الدّكتور شعيب حليفي في حوار مع ديوان العرب
أهلًا بِضيفِنا: فقرة حوارات أسبوعيَّة لمجلَّة ديوان العرب العريقة.
موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيف:
– شعيب حليفي كاتب وروائي، وأستاذ جامعي من المغرب.
– رئيس التحرير المسؤول عن مجلة سرود.
– يشتغل أستاذا للتعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء
يتحمل عدة مسؤوليات منها:
– رئيس مختبر السرديات (كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك )
– مدير قسم دكتوراه تحليل الخطاب السردي.
– منسق ماستر السرد الأدبي الحديث والأشكال الثقافية
– عضو اللجنة العلمية بآداب بنمسيك – الدار البيضاء.
– وعضو في عدد من الهيئات العلمية الاستشارية لمراكز ومجلات محكمة.
– عضو محكّم في عدد من المؤتمرات الثقافية، وفي عدد من الجوائز .
– له العديد من المؤلّفات في النقد الأدبيّ والرّواية.
– صدرت عدّة كتب بإشرافه وتحريره.
– أشرفَ علميًّا على عدّة كتب صادرة ضمن سلسلة دراسات وأبحاث في النّقد الأدبيّ.
وهذا نصّ حواري معه:
قراءتي لروايتك الجديدة (خطّ الزّناتيّ)، أُثارتْ العديد من الأسئلة عندي، منها:
-سؤال: خطّ الزّناتي، أو علم الرّمل أوّل مَن نزل به هو سيّدنا جبريل على النّبيّ إدريس(ع)، ثمّ انتقل إلى اليونان، وبعدها إلى الهند، واستخدمه العرب ومن المشهورين كان التّبّع اليمانيّ.
لمَ لمْ تتطرق الرّواية إلى تمهيد عن هذا العلم غير الشّائع في بلدان عربيّة أخرى، وهو العلم الّذي حُرّمَ شرعًا، وقيل إنّ ما أتيح للنّبيّ إدريس هو "علم النّجوم" لمعرفة أوقات الصّلاة.
جواب: الأمر في الرواية ليس مثل البحث الذي يتطلب مقدمات وتمهيدات، لذلك فإن منطق ومسارات التخييل تختلف عن غيرها. كما أن عنوان الرواية يحيل إلى ملمح ثقافي شعبي لم يكن هو جوهر المعنى، وإنما ظل من ظلال الحيوات التي نتوارثها، وقد جعلته لامسته الرواية في محطتين، الأولى هي العنوان وذلك لأن المغاربة يتوارثون مثلا شعبيا بهاتين الكلمتين بقوله في حالات الإعجاز أو للدلالة على العلم المتمنّع؛ ثم ورد في متن الرواية في سياق بناء متخيل ثقافي مغربي ضمن طقوس العيش والحياة، وتمت الإشارة إلى الجد الذي جاء بهذا الطقس الثقافي في حكاية تضيء الراهن وتحولاته.
سؤال: مع البنية الجديدة للمجتمع المغربيّ في القرن الثّاني عشر نتيجة التّطور السّياسيّ، والاقتصاديّ، تطوّرت مظاهر البذخ والسّمر، وانتشر السّحَرة، والمتنبّئون بالغيب، وفي المقابل، كان الزّهد والتّنسّك، وانتشرت زوايا ومدارس في أهمّ المدن بفاس ومراكش.
هل مازال المجتمع المغربيّ إلى وقتنا الحاليّ يضمّ هاتين الفئتين المتناقضتَين؟
وهل من الممكن أن نجد من يعيش حالتَي التّناقض(متنبّئ، وزاهد) في الوقت ذاته؟
جواب: هناك تنوع مدهش في المغرب، قد أكون مفرطا بعض الشيء في بناء هذه الصورة التي أحملها وأؤمن بها عن بلدي المغرب، وربما تجد لها تقاطعات مع ثقافات في بلدان أخرى عربية وإفريقية ومتوسطية أو أمريكولاتينية.. ولكنني أعيش أحيانا في زمننا هذا عصورا كثيرا متعاقبة يحملها الوعي والسلوك والطقوس وتجليات ذلك في الثقافة. ففي مدينتي التي ولدتُ وترعرعت فيها، كثيرا ما يلتبس عليّ الزمن فأراني أعيش كما عاش أجدادي، خصوصا في مدينة صغيرة مندمجة مع العالم القروي، ونس الشيء بالنسبة لأغلب الطقوس والحياة في دوراتها الغريبة. وفي نفس الوقت توجد الحداثة في مختلف درجاتها في مدينة كالدار البيضاء وهي لا تبعد عن مدينة صغيرة مثل سطات أو أزمور إلا بساعة واحدة. إننا فعلا نعيش عوالم كثيرة في عالم واحدة، وأزمنة او بقايا أزمنة في زمننا .. وهذا يحتاج إلى الخيال للقبض عليه .
سؤال:تستهلُّ الرّوايةَ بلائحةٍ تعريفيّةٍ للشّخصيّات، والأمكنة، وللزّمن، تأتي على شاكلة مفتاح للنّصّ، وكان هذا الاستهلال فيه غموض، كقولك:
"سوسو: 5 سنوات أنثى من الكلاب المحليّة، يعتقد الرّاعي أنّ أصلها الأوّل من جنس آدميٍّ، وامتُسخت لسببٍ مجهول".
هل جميع رواياتك تبدأ باستهلالٍ كهذا، فقد بدا غيرَ مألوف، وما الّذي استدعى هذا الاستهلال، غرابة الرّواية، أم كونها تتطرّق إلى علم يحكي عن الغيبيّ؟
وهل تؤمن بالتّقمّص، ومفهوم المسوخيّة؟
جواب: أنا لا أؤمن إلا بقدرة الخلق والخيال لإنتاج معرفة جديدة بأنفسنا. بالنسبة للاستهلالات، هي جزء من الكتابة الروائية والتمهيد الفني الذي يساعد على خلخلة البناء التقليدي والتهيء لعوالم الرواية. أما بالنسبة لحضور الغيبي أو التقمص فهي ليست من إيحاءات الرواية وإنما تأتي ضمن واقعية مفرطة في علاقة الانسان بالحيوان، وهذا أمر يوجد في البادية بشكل ملحوظ، وتستثمره الرواية ضمن رؤية فنية ذات علاقة بالتخييل وليس بالمعتقدات، وأعتقد أن الروائي لا يصبح روائيا إلا حينما يتخلص من كل القيود الواهية التي تربطه بالواقع، ويختلق روابط متينة ذات منطق وبُعد ثقافي، وهي المداخل الطبيعية لمراودة الغيب واللامألوف من منطقة عازلة لا يكون فيها عقل أو مشاعر المؤلف مشدودة بقيود أو مسبقات.
سؤال: لماذا كان زمن الرواية، لا يتعدّى يومًا بدورة كاملة، على الرّغم ممّا حمله من تفاصيل دقيقة، لبيئة تعدّ مصدر غِنىً للكاتب باستلهام الكثير من الأحداث؟
ولماذا كتبتَ:
"موسى الزّناتي خيال جذريّ يعتقد أنّ الحياة يوم واحد فقط يكفي لسرد كلّ الحكايات"؟
جواب: في كل تخييل تنمو ظلال التفكير والبحث والرؤى. في رواية خط الزناتي يُبلور الخيال فلسفة تؤمن بها الشخصيات، بكون حياة الانسان أشبه بيوم واحد طويل بزمن واحد يتعاقب عليه الليل والنهار والطقس.. وما يستجدّ في هذا اليوم هو الحكايات، فيما كل شيء آخر هو تكرار لأفعال ضرورية من النوم والعمل والحب والكراهية وغير ذلك مما يملأ حياة هذه الشخصيات، لكن الحكايات هي ما يمنح الحياة بذلك التعدد والانفتاح؛ كما أن اختلاف السرد عن بعضه البعض في مقدرة الخيال على التفرد، وفي أن يكون أصيلا يُبدعُ فكرا كما يبدعُ تخييلا.
سؤال: كون الرّواية أحداث واقعيّة، هل من الضّروريّ استئذان الأشخاص الحقيقيّين قبل كتابتها، حتّى لو لم تُذكر أسماؤهم الصّريحة؟
وما رأيك بما حدثَ مؤخّرًا حيثُ أبدت السّيّدة (سعادة عربان) انزعاجها في حوارها لقناة جزائريّة، قائلةً إنّ الكاتب الجزائريّ (كمال داود)، انتهكَ قصّتها الخاصّة الّتي حكَتها له زوجتُهُ، وهي طبيبتُها النّفسيّة، في روايته (حوريّات)؟
جواب:الرواية ليست تقريرا عن حالات الناس، وإلا كانت متاحة ليكتبها أي شخص له القدرة على الاستماع وحمل القلم للتدوين !!. طبعا هناك شخصيات حقيقية تتحول إلى نص، وأعتقد أن الكتابة التي لا تستطيع إخفاء الأثر بمعاودة خلق الشخصية وتحويلها من الواقعي إلى التخييلي، تقع في الجفاء مع الإبداع. وما وقع للكاتب كمال داود لا يُدينه ، وإنما يكشف عن موهبته في بناء مرويات شفوية في نص إبداعي حقق مقروئية كبيرة.
سؤال: تراب الوتد (ثلاث روايات: مساء الشّوق، مجازفات البيزنطيّ، أنا أيضًا) صادرة عن دار النّايا بدمشق/ 2013.
ما هي مواضيعها الّتي جعلَتها ثلاثيّة، ولم لم تكن ثلاث روايات لكلّ واحدة استقلاليّتها؟
جواب: الكاتب قد يلتقي أو يختلف مع الناقد في تصنيف رواياته، وبالنسبة لي بعدما راكمتُ نصوصا تقارب العشرة في مجال الرواية، بدت لي أن بعض رواياتي يُمكن أن تُقرأ كنص واحد من أجزاء أو مستويات، رغم أن كتابتها كانت في أزمنة مختلفة، ولم تستحضر لحظة كتابتها أن تكون بجوار نص سابق أو لاحق. في تراب الوتد، جمعتُ رواية "مساء الشوق"، التي كانت أول رواية نشرتها سنة 1992، فيما جاءت "مجازفات البيزنطي" سنة2006، أما أنا أيضا، تخمينات مهملة فكانت سنة 2010. جمعتُ هذه الروايات لأنها تشكل وحدة في الرؤية وفي عوالم الشخصيات التي تشكل في مجموعها وحدة في التنوع، مع استقلالية قراءة كل نص مستقلا عن النصين الآخرين.
سؤال:في حوارٍ لك مع الشّاعرة والرّسّامة المغربيّة زهرة زيزاوي، تقول:
"فإنّني أميل إلى التّخييل حيث أشعر بحريّة أكبر في القول السّرديّ، وتحرير خيالاتي وخيالات مَن قد أمثّلهم أو أعكسُ تمثّلاتهم."
والتّخييل عند ابن سينا هو "الفصل بين ما هو شعر وغير شعر، أو بين الشّعر والنّثر، أو بين الشّعر والخطابة"، فهل هذا ما قصدته؟
جواب:في التخييل الذي تُسنده رؤية ، أشعر بقدرة الكلمات والأفكار على صياغة متعددة الأوجه لأسئلتنا التي نطمئن لها في راهننا ومستقبلنا. ونحن جميعا في دورنا الثقافي، نكتب الإبداع والأبحاث، وأكون أكثر ميلا إلى الكتابة في الرواية باعتبارها مجالا للتخييل وإنشاء عوالم باحتمالات لامحدودة.
- سؤال:لماذا قلتَ سابقًا:
" المؤسّسات الرّسميّة في المغرب، وفي عدد من الدّول العربيّة، ليس من مصلحتها أن يكون لنا تاريخ أكبر من الرّاهن المختلّ، وليس من مصلحتها أن نتعايش وشخصيّات هي مرجعيّتنا، ورموزنا؟
جواب: فعلا، نحن لسنا على نفس مستوى التفكير والرؤية مع المؤسسات الرسمية في قطاع الثقافة، لأن مثقف اليوم ينتمي إلى ثقافة مضادة لأشكال ثقافية مستوردة أو فلكلورية أو تندرج ضمن الترف الثقافي، ومن هذا الجانب فاهتماماتنا تنصب على التاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي المهمش والذي بقي مستبعدا و"معتقلا"، ودورنا هو تحريره بالكتابة والبحث.. في الثقافة الشعبية والإرث اللامادي اللامحدود والذي أصبح مكونا استراتيجيا لكل ثقافة.
- سؤال:كونك المدير المسؤول عن مجلّة سرود، والّتي صدرَ عددها الثّامن بمحور الرّحلات النّسائيّة، حبّذا لو تعرّف القارئ بلمحة موجزة عن بداية تأسيسها، وأهدافها، وعن سبب اهتمامك بالسّرديّات؟
جواب: مجلة سرود، مجلة النقد الأدبي، وتصدر عن مختبر السرديات، لها هيئة تحرير وهيئة استشارية بالمواصفات الدولية، تنشر بأربع لغات في محاور محددة سلفا وتخضع للتحكيم. هي مشروع لتطوير أفكار في البحث الأدبي في مواضيع يشاركنا فيها باحثون من كل الجغرافيات حول أسئلة السرد والسرديات ارتباطا بنظرية الأدب والأجناس الأدبية وقضايا الإبداع والتحليل، بالإضافة إلى مغامرة الانفتاح على السرديات المحلية والجهوية والثقافات الشعبية والموروثات اللامادية بما تحمله من رؤى وخطابات وتخييل.
- سؤال:في إطار البرنامج العلميّ والثّقافيّ لمختبر السّرديّات في كليّة الآداب بنمسيك، نظّمتم ندوة حول “الرّواية الفلسطينيّة: سرديّات الأرض والذّات”، وقلتَ في مستهلّ كلمتك:"إنّ الكتابة والتّخييل والتّاريخ والذّاكرة عناصر حاسمة ضدّ المحو والنّسيان.."
إلى أيّ مدىً ترى أهمّيّة التزام الأدباء بتوثيق ما يجري بشأن القضيّة الفلسطينيّة؟
جواب: الصراع الثقافي ليس جديدا علينا، وأشكاله تتبدل وتتخذ طرقا كثيرة، عنيفة ومرنة، وتستطيع أن تتخفى داخل أبسط الأشياء وأعقدها.. ونحن ليس أمامنا سوى جعل أدبنا قويا وشامخا وقادرا على تمثيل صورنا، لأن الحروب الحالية تمارس القتل الفعلي والرمزي عبر المحو والتشويه، من تم فإن الكتابة ضرورية لمقاومة القبح عبر الجمال؛ والقضية الفلسطينية شأننا وشأن الإنسانية جمعاء، واستحضارها في الكتابة والندوات وفي حياتنا اليومية هو شكل من المقاومة والدفاع عنها.