الثلاثاء ٧ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بقلم جميل حمداوي

روايـــــة الأطفال بالمغرب

ما زالت الدراسات في أدب الطفل بالمغرب قليلة جدا تعد على الأصابع. أما في مجال الرواية الموجهة للطفل، فالدراسات النقدية والوصفية تكاد تكون شبه غائبة أو منعدمة؛ نظرا لتداخل القصة الطفلية بالرواية، وعجز الببليوغرافيات المغربية المنشورة إلى حد الآن عن الإحاطة بكل النصوص الروائية الطفلية الموجودة في الساحة الثقافية المغربية1 إن كانت هناك اليوم فعلا روايات مطبوعة أصلا. ولكن هناك محاولات قيمة قام بها بعض الدارسين المغاربة في مجال نقد القصة وأرشفتها والتأريخ لها كمحمد أنقار2، وعبد الله المدغري العلوي، وعبد الهادي الزوهري3، ولطيفة الهدارتي4. بيد أن هذه الدراسات لم تنصب في موضوعها إلا على جنس القصة بالتحليل والنقد والأرشفة والتأريخ ، فأهملت جنس الرواية الطفلية . وبالتالي، لم تفصل أجناسيا ومنهجيا بين القصة والرواية. لذا، يلاحظ المرء بكل وضوح وجلاء الخلط في هذه الدراسات بين القصة والرواية الطفليتين.

وينصب عملنا هذا على استقراء الرواية الطفلية بالمغرب متتبعين مراحلها التاريخية ومميزاتها الفنية والجمالية.

1- تطور رواية الطفل بالمغرب:

بادئ ذي بدء، يمكن القول بأن رواية الكبار بالمغرب ظهرت في نفس السنة التي ظهرت فيها رواية الطفل، أي إن رواية " الطفولة" لعبد المجيد بنجلون صدرت في 1956م ، في الوقت التي نشرت فيها أولى رواية طفلية ألا وهي" حيرة إسماعيل" لعبد الرحيم السائح، ومصطفى العلوي، وعبد الرحيم اللبار، وقد صدرت هذه الرواية في طبعتها الأولى عن مكتب الشباب بالرباط.

وبعد هذه الرواية الرائدة، نشرت نصوص روائية أخرى بالدار البيضاء لمحمد الهيتمي سنة 1962م ضمن سلسلة" العرب الفاتحون للمغرب"، وهذه الأعمال الروائية هي: حسان بن ثابت، وعقبة بن نافع، وحسان بن النعمان. ومن ثم، تعقبها رواية عبد المالك لحلو في سنة 1964م تحت عنوان" الصقر الكبير"، ورواية " رحلة ابن بطوطة " سنة 1969م التي أصدرتها وزارة الشبيبة والرياضة بالرباط. ويبدو لنا من كل هذه العناوين بأن هذه الروايات ذات طابع تاريخي وتراثي وأدبي، والهدف منها بلا شك هو تقريب القارئ من تراثه العربي الأصيل.

وإذا انتقلنا إلى فترة السبعينيات من القرن العشرين، سنجد نصا روائيا مهما لمحمد الصباغ تحت عنوان" عندلة" ، وقد صدر عن دار الكتاب بالدار البيضاء سنة 1975م.

هذا، وتشكل سنوات الثمانين بالنسبة لأدب الأطفال بالمغرب الانطلاقة الحقيقية لرواية الطفل، إذ ظهرت نصوص روائية كثيرة لأحمد عبد السلام البقالي في تلك الفترة كرواية" الأمير والغراب"، و" زياد ولصوص البحر"، و" سر المجلد الغامض" ، و" المدخل السري إلى كهف الحمام" ، و" صابر... المغفل الماكر"، و"الطريق إلى سفينة الكنز" ، و" جعفر الطيار"، و" مدينة الأعماق"، و"نادية الصغيرة في فم الوحش"، و" جزيرة النوارس" ، و" رواد المجهول"، و" بطل دون أن يدري"، و" صبيحة المليحة القبيحة"، و" ليلى تصارع الأمواج "...

ويتضح لنا بأن أحمد عبد السلام البقالي كتب في هذه الفترة الرواية البوليسية كرواية " سر المجلد الغامض"، ورواية الخيال العلمي كرواية" رواد المجهول" ورواية" مدينة الأعماق"، ورواية المغامرة كرواية" زياد ولصوص البحر"، والرواية الاجتماعية الساخرة كرواية" صابر...المغفل الماكر"، والرواية الخرافية كرواية" نادية الصغيرة في فم الوحش".

أما في فترة التسعين، فسيواصل أحمد عبد السلام البقالي كتابة الرواية، فيحقق في ذلك تراكما ملحوظا وتنوعا أجناسيا لافتا للانتباه خاصة أنه يعد أول كاتب لرواية الخيال العلمي باللغة العربية بروايته" الطوفان الأزرق" ، كما أنه من رواد الرواية البوليسية في العالم العربي برواياته العديدة وخاصة" سر المجلد الغامض"، على عكس القصة الطفلية التي تربع على عرشها العربي بنجلون بكم عددي يتجاوز المائتين قصة.

ومن أهم الروايات التي كتبها أحمد عبد السلام البقالي في هذه المرحلة رواية" محمد الخامس"، و" مدائن السراب"، " ودار الأشباح"، و" زوار الشاطئ الخالي"، و" سارق السيارة" ، و" سر البحيرة الفارغة" ، و" عودة العبد" ، و" كنز الأعماق" ، و" الكنز الضائع" ، و" سارق الأطفال"، و" اختطاف" ، و" مفطر رمضان"، و" الفخ البشري"، و" الطيور"، و" المفقود" ، و"الهجوم المضاد"، و" قناع الديكتاتور"، و" الميت الحي" ، و"الشباك السرطانية"، و" خاطفو البنات"، " الجثة العائمة"، و"ثورة الأقزام"، و" الجرعة القاتلة" ، و" علال بن عبد الله"، و"المسيرة الخضراء" ، و" جبل الماس"، و" أسمى مراتب العشق" ، و" المهرجاني" ، و" سبح الرعد بحمده" ، و" امتزجت دموع العاشقين".

ومن المعلوم أن هذه النصوص الروائية قد طبعت في المملكة المغربية ( الدار البيضاء- المحمدية- الرباط)، والمملكة العربية السعودية ( مكتبة العبيكان بالرياض)، والجمهورية العراقية.

ويوجد إلى جانب أحمد عبد السلام البقالي في هذه المرحلة كاتب الأطفال محمد سعيد سوسان برواياته المتنوعة أجناسيا كرواية" ولد الأعرج" ، و"عزيزي نوفل"، ، و" عيشة البحرية"، و" قزح بنت السماء الخفية"، وهي روايات إنسانية ذات أبعاد رمزية وأسطورية وخرافية وشعبية. ثم نذكر أيضا مبدع الأطفال العربي بنجلون بروايته الأطوبيوغرافية" ابن بطوطة معنا" الصادرة عن المطبعة السريعة بالقنيطرة سنة 1998م.

ويحضر أيضا في هذه الفترة التاريخية مبارك ربيع برواياته السردية كرواية" طريق الحرية"، ورواية" ميساء ذات الشعر الذهبي"، ورواية" أحلام الفتى السعيد"، ورواية" بطل لا كغيره". وقد تكلفت بطبع هذه الروايات وزارة التربية الوطنية، والمندوبية السامية لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير، ومنظمة اليونيسيف بالرباط.

بيد أن الإنتاج الروائي الطفلي سيتراجع نسبيا في سنوات الألفية الثالثة لأسباب ذاتية وموضوعية، فيظهر كتاب آخرون جدد سيخوضون غمار الرواية الطفلية كمحمد عزالدين التازي في بعض نصوصه السردية المطبوعة من قبل وزارة الشؤون الثقافية المغربية، وعبد الرحيم مودن، والعربي بنجلون كما في روايته" طائر للكويت" التي طبعتها نداكوم بالرباط سنة 2002م.

2- مميزات رواية الطفل بالمغرب:

نستنتج– من الجرد الببليوغرافي الذي أعددناه لأدب الطفل5 - بأن رواية الطفل بالمغرب لم تحقق انطلاقتها الفعلية وازدهارها الحقيقي إلا في سنوات الثمانين والتسعين من القرن العشرين مع أحمد عبد السلام البقالي، ومحمد سعيد سوسان، ومبارك ربيع. إلا أننا نلاحظ أن إنتاج الرواية الطفلية أقل بكثير من إنتاج القصص الطفلية.

كما نخرج بملاحظة أخرى أن كثيرا من القصص الطفلية هي في الحقيقة روايات، وهناك روايات هي في الحقيقة قصص. وهناك من الكتاب من يوجه رواياته للأطفال تارة وللفتيان والشباب تارة أخرى كما هو حال أحمد عبد السلام البقالي الذي كتب مجموعة من الروايات للصغار والكبار على حد سواء كما في رواياته : " علال بن عبد الله " (1994م)، و"المسيرة الخضراء"(1996م) ، و"سأبكي يوم ترجعين"، و"الطوفان الأزرق"، و" المدخل السري إلى كهف الحمام"، و"مدينة الأعماق"...

كما أن مجموعة من الروايات الطفلية قد أرفقت برسوم بالأبيض والأسود أو برسوم ملونة. و هذا الحكم ينطبق بشكل جيد على روايات وقصص أحمد عبد اللام البقالي كرواية" علال بن عبد الله"، ورواية " المسيرة الخضراء"...

أما وظيفة هذه الرسوم الموازية فتتمثل في شرح النص الروائي وتفسيره ، وتبيان سياقه الدلالي والمرجعي، وإثارة الطفل أو الفتى بصريا وجماليا بإيحاءات النص ورموزه السيميائية المنفتحة.

هذا، وثمة في الساحة الثقافية المغربية روايات طفلية غير موثقة ، حيث وجدنا نصا روائيا طفوليا غير موثق بدقة ألا وهو نص" رحلة ابن بطوطة" الذي طبعته وزارة الشبيبة والرياضة سنة 1969م لمؤلف مجهول.

وعلى العموم ، يعتبر أحمد عبد السلام البقالي أكثر إنتاجا في مجال الرواية الطفلية بالمغرب بدون منازع . كما أن رواياته تجمع بين الاجتماعي، والفانطاستيكي، والأسطوري، والخرافي، و التاريخي، والوطني، والخيال العلمي، و البوليسي...

خاتمــــــة:

وخلاصة القول: لم تظهر رواية الطفل بالمغرب إلى حيز الوجود إلا في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين مع رواية" حيرة إسماعيل". وبعد ذلك، ستصدر روايات طفلية ، ولكن بإيقاع بطيء في سنوات الستين والسبعين. بيد أن هذا الإيقاع سيرتفع صعودا كما وكيفا مع سنوات الثمانين والتسعين، ليعرف نوعا من التراجع والركود النسبي مع العقد الأول من سنوات الألفية الثالثة على غرار جميع الأجناس التي تنضوي تحت خانة أدب الطفل بالمغرب؛ بسبب تراجع المقروئية ، وانتشار الفقر، وفشل المدرسة المغربية بنيويا ووظيفيا.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى