الاثنين ١٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٨
بقلم رضا سليمان

رسالتى إليك أيها الشاب

عزيزى الشاب..

لعلك تجد هنا ما لم يخبرك به أحد من قبل.. وكماتى موجهة إلى #الشباب #الثانوى_والجامعى. وأنت يا صديقى الأب إن لم تخبر أولادك بمثل تلك التفاصيل فها هى بين يديك لتخبرهم بها أو تحثهم على قراءتها.

لا أعلم كيف يأتى على الإنسان حين من الدهر يبخل حتى بالمعلومة، يترك الشقاء كى ينشب مخالبه فى وجوه الشباب يلاطم عقبات الحياة.

لن تجد أيها الشاب الكريم، فى عمر أولادى أنت، مَن يخبرك بأن تستغل كل يوم من أيام شبابك هذه وتحفر تفاصيله فى ذاكرتك، تستمتع إلى أقصى درجة فى كل لحظة ومن كل موقف تمر به. فالسعادة لا تعنى أبدا أن تكون عبر مواقف الهلس و المسخرة إنما تستمتع بالخروج مع الأصدقاء، بوجبة تحبها، مشروب تعشقه، كتاب تعيش بين دفتيه.

ماذا عن الحب؟

ماذا تقول؟ لم تحب بعد.. لم تتعرض للتجربة.. ليكن.. اعلم أن الحب يأتى بلا نذير.. لا مقدمات له.. لا موعد محدد.. لا تجهد نفسك فى البحث.. سوف يطرق بابك وقتما يشاء.. وإن أتى تمسك به قدر المستطاع.

أنت تحب.. وأنتِ تحبين.. لا تعترف الأسرة أو المجتمع بهذا الحب.. سوف تفشل قصة حبك وتنهار لتلحق بغيرها من ملايين قصص الحب..؟! لتعلم أن لا فشل على الإطلاق فى قصص الحب الحقيقية.. وسوف تعرف لماذا الأن.. لكن فى البداية دعنى أقول لك : اعتبر قصة حبك قد فشلت.. عادى.. ليست نهاية الكون.. فلو لم تفشل تلك القصة ما تركت بداخلك أثر تشعر بلذته مدى الحياة، لو لم تنتهى بالفراق لما نجحت مستقبلاً.. نعم.. سوف تكون أسباب الفشل محرك أساسى لك فى المستقبل، كى تثبت لها، أو له، أنك كنت الأفضل وأن الآخر خسرك وخسر معك حياة عظيمة أنت تبنيها من قلب المعاناة، سوف تتحرك بقوة وبإصرار كى تثبت لأسرة الآخر أنهم كانوا خطأ حينما استخفوا بك وبقدراتك.. كل نجاح سوف تنجحه مستقبلاً يعود الفضل فيه لنصفك الآخر الذى افتقدته.. أنت تحاول إشعاره بالندم لأنه تركك.. ليكن.. المهم أنت أحببت و رويت قلبك.. أنت تعمل وتنجح.. أنت الأن متفوق.. ألا يكفى كل تلك النتائج لقصة حبك كى تكون بين مصاف قصص العظماء.. لذا أخبرتك منذ لحظة أن قصة الحب لم تتنتهى بالفشل كما تعتقد..

تعود أن تفعل كل ما تتطلبه منك الحياة على أفضل وجه ودع ثمرة النتائج فسوف تأتى.. الأن أو بعد حين.. فأى بذرة وضعت فى الأرض"الصالحة"سوف تنبت مستقبلاً.. هى فقط تنتظر الماء.. وموسم الشتاء آت بلا ريب.

لتقرأ الأن كل ما تصل إليه يداك، واصنع مكتبتك الأن، غداً لن تجد الوقت الكافى للقراءة ولن تجد المال اللازم لشراء الكتاب لأن هناك أولويات سوف تظهر لك فى المستقبل سوف تحظى بما يجب أن يحظى به الكتاب من مال.

اهتم بالعلاقات الأسرية، الأسرة الصغرى والأسرة الكبرى.. اقترب من كل أفراد عائلتك الأن، فلن تجد مستقبلا الوقت الكافى حتى للسؤال عليهم عبر الهاتف، شاركهم أفراحهم وأتراحهم، كن معهم الأن..

كن مع الأطفال بكل ما تستطيع من ابتسامات ومداعبات فسوف يأتى وقت تكون فيه أنت الهَرِم وهم الشباب، تكون فى أمس الحاجة لمن يسأل عليك، وقتها هم يملكون الوقت للسؤال، ولن ينسوا أبدا ما فعلته معهم فى شبابك.

تعود اليوم وأنت فى بداية شبابك أن تأكل كل أصناف الطعام، فلا أحد يعلم ما يحمله لك الغد من جوع أو شبع. تعلم ذلك كى تكون أنت المسيطر على ذاتك وليس العكس، فإن كنتَ فى بحبوحة لن تخسر شيئاً وإن كنت فى عسر.. فقد عودتَ نفسك وطوعتها، فلا تلهب مشاعرك وقت الضيق فتزيدك ضيقاً وبؤساً.

منذ اليوم شارك فى أى عمل يُتاح أمامك.. سواء فى المنزل أو فى محيط حياتك.. سوف تتعلم شئ ما من خلال هذه المشاركات.. وهذه الجزئيات البسيطة التى سوف تكتسبها هى المكون لشخصيتك.. وشخصيتك مستقبلا هى أنت.. أنت الذى تعيش عبرها.. عبر ما تعلمته واكتسبته.

تعلم تنظيف حجرتك.. منزلك.. تعلم طهو الطعام.. غسل الملابس.. تخزين الملابس.. نقل المفروشات.. تعلم كيفية التعامل البسيط مع السباكة والكهرباء والنجارة.. تعلم قيادة السيارات ثم تعلم بعض الشئ عن ميكانيكا السيارات..

تعلم السباحة ولا تتنازل عن تعلمها مطلقاً، لا تؤجل تعلم السباحة لأى سبب فاليوم أفضل ألف مرة من الغد، ومستقبلاً سوف تعلم أهمية تأكيدى هذا.. لأنك أولاً فى حاجة الأن إلى السباحة فى أى لحظة لإنقاذ نفسك أو أى آخر.. ثانياً لأنك لن تجد الوقت أو القدرة أو الظروف المواتية لتعلم ذلك مستقبلاً.

لا تعلم، كما لم يعلم مَن سبقك، ما هى الوظيفة التى ستشغلها مستقبلاً.. دعك من الشهادات الجامعية، هى إرشاد وتوجيه، لكنك من الممكن أن تجد نفسك فى مكان آخر وفى وظيفة أخرى، لذا إبدأ من الأن فى معرفة الكثير من تفاصيل الحياة، لا تدع شئ ولو صغير يفوتك، تلك الحصيلة سوف تنفعك مستقبلاً، اعلم ولو حتى القشور فى مختلف التخصصات.
لا تهمل العمليات الحسابية.. الجمع والطرح والضرب والقسمة.. هى أمور تبدو بسيطة لكنها أساس مهم من أساسيات الحياة وهى مهمة فى كل التخصصات وليس لتخصص واحد حكر عليها..

تعلم على الأقل لغة ثانية إضافة إلى لغتك الأصلية، لا تطمئن نفسك بأنك لستُ فى حاجة إلى لغة ثانية و إنما تدرسها فقط كى تعبر الامتحان، لا.. اتقن اللغة الثانية مهما كان تخصصك، اتقنها لدرجة الإجادة، استخدم أى أسلوب كى تتقنها، المهم الاجادة التامة من الأن.. فأنت لا تعلم ولم يخبرك أحد من قبل كم المعاناة التى يتعرض لها مَن أهمل تعلم اللغة الثانية، لم يخبرك الذى يعانى لأنه يخفى نقطة من نقاط ضعفه، وأيضا لن يخبرك كم المزايا التى ينعم بها مَن أتقن اللغة الثانية، لن يخبرك ربما لأنه يود ألا ينافسه أحد.. او حتى لا ينافس أولاده هو مستقبلاً.

حافظ على صلاتك من الأن واجعلها رياضة بدنية و روحية، سوف تتعود عليها مع مرور الوقت وسوف تعلم كم هى مفيدة لجسدك و روحك.. فلا تهملها بحجة الشباب وأنك مستقبلا سوف تحافظ عليها.. لا.. هى من هذه اللحظة مكون أساسى من مكونات شخصيتك ومستقبلك، بالإضافة إلى أنه كلما طالت الفترة التى تحافظ فيها على صلاتك فأنت تحصد وتختزن الحسنات فأنت لا تعلم أى قدر من الحسنات تحتاج.

لا تخبر نفسك بأنك قوى وقادر على ترك عادة التدخين فى أى وقت تشاء.. لى صديق يخبر نفسه ذلك وأنه يستطيع فى أى لحظة الإقلاع عن التدخين.. وهو منذ خمسة وثلاثون عاماً يتحدث لنفسه بذلك.. ولم يقلع عن التدخين بعد!! لكن إذا كنت بالقوة للإقلاع عن التدخين فليكن الأن، الأن مباشرة بدون أى تسويف. القوة تكمن فى تنفيذ إرادتك الأن.

بقدر ما تستطيع أخرج.. سافر.. شارك فى الرحلات التى تتاح أمامك أو اصنعها بنفسك لنفسك، فلا متعة تتساوى مع متعة السفر ومشاهدة مناظر و وجوه وثقافات أخرى، اجعل من نفسك اسفنجة تمتص باستمرار كى تزيد معلوماتك وبالتالى خبراتك، تخيل نفسك تمرر يومك فى غرفتك بينما صديقك يمضى يومه فى التجول والرحلات.. مَن منكم أكثر حيوية ونضوجاً؟! الإجابة واضحة.

انشر الحب والمرح والتفاؤل قدر ما تستطيع عبر الابتسامة ومداعبة الأطفال ومساعدة عجوز يتعثر فى الشارع. كنتُ فى طريقى مرة و وجدتُ شاباً يدفع عربة مشروبات مثلجة"تمر هندى وعرقسوس.."كان عليه أن يصعد بعربته مطلع فى الطريق.. درجة حرارة الجو كانت مرتفعة جدا، عجلات العربة قديمة ومهترئة بشكل يجعل دفعها صعب للغاية، اقتربتُ منه وبدون كلمة دفعتها معه.. اقتسمتُ معه معاناته فتعلمت.. اقتسمتُ معه قوة دفع العربة فنشطت خلايا جسدى.. يبتسم لى حينما نصل قمة المنحدر نلتقط الأنفاس.. يمد يده سريعاً ويملأ كوب عصير مثلج ويعطيه لى.. ابتسم وأنا أبتعد عنه رافضاً العصير وأنا أخبره من بين ابتسامتى أننى لا أحب هذا النوع.. لم أعطيه الفرصة كى يستبدله بنوع آخر.. الحقيقة أننى رفضتُ الحصول على مقابل مشاركتى له رغم جفاف حلقى لحظتها، وكان من الممكن أن أتلقى منه المشروب كى يشعر هو بسعادة رد الجميل.. لكن تفكيرى فى هذه اللحظة أقنعنى بعدم الحصول على مقابل ما فعلته معه وأيضا هو قد يكون فى حاجة إلى ثمن هذا المشروب. عموما رحلت وقد تعلمت الكثير ومن ذلك الكثير معاناة الحصول على لقمة العيش ومستقبلاً ساعدنى هذا الموقف وكثير على شاكلته مقاومة مصاعب الحياة.

بقدر ما تستطيع اتخذ من الجميع أصدقاء لك.. فمنَ لن يكون صديقاً بمعنى الكلمة فسوف يكون صديق محايد.. أو على الأقل سيكون مجرد معرفة محايدة.. لكنه فى النهاية لن يكون عدو تخشاه. ولا تعلم أيضا أنك قد تكون فى أمس الحاجة للتعامل مع هذا الشخص بالذات، فلا تخسره.. وإن لم تستطيع اكتسابه كصديق فاجعله على الحياد كما اتفقنا.

تعلم مهارة ما واتقنها.. لعبة ما واحترفها.. لابد وأن يكون لك شئ خاص مميز فيه.. مهما كان هذا الشئ فنجاحك فيه سوف يضفى على ذاتك الكثير من السعادة وسوف تلجأ إلى هذه المهارة أو تلك اللعبة مستقبلاً لإسعاد ذاتك.. فهل سألت نفسك فى يوم ما هى المتعة فى لعبة الدومينو أو الطاولة.. ولماذا تستمع إلى صيحات السعادة فى المقاهى لحظة فوز أحدهم؟! الإجابة هنا.. واضحة وبسيطة.. شعور السعادة ينبع من احتراف شئ ما والنجاح فيه حتى وإن كانت لعبة مثل الطاولة أو الكوتشينة.. ما بالك لو احترفت لعبة ذات قيمة..

لا تسفه من معتقدات أحد.. هو لم يعتنقها إلا لقناعات تخصه ولن يغيرها لأنك ترفضها، إيمانه بها أكبر وأعمق من رأيك أنت.. خاصة إن كانت تلك المعتقدات لا ضرر منها، فهذا يتفاءل بلون معين وآخر يقرأ الأبراج بشكل يومى وثالث يحرك سبابته فى منتصف التشهد فى صلاته أو رابع لا يحرك السبابة من الأصل.. احتفظ برفضك لنفسك وإن كان ولابد أن تتحدث فليكن بلطف وبدون إشارة مباشرة وإنما تلميح من بعيد.

استشر ولا تتكبر.. فقد يكون رأى من شخص كنت تستبعد حصافته هو المنقذ لك.. استشر خاصة فى الأمور التى تجد نفسك فيها مصاب بحالة من شلل فى التفكير.. ولا خاب مَن استشار وفى النهاية لك أن تزن الأمور وتختار أفضل الأراء ومن ثم الحلول.

تمهل قليلاً يا بنى فى إصدار الأحكام.. وفى النهاية لا تجعلها أحكام مطلقة نهائية لا تقبل الشك، فسوف تكتشف مستقبلا أنه لا ثوابت مطلقة على الأرض ومعظمها يخضع لأراء وأهواء تُمسك بزمام الأمور.

اعلم أن الدعاية والإعلام بوجه عام يمتلك القدرة على تصدير كل الرغبات لمن يجلس خلفه، نعم.. إنهم أقنعونا من قبل بأن كل ما نعانيه من أمراض ناتج عن استخدامنا للسمن البلدى وعلينا أن نستخدم الزيوت النباتية، حديثهم كان على ألسنة الأطباء ذوى العلم والخبرة والكفاءة، وانطلقنا خلفهم مصدقين.. فى النهاية هم كانوا يخلقون السوق الاستهلاكى لمنتجاتهم ونحن نقدم إليهم المال ونخسر فى المقابل صحتنا.. والأسوأ أصحاب الخبرات من الأطباء الذين أكدوا وحتى اليوم يؤكدون صحة نظريتهم وأن علينا بالزيوت النباتية..!!.. الأمر بسيط.. هم يستفيدون الكثير والكثير ونحن أيضا نفقد الكثير والكثير.

لا تحتقر أى عمل.. أى مهنة.. احترمها بنفس القدر الذى تود أن يحترمك به الآخر وأن يحترم عملك.. فأنت لا تدرى أى عمل ستعمل.. لكن كن على يقين أنك سوف تعمل فى مهنة أنت سوف تحترمها.

اجعل جزء صغير من اقتناعك التام محل شك.. فإن كنت تؤمن بشخص ما فى مجال السياسة، تؤمن به بشكل مطلق.. اجعل جزء صغير للشك واحتمال أن يكون هذا الشخص على خطأ فى شئ ما.. أن تكون له أطماع ما أو مصلحة ما.. هذا الجزء الصغير من الشك سوف يجعلك تعبر أزمة الانهيار مستقبلاً إن ظهر هذا الشخص على حقيقته فلا تنهار معه، وكم من قامات كنا نعتقدها كذلك تسقط اليوم مثل أوراق الخريف، بل وتسقط ملطخة الأيدى بالرشوة و بالعمالة والخيانة.. فلا تسرف فى التأييد كما أيضا لا تسرف فى المعارضة.

حاول بقدر المستطاع أن تنظر للأمر من زاوية أخرى غير المتاحة للجميع.. فما هو متاح للجميع سوف تراه أنت مثلهم.. لكن لو بحثت عن زاوية رؤية أخرى وأعملت عقلك وشاهدت سوف تجد الكثير وسوف تفاجئ حينها.

قبل أن أنهى كلماتى.. اعلم أن هناك الكثير لم أتحدث عنه لضيق المقام.. ابحث بنفسك واكتشف.. ولا تكن أى أحد إلا أنت. كن أنت الذى تريد أن يعلم عنه الكثير الأبناء والأحفاد فى المستقبل. كن أنت الذى لابد أن يترك بصمة على اللوحة الكونية قبل الرحيل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى