الخميس ٢٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٤
بقلم
حكمةُ الكولونيل
*إلى غابرييل غارثيا ماركيز
وأنا أقرأُُُ ماركيزوأنا أعيشُ مع الجنرال المتقاعدِ العَجُوزتَذكرتُ أسلافَ الهنودِ الحُمْرصَقيعَ الغاباتِ الجنوبيةخريرَ مياهِ الأمازونلهيبَ الشمسِ في الصومالسلاسلَ العبيدِ غربَ أفريقيافَقْرَ السوريين أيامَ الأتراكجوعَ الماشية والبشر أيامَ السفربرلكبُناةَ الإهراماتِ الفقراءحفاري قناةِ السويس الموتىأعوادَ الثقابِ المحترقةَعندَ جدولٍ ناشف.بحَسرتِها التي ورثَتْها عن فَقْر جدَّاتها الكولومبياتبهزيمةِ زوجِها التي فَتحتْ الطريقَ للديكتاتوربحيرَتِها في تَدبيرِ قهوةِ الصَباحِ أو عَشاءِ الديكبمرضِها السَقيمبموتِها الذي عاشَتْه بطيئاً مثلَ روايةٍٍ مُملةبكوابيسها الليليةصحبةََ زوجٍ غَنيٍ بالأوهامِبحُزنِها الذي عَشَّشَ في أمعاءِ الشتاءبيأسِها من بَريدِ الجنرالبخيباتِها المتكررةأقامتْ بيتاً خاوياً من حكمةعَلَّقتْ سلالاً ملأى باليأسجفَّفَتْ حليباً من أسىخزَّنت آباراً من فجيعةميراثاً من هُراءٍ وطحينٍ زائف.أيُّها الماضييا وريثَ الحشراتِ الشاردةأيُّها البعيد،يا (بويندا)* المُنهزمأما نسيتَ بعضاً من زَهْو القُبَّراتعندَ مقبرةِ الطائرِ العائدِ من جنةٍ فارغة؟أيُّها الحريقُ الذي لم يندلعْإلا في حَطبِ الجوعتلكَ شُرفةٌ للتثاؤبمشنقةٌ للرحمةاستمتعْ بعَجْرَفة الأبدية.أُيُّها المستقبلُ المعقوفُ مثلَ صليبِ النازيأَمَا للحُروفِ من أَثرْأما للكلمات من مِديةٍ أو سَيفأما للحلمِ من تَكوينٍعلى ظلِّ لوحةٍ لماتيسأو جانبَ سورٍ في خيال الجنائز؟أما للكهوفِ من غذاءٍسوى الظلمة واللصوص؟انتهتْ متاعبُ الميِّتْاجعلْ حذاءَك القديمَمستودعاً للطيبةتقدمْ حفلةَ المُغفلينتلك التي تكشفُ للخالقجرائمَ الحشراتخديعةََََ المواعظِ والنظريات،مبارزةُ الديوكتفيضُ على حاجة المُعْدَم.وأنتَ أيُّها الروائيُّ الطاعنُ في الصبر والرَويّْأما توقفتَ قليلاًلتُطعمَ الجوعى من نِثارٍ السَردِأما كانَ ينبغي؛أنْ تُدبِّجَ للكولونيل تلك الرسالةَ المرتجاةَولو من بابِ الخِداعِ والتَزييفأو على سبيلِ المُتعة الذهنية؟أعرفُ أن الحياةَ لا تخضعُ لمزاجِ الكُتَّابِ المُحترفين أمثالكْلكن كثيراً ما تنحرفُ الكلماتُوقليلاً ما تتماهى الشخوصُ مع المصائر.لم تكنْ لتخسر نوبلَ لو فعلتَولن تخسرَ الواقعيةَ السحريةلو حسمتَ أمرَ الديك،القراء؟دعكَ منهم؛إنهم لا يُشكلونَ سوى الدخانَ المتصاعدَمن رأسِ السيجارةِ المُشتعلةإنَّهم يبحثون عن حبيباتِهم بينَ الأَسطروعن أطماعِهم داخلَ الجُمَلوالمحترفون منهميرمقونَكَ بعينِ الحَسد،وكثيرٌ منهم يودُّ إدراكَ سرَّ فَشلِه فيما اقترفدَعْكَ منهم ومنّاالقرويونُ أجملُ من عَناءِ الكُتب والنُقادخاصةً أولئك الذين يتحلقونَ حولَ أقراصِ العسلِ الآمنةوهم يلبسون ملابسَ المُنحلينوَشَبكَ الوقاية من إبر النظريات،القُرى أكثرُ فائدةً للترجمةِ من تراجيديات يوربيدس،لا تقبل نصيحتي؛فكلُّ حكمةٍ تحملُ رعونَتَهاولكن من باب التلفيقلا تحتكمْ لتاريخِ الشجرأو فلسفةِ الأوروبيينفي إسداء العِِبرةِ عبرَ الرواية،تَقدمْ وَحْدَكَ السحرَ والقَشْعريرة؛فحينَ جعلتَ تلكَ العَجوزَ تطيرُ مع الهواءصدَّقَكَ الناسُ وكذَّبوا الطبيعةفلماذا وضعتَ كلَّ قسوتِك فوقَ رأسين بائسين؟لم تكنْ بيكيت لتحرمَ غودو من المجيءأو موسى لتمتحنَ شعبَك في التيهِولم تكنْ مُحمداً لتعلِّمنا السعيَ والطَّوافْأو المسيحَ لتمدَّ ذراعيكَ فوقَ الصَليبورجليكَ للمَساميرْلكنَّك عن سَبْق تَفكيرٍ وتَرصُّد؛تربَّصْتَ بالهزيمةِ والإحباطحتى آويتَهما إلى فراش النياشين.ربَّ ذنبٍ جرَّه العارُربَّ أوسمةٍ لم تنمْ على أكتافِ حامليها.أطلقْ الديكَ يا ماركيزأطلقْه ليشاركَ في السباقأو بِِعْهُ بما يفكُّ عسرَ الطبيعةِ ويسكتَ الجوعاذبحه بسكين الاشتهاء على الأقل،لا يا غابرييل،ليست العبرةُ يائسةً إلى هذا الحدليست الفضيلةُ في قهرِ أصدقائِنا بطريقةٍ روائية.
*اوريليانو بويندا اسم الجنرال في رواية ليس لدى الجنرال من يكاتبه.