السبت ٢٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم صقر أبو عيدة

دَمْعُ الْبَحْر

مَنْ أَطْفأَ الْمِصْبَاحَ في عَينَيكِ وَافْتَرَشَ الطَّرِيقْ
وَتَعَطَّلَتْ في سَمْعِنَا لُغَةُ الصَّدِيقْ
فَجَعَلْتِ مِنْ عِشْرِينَ ضِلْعَاً أَو يَزِيدْ
فُرُشَ الثَّكَالَى وَالْخَطَايَا وَالْحَقَائِبِ وَالدَّوَائِرِ وَالْجُنُودْ
لِمَ تَلْبِسينَ عَباءَةً حِيكَتْ بِلَيلٍ فِتْنَةً؟
قَدْ أَجَّجَتْ فِينا الْخُطُوبَ..
وَتَرْجُفِينَ إِذاَ تَخَاصَمْنا إلى رَكْنٍ شَدِيدْ
كُنَّا نَخَبِّئُ في خَوَاطِرِنا بِدَايَاتِ النَّشِيدْ
لِمَ تَحْلُمِينَ بِمُتْعَةٍ قَدْ أَرَّقَتْ عُرْسَ الشَّهِيدْ
وَنَسَجْتِ مِن خَيطِ الْخَيَالِ نَمَارِقَ الْوَهْمِ الصَّفِيقْ
أَوَتَذْكُرِينَ هُنَاكَ خَلْفَ سِيَاجِهِمْ دَمْعَاً يُراقِبُ نَورَساً
فَلَعَلَّهُ يَهْدِي إلى لَهَبِ السِّرَاجِ بِغَيرِ أَنَوَاءٍ تُعِيقْ
وَتَرَينَ نَهْرَاً دَمْعُهُ في الْبَحْرِ..
وَالْغَلاَّتُ تَفْتَحُ حِضْنَهَا لِسَحَابَةٍ حَامَتْ لِتَذْرَِفَ حَبَّهَا بَينَ الشُّقُوقْ
يَا نَهْرُ مَالَكَ تَقْتَفِي أَثَرَ الرِّيَاحِ وَلا تُفِيقْ
وَهُناكَ ذِئْبٌ يَفْتَرِي في عَينِهِ حِْقْدٌ عَتِيقْ
يَا نِيلُ مالَكَ وَالْفُرَاقُ تَنَاوَشَتْ أَقْلامُهُ
في جِيدِهَا مَسَدٌ تَفَتَّلَ في أَقَالِيمِ الشَّقِيقْ
يَا نِيلُ مَوْسِمُ عُرْسِكَ الآتِي بِلا نَغَمٍ وَلَمْ يَكُ يَحْتَوِي شَمَّ النَّسِيمْ
وَالطِّينُ يُنْزَعُ مِنْ شَوَاطِئِكَ الَّتي كَانَتْ تُكَحِّلُ هُدْبَ أَجْفَانِ الْقُرَى
يَا نِيلُ وَالْفِرْدَوْسُ يَسْكُبُ عَذْبَهُ فَرَحَاً مِنَ الْمُزْنِ الْهَطُولْ
يَنْبُوعُ نَهْرِكَ يَلْسَعُ الْعِرْقَ اللَّئِيمْ
وتَخَيَّلُوا دلْتَا بِلا نَاسٍ وَلا زَرْعٍ وَلا ضَرْعٍ..
وَلا حُبٍّ وَلا دُفِّ الصَّعِيدْ
وَمَحَابِسُ الْوِدْيَانِ تُمْسِكُ وِرْدَ مِصْرَ..
وَمِصْرُ تَنْتَظِرُ الْبَوَاقِيَ وَالسَّوَاقِي لِمْ تَبِلَّ شِفَاهَهَا
وَالنَّهْرُ يَشْخَبُ مَاءَهُ قَبْلَ الْوُصُولْ
يَا نِيلُ مَا لَكَ وَالذُّهُولْ
هِبَةٌ تَنَزَّلُ هَطْلُهُا غَدَقَاً بِأَنْغَامٍ تُحَلِّي بَسْمَةَ الْمَرْعَى بِأَوتَارِ الرَّحِيقْ *
أَحَبَبْتُ فِيكَ بَرَاءَةَ الْخَدِّ الرَّهِيفِ..
وِكِسْرَةَ الْخُبْزِ النَّحِيفِ..
بِقَمْحِهِ الْمَجْرُوشِ مِنْ كَفِّ الرَّحَى
مِنْ حُبِّكَ الْمَجْدُولِ مِنْ عَرَقِ الصَّبَايَا وَالأَيَامَى..
وَالْقَوَاعِدِ في تَسَابِيحِ الضُّحَى
دِفْءُ الْحَوَارِي كِسْوَةٌ وَالْيَومَ عِيدْ
تِلْكَ الْمَسَاجِدُ تَرْتَوِي شَعْباً لَهُ هَمْسُ الْحَبِيبْ
وَرَأَيتُ أَنْفَكَ شَامِخَاً تُقْرِي ضُيُوفَكَ عِزَّةً
فَتَنَاوَبَتْ فِيكَ اللَّيَالِي وَاشْتَكَى فِيكَ الْوَرِيدْ
يَا نِيلُ مَالَكَ وَالْقَوَافِي شَاكَسَتْ كُتُبَ الْجُدُودْ
فَاسْمَعْ إلى الأَرْضِ الَّتِي اهْتَزَّتْ سَتَلْهَجُ مِنْ جَدِيدْ
وَهُنَاكَ دَمْعَاتُ الْفُرَاتِ تَمُوجُ لا يَدْرِي لِمَ الأَوْجَاعُ حَاقَتْ بِالسُّدُودْ
وَيُنَادِمُ الأَهْوَالَ يَنْظُرُ بَسْمَةَ النِّيلِ الَّتي خُطِفَتْ مِنَ الثَّغْرِ الرَّقِيقْ
لَمَّا اَقْتَفَى زَبَدَ السَّرَابِ وقَادَهُ هَوَجُ الْشَّقِيقْ
فَبِأَيِّ صَمْتٍ يُمْتَطَى نَهْرٌ عَتِيقْ

* قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ – صحيح البخاري.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى