ديوان العرب في حوار مع الدّكتورة إلهام شمالي
أهلًا بِضيفِنا: فقرة حوارات أسبوعيَّة لمجلَّة ديوان العرب العريقة.
د. إلهام: "ديوان العرب أيقونة جمعت أدباء الوطن العربي، وأبرزت مواهب النّشْء"
*موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيفة:
إلهام جبر سالم شمالي فلسطينية.
دكتوراه من جامعة عين شمس في مصر2019م.
مشرف ومناقش في جامعة الأقصى بكلية الآداب والعلوم الإنسانية منذ عام 2020 وحتى الآن.
مشاركة في العديد من المؤتمرات.
حاصلة على عدّة جوائز وتكريمات.
لديها عدّة دراسات علميّة قبل الدّكتوراه.
ضيفة حوارات على العديد من الصحف والمواقع المصرية.
كاتبة في عدة مواقع الكترونية.
– لديها مؤلَّفان:
1 كيف استوطنوا فلسطين؟ قصة تمويل الاستيطان في فلسطين
2 الصندوق القومي اليهودي ودوره في خدمة المشروع الصهيوني.
وهذا نصّ حواري معها:
نلتِ درجة الدّكتوراه من جامعة عين شمس في مصر2019م، بتقدير امتياز مع مرتبة الشّرف الأولى، ما موضوع رسالتك، وما هي الصّعويات الّتي واجهتِها بسبب ظروف الاحتلال في بلدك؟
موضوع الرسالة كان الصندوق القومي اليهودي ودوره في خدمة المشروع الصهيوني خلال الفترة 1900-1948م، وهو الذي صدر في كتاب عام 2022م، كشفت هذه الدراسة بتفاصيلها الدقيقة مجمل المخططات التي وضعتها المؤسسات الصهيونية، لنهب أراضي فلسطين قبل عام 1948م، وكيف وقعت فلسطين بين مخالب الانتداب البريطاني والمشروع الصهيوني الذي نفذ برعاية دولية، هذه الدراسة أكدت أن كل ما قامت به المؤسسات الصهيونية والمال الذي تم توظيفه لم تستطع السيطرة على أكثر من 3% من مساحة أراضي فلسطين التاريخية، وهذا يؤكد أن الشعب الفلسطيني كان ومازال متمسكاً بأرضه رافضا لكل مشاريع الاحتلال والإغراءات والإبادة التي تعرض ويتعرض لها في سبيل المحافظة على وطنه.
أما عن صعوبات الدراسة فاليوم اشعر أنها كانت مهمة شاقة وممتعة في نفس الوقت وأنا أنظر إلى تلك الأيام، أهم الصعوبات كانت الحصار المفروض على قطاع غزة، وعدم إمكانية الباحث التنقل بين محافظات الوطن للاطلاع على الأرشيفات، وجمع المادة العلمية والوثائقية الخاصة بهذه الدراسة التي بها حاربت السردية الإٍسرائيلية المشوهة للسردية الفلسطينية، وبينت بالأرقام والدلالات الجغرافية والسياسية والإستراتيجية كم كانت فلسطين غالية على أبنائها.
في كتابك(الصّندوق القوميّ اليهوديّ ودوره في خدمة المشروع الصّهيونيّ في فلسطين) استعنتِ بمراجع بثلاث لغات: عربيّة، وإنكليزيّة، وعبريّة، هل قُدّمتْ لكِ تسهيلات، ولا سيّما أنك استطعت الوصول إلى المكتبات الصّهيونيّة داخل الأراضي المحتلّة؟
اللغة كانت إحدى أهم التحديات التي واجهتها في دراساتي، فكل ما كتب عن المؤسسات الصهيونية والإسرائيلية باللغة العبرية، والعبرية القديمة التي تعرف بلغة الإديش وهي لغة يهود ألمانيا، والقليل القليل يتقنها حتى داخل إسرائيل، فتولى الأمر أحد الشعراء في الداخل الفلسطيني وأذكره هنا بالاسم الشاعر (خالد أغبارية)، فقام بأخذ الكتاب والوثائق وترجمتها عند نزلاء دار المسنين ممن يتقنون هذه اللغة، التي قاربت على الانقراض داخل ما يسمى المجتمع اليهودي، وقام صديق آخر في الجالية المصرية بألمانيا بترجمته جزء من مادتي، وكذلك استعنت بمترجم لغة عبرية مساعد، لإنجاز الدراسة في وقت قياسي، واستعنت بمترجمة لغة فرنسية.
إجمالا هذه الدراسة كانت شاقة في مضمونها وكتبها ووثائقها التي كانت بحاجة بتمحيص دقيق، ونقد كامل لكل ما تحتويه من معلومات وأرقام ومغالطات أحياناً، هدفها التجني على الشعب الفلسطيني ووصفه المفرط بأرضه، ولكن القارئ للفصل الرابع من هذه الدراسة يدرك تماما الموقف الشعبي والرسمي الفلسطيني من نشاط المؤسسات الاستيطانية، وكيف شكلت مؤسسات فلسطينية هدفها تقويضه عمل المؤسسات الاستيطانية إلا أن الخلافات الحزبية ونقص التمويل لها حال دون تنفيذ دورها، كما أن تشكيلها جاء في السنوات الأخيرة والقضية الفلسطينية أصبحت على المحك عام 1948م.
عن الكتاب ذاته، يقول الباحث السّياسيّ أحمد خليفة:
"أمّا الفصل الثّالث، فبيّنَ دور الصّندوق القوميّ اليهوديّ في شراء الأراضي الفلسطينيّة بعد ثورة ١٩٣٦"
كيف تمّ هذا الأمر، وما صاحبهُ من تطوّرات على السّاحة الفلسطينيّة الإقليميّة والدّوليّة؟
هذه المرحلة من أخطر المراحل التي مرت على القضية الفلسطينية قبل عام 1948م، حيث تمكنت الحركة الصهيونية من السيطرة في سنوات العشرينات على سهول فلسطين الخمسة، وأقامت مستوطناتها، وتم تكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، لتنطلق مرحلة جديدة في إقامة المشروع الصهيوني التي أفضت لإقامة دولة الاحتلال، وتهجير الشعب الفلسطيني، ولكن ذلك لم يكن بالسهولة فقد واجه المشروع الصهيوني والاحتلال البريطاني المتآمر على فلسطين، ثورة الفلاحين الذين تمسكوا بأراضيهم ورفض بيعها، وحاربوا سماسرة الأراضي، وظهرت الفتوى الدينية الإسلامية والمسيحية التي تحث على عدم التفريط بالأرض، ووصل الحد إلى تكفير كل ما يقوم بذلك في هذه المرحلة قام الصندوق القومي بمحاولات عديدة لتغلغل في المناطق الجبلية من فلسطين، وحاول السيطرة على السهل الساحلي الفلسطيني على البحر المتوسط، وتطلع لمد نفوذ إلى جنوب فلسطين، حيث صحراء النقب والعمق الإستراتيجي لفلسطين مع مصر فالسيطرة عليها يعني أنه أمن الاستيطان في محاوره جميعاً.
هذه الثورة كشفت عن الوجه الحقيقي لبريطانيا أمام الأحزاب الفلسطينية التي تهادن بريطاني وتعتبر عدوها الوحيد الصهاينة فقط، هذه الثورة التي استمرت ثلاث سنوات من عام 1936-1939م، قال فيها الفلسطينيون (نعم للنضال، لا لمهادنة المحتل)، ومارست فيها بريطانية سياسة فرق تسد لتفريق الثوار ونفي بعضهم إلى خارج فلسطين أمثال الحاج أمين الحسيني، ولكن الثورة لم تكتمل فيه حينه حين تم الالتفاف عليها بأوهام عربية بعد استشهاد أكثر من 5 آلاف فلسطيني وجرح أكثر من 15 ألف فلسطيني.
مَن الدّول الأوروبيّة الّتي كانت الدّاعمة للمشروع الصّهيونيّ، والصّندوق القوميّ لليهود ما بين عامَي ١٩٤٨- ١٨٨٠؟
في مقدمة هذه الدول تأتي الولايات المتحدة التي كانت أكبر ممول للمشروع الصهيونية إذ بلغت نسبة التبرع بحولي 60% من مجمل التبرعات، تبعتها بريطانيا، وجنوب أفريقيا، كشفت هذه التبرعات كيفية استخدام المال والإعلام وتوظيفه في خدمة المشروع الصهيونية، وهنا نستحضر دور الجاليات الفلسطينية في الشتات لتقوم بدورها في توعية العالم بالمخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية
حصلتِ على وسام المرأة الفلسطينيّة المبدعة للعام 2020م، عن فئة الأبحاث والدراسات، هل ترين أنّ المرأة الفلسطينيّة المبدعة تنال ما تستحقّه من تكريم رغم ظروف الحياة الصّعبة في فلسطين؟
وسام المرأة العربية كان عن فئة الأبحاث والدراسات جاء كوني الباحثة الفلسطينية من غزة، الأولى التي تمكنت من الحصول على درجة الدكتوراه في تاريخ الحركة الصهيونية، حصلت على الدرجة بتفوق، وقدمت بوقت قياسي سلسلة من الدراسات المتخصصة في الشأن الصهيوني والصراع العربي والإسرائيلي، ومنها نظرية الأرض في الأمن القومي، والمثلث الفلسطيني بين التهويد والضم، وغيرها، وتوجت الوسام بمشروع جمع الرواية الشفوية الفلسطينية.
أيضًا حصلتِ على الجائزة الثّانية في مسابقة التّطبيع الّتي عُقدت في بيروت عام 2021م، ما مضمون ورقة بحثك الّتي قدّمتِها؟
الجائزة الثانية كانت عن دراسة مفصلة حول التطبيع الثقافي وأثره على القضية الفلسطينية، قدمتها للمسابقة التي أعلن عنها من مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، وأكاديمية المسيري للأبحاث تناولت فيه مخاطر التطبيع الثقافي على الوعي العربي والإسلامي، وتأثيره على مركزية القضية الفلسطينية في نفوس وعقول الأمة العربية والإسلامية، ولا شك فيه أن التطبيع السياسي والاقتصادي له مخاطره لكنه لا يوازي مخاطر التطبيع الثقافي الذي يجري في الإعلام العربي، عبر استضافة كتاب وناطقين إعلاميين باسم الجيش الإسرائيلي الذي يقتل ويبد الشعب الفلسطيني، تحت شعار الرأي والرأي الأخر، وكذلك المسلسلات العربية التي باتت تتناول قضية اليهود في البلاد العربية على اعتبار أنها مأساة عربية، وفي الحقيقة إنها مأساة أحدثتها إسرائيل بأجهزتها الاستخباراتية التي ساهمت في تهجير يهود البلاد العربية.
لديكِ دراسة عن المؤرّخة الحيفاويّة خيريّة قاسميّة 1936م- 2014م حياتها وأعمالها، ما سبب اختيار هذه الشّخصيّة، وماذا قدّمت؟
من الشخصيات التي اعتبرها قدوتي الأولى في البحث العلمي، أكاديمية من الطراز الأول، صاحبة قضية ومنهج يعتد به؛ فهي أول كاتبة فلسطينية متخصصة في خبايا الصهيونية وتياراتها ومشاريعها في الوطن العربي.
جمعت الروايات من الرعيل الأول للثورة الفلسطينية، تفحصت المذكرات والأوراق الشخصية للقيادات الفلسطينية أمثال (فوزي القاوقجي، عوني عبد الهادي، عزة دروزة)، في كل هذه الأعمال عملت قدر على عدم المساس بتلك المذكرات قدر الإمكان، أنجزت عشرات الكتب والدراسات التاريخية المتخصصة
عملتِ على تنفيذ مشروع تدوين الرّواية الشّفويّة من اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات قطّاع غزّة عامَي 2019م- 2020م، ما الهدف من هذا العمل، ولمَ ليس عملًا كتابيًّا؟
هذا المشروع كلفت به من مؤسسة هيئة أرض فلسطين ورئيسها الدكتور سلمان أبو ستة، مضمون المشروع جمع الرواية الشفوية الفلسطينية ممن تبقوا من اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من بيوتهم وقراهم عام 1948م، وكما تعلمين فقطاع غزة احتوى ما يقارب 254 قرية فلسطينية، وكان هناك جهود لجمع الرواية الشفوية عن التراث والحياة في القرى، والعادات والتقاليد في الزواج والمناسبات، لكن كان هناك جزئية ميزت عملنا أننا ركزنا على الجانب العسكري في جمع الرواية صحيح أن عدد كبار السن لم يتجاوز في حينه 2% ممن بقوا على قيد الحياة، لذلك كانت المهمة صعبة لتفتيش عن تلك الشخصيات بين محافظات قطاع غزة ومخيماتها، وخشية البعض منهم من التواصل وفتح الحيز المؤلمة من ذاكرة التهجير القسري والقتل والتشريد الذي تعرضوا له.
وكذلك ضعف ذاكرة البعض منهم، ولكن بعد سلسلة لقاءات متعددة وصل عددها 77 مقابلة خلال عام من المشروع تمكنا من انجاز ملف خاص بكيفية اقتحام القرى الفلسطينية والهجوم على البيوت وإجبار على أهلها على الرحيل، ومنعهم من العودة إليها.
والجميل في هذا المشروع عند دخول أي بيت تجد معالم الحياة الفلسطينية الأصيلة من ذكريات ومقتنيات وأسلحة من سلاح الثوار في حرب عام 1948م، واللباس العسكري للآباء والأجداد الذين شاركوا بهمة وجهاد في حرب النكبة، وممن صمدوا في قراهم حتى عام 1949م، ليتم ترحيلهم قسرياً بسيارات عسكرية إسرائيلية.
هذا المشروع كان بحاجة لاستكمال، ونأمل أن يتم ذلك في القريب العاجل، ونخرج محتوى المادة المسجلة إلى حيز الوجود وتكون في كتاب قادم.
كتبتِ مقالًا عنوانه: تراجع تمثيل المرأة الإسرائيليّة في الكنيسيت2019م.
باختصار ما هي أبرز عوامل هذا التّراجع؟
تراجع تمثيل المرأة الإسرائيلية، راجع لسيطرة الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة على المجتمع الإسرائيلي بشكل أساسي، ولعل أول ظهور للمرأة الإسرائيلية في تلك الأحزاب الدينية كان في انتخابات الكنيست عام 2015م، حتى مع منع دساتير تلك الأحزاب النساء من العمل في السياسة أو الترشح للكنيست، فقضايا المرأة وتمثيلها لم تعنِ المرأة الإسرائيلية ذاتها وظهر هناك تراجع واضح في مشاركتها بالحياة السياسية بفعل تقليص الأحزاب الإسرائيلية لعدد مقاعدهن داخل الحزب.
فلطالما كان تأثير الأحزاب الإسرائيلية يأتي رفع شعار الاستيطان في الأرض الفلسطينية، وتهويد المقدسات الفلسطينية، ومحاربة الوجود الفلسطيني ككل، تبني لها قاعدة في المجتمع الإسرائيلي الذي انحاز للتطرف التشدد اليميني بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
كيف ترينَ دور موقع ديوان العرب في السّاحة الثّقافيّة، وما هي اقتراحاتك لتطويره؟
ديوان العرب من المؤسسات العريقة التي تعرفت على نشاطها قبل ستة أعوام فقط، هذه المؤسسة تمكنت بجهودها أن تجد أيقونة عربية موحدة جمعت الأدباء والشعراء من الوطن العربي، وأبرزت مواهب النشء منهم، فكان ديوان العرب بمثابة النافذة لهم للعالم العربي والغربي.
من اقتراحاتي أن يتم عقد ندوة كل أسبوعين أو شهرية عبر الزووم، فهناك الكثير من الشباب العربي بحاجة لِصَقل مهاراته، وتوعيته بتخصصه الذي يبدع فيه ليكون أكثر مبدعاً، وفرصة أيضا للتعرف على أدباء وشعراء في كل ندوة من قطر معين من الأقطار العربية والشتات أيضاً
كذلك من المهم وضع مكتبة خاصة بإنجازات ديوان العرب على الموقع لتكون بمثابة أرشيف ومرجع على موقع ديوان العرب السباق في هذا المجالات الأدبية.