الخميس ٢ شباط (فبراير) ٢٠١٧
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

حكاية ضياع

وجدته جالسا في الحديقة العامة، وخرطوم الماء يصب على رجليه؛ يبدو أنه مرهق من الصيام، سلمت عليه وجلست جنبه.

يستلم راتبا تقاعديا، كان يعمل في ميناء المحمرة، ويبلغ من العمر 75 عاما.

تكلم لي حول الميناء الذي كان مزدهرا قبل الحرب، ثم أشار إلى قصر الشيخ خزعل الذي دمره الحاقدون قبل أربع سنوات.

سألته عن أولاده وهل يسكنون معه أم لا؟

تأوه طويلا ثم قال:

الكبير متزوج ولديه أطفال، يسكن في المحرزي، النهر السادس.

الأصغر يسكن معي، ولم يتزوج بعد..وبطال لا يعمل، يقول أنه يبحث كثيرا عن عمل يناسبه، لكنه لا يجد... في الآونة الأخيرة، اختار الهجرة إلى آلمانية؛ ويحرضه صديقه الذي هاجر قبل أشهر قليلة إلى هناك.

ثم خاطبني بصوت متهدج: كيف لي أن أجده إن هاجر وضاع هناك؟!

وسكت قليلا فتابع بمرارة:

أما الأوسط، فقد تبرأت منه..ولا أرغب أن أسرد لك حكايته فأسبب لك وجع الرأس.

لكني تلهفت لسماع حكايته فطلبت منه أن يحكيها لي...فاستطرد قائلا:

كان بطالا، تعرف على فتاة أعجمية؛ قالت له أن أخي رئيس شركة، إن تزوجتني شغلك...وبدأت بينهما علاقة غير ملائمة.

حتى قرر أن يتزوجها...طلب مني خطبتها، بيد أني رفضت طلبه رفضا باتا. ثم أشار إلى (دشداشته) البيضاء وقال:

دشداشة نقية بيضاء..إن رقعتها بوصلة سوداء...كيف تبدو؟!

ثم واصل حديثه بهدوء حزين فقال:

راح لوحده يخطبها إلى أهلها، فوافقوا على الفور؛ بل وتكفلوا بجميع مخارج الزواج ...فتزوجها.
لم نحضر حفل زواجه لنعبر عن رفضنا واستنكارنا.

ثم أضاف وهو ينظر إلى السيارات المركونة عند مدخل الحديقة العامة منتظرة الركاب المتجهين إلى عبادان:

مضى من ذلك الزمان خمس سنوات، وصار يزورنا هو وأطفاله وزوجته بين الفينة والأخرى...يأتون، يتراطنون، ويمشون.

وأدار وجهه المجعد إلى جهة الحديقة، نزع نظارته، غسل وجهه بماء الخرطوم؛ لعله يغسل دموعا لا يريد أن تخدش كبرياءه، أو تهدم آخر أمل في حياته وهو يترقب اندكاكه في كل آن... أنّ متسائلا:

أليست حكايته حزينة؟

قلت: بلى، حكاية الضياع حزينة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى