواقع الخاص والعام الكوميديا الساخرة ( لغة الهزل والفكاهة والضحك أثناء الانتقاد والسخرية من أوضاع الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي ...)، وتوظيف التراث المحلي ( الأغاني والأمثال والرقصات الشعبية والفلكلورية وإمذيازن والأشعار كقصيدة "أظهار أوبران" ومقاطع موذروس وأغاني الوليد ميمون وقصيدة "مالي وهيا مالي"...) ، والاشتغال على الذاكرة التاريخية ( استدعاء الأحداث التاريخية المعروفة في المنطقة الريفية خاصة المتعلقة بشخصية عبد الكريم الخطابي)، والاعتماد على المواقف الساخرة (التنكيت والنقد الهازل والنوادر والتصوير الكاريكاتوري )، وبساطة البناء الفني ذي القالب الكلاسيكي ( احترام الوحدات الثلاث و بساطة الصيغة الفنية والوضوح وعدم التعقيد... )، واللجوء إلى المسرح الفردي في معظم عروضه الدرامية، وتكسير الجدار الرابع(ويظهر ذلك جليا في مسرحية "بوسحاسح" و" علال ذگ ليمان"، وتقديم بعض العروض في المقهى وفي ساحة مؤسسات تعليمية، وإشراك الجمهور في عملية العرض، وكشف أسرار المسرح داخل المسرح، وتهيئ مكونات العرض المسرحي أمام مرأى المشاهدين، ودعوة المتفرجين للتعليق على حدث في بعض اللقطات) ، واستعمال لغة أمازيغية يومية وشعبية بسيطة يفهمها العموم من المتفرجين وخاصة لغة المتسولين والفقراء والصعاليك والشطار وبسطاء الناس ؛ مما أوقع لغة العروض في الإسفاف وشرنقة البساطة والخطاب المباشر والتقريرية الفجة.

2- مرحلة النضج المسرحي والاكتمال الفني:

في سنوات التسعين من القرن الماضي، وضمن جدلية التأثر والمثاقفة، سيستفيد المسرح الأمازيغي في منطقة الريف من المسرح العربي ومن مسرح الهواة المغربي ومن الاتجاهات والبيانات المسرحية المختلفة التي ظهرت في الساحة الثقافية المسرحية الوطنية ولاسيما التجربة الاحتفالية التي يتزعمها عبد الكريم برشيد.

وفي هذه المرحلة بالذات، سيظهر بعض المخرجين الذين سيتجاوزون ماكتبه المخرج فؤاد أزروال الذي سقط في التقريرية المباشرة و سطّح المسرح الاجتماعي وبسّطه في قوالب فنية شعبية مستهلكة عبر توظيف الكوميديا الساخرة والمسرحية الكاريكاتورية المهجّنة باروديا. ومن الذين حملوا مشعل التنوير والسمو بالمسرح الامازيغي والرقي به فاروق أزنابط وفخر الدين العمراني وعمرو خلوقي وشعيب المسعودي ونعمان أوراغ وسعيد المرسي ومصطفى الدريوش أيناو... .
وعليه، ففاروق أزنابط أكثر إنتاجا في المنطقة الريفية بأكثر من أربعة عشر عرضا مسرحيا نذكر منها: " إراحاگد أميثناغ / وصل ابننا" ، و"ثساعاث ن- سلام/ ساعة من السلام ) باللغتين العربية والأمازيغية، و"أمقاز إمظران / حفار القبور"، و" ثاندينت ثيارجا/ مدينة الأحلام"، و"ثرايثماس/ اسم لامرأة"، و" أمتلوع/ التائه"، و" أريازن –وارغ/ رجل من ذهب"، و" ثابرات/ الرسالة"، و" أظراف/ الإسكافي"، و"نونجة"،و" بوثغواوين/ بائع القمح المحمص"، و"بويجاروان/ النشال "، و" ثازيري ثاميري/ القمر العاشق"، و" أورثو يويران / الغصن المعلق"...
ويلاحظ على فاروق أزنابط أنه يجمع بين التأليف والتمثيل والإخراج ، ويشتغل على التراث المحلي والذاكرة التاريخية واستخدام الراوي وتكسير الجدار الرابع، ويستعمل كذلك الكوميديا الساخرة، ويتفنن في اختيار الممثلين المناسبين لأدوارهم ، و يحسن انتقاء الديكور والسينوغرافيا الوظيفية والملابس المعبرة. بيد أنه يشتغل ضمن القالب الكلاسيكي وذلك باحترام الوحدات الثلاث وتقسيم المسرحية إلى فصول ومشاهد، وتوظيف تقنيات المسرح الشامل ، والاستعانة بالفلكلور الريفي وتراثه الزاخر بمجموعة من الأشكال الفطرية واللعبية أو مايسمى بما قبل المسرح.

وقد تعامل فاروق أزنابط مع مجموعة من المؤلفين كالشاعر أحمد الزياني في" نونجة"، و" ثريثماس"، وعمر بومزوغ في "مقاز إيمظران/ حفار القبور"، و"أظراف/ الإسكافي"، وصالح الطاهر في " ثندينت أنترجا/ مدينة الأحلام"، ومصطفى القضاوي في مسرحية" ثابرات/ الرسالة"، وبنعيسى المسيتري في مسرحية" بوثغواوين / بائع القمح المحمص"، وأحمد زاهد في " أرياز ن- وارغ/ رجل من ذهب"،
وإذا كان فؤاد أزروال معروف بمسرحه الاجتماعي الساخر، فإن فاروق أزنابط معروف بالمسرح الواقعي التاريخي بكل حمولاته الاجتماعية والسياسية والتراثية.

وقد ساهم فخر الدين العمراني في إثراء الحركة الإخراجية في الناظور،وذلك عن طريق تدريب مجموعة من الممثلين والممثلات معتمدا في ذلك على أحدث التقنيات الأكاديمية في عمليات الإلقاء والتمرين والاستيعاب والتمثيل، ويمكن تشبيه الأستاذ فخر الدين العمراني بستانسلافسكي الريف ، وقد التجأ لأول مرة في منطقة الريف إلى تقنية الكاستينگ Casting السينمائية بالمشاركة مع الدكتور جميل حمداوي في سنة 2005م لاختيار أحسن المواهب الذكورية والأنثوية في مجال التمثيل لتشغيلهم في عرض الشاعر محمد العوفي " محاكمة يوغرطة " ، وعرض جميل حمداوي الممزّغ باللغة العربية " نحن أحفاد ماسينيسا".

ومن أهم المسرحيات التي أخرجها فخر الدين العمراني" إيراحاگد أميثناغ/ وصل ابننا"، و" ثف ثقان/ بلا حل" ، و" أسان ن- رباشور/ أيام التين"،و" نشّين سّا/ نحن من هنا"، و" أرياز- ن وارغ/ رجل من ذهب".
ويستند فخر الدين العمراني في إخراجه إلى توظيف التراث المحلي وتدريب الممثلين أحسن تدريب اعتمادا على تقنية صارمة تجمع بين التواصل اللفظي وغير اللفظي. أي إنه يركز كثيرا على الكوليغرافيا والحركات الجسدية ودلالات الوجه، ويتكئ في عروضه على صوت الصدى Play back واستخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في الإضاءة التموجية والموسيقا، كما يعتمد على التراث المحلي والذاكرة التاريخية الامازيغية وتشغيل الراوي وتكسير الجدار الرابع وتوظيف سينوغرافيا وظيفية من خلال استعمال جداريات في الخلفية العلوية والديكورات المجسمة التي تحمل دلالات سيميولوجية. ويركز فخر الدين العمراني على توعية الممثلين بأهمية التواصل فوق الخشبة وكيفية الانتقال فوقها عن طريق ملئها وتبئيرها وكيفية التخاطب مع الجمهور يمينا ويسارا والانتقال من الخلف إلى الأمام والعكس صحيح أيضا.

وقد تعامل المخرج فخر الدين العمراني مع مجموعة من المؤلفين المسرحيين كمحمد الطلحاوي في مسرحية "ثف ثقن/ بلا حل"، وعبد الخالق كرابيلة في مسرحية" نشّين سّا/ نحن من هنا"، ومحمد العوفي في " ثازنوفت ن- يوغرطا/محاكمة يوغرطة"، وجميل حمداوي في " نحن أحفاد ماسينيسا"، وأحمد زاهد في " أرياز ن- وارغ/ رجل من ذهب" ، و" رمّارس/ مكان الاجتماع والطحن"
وإلى جانب فخر الدين العمراني، نستحضر المخرج عمرو خلوقي في مسرحيته الرمزية" انّان إيني ن –زمان/ قال الحكماء" وهي مسرحية تاريخية واجتماعية وسياسية تنتقد أوضاع المجتمع المغربي بصفة خاصة وأوضاع العالم بصفة عامة داعيا إلى السلام ونبذ العنف والإرهاب. ويمتاز النص بجودة الكتابة وصدق الرسالة وجدية الطرح. وقد استفاد في إخراجه من تقنية الراوي وتكسير الجدار الرابع وتأثيث السينوغرافيا بالدوال الامازيغية واستخدام القالب الكلاسيكي والمزج بين التراجيديا والكوميديا.

5- مرحلة المسرح التجريبي :

ظهر المسرح التجريبي في منطقة الريف منذ سنوات العقد الأول من الألفية الثالثة، وإن كان التجريب التجريدي قد ظهر منذ بداية التسعينيات مع المخرج نعمان أوراغ في مسرحيته" نخراقد حوما وانتسفهيم / خلقنا لكي لانتفاهم" التي احتضنتها جمعية إلماس الثقافية، كما قدم مسرحية فردية وجودية بعنوان" أنيتشني ياغرين/ الراعي المثقف" لعمر بومزوغ وهذه المسرحية قدمت أيضا ضمن جمعية إلماس الثقافية.

ولكن المسرح التجريبي سينطلق مع شعيب المسعودي الذي أسس مدرسة تجريبية في مدينة الحسيمة بمسرحيته الرائعة" أرباع أوجنا إيوظاد/ سقط ربع السماء". وقد أخرج شعيب المسعودي أيضا مسرحية " ثمورغي/ الجراد" لأحمد زاهد والتي كانت دون مستوى المسرحية الأولى.

ومن ممثلي المدرسة التجريبية محمد بنعيسى في مسرحيته" ثيرجا ثسنيفست/ أحلام من رماد" للشاعر محمد سلطانة ، ومسرحية" زيركامپو غاثنديت ثنقرب ثحاجيت/ من البادية إلى المدينة انقلبت الحكاية"، ومحمد بنسعيد في مسرحية" ثايوجيرث / اليتيمة"، و" أورار إمطاون/ عرس الدموع"، و" ثيمغارين نوسنا/ نساء هذا الزمان"، و" إعساسن إمظران/ حراس القبور"، ومحمد گاگة في " ثيارجا ن- ثيذرين/ أحلام السنابل"، ولعزيز إبراهيمي في مسرحية" أس أمزيان/ اليوم القصير". وهذه المسرحية خاصة بالطفل ، وقد عرضت في مهرجان الطفولة الشعبية بالناظور في شهر أبريل 2007م...
ويمثل سعيد المرسي هذه المدرسة التجريبية في الناظور بمسرحيته التجريدية " ثسيث/ المرآة" التي تأثر فيها بمسرح اللامعقول ، أما مسرحيته الأولى" ثنوغ ثيارجا ذي ثمديث/ أحلام معلقة في الليل" فهي تندرج ضمن الكوميديا الساخرة والقالب الفني الكلاسيكي العادي.

ونستحضر ضمن التجريب الدرامي عبد الواحد الزوكي في مسرحيته التجريبية الرائعة" ثشومعات/ الشمعة " التي جرب فيها مجموعة من المدارس والتيارات الدرامية الغربية كالكوميديا الساخرة والكوميديا السوداء والتجريد وتيار العبث...

6- مرحلة المسرح الفلكلوري:

يعتمد هذا الإخراج المسرحي على تفتيت الذاكرة التراثية انطلاقا من رؤية فلكلورية وإثنوغرافية احتفالية من خلال التركيز على مجموعة من الظواهر المسرحية والأشكال الفطرية الماقبل المسرحية مع استدعاء تقاليد وعادات المرأة الأمازيغية. ويمثل هذا النوع من المسرح لويزة بوسطاش في عرضها المسرحي" أقلوز" الذي قدمته في قاعة نيابة التعليم وفي دار المرأة ببني أنصار في شهر مارس 2007م بمناسبة عيد المرأة.

وقدمت لويزة بوسطاش التراث الامازيغي المحلي في أكثر من ساعتين باستعراض أزياء لنساء ريفيات واستكشاف رمزية الحناء ودلالاته الرمزية والسيميولوجية والاحتفال بالعروسة والتغني بالأغاني المحلية وترديد" لابويا " وتقديم الفلكلور الشعري والرقص المحلي.

أ‌- المواضيع التي اشتغل عليها الإخراج المسرحي بالريف:

اشتغل المخرجون الأمازيغيون في منطقة الريف على عدة قضايا محلية ووطنية وقومية وإنسانية منها: قضية الهوية والأرض والتشبث بالأمازيغية لغة وكتابة، ونبذ التهميش والإقصاء، و معالجة قضية الهجرة السرية وآثار الاغتراب الذاتي والمكاني وما يعانيه المواطنون من صعوبات للحصول على جواز السفر، والتنديد بالعنف والرشوة والبيروقراطية، وانتقاد الواقع المغربي على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، علاوة على تناول قضية الصحراء وانتقاد سياسية الجزائر في اعتدائها على الوحدة المغربية، والإشارة إلى قضية البطالة والفقر والأمية والانتهازية والمحسوبية وتزوير الانتخابات وتزييف إرادة الشعب وتصوير الصراع بين الإنسان وأخيه الإنسان، وصراع المثقف ضد السلطة، و الوقوف في وجه المبذرين لأموال الشعب والاشتغال تناصيا ودراميا على التاريخ والمقاومة ، و تفتيت الذاكرة المنسية والتراث المحلي واستدعاء الشخصيات الأمازيعية القديمة،والتغني بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

وإلى جانب هذه المواضيع المحلية والوطنية هناك قضايا قومية كفلسطين وما يتعرض له العالم العربي من نكسات ونكبات وهزائم ناهيك عن قضايا إنسانية شائكة كالدعوة إلى السلام ونبذ الحروب والتمييز العنصري والإرهاب الدولي...
بيد أن المخرجين المسرحيين مازالوا يعيشون على إيقاع الماضي والحنين إلى الجذور والعزف على نوتة الهجرة دون الانغماس في مشاكل الحاضر واستشراف قضايا المستقبل.

ج- استنتاج وتقويـــــم :

يلاحظ أن الإخراج المسرحي في منطقة الريف كان في البداية إخراجا عفويا، ليصبح بعد ذلك إخراجا جماعيا وفرديا وفلكلوريا، لينتقل بعد ذلك إلى إخراج متخصص مبني على البحث العلمي والتنقيب الأكاديمي والدراماتورجي.
ويتبين لنا مما سلف ذكره، أن أول عرض مسرحي أخرج جماعيا هو "إيراحاگد أميثناغ/ وصل ابننا" سنة 1978، بينما يعد فؤاد أزروال أول من أخرج نصا مسرحيا بطريقة فردية أو ثنائية ( رفقة أحمد المغنوجي أو عبد الكريم بوتكيوت )، كما كان السباق إلى تمزيغ الفصحى والاقتباس من الريبرتوار العربي والإيراني والروسي ، والمزج بين عدة لغات داخل العرض المسرحي الأمازيغي عندما جمع بين تاشلحيت وتاريفيت وتمازيغت في عرض مسرحي واحد كما في مسرحية " أورتي أوريلين /الحديقة الموهومة".

وإذا كان فاروق أزنابط أكثر إنتاجا في منطقة الريف بأكثر من أربعة عشر عرضا مسرحيا ، فإن فخر الدين العمراني هو المايسترو الحقيقي للمسرح الأمازيغي لكونه أطر كثيرا من الشباب وكون عدة ممثلين الذين سيصبحون بعد ذلك مخرجين منهم: سعيد المرسي وفاروق أزنابط ولويزة بوسطاش... ويعد أيضا أول من أرسى تقنية الكاستينگ لانتقاء أفضل المواهب في مجال التمثيل.

وإذا انتقلنا إلى شعيب المسعودي فهو المؤسس الحقيقي للمسرح التجريبي في منطقة الريف، وقد تأثر به الكثير من المخرجين الشباب كسعيد المرسي ومحمد بنسعيد ومحمد بنعيسى ولعزيز إبراهيمي....
وقد احتضن هذا الإخراج المسرحي من قبل الأحزاب السياسية كحزب الاتحاد الاشتراكي بالنسبة لمسرحية" إهواد أكامپاوي غپاساپارتي/ نزل البدوي إلى المدينة للحصول على جواز السفر) ، و الجمعيات الثقافية الأمازيغية أو العربية المحلية كجمعية أهل الدربالة وجمعية زرياب للموسيقا والمسرح ، وفرقة النهضة المسرحية، و جمعية النهضة الثقافية، وأسام للمسرح، و جمعية المسرح الصغير، وجمعية إلماس الثقافية، ، وجمعية أپوليوس للمسرح، ومنتدى الفعل الإبداعي، وجمعية عبد الصمد الكنفاوي، وجمعية ثانوكرا للثقافة والتنمية ، وجمعية ثازوظا، وفنون الريف.

د- العروض والجوائز المحصل عليها:

من المعلوم أن المسرح الأمازيغي الريفي عرضت أعماله داخل المغرب وخارجه، إذ قدمت عروضه في منطقة الريف والجهة الشرقية وفي الكثير من المدن المغربية كمكناس والرباط وطنجة وتطوان والدار البيضاء وأگادير.
كما أن هذا المسرح عرض لأول مرة مع فاروق أزنابط في مسرح محمد الخامس بالرباط بمسرحية " أرياز ن- وارغ" في نسختها الثانية ، وأذيعت هذه المسرحية على شاشة التلفزيون المغربي في 17 نوفمبر سنة 2006م في القناة الأولى.
كما سافر المسرح الريفي إلى الخارج ( هولندا وبلجيكا وإسپانيا...) مع فخر الدين العمراني وفاروق أزنابط وشعيب المسعودي..... وشارك هذا المسرح كذلك في عدة مهرجانات وإقصائيات كمسرح الشباب التابع لكتابة الدولة المكلفة بالشباب، ومسرح الطفولة الشعبية بالناظور، والمهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي الاحترافي، ومهرجان أگادير للمسرح الأمازيغي، و المهرجان الدولي الخامس بالرباط في سنة 1994م بالنسبة لمسرحية "أرياز ن- وارغ" لفخر الدين العمراني، وهي المسرحية الأمازيغية الأولى بالريف التي تشارك في مهرجان دولي.

ومن جهة أخرى، حصل المسرح الأمازيغي الريفي على عدة جوائز كمسرحية"أرياز ن- وارغ" التي أخرجها فاروق أزنابط و التي حصلت على جائزة أحسن إخراج وطني، و جائزة أحسن نص لأحمد زاهد، وأحسن ممثلة للويزة بوسطاش في مهرجان المسرح الأمازيغي الاحترافي بالدار البيضاء في سنة 2005م. وفي المقابل، فاز فؤاد أزروال بجائزة أحسن ممثل، وأحسن بحث درامي في المهرجان الثالث للمسرح الأمازيغي بأگادير 2004 بمسرحية " أمان ذومان ذ لامان" (الماء والأمان) . ولا ننسى أن فؤاد أزروال يعد بمثابة عضو نشيط في المختبر الدراماتورجي مع أعضاء فرقة إزوران للمسرح الأمازيغي بالرباط.

هذا، وقد نال شعيب المسعودي الجائزة الكبرى بفضل مسرحيته" ربيعة ذ بوزيان ذرشواغاظ أوليمان/ ربيعة وبوزيان وأوراق الهجرة إلى ألمانيا"، بينما حصل نسيم الماحي على جائزة أحسن ممثل بالمهرجان الثالث للمسرح الأمازيغي بأگادير في 7/11/2004 م.، كما شارك شعيب المسعودي في المهرجان الوطني الثالث لمسرح الشباب في الرباط من 07 إلى 15 أبريل 2006م بمسرحيته" أربع أوجنا يوظاد" في إطار نادي الريف للمسرح الأمازيغي بالحسيمة ، وحصل من خلالها على جائزة أحسن إخراج و حصل النادي - بالتالي - على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

خلاصة عامة:

تلكم هي أهم تجليات حركية الإخراج المسرحي بمنطقة الريف التي أظهرت لنا مدى انتعاش الإخراج المسرحي الأمازيغي بفضل مجموعة من المخرجين الغيورين على وطنهم وهويتهم الأمازيغية الذين أظهروا قدرات كفائية ومهارات جادة في تسيير دفة المسرح الأمازيغي وتدريب ممثليه وتأطيرهم أحسن تأطير.
وقد رأينا كذلك أن الإخراج المسرحي مر بعدة مراحل مواكبة لتطور المسرح الأمازيغي في منطقة الريف. وقد تميز هذا الإخراج بالجودة والتنوع والتجديد والحداثة والقدرة على الإمتاع والإفادة، والدليل على ذلك حضوره في داخل المغرب وخارجه وحصوله على العديد من الجوائز الوطنية والشواهد التقديرية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى