السبت ٢ آب (أغسطس) ٢٠٢٥
بقلم ميادة مهنا سليمان

حوار مع الكاتب الجزائريّ محمد الصّدّيق منّيخ

السّيرة الذّاتيّة للضّيف:

محمد الصّدّيق منّيخ، كاتب جزائري من مواليد 13 يناير 2002، مدينة قسنطينة، الجزائر. متحصل على شهادة الماستر تخصص قانون دولي وعلاقات دولية.
مهتم بالقصة القصيرة إضافة إلى الشعر والكتابة المسرحية. نشرت له عدة قصص قصيرة ونصوص شعرية عبر مجلات ومنصات وطنية وعربية.

فائز ب:

جائزة عمار بلحسن للإبداع القصصي سنة 2022 عن مجموعته القصصية "عبثيّات".

جائزة تلك القصص للقصة القصيرة سنة 2023.

جائزة ديوان العرب للشعر العربي 2025.

في رصيده:

عبثيّات: مجموعة قصصيّة.

نبارك لكَ فوزك في فرع الشّعر، حدّثنا عن فكرة قصيدتك، وكيف تعرّفت على مسابقة ديوان العرب؟

الشّعوب التي تعايش نفس الآلام لا بدّ أن تطلق نفس الصرخات؛ والشّعب الجزائري كما هو معلوم سبق وأن خاض مقاومة عتيدة وثورة مديدة ضد استعمار مازالت آثاره النّفسيّة والاجتماعيّة مستمرّة ليومنا هذا. وصرخة الشّاعر في هذا العصر الذي لا يستطيع أن يفعل فيه الكثير لا بدّ أن تكون على الأقلّ شعرا. من هنا جاءت نبعة هذا النّصّ الذي فزت به في مسابقة ديوان العرب، ولا أحبّذ القول إنّه فكرة أكثر من قولي إنّه بركان يسكنني وينفجر بين الفينة والأخرى في شكل قصائد، لأنّ الشّعر وحده القادر على التّعبير ولو جزئيّا عن مثل هكذا انفعالات.

بالنّسبة لمسابقة ديوان العرب فنحن نتحدّث عن كيان غنيّ عن التّعريف ينشط منذ أزيد من عقدين، وفي ظلّ خمول وغياب العديد من المنابر الثّقافيّة والإعلاميّة أمام الأوضاع الحاليّة في فلسطين وغزّة، تنظيم الدّيوان لمثل هكذا مسابقة هو بمثابة وسام للشّجاعة والالتزام، ومشاركتي في مثل هذه المبادرة هو بحدّ ذاته تكريم لي، فبمجرّد اطلاعي على إعلان المسابقة قرّرت أن أشارك لعلّ نصّي هذا يكون قطرة في بحر المقاومة الأدبيّة.

كيفَ اكتشفَتِ القصيدةُ طريقَها إلى عالمك، ولا سيّما أنّك تكتب القصص؟

الحقيقة أنّني قاصّ بدرجة أولى غير أنّني أكتب الشّعر الموزون إضافة إلى قصيدة النّثر، بحيث أتعامل مع كلّ جنس أدبيّ باستقلالية بحكم أنّ لكلّ لون أدبيّ خصوصيّته. وكما سبق وأشرت الشّعر هو مترجم للانفعالات التي تعجز القصّة أو غيرها من الأجناس عن التّعبير عنها، بحكم أنّ الانفعال وحده غير قادر على توليد النّثر الذي يتأسّس على ركائز أخرى، على عكس الشّعر الذي ينطلق أساسا من الانفعالات الدّاخليّة والانعكاسات الخارجيّة. فلكلّ فكرة إذن ما يناسبها من قالب؛ منها ما يحتويه قالب الشّعر ومنها ما يضمّه قالب النّثر.

من هم الشّعراء الّذين تقرأ لهم، وكان لهم تأثير على إبداعك الشّعريّ؟

أرى أنّ إحصاء الكاتب لمن يقرأ لهم فيه شيء من التّكلّف بل ربّما الاستحالة، ولعلّي أكتفي هنا في الشّعر بذكر ابن الفارض وأمل دنقل؛ والإيرانيّة فروغ فرخزاد، إضافة إلى العديد من الشّعراء الحاليّين ومنهم الشّباب طبعا، الذين أستمتع بالقراءة لهم كإبراهيم صديقي وفارس بيرة من الجزائر، جلال الأحمدي من اليمن، وغيرهم. فبشكل عامّ أحبّ القراءة للشّعراء الذين يكسرون النّمطيّة الشّعريّة بأسلوبهم محاولين تأسيس لغتهم الشّعريّة الخاصّة.

ما أهمّيّة إقامة مسابقات أدبيّة تكون مضامينها عن مقاومة الشّعوب المستعمرِة؟

سؤال شائك يحتاج إلى جلسات ولقاءات، إذ لطالما علت بعض الأصوات المنتقدة بقولها إنّ الكلمة لا تفيد في الوقت الذي يوضع فيه السّلاح جانبا، لكنّنا هنا نتحدّث أساسا عن مرحلة أساسيّة في أيّ نضال أو مقاومة وهو التّأسيس الفكريّ للمقاومة الذي يكون عن طريق الفكر والثّقافة والأدب، إذ أنّنا في مرحلة للأسف لا نستوعب فيها حتّى مفهوم المقاومة وأبعادها. فالمسابقات الأدبيّة التي تعنى بمقاومة الشّعوب المستعمرة هي من جهة تأريخ للّحظة ونقش في نفوس الأجيال القادمة، ومن جهة أخرى محاولة لتفعيل البعد الثّقافيّ للتّحرير؛ فمادام المحتلّ يتّخذ في احتلاله أشكالا تتعدّى السّلاح إلى الثّقافة والإعلام...فلا بدّ للمقاوم أن يقابله بأشكال متعدّدة من النّضال.

هل للمكان تأثير على شخصيّات الكاتب، وما أثر مدينتك (قسنطينة) في أعمالك الأدبيّة المتنوّعة؟

كما تقول العرب قديما الشّاعر ابن بيئته، وإن كانت البيئة هنا في مفهومها أوسع من المكان إلّا أنّ هذا الأخير لابدّ أن يطبع بصمته على الكاتب بشكل أو آخر، لدرجة أنّ بعض الكتّاب ارتبطت نصوصهم بالأمكنة أكثر من ارتباطها بهم كنجيب محفوظ وحنّا مينه مثلا. فعندما نتحدّث عن المكان فنحن لا نتحدّث فقط عن حيّز ماديّ وبيوت وجدران، نحن نتحدّث عن تاريخ وهويّة وانتماء يساهم في البناء النّفسيّ والاجتماعيّ والفكريّ للكاتب.

بالنّسبة لمدينتي قسنطينة فهي من أشهر المدن التي قد ألهمت قبلي العديد من الشّعراء والرّوائيّين وأنا مثلهم قد استقيت منها العديد من نصوصي، خاصّة أنّها مدينة تعبق حجارتها بتاريخ خصب من التّراث والوقائع والقصص.

هل أفدتَ من دراسة القانون في كتابة قصص من وحي الظّلم، وتحقيق العدالة؟

أكيد؛ كلّ المدخلات التي يتلقّاها الكاتب ستنعكس بشكل أو آخر على كتاباته، فقط هنالك من يمتلك المهارة في إخفاء هذه الانعكاسات على نصوصه ومنهم من يدعها حرّة تتداعى. دراستي للقانون قد فتحت لي أبوابا جديدة سواء من ناحية التّكوين الفكريّ عندما نتحدّث مثلا عن فلسفة القانون والعدالة والحقوق والحريّات؛ أو من ناجية التّجارب الحيّة من خلال مختلف الأصناف التي أحتكّ بها ضمن هذا المجال والتي كانت بمثابة وحي خالص لكتابة بعض نصوصي. وطبعا بحكم تخصّصي في القانون الدّوليّ والعلاقات الدّوليّة فإنّني مطّلع بشكل مستمرّ على القضايا العالميّة ونضالات الشّعوب بداية بالقضيّة الفلسطينيّة كمحور اهتمام، وكان أحد إفرازات هذا الاهتمام نصّي "لم يحدث شيء" الفائز بمسابقة ديوان العرب.

في مجموعتك القصصيّة (عبثيّات)، لاحظتُ أسلوب الظّرافة في القصص، هل هو نهج دائم في كتاباتك السّرديّة، أم هذا ما اقتضته الحال في تلك المجموعة؟

كما سبق وأشرت أتعامل مع كلّ نصّ أكتبه باستقلاليّة، إذ أعتبر كلّ نصّ عالما قائما بذاته له قوانينه التي لا بدّ أن يقوم عليها، فلن أقول إذن إنّ لي نهجا دائما في الكتابة. مجموعتي القصصيّة "عبثيات" هي إصداري الأوّل الذي يضمّ تجاربي القصصيّة التي كتبتها في سنّ مبكّرة بين السّادسة عشر والسّابعة عشر، وقد فازت المجموعة بجائزة عمّار بلحسن للإبداع القصصيّ وهي جائزة وطنيّة من المبادرات القليلة التي تهتمّ بالقصّة القصيرة في الجزائر. وقد صدقت ملاحظتك فعلا إذ أنّني اعتمدت فيها نمطا أدبيّا قائما على المفارقات والرّمزيّات السّاخرة، إذ أنّني أفرّق في كتاباتي بين طبقتين من القرّاء، ما أسمّيه بالقارئ المستكشف والقارئ المنقّب، الأوّل الذي قد لا يثيره في النّص سوى ما تعلق ببنائه اللّغويّ والجماليّ، والثّاني الذي يذهب أبعد من ذلك محاولا أن يصير جزءا من النّص ليفهم خصوصيّته وتوجّهه الأدبيّ والفكريّ.

لديك اهتمامات مسرحيّة، هل هي الكبار أم للأطفال، وكيف ترى حال المسرح في بلدك؟

الحديث عن الكتابة المسرحيّة حسّاس جدّا، إذ أنّنا نتكلّم عن نصّ يُكتب ليواجه المتلقّي بشكل مباشر، وسواء تعلّق الأمر بالكتابة للطّفل -وهو ما أهتمّ به أكثر حاليّا- أو للكبار فإنّي مازلت أتوخّى الحذر فيما يتعلّق بهذا الجنس الأدبيّ، بحكم أنّه للأسف يخضع لأزمة كبيرة تتعلّق بالنّمطيّة سواء في كتابته أو في تقديمه على الرّكح، حتّى يُخيّل للواحد منّا أنّه يقرأ نصوصا يكتبها شخص واحد أو يشاهد مسرحيّات يُحرَّك فيها المؤدّون عن طريق خيوط؛ فنفس العبارات والتّعابير والحركات، وهذا ما أحرص على التعامل معه بدقة حتّى أتجنّبه.

بالنّسبة للمسرح في الجزائر فإنّه يخضع كغيره من المسارح العربيّة لأزمة النّمطيّة التي سبق وأشرت لها، وإن كانت طبعا الطّفرات موجودة إلّا أنّنا لا نقيس على القليل النّادر بل على الكثير الشّائع إذا ما تحدّثنا حول الظّاهرة، هذا من ناحية الكتابة والتّقديم أمّا من ناحية التّلقّي فالوضع معلوم أنّ من يحضر المسرح اليوم عدد ضئيل في ظلّ المفاهيم الحضاريّة والثّقافيّة المغلوطة الشّائعة عندنا للأسف والتي تجعل المسرح آخر الاهتمامات، إضافة إلى غياب استراتيجيّة فعّالة في جذب النّاس أكثر نحو المسارح.

ماذا عن الرّواية في عالمك الأدبيّ، هل تفكّر في كتابتها، وما الرّوايات الّتي قرأتَها، وأعجبتك؟

الرّواية ثقيلة جدّا، لا أقول إنّها أسهل أو أصعب من جنس أدبيّ آخر فلكلّ خصوصيّته، لكنّ لها أدوات وملكات لا بدّ من تملّكها قبل الخوض فيها، ولا عيب في أن أكون صريحا مع نفسي أوّلا أنّني مازلت أخشى الاقتراب منها حاليا ولا أرى نفسي قادرا على كتابة رواية جيّدة، إذ مازلت في مرحلة التّكوين والبناء، وربّما قد أخوض فيها مستقبلا.

أمّأ بالنّسبة لسؤالك حول الرّوايات التي أعجبت بها فهذا كسؤالك سالفا حول الشّعراء الذي قرأت لهم، أقول إنّ العدد كبير وكلّ روائيّ له أسلوبه الذي يتفرّد به ويأسرك به بين صفحات نصّه، ربّما سأذكر فقط الإخوة كارامازوف لدوستويفسكي؛ أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، كما أحبّ القراءة لحنا مينه ورشيد بوجدرة...وغيرهم.

كلمة لموقع ديوان العرب وما هي مقترحاتك لتطوير الجائزة؟

في وقت تراجع فيه الكثيرون إلى الخلف ليلتزموا الصّمت، لا بدّ من أن نحيّي ونشير بالبنان إلى ديوان العرب، فرْدا فردا على جهودهم شجاعتهم ومبادراتهم المتنامية لبعث إشعاع ثقافيّ أدبيّ في الوطن العربيّ، راجيا أن يمهَّد لهم هذا السّبيل أكثر.

ومن الواضح أنّ هنالك تخطيطا وتنظيما ذكيّا من قبل القائمين على المسابقة إذ كانت فكرة تضمين "الصّورة" كفرع من فروع المسابقة لهذه الدّورة في وقتها ومحلّها. وقد أفيد بشيء إن اقترحت أن يكون هناك فرع جديد في المسابقات القادمة يتعلّق بالسّيرة الذّاتيّة لشخصيات مناضلة لا سيما في المجال الفكريّ والثّقافيّ، أو اعتماد تعدّد لغويّ في المسابقة بحيث لا تقتصر فقط على اللّغة العربيّة من أجل توسيع أكثر لتأثير هذه المسابقة، إضافة إلى الاهتمام بأدب الطّفل من أجل تكوين جيل يرتكز على مفاهيم سليمة قويمة بدءا من القراءة.

وأخيرا لا يسعني سوى أن أشكر ديوان العرب كلّ باسمه، وأشكرك أيضا أستاذة ميّادة على هذه الأسئلة الموجَّهة والموجِّهة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى