الخميس ٧ أيار (مايو) ٢٠٢٠
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

خواطر أكتبها للمستقبل (فيروس كورونا) 1 إلى 6

الحلقة 1

لم ينته عام على فاجعة السيول في الأهواز حتى وقعنا في فاجعة أخرى، فاجعة فيروس كورونا.

ظهر هذا الفيروس القاتل في الصين وقد أصاب الآلاف وقتل أكثر من ألفين وخمس مئة صينيا لحد الآن، ولم يجدوا له دواء مضادا حتى هذه اللحظة.

ومن الطبيعي أن تشاع شائعات في مجموعات التواصل يصعب عليك أن تتحقق من صحتها، منها إن هذا الفيروس سلاح بيولوجي تسرب من مختبرات الحرب الصينية سهوا، فطغى على صانعيه؛ وأصابهم قبل أن يصيب غيرهم.

وقيل إنه أرسل إلى الصين من مختبرات الحرب الأمريكية.

انتقل هذا الفيروس من الصين إلى أكثر من أربعين دولة وأثار الرعب بين الساسة والشعوب في العالم كله.

ويتساءل الكثيرون بهلع:

هل أصبنا بوباء عالمي سوف يفتك بالخلق كلهم؟!

ونظرا للعلاقات الاقتصادية بين إيران والصين، كنت أتوجس من دخول هذا الفيروس المسري إلى إيران ومن ثم إلى الأهواز؛ وقد تحقق هذا التوجس أسفا!
دخل فيروس كورونا مدينة قم الدينية، وانتشر إلى المدن المجاورة لها حتى وصل إلى الأهواز.

25-2-2020

الحلقة 2

خرجت صباح الأحد 23 من شباط ذاهبا إلى إحدى المدارس التي أدرس فيها، كان الطلاب في ذعر وقد سمعوا أن فيروس كورونا دخل الأهواز!

كنت أول من يدخل المدرسة، لم أترجل من سيارتي، ليس حذرا من الطلاب، وإنما كنت أقرأ رواية 1984 لجورج أورويل في الجهاز اللوحي، وقد أرفع رأسي فألمح الطلاب وقد تضاءل عددهم!

لم يكونوا كالأيام الماضية! لا نشاط ولا ركض ولا مزاح!

دخل المساعد بعد نصف ساعة، وكأنه تعمد التأخر، كان قد وضع كمامة خضراء خفيفة على فمه، نزل من سيارته وخاطب الطلاب في عجب:

لماذا أنتم هنا؟!

وكانت هذه إشارة لمغادرة المدرسة.

قرأت صفحة أخرى من الرواية، ورفعت رأسي لأرى أن المدرسة قد خلت من الطلاب. الجميع غادروا فارين إلى بيوتهم.

في اليوم الثاني أعلن الحاكم العسكري أن تعطل المدارس والجامعات وجميع المراكز التعليمية في جميع أنحاء الأهواز أسبوعا كاملا تفاديا لانتشار الفيروس.
ودعت المؤسسات الصحية الناس بالبقاء في منازلهم وعدم مغادرتها خشية انتشار كورونا القاتل.

26-2-2020

الحلقة 3

حاولنا أن نحصل على كمامات اتقاء من فيروس كورونا، لكننا لم نستطع!

جميع الصيدليات في المحمرة كتبت على زجاج أبوابها:

لا توجد كمامات، الرجاء عدم الدخول!

وسمعت أن البعض يبيعها بأسعار مرتفعة جدا.

ولكن لا بأس! لدينا الكوفية، والتي نستطيع أن نتلثم بها بدل الكمامة.

أعلن اليوم التلفزيون الإيراني إن عدد المصابين بفيروس كورونا وصل إلى 150 وعدد الموتى إلى 20 شخصا.

لكن الشعب لا يصدق هذه الأخبار، خاصة وأن النائب عن مدينة قم أحمد أمير آبادي أعلن قبل ثلاثة أيام أن الفيروس دخل قم منذ ثلاثة أسابيع، وأن عدد الوفيات تجاوز الخمسين.

والعجيب في الأمر أن الحكومة لم تفرض الحجر الصحي على هذه المدينة لتمنع انتشار هذا الوباء الخطر!

البعض يرجع السبب إلى الانتخابات البرلمانية، والتي أجريت الجمعة الماضية.

والبعض الآخر يقول إن الحجر الصحي قد يسيء إلى قداسة المدينة، وإلى الأضرحة التي توجد فيها.

على كل، فات الأوان وقد وقع الفأس بالرأس، انتقل الفيروس إلى معظم مدن إيران، وإلى الأهواز.

أمس قرأت خبرا في مجموعات التواصل أن حافلتين من (راهيان نور) قادمتين من مدينة قم دخلتا المحمرة!

إن كان هذا الخبر صحيحا، فقد حلت بنا المصيبة.

27-2-2020

الحلقة 4

عطل المسؤولون المدارس أسبوعا آخر، وبدأ العراق والكويت ودول أخرى يعطلون مدارسهم، وهذا يعني أن القضية ليست هينة.

أمس اتصلت بأحد الأصدقاء وهو خبير يعمل في مختبر المستشفى صباحا، وفي مختبر خاص عصرا، سألته:

هل شاهدت حالة مشكوكة بفيروس كورونا.

قال إنه لم ير أي حالة مشكوكة.

لكن المشكلة أن هذا الفيروس جديد التسلل في الإقليم، ويقال إنه يبقى لمدة أسبوعين في جسم الإنسان ثم تظهر أعراضه!

أي ربما هناك مصابون لا يعلمون أنهم مصابون، ولهذا لم يراجعوا المستشفى لحد الآن.

تنشر رسائل كثيرة هذه الأيام في مجموعات التواصل تفيد بأن المأكولات والمشروبات الحارة قد تقي من الابتلاء بهذا الفيروس القاتل، ولهذا طحنت أم شروق الزنجبيل وأضافته على الماء الحار وطلبت منا أن نشربه.

ومن الطريف أن ابننا ذا الثالثة كان ينتظر بفارغ الصبر لتجهز أمه الزنجبيل، لكنه عندما احتسى حسوة ووجدها حارة، دفع الإناء ورفض أن يشرب المزيد.

أما أخوه ماجد، فقد شرب على مضض.

ومن المضحك أيضا، أن رسالة وصلتنا عبر الواتساب تطلب من الجميع أن يدخنوا غدا الحرمل عند الساعة العاشرة صباحا ليعقموا المدينة كلها!

تذكرت قبل عام، عندما زرنا أحد أصدقائنا وكان الوقت صيفا والمكيف يعمل، وفتحت ابنته باب الصالة ونست أن تغلقه؛ فقال لها مازحا:

هل تريدين أن تبردي المحمرة بأكلمها؟!

وصدق المثل الذي يقول إن الغريق يتشبث بكل حشيش، فقد أمسى الناس ومن شدة هلعهم من الفيروس المسري الذي تسلل إلى مدنهم من مدينة قم، يدخنون الحرمل في بيوتهم، يشربون السوائل الحارة، يأكلون البصل والثوم...

ومن الطبيعي أن هناك طيف يتعامل مع القضية ولا كأنها موجودة!

فهو يخرج ويخالط ويسخر من الفيروس وممن يحتاط منه، ويقول لمن يوصيه بالحذر مبتسما:

هي موتة واحدة ... فلمَ الهلع والاضطراب والحزن؟!

ولعل هذا الطيف هو الذي ينجو من الوباء إذا ما انتشر في المدينة كلها، لا سمح الله.

28-2-2020

الحلقة 5

تصلنا عبر مجموعات التواصل كل يوم مقاطع تصويرية وصوتية مسربة من جلسات الأطباء مع المسؤولين والتي تشير إلى أن الآلاف من الإيرانيين ملوثون بفيروس كورونا، وهذا ينافي ما تعلنه الحكومة في قنواتها الرسمية بأن المرضى لا يتجاوزون الأربع مئة، وأن الوفيات بضع عشرات فحسب.

هناك أخبار تشير بأن الأطباء أيضا قد ابتلوا بهذا الفيروس، وأن بعض الممرضات قد فارقن الحياة في أكثر من مستشفى.

لكن الحكومة لا تعلن الأخبار الصحيحة لأسباب أمنية!

أعلنت أمس قناة الشرقية أن أسرة عراقية دخلت البصرة فأجري عليها فحص كورونا، وتبين أنها مصابة بهذا الفيروس؛ والمصيبة أن هذه الأسرة كانت في الصين، وتحديدا في مدينة ووهان، جاءت إلى طهران بطائرة ماهان الإيرانية، ثم إلى عبادان ثم إلى المحمرة، وعبرت من الحدود فدخلت البصرة!

ومن يعلم أنها لم تتجول في سوق عبادان أو سوق المحمرة للتسوق؟! لا شك أنها فعلت.

وكم من الأشخاص لوثت في طريقها وهي لم تخضع للاختبار طول سفرها من طهران إلى المحمرة؟!

أين المسؤولون في وزارة الصحة؟!

وكيف يستطيعون مواجهة هذا الفيروس وهم إلى هذه الدرجة من الانفلات الصحي؟!

على كل، أصبحنا هذه الأيام نكثر من أكل التمر والفاكهة وشرب السوائل، ما إن أحس الأطفال بالجوع بعد الغداء أو العشاء، حتى أسرعت أجهز لهم لفة بالخبز والتمر والزبدة الحيوانية، أو بالخبز والتمر والطحينة.

بدأنا نمكث في البيت ولا نخرج كما في السابق إلى الأسواق، أو إلى المنتزهات، أو إلى شراء البوظة التي كنا نقصد شراءها من المحمرة إلى جزيرة صلبوخ كل أسبوع مرة أو مرتين.نتحذر كثيرا، ولكن دون أن ندع الاضطراب يتسرب إلينا، ونؤمن بالآية الكريمة التي تقول:

قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ.

29-2-2020

الحلقة 6

كنا نتسوق أيام الخميس، ولكننا أجلنا تسوقنا إلى يوم الأحد، ذلك لأن الخميس عطلة الدوائر والشركات، ويصبح السوق فيه مزدحما.

دخلت السوق مستخدما الكوفية كمامة، دون أن أتعمم بها، كنت الوحيد الذي يتكمم بالكوفية؛ سمعت بعض الباعة يستحسنونها بدافع قومي، وهم لم يضعوا كمامة!
يقولون إن الكمامات شحت من الصيدليات!

اقترحت عليهم أن يستخدموا الكوفية بدلها، بعضهم قال إنه سوف يتكمم بها من يوم غد.

المتسوقون أيضا لم يتقوا الابتلاء بالفيروس، ربما لم يستطيعوا الحصول على الكمامات من الصيدليات كغيرهم، أو إنهم قد يعتقدون بالموتة الواحدة كما يقول بعض الذين لم يعلقوا أي أهمية للرسائل والأخبار التحذيرية التي بدأت تذاع وترسل من التلفزة، ومن المؤسسات الصحية عبر شركات الاتصالات.

(هي موتة واحدة، لا فرق أن نموت بفيروس كورونا أم بغيره)؛ هذا ما يعتقدونه.
يقول بعض صاحبي المحلات إن التجار وفي غياب الرقابة الحكومية، احتكروا البضائع ليعرضوها لاحقا بسعر أغلى!

ولهذا لم أستطع اليوم أن أحصل على السكر مثلا.

عندما رجعت إلى البيت، تركنا البضائع التي اشتريتها ساعتين في فناء المنزل، وعقمت يديّ بالكحول الصناعي واستحممت.

كان ماجد يتابع دروس العلوم من القناة التعليمية بعد أن تعطلت المدارس حذرا من انتشار الفيروس.

تبث الدروس من الصباح وحتى المساء، من المرحلة الابتدائية والمتوسطة الأولى وحتى المتوسطة الثانية.

ولكن السؤال الذي يطرح في هذا الشأن هو:

هل ستفي هذه القنوات التعليمية بالغرض؟!

وهل يستطيع أولياء الأمور أن يهيئوا الأجواء المناسبة لأبنائهم كي يتابعوا الدروس بالتسلسل؟

وهل يهتم الطلاب في غياب المدرسين لهذه الدروس التي تلقى بصورة رسمية جدا؟!
أنا أستبعد هذا؛ ولكن في الوضع الراهن لا أرى طريقة أخرى تستطيع أن تصبح بديلا لهذه الوسيلة.

لا أريد أن أضخم قضية فيروس كورونا، ولكن دوام الدوائر والشركات الحكومية في الأهواز وتنفيذا لأوامر الحكومة، بدأ هذا الأسبوع من العاشرة صباحا، وينتهي عند الثانية؛ وكان قبلُ يبدأ عند السابعة، ويستمر حتى الثانية.

وهذا يدل على وجوب أخذ الحذر من الابتلاء بالفيروس.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى