الثلاثاء ١ شباط (فبراير) ٢٠٠٥
بقلم آسيا وعيل

رَاهِــبَةُ المَعْبَــدَيْنِ

هَاهِيَ فِي لَيْلَةِ صَيْفٍ مُقْمِرَةٍ...وَضَّاءَةٍ... وَ هِيَ تَرْتَدِي ثَوْبَ نَوْمِهَا الوَرْدِيِّ الفَضْفَاضِ... وَخِمَارُهَا الأَبْيَضُ الحَرِيرِيُّ عَلَى رَأْسِهَا...تَسْعَى بَيْنَ صَفَا الأَرِيكَةِ وَ مَرْوَةِ البَلَكُونَةِ…بِشِبْشِبْهَا الِإيطَالِيِّ الَأسْوَدِ,تُطِلُّ مِنْهَا عَلَّهَا تَلْمَحُ سَيَّارَةَ زَوْجِهَا قَادِمَةً مِنْ مَدْخَلِ الشَّارِعِ … مَعَ أَخْذِ اسْتِرَاحَةٍ قَصِيرَةٍ بَيْنَ الشَّوْطَيْنِ فِي كُلِّ مَحَطَّةٍ… وَإِطْلَاقِ زَفَرَاتِ قَلَقٍ وَغَيْظٍ...عَلَيْهِ وَمِنْهُ,فَقَدْ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ التَّأَخُّرٍ السَّيِّئَةِ هَذِهِ مُنْذُ قُرَابَةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ... وَهَاهُوَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا وَيَتَمَادَى فِيهَا…لِتُصْبِحَ عِنْدَهُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً لَا يُمْكِنُهُ الاسْتِغْنَاءُ عَنْهَا ,لِذَا تَرَى المِسْكِينَةَ طِيلَةَ الفَتْرَةِ الأَخِيرَةِ مُدَاوِمَةً عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ بِانْتِظَارِهِ… بَلْ وَأَحْيَانًا يَتَأَخَّرُ حَتَّى بَعْدَ آذَانِ الفَجْرِ …حَيْثُ تَكُونُ قَدْ غَطَّتْ هِيَ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ ...بَعْدَ سَعْيٍ مُجْهِدٍ طِيلَةَ اللَّيْلِ,لِيُخَاطِبَهَا صَبَاحًا بِلَهْجَةِ غَيْرِ آبِهَةٍ وَكَأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ عِبَادَةٌ تُرْضِي قَلْبَهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا لِاعْتِذاَرٍ أَوْ اسْتِئْذَانٍ مِنْهَا,فَتَكْظِمُ المِسْكِينَةُ غَيْظَهَا وَتَرُدُّ عَلَيْهِ وَكَأَنَّ شَيْئًا لمَ ْيَكُنُ …عَلَى أَمَلِ أَنْ يَتُوبَ مِنْ فِعْلَتِهِ هِذِهِ تَوْبَةً نَصُوحَا ... َويَعُودَ كَمَا كَانَ الزَّوْجَ المُحِبَّ... وَالعَاشِقَ الوَلْهَانَ .

غَيْرَ أَنَّ إِصْرَارَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَمُدَاوَمَتَهُ عَلَيْهَا يُوحِشَانِ صَدْرَهَا خَوْفًا...وَيَغْرِسَانِ فِيهِ أَشْوَاكَ شَكٍّ وَرِِيبَةٍ ...تُثْمِرُ مَخَاوِفَ تَحَوُّلِ هَذِهِ المَعْصِيَةِ لفَرْضِ عَيْنٍ يُلَازِمُ سِيرَتهِ فِي الأَيَّامِ القَادِمَةِ ...ثُمَّ لَا يُمْكِنُهُ بَعْدَهَا الرُّجُوعُ القَهْقُرَيَّ .

وَقَدْ صَارَتْ تِلْكَ الهَوَاجِسُ مَقَارِيضَ تَضْغَطُ عَلَى قَلْبِهَا الَحزِينِ,وَتُنْبِتُ فِيهِ خَوْفًا يُؤَرِّقُهَا … وَتَعَاوِيذَ لَا تُفَارِقُ شَفَتَيْهَا… وَكَأَّنَّ أَرْوَاحًا شِرِّيرَةً تُطَارِدُهَا … وَ هِيَ تَسْعَى لِإِبْعَادِهَا عَنْهَا بِتَمْتَمَةِ أَوْرَادٍ حَفِظَتْهَا عَنْ ظَهْرٍ غَيْبٍ ...مَطْلَعُهَا تَسَاؤُلَاتُهَا ...وَ قَافِيَتُهَا حِيرَتُهَا فِي سِرِّ تَمَادِيهِ فِي مَعْصِيَتِهِ هذه,وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ تُقَرِّرُ مُوَاجَهَتَهُ…ثُمَّ تَرْجِعُ أَدْرَاجَهَا فِي آخِرِ لحَظْة ٍ,فَهِيَ لاَ تَجْرُأُ عَلَى مُطَالَبَتِهِ بِالاعْتِرَافِ... وَ عَدَمِ جَدْوَى كِتْمَانِ الأَمْرِ أَكْثَرَ...طَالمَاَ أَنَّهَا تَعْرِفُ أَنَّ سَبَبَ تَأَخُّرِهِ رَاجِعٌ لِكَوْنِهِ قَدْ تَزَوَّجَ ثَانِيَةً…لَكِنَّ صَبْرَهَا اليَوْمَ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغَهُ...وَ مَا عَلَيْهَا إِلَّا مُوَاجَهَتُهُ , فَكَيْفَ تُوَاجِهُهُ... وَهِيَ التِّي عَوَّدَتْهُ أَنْ تَكُونَ دَائِمًا مُطِيعَةً ...هَادِئَةً ... وَحَرِيصَةً عَلَى مَشَاعِرِهِ حَتَّى مِنْ هَبَّاتِ النَّسِيمِ ؟...وَكَيْفَ تُثِيرُ اليَوْمَ زَوْبَعَةً هَائِجَةً مَائِجَةً...قَدْ تُدَمِّرُ حِصْنَ عَلَاقَتِهِمَا المَتِينَ ؟...وَ بِأَيِّ أُسْلُوبٍ سَتُخْبِرُهُ بِشَكِّهَا؟… وَبِمَاذَا تُرَاهُ سَيَرُدُّ عَلَيُهَا ؟ .

أَكِيييييدٌ … أَنَّهُ سَيَثُورُ وَ يَمُورُ...وَ يَطْلُبُ مِنْهَا كَشْفَ اسْمِ الجَاسُوسِ المُتَرَصِّدِ لخُِطُوَاتِـهِ , وَ أَكِييييييدٌ …أَنَّهُ لَنْ يُصَدِّقَ بِأَنَّ فِطْرَتَهَا هِيَ التِّي وَشَتْ بِهِ عِنْدَهَا دُونَ سِوَاهَا ... فَهِيَ تَفْهَمُهِ مِنْ نَظْرَتِهِ دُونَ أَنْ يَنْبِسَ بِبِنْتِ شَفِةٍ...ثُمَّ مَاذَا بَعْدَهَا ؟... أَيُمْكِنُهُ مُوَاجَهَتَهَا بِالنَّفْيِ مَعَ التَّحْدِيقِ فِي عَيْنَيْهَا بِكُلِّ قُوَّةٍ ؟...أَمْ تُرَاهُ سَيَعْتَرِفُ مُبَاشَرَةً بِنَظْرَتِهِ المُعْتَذِرَةِ التَّي تَعْشَقُهَا... وَتَذُوبُ فِيهَا ؟لا …لَنْ يَفْعَلَهَا … وَلَنْ يَكْذِبَ عَلَيْهَا …فَالكَذِبُ لَيْسَ مِنْ شِيَمِهِ … لَكِنْ مَنْ يَدْرِي؟…رُبَمَا قَدْ صَارَ كَذَلِكِ... مِثْلَمَا صَارَ التَّأَخُّرُ بَعْدَ أَنْ كاَنَ جُرْمًا مَنْبُوذًا عِنْدَهُ...وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَنْقُمُ عَلَى رِجَالٍ يَتْرُكُونَ زَوْجَاتِهِمْ بِانْتِظَارِهِمْ لَيَالٍ طِوَالٍ ...وَهُنَّ مُتَزَيِّنَاتٍ ...مُعَطَّرَاتٍ كَحُورٍ عِينٍ …لِيَتِيهُوا فِي الحَانَاتِ مَعَ فِتْنَةِ الغَوَانِي وَاللَّيَالِي الحَمْرَاءِ ؟ .

كَانَ هَذَا كَلَامُهُ قَبْلَ أَنْ يُخَالِفَهُ فِعْلُهُ... وَطَالَمَا أَنَّهُ قَدْ خَالَفَهُ...وَمَادَامَ قَدْ تَجَرَّأَ وَ تَمَادَى فِي مَعْصِيَتِهِ… فَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ سَيَنْفِي بِكُلِّ بُرُودَةِ أَعْصَابٍ وَ تَرْكِيزٍ ,هِيَ تَعْرِفُ مَدَى جَلَدِهِ وَصَلَابَتِهِ … وَعِنَادِهِ … وَالغَرِيبُ أَنَّهَا تُحِبُّ فِيهِ ذَلِكَ كَثِيرًا … وَرُبَّمَا سَيَغْضَبُ مِنْهَا وَيُسَفِّهُ حُلُمَهَا القَاصِرَ الذِّي شَطَحَ هِذِهِ المَرَّةَ بَعِيدًا ...وَ زَاغَ فِي تَفْكِيرِهِ وَاهْتِدَى لِأَمْرٍ مُسْتَحِيلٍ"…نَعَمْ مُسْتَحِيلٌ" ...كَانَ يُكَرِّرُ لَها فِي كُلَّ مّرَّةٍ تَطْلُبُ مِنْهُ الزَّوَاجَ ثَانِيَةً…مُؤَكِّدًا لَهَا أَنَّهَا حُبُّهُ الأَخِيرُ... مُشْهِدًا عَلَى ذَلِكَ نُجُومَ السَّمَاءِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً ...وَ مُسْتَحْلِفًا القَمَرَ بِكُلِّ عُشَّاقِهِ عَبْرَ مَرِّ الأَزْمِنَةِ بِإخْبَارِهَا بمَِدَى حُبِّهِ لَهَا...وَأَنَّهُ لَمْ ...وَلَنْ يُفَكِّرَ فِي أُخْرَى مَهْمَا حَدَثَ...وَأَنَّهُ لا يُرِيدُ أَوْلادًا ...بِقَدْرِ مَا يُرِيدُ أَنْ يُكْمِلَ بَقِيَةَ عُمُرِهِ بَيْنَ أَحْضَانِهَا .

لَكِنْ مَا المُسْتَحِيلُ فِي ذَلِكَ … أَلَمْ تَكُنْ حَتَّى الآَنَ قَاصِرًا عَلَى إِدْخَالِ السَّعَادَةِ إِلَى قَلْبِهِ بِإِنْجَابِ وَلِِيِّ عَهْدٍ يَرِثُ صَلَابَتَهُ…. قُوَّتَهُ… جَلَدَهُ وَعِنَادَهُ...طِيلَةَ السَّبْعِ سَنَوَاتٍ المَاضِيَةِ ؟...أَلَمْ يَطْلُبْ أَهْلُهُ مِنْهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَ تَكْرَاراً ...وَ هُوَ يَرْفُضُ وَيُعَانِدُ ؟… أَيَكُونُ قَدْ رَضَخَ لِمَطْلَبِهِمْ هَذِهِ المَرَّةَ ...وَفَعَلَهَا ؟...إِنَّهُ رَجُلٌ كَكُلِّ الرِّجَالِ …وَ لَا يُمْكِنُ لِشُعُورِ الأُبُوَّةِ فِيهِ أَنْ يَمُوتَ ...مَهْمَا كَانَ حُبُّهُ لَهَا عَظِيمًا … وَلَا يُمْكِنُ لِقَلْبِهِ أَنْ يَتَجَاهَلَ أُمْنِيَةَ سَمَاعِ تِلْكَ المُوَشَّحَةِ الجَمِيلَةِ المُعَنْوَنَةِ بِكَلِمَةِ " بابا"...وَهِيَ تَخْرُجُ بَيْنَ شَفَتَيْ صَبِِِّي جمَيِلٍ... عَلَى وَقْعِ دَقَّاتِ قَدَمَيْهِ الصَّغِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهِ الوَاسِعِ حِينَ يَرْغَبُ فِي حمَلِهِ بَيْنَ سَاعِدَيْهِ القَوِيَّيْنِ,كُلُّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ وَ مُقَدَّرٌ عِنْدَهَا...وَ إِلَّا لمَاَ طَلَبَتْ مِنْهُ الزَّوَاجَ ثَانِيَّةً …فَمَا الدَّاعِي لِإِخْفَاءِ الأَمْرِ عَنْهَا.. وَلمَ كُلُّ هَذَا الغُمُوضِ وَالتَّعْتِيمِ ؟… قَدْ يَكُونُ حُبُّهُ...وَ احْتِرَامُهُ لَهَا ...هُمَا مَا يَمْنَعَانِهِ مِنْ ذَلِك ؟ .

حَقِيقَةً سَتَتَأَلَّمُ وَتَشْعُرُ بِالنَّقْصِ…لَوْ صَدَقَ ظَنُّهَا...وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ تُفَضِّلُ مَعْرِفَةَ الحَقِيقَةِ وَتَقَبُّلِهَا بِكُّلِّ مَرَارَتِهَا وَأَلمَِهَا ...مَادَامَ فِي ذَلِكَ سَعَادَتُهُ…عَلَى العَيْشِ فِي غُمُوضٍ أَطْفَأَ وَهَجَ عَلاَقَتِهِمَا ...وَبَنَى مَكَانَهَا جُدْرَانًا جَلِيدِيَةً سَمِيكَةً, لِذَا سَتُثِير الزَّوْبَعَةَ اللَّيْلَةَ… وَتُحَطِّمُ تِلْكَ الجُدْرَانِ…حَتَّى وَإِنْ غَرِقَتْ فِي طُوفَانِهَا … فَقَدْ فَاضَ بِهَا الكَيْلُ وَلَمْ تََعُدْ تَتَّحَمَّلُ مَشَقَّةَ السَّعْيِ فِي الأَسْحَارِ.

إِتَّخَذَتْ قَرَارَهَا دُونَ رَجْعَةٍ اليَوْمَ ... وَ مَا بَقِيَ إِلَّا إِيجَادُ الطَّرِيقَةِ وَالوَقْتِ المُنَاسِبَيْنِ لمِنَُاقَشَتِهِِ فِي المَوْضُوعِ,لِأَنَّهُ سَيَصْلُ مُنْهَكًا كَعَادَتِهِ ...فَكَيْفَ تُوَاجِهُهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الحَالِ؟ … مَا تِلْكَ بِطَرِيقَةٍ عَقْلاَنِيَةٍ لِلتَّفَاهُمِ… وَمَا تَعَوَّدَتْ عَلَى الهَمَجِيَةِ وَالفَوْضَى... فَهَلْ تَبْتَدِعُهَا اليَوْمَ ؟ ...الأَفْضَلُ لَهَا انْتِظَارُ ابْتِسَامَةِ النَّهَار ِالمُشْرِقَةِ ...حَيْثُ يَكُونُ قَدْ أَخَذَ قِسْطًا مِنَ الرَّاحَةِ لِتُفَاتِحَهُ فِي الأَمْرِ بِكُلِّ مَوْضُوعِيَةٍ وَهُدُوءٍ...حَتَّى وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَهَا فَمَا عَلَيْهِ إِلَّا الاعْتِرَافُ… وَسَيَصِلَانِ إِلَى تَرْتِيبِ وَضْعٍ مُرْضِ لِكُلِّ الأَطْرَافِ... بِمَا فِي ذَلِكَ الطَّرَفُ الثَّالِثُ... المُنَافِسُ .

تِلْكَ هِيَ بَنَاتُ أَفْكَارِهَا التِّي أَنْجَبَهَا عَقْلُهَا المُنْهَكُ أَثْنَاءَ السَّعْيِ... بَعْدَ مَدٍّ وَ جَزْرٍ مُضْنِيَيْنِ,وَهِيَ تَسْمَعُ الآنَ آذَانَ الفَجْرِ يُجَلْجِلُ فِي سمَاءِ الحَيِّ ...وَ تُرَدِّدُهُ … ثُمَّ أَغْلَقَتْ بَلَكُونَهَا… وَتَوَجَّهَتْ إِلَى الحَمَّامِ … تَوَضَْأَتْ … وَ أَسْرَعَتْ لِغُرْفَتِهَا مُرَدِّدَةً الأَذْكَارِ...ثُمَّ وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا ...وَ صَلَّتْ بِكُلٍّ تَبَتُّلٍ وَخُشُوعٍ ...لِتَتَسَلَّلَ أَخِيرًا إِلَى سَرِيرِهَا وَالنَّوْمِ يُدَاعِبُ جَفْنَيْهَا … وَهِيَ تُرَتِّلُ تَعَاوِيذَ هَوَاجِسِهَا وَظُنُونِهَا … إِلَى أَنْ غَاصَتْ فِي لجُةَِّ نَوْمٍ عَمِيقٍ .

َ مْتَدَيِّنَةٌ … مُثَقَّفَةٌ… هَادِئَةٌ … عَقْلَانِيَةٌ … رَصِينَةٌ...طَيِّبَةٌ … مُتَفَهِّمَةٌ … وَدٌودٌ … مٌتَوَاضِعَةٌ… وَفَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ …جمَيِلَةٌ جَمَالاً يَأْخُذُ بِالأَلْبَابِ وَيَسْتَهْوِيهَا, تِلْكَ هِيَ صِفَاتِهَا… أَوْ مَا سَمِعَتْ الجَمِيعَ يَنْعَتُهَا بِهِ ...حَتَّى أَنَّ وَالِدَهَا يُرَدِّدُ عَلَى مَسَامِعِهَا دَائِمًا:" يَوْمَ أَنْ وُلِدْتِ سَمَّيْتُكِ البَتْولَ … وَكُنْتُ أَرْجُو دَوْمًا أَنْ تَتَّصِفِي بِخَلْقِهَا وَخُلُقِهَا … وَرَبَّيْتُكِ عَلَى ذَلِكَ… وَيَوْمَ أَنْ كَبُرْتِ... وَصِرْتِ غَادَةً يَطْلُبُ الرِّجَالُ وُدَّهَا … تَمَنَّيْتُ أَنْ تَبْقَيْ كَذَلِكَ وَلَا تَغْتَرّيِ … فَتُذْهِبِي نُورَكَ بِسُوءِ فِعْلِكِ...وَيَسْتَهْوِيكِ مَا تَسْمَعِينَهُ عَنْكِ… فَيُنْسِيكِ أَنَّكِ مَا كُنْتِ كَذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّكِ تَوَاضَعْتِ … وَأَتَمَنَّى أَلَّا تَنْسَيْ أَبَدًا أَنَّ الصِّفَاتِ التِّي تَحْمِلِينْ... يَجِبُ أَنْ تَبْقَى شَاهِدًا لَكِ لا عَلَيْكِ... مَدَى الدَّهْرِ...إِلَى أَنْ تَلْقَيْ رَبَّكِ ,فَلَا تَحِيدِي عَمَّا عَلَّمْتُكِ إِيَّاهُ … وَاحْرِصِي عَلِى الإِقْتِدَاءِ بِالبَتُولِ بِحَقٍّ… وَأَنَا أَفْخَرُ بِكِ مَا دُمْتُ حَيَّا إِنْ لَمْ تَتَوَانَيْ فِي ذَلِكَ … فَلْيَحْفَظْكِ اللَّهُ بِرِعَايَتِهِ ,وَلِيُكْمِلِ سَعَادَتَكٍِ بِأَنْ يَهَبَكِ حَسَنًا وَحُسَيْنًا يَمْلَآنِ فَرَاغَ حَيَاتِكِ…وَ يُفَتِّحَانِ زُهُور أُمُومَتَكِ ... وَ يُفَجِّرَانِ بَرَاكِِينَهَا… فَتَنْعَمِي بِأَنْعُمٍ تَحْمَدِيَن اللَّهَ... وَتُسَبِّحِينَهُ عَلَيْهَا بُكْرَةً وَعَشِيَّا".

أَمَّا زَوْجُهَا فَيُنَادِيَها دَائِمًا بِ " بَتُولِي الجَمِيلَةُ "وَ يُشَبِّهُهَا بِهَا فِي الكَثِيرِ مِنَ الصِّفَاتِ ...مُعْتَرِفًا لَهَا أَنَّهُ هَوَاهَا لاجْتِمَاعِ تِلْكَ الخِصَالِ فِيهَا… خِصَالٍ جَذَبَتْهُ إِلَيْهَا يَوْمَ أَنْ قَرَّر الزَّوَاجَ,حَيْثُ ذَهَبَ إِلَى إِمَامِ الحَيِّ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَجِدَ لَهُ عَرُوسًا تُنَاسِبُهُ … فَعَرَضَ عَلَيْهِ بَنَاتٍ كَثِيرَاتٍ… تَفَرَّقَتْ فِيهِنَّ الصِّفَاتُ التِّي اشْتَرَطَهَا… وَاجْتَمَعَتْ فِيهَا… فَهَلَّلَ وَكَبَّر يَوْمَ أَنْ رَآهَا … وَوَافَقَ دُونَ تَفْكِيٍر,أَمَّا هِيَ فَقَدْ وَقَعَتْ أَسِيرَةَ هَوَاهُ مِنْ أَوَّلِ لحَْظَةٍ رَمَقَتْهُ فِيها...قَبْلَ ذَلِكَ المَوْعِدِ بِكَثِيرٍ…يَوْمَ أَنْ انْتَقَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ إِلَى مَسْكَنِهِمْ بِالحَيِّ... شَابٌّ فِي قِمَّةِ الرُّجُولَةِ… مَعَ وَسَامَةٍ أَخَّاذَةٍ...تَدَيُّنٍ... قُوَّةِ شَكِيمَةٍ …ثَقَافَةٍ... وَذَكَاءٍ لَا يُضَاهَى…كَانَ مَحَطَّ أّنْظَارِ كُلِّ بَنَاتِ الحَيِّ ...وَكَانَتْ هِيَ إِحْدَاهُنْ ...فَكَثِيرًا مَا كََانَتْ تَتَعَمَّدُ الخُرُوجَ مُتَأَخِّرَةً بَعْدَ صَلَاةِ الجُمُعَةِ مَعَ صُوَيْحِبَاتِهَا ...عَلَّهَا تَرَاهُ فِي سَاحَةِ المَسْجِدِ...

وَ هُوَ يَرْتَدِي قَمِيصَهُ الأَبْيَضَ الزَّبَادِيَّ... وَرَائِحَةُ المِسْكِ تَفُوحُ مِنْهُ ...ثُمَّ تَتَعَمَّدُ المُرُورَ أَمَامَهُ ...رَغْبَةً مِنْهَا فِي أَنْ يَرْمُقَهَا… وَ لَا يُعِيرُهَا أَدْنَى اهْتِمَامٍ... لا هِيَ وَلا صُوَيْحِبَاتُهَا ...بَلْ يَكْتَفِي بِفَرْكِ لِحْيَتِهِ وَغَضِّ بَصَرِهِ...وَهُوَ يَسِيرُ بِاتِّجَاهِ الحَيِّ وَسَطَ أَقْرَانِهِ ,وَمَا إِنْ تَصِلُ إِلَى غُرْفَتِهَا حَتَّى تُحْكِمَ إِغْلَاقَ باَبِهَا ... وَتَفْتَحَ شُرْفَتَهَا لِتُطِلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ وَسْطَ حَشْدِهِ يُنَاقِشُ... وَيُحَاوِرُ...وَيُحَاجِجُ... بِضِحْكَاتٍ مُتَعَالِيَةٍ ...وَ تَذَبْذُبٍ فِي رَنّاَتِ صَوْتِهِ ...سَعْيًا مِنْهُ لِلتَّغَلُّبِ عَلَيْهِمْ بِآرَائِهِ...مُسْتَدِلًا ...وَ مُتَبَاهِيًا بِمَا حَفِظَهُ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالَحدِيثِ وَالفِقْهِ ....فَتُلْهِبُ ضِحْكَاتُهُ فِي حَشَاهَا نَارًا حَرَّاقَةً... مُتَأَجِّجَةً شَوْقًا وَغَيْظًَا ... وَ رَغْمَ ذَلِكَ تُسَلِّمُ بِالهَزِيمَةِ... وَتَكْتَفِي بِالتَّطَّلُّعِ إِلَيْهِ...وَبِنَاءِ أَحْلَامٍ جمَِيلَةٍ فِي جَنَّةِ خَيَالِهَا الغَنَّاءِ .

وَجَاءَهَا اليَوْمُ الذَّي سَاقَتْهُ فِيهِ الأَقْدَارُ إِلَيْهَا... دُونَ تَدْبِيرٍ مُسْبَقٍ مِنْهَا,فَلَمْ تَسَعْهَا فَرْحَةُ الكَوْنِ بِرُمَّتِهِ ...وَشَعَرَتْ وَكَأَنَّهَا قَْد حَازَتْ عَلَى الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا,وَكَأَنَّ هَدِيَّتَهَا التِّي ظَلَّتْ قَائِمَةً طِيلَةَ لَيْلَةِ القَدْرِ تَطْلُبُهَا... جَاءَتْهَا تَمْشِي عَلَى قَدَمَيْهَا ... وَهِيَ تَحْمِلُ وُرُودًا بَيْنَ يَدَيْهَا... وَمَشَاعِرَ حُبِّ فَيَّاضَةٍ بَيْنَ جَنَبَاتِ قَلْبِهَا... وَتَحَقَّقَتْ لَهَا سَعَادَةٌ حَلُمَتْ بِهَا طَوِيلًا...فَعَاشَتْهَا مَعَهُ طِيلَةَ السِّنِينِ الخَوَالِي... حَتَّى قُرَابَةِ الثَّلَاثَةِ أَشْهُرٍ الأَخِيَرةِ ...حَيْثُ انْقَلَبَتْ كُلُّ المَوَازِينِ.

مَا إِنْ اسْتَسْلَمَتْ لِأُرْجُوحَةِ النَّوْمِ التِّي بَدَأَتْ تُلَوِّحُ جِسْمَهَا يُمْنَةً وَيُسْرَةً ...وَ تَتَلَاعَبُ بِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا.... حَتَّى سَمِعَتْ طَرْقًا قَوِيًا وَمُتَوَاصِلًا عَلَى البَابِ... فَاسْتَيْقَظَتْ مِنْ نَوْمِهَا فَزِعَةً ... مَذْعُورَةً... وَقَفَزَتْ مِنْ سَرِيرِهَا بِوَثْبَةٍ لَا شُعُورِيَّةٍ وَكَأَنَّ حَيَّةً لَسَعَتْهَا...فَانْتَعَلَتْ شِبْشِبَهَا... وَتَوَجَّهَتْ مُسْرِعَةً نَحْوَ البَابِ ...وَ هَيَ تَجْذِبُ خِمَارَهَا مِنْ عَلَى الكُرْسِيِّ وَتَرْمِيهِ عَلَى رَأْسِهَا بِرَبْطَةٍ غَيْرِ مُرَتَّبَةٍ, وَ بِمُجَرَدِ فَتْحِهَا البَابَ حَتَّى صَرَخَتْ مِنْ هَوْلِ مَا رَأَتْهُ,فَانْدَفَعَ نَحْوَهَا أََحَدُ الشَّبَابِ وَكَمَّمَ فَمَهَا بِيَدِهِ... ثُمَّ أَبْعَدَهَا عَنْ الطَّرِيقِ ... لِيَدْخُلَ وَرَاءَهُ اثْنَانِ آخَرَانِ...وَهُمَا يُسْنِدَانِ زَوْجَهَا الَجرِيحَ وَالدِّمَاءُ تَنْزِفُ منْ جِسْمِهِ نَزْفًا.

دَخَلَ الجَمْعُ فِي سَتْرِ الدُّجَى... وَ أَغْلَقُوا البَابَ, فَطَلَبَ مِنْهَا أَحَدُهُمْ إِرْشَادَهُمْ إِلَى غُرْفَةِ النَّوْمِ ...فَسَبَقَتْهُمْ إِلَيْهَا... وَهِيَ تَضْرِبُ كَفًّا بِكَفًّ... إِلَى أَنْ وَصَلُوا إِلَى الغُرْفَةِ ...فَوَضَعُوا زَوْجَهَا وَسْطَ السَّرِيرِ ...فَهَرَعَتْ إِلَيْهِ وَالدُّمُوعُ تَنْهَمِرُ مِنْ سَوَاقِي عَيْنَيْهَا...

وَ جَلَسَتْ بِجَانِبِهِ وَ سَأَلَتْهُ:" مَاذَا بِكَ ؟... مَاذَا حَدَثَ لَكَ ؟... مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا ؟ "
... وَ لَمْ يُجِبْهَا ...فَالْتَفَتَتْ لِلشَّبَابِ حَوْلَهَا وَكَرَّرَتْ عَلَيْهِمْ أَسْئِلَتَهَا ... فَأَخْبَرَهَا أَحَدُهُمْ أَنَّهُ قَدْ أُصِيبَ بِرَصَاصَةٍ طَائِشَةٍ ...أَثْنَاءَ مُرُورِهِمْ بِمِنْطَقَةٍ كَانَ بِهَا اشْتِبَاكٌ وَطَلْقُ نَارٍ بَيْنَ قُوَّاتِ الأَمْنِ وَالإِرْهَابِيِينَ.... فَصَرَخَتْ فِيهِمْ :"وَ لِمَاذَا لَمْ تَنْقُلُوهُ إِلَى المُسْتَشْفَى مُبَاشَرَةً ".
رَدَّ عَلَيْهَا أَحَدُهُمْ مُسْتَنْكِرًا الفِكْرَةَ ...وَكَانَ جَالِسًا إِلَى جَانِبِهِ:" لَا يُمْكِنُنَا ذَلِكَ ... يَا أُخْتَاهُ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ.... مُسْتَحِيلٌ. "

فَرَدَّتْ عَلَيْهِ بِلَهْجَةٍ غَاضِبَةٍ :" وَلِمَاذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ ؟.. مَا المُسْتَحِيلُ فِي ذَلِكَ ؟...أَخْبِرْنِي ؟...كَيْفَ تَتْرُكُونَهُ يَمُوتُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ دُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا ؟".

أَجَابَهَا بِنَبْرَةٍ يَسْعَى فِيهَا إِلَى تَهْدِئَةِ أَعْصَابِهَا :" وَلَكِنْ... أُخْتِي فِي اللَّهِ ....لَوْ نَقَلْنَاُه إِلَى المُسْتَشْفَى فَمَعْنَى ذَلْكَ مَشَاكِلُ كَبِيَرةٌ لَنَا وَلَهُ ... عَلَى كُلِّ إِِِصَابَتُهُ لَيْسَتْ خَطِيَرةً وَالرَّصَاصَةُ لَمْ تَخْتَرِقُ كَتِفَهُ بَلْ مَرَّتْ عَلَيْهِ سَطْحِيًّا وَسَبَّبَتْ لَهُ جُرْحًا... لَكِنَّهُ لَيْسَ خَطِيًرا ... وَسَيَأْتِي الطَّبِيبُ حَالًا لِمُعَالَجَتَهِ ... اطْمَئِنِّي أُخْتَاهُ...وَاعْلَمِي أَنَّ عَلَيْهِ هُوَ فَقَطْ أَنْ يَشْرَحَ لَكِ الَأمْرَ عِنْدَمَا تَتَحَسَّنُ حَالَتُهُ".

وَبَيْنَمَا هُمَا يَتَحَاوَرَانِ ...وَصَلَ شَابٌّ رَابِعٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الطَّبِيبُ ...وَ بَاشَرَ فِي مُعَالَجَتِهِ بَعْدَ اسْتِئْذَانِهَا فِي انْصِرَافِهَا مِنَ الغُرْفَةِ ...وَتَحْذِيرِهَا بِعَدَمِ التَّهَوُّرِ أَوْ فِعْلِ مَا مِنَ الُممْكِنِ أَنْ يَتَسَبَّبَ فِي هَلاَكِهِمْ جَمِيعًا.

انْصَرَفَتْ لِغُرْفَةِ الجُلُوسِ ...وَهِيَ تَلْطُمُ وَجْهَهَا... وَتَضْرِبُ كَفَّا بِكَفٍّ... وَتَحُومُ كَنَحْلَةٍ عَمْيَاءَ فِي الرِّوَاقِ الفَاصِلِ بَيْنَ الغُرْفَتَيْنِ ...قُرَابَةَ سَاعَتَيْنِ مِنَ الزَّمَنِ ...عَلَّهَا تَعْرِفُ مَا يَحْدِثُ ,وَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِكَ فَإِذَا بِجَرَسِ الهَاتِفِ يَرِنُّ ...فَتَوَجَّهَتْ مُسْرِعَةً لِلرَّدِ عَلَيْهِ...وَ هُنَا بَاغَتَهَا أَحَدُ الشَّبَابِ... وَ تَرَجَّاهَا فِي كِتْمَانِ الَأمْرِ وَالتَّصَرُّفِ بِشَكْلٍ طَبِيعِيِّ ....وَ إِذَا مَنْ بِالهَاتِفِ شَقِيقَتُهَا الصُّغْرَى...اتَّصَلَتْ بِهَا وَهِيَ تَبْكِي وَ تَشْهَقْ...وَقَالَتْ لَهَا بِصَوْتٍ امْتَزَجَ فِيهِ الكَلَامُ بِالبُكَاءِ :" البَتُوووووولْ.... تَعَالَيْ بِسُرْعَةٍ لَقَدْ أَطْلَقَتْ جَمَاعَةٌ مُسَلَّحَةٌ النَّارَ عَلَى أَبِي لَيْلَةَ البَارِحَةِ ... وَهُوَ فِي حَالَةٍ حَرِجَةٍ".

لَمْ تَتَمَالَكْ نَفْسَهَا... فَخَرَّتْ عَلَى الَأرِيكَةِ صَارِخَةً : "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ...مَنْ
فَعَلَ ذَلِكَ؟...كَيْفَ حَدَثَ ذَلِكَ ؟..لِمَاذَا؟... رُدِّي؟... أَجِيِبي؟".

فَأَجَابَتْهَا شَقِيقَتُهَا:" أَرْجُووووكِ... لَيْسَ الآنَ وَقْتُ كَلَامٍ وَ شَرْحٍ ...تَعَالَيْ وَ زَوْجَكِ بِسُرْعَةٍ ....وَ سَتَعْرِفَانِ كُلَّ شَيْءٍ فِيمَا بَعْدُ ".
أَخْبَرَتْهَا أَنَّ زَوْجَهَا مُسَافِرٌ مُنْذُ يَوْمَيْنِ فِي سَفْرَةِ عَمَلٍ إِلَى اليَابَانِ ...وَ لَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ العَوْدَةِ قَبْلَ أُسْبُوعٍ... أَمَّا هِيَ فَسَتَأْتِي مُسْرِعَةً بِسَيَّارَةِ أُجْرَةِ ...فَأََخْبَرَتْهَا شَقِيقَتُهَا بِأَنَّ الَجمِيعَ بِالُمسْتَشْفَى العَسْكَرِيِّ فِي مَصْلَحَةِ الاسْتَعْجَالَاتِ ... ثُمَّ قَطَعَتْ الخَطَّ ...فَوَضَعَتْ هِيَ بِدَوْرِهَا السَّمَّاعَةَ ... دُونَ أَنْْ تَبْكِي أَوْ تُوَلْوِلَ... بَلْ انْتَابَهَا نَوْعٌ مِنَ الذُّهُولِ شَلَّ كُلَّ مُتَحَرِّكٍ فِيهَا...فَبَاتَتْ كَعَجْزِ نَخْلِ خَاوٍ...وَلَمْ تَنْتَبِهْ لِنَفْسِهَا إِلَّا وَالشَّابُ يُكَلِّمُهَا قَائِلاً :"مَاذَا حَدَثَ أُخْتَاهُ ؟... مَاذَا جَرَى؟...عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ؟" .

فَرَدَّتْ عَلَيْهِ ... وَهِيَ تُحَدِّقُ فِي عَيْنَيْهِ بِكُلِّ شَرَاسَةٍ:" بَلْ أَنْتَ قُلْ لِي مَاذَا حَدَثَ ؟...وَمَنْ أَنْتُمْ ؟...وَمَا عَلَاقَتُكُمْ بِزَوْجِي ؟... وَلِمَاذَا هُوَ جَرِيحٌ؟ ...وَلِمَا لَمْ تَأْخُذُوهُ إِلَى الُمسْتَشْفَى؟... وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْكُمْ النَّارَ ؟... وَلِمَاذَا؟... أَجِبْنِي؟ ...أَبَلَعْتَ لِسَانَكَ ؟".
سَكَتَ الشَّابُّ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا ...فَاسْتَمَرَّتْ فِي إِمْطَارِهِ بِوَابِلِ أَسْئِلَتِهَا :" أَنْتُمْ جَمَاعَةٌ إِرْهَابِيَةٌ.. وَزَوْجِي عُضْوٌ فِيهَا... صَحّْ؟... وَكُنْتُمْ تَقُومُونَ بِعَمَلِيَّةٍ إِرْهَابِيَّةٍ حِيَن أُطْلِقَتْ عَلَيْكُمُ النِّيَرانُ... وَ اغْتَلْتُمْ مُفَتِّشَ شُرْطَةٍ لَيْلَةَ أَمْسِ ...أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟... وَهَرَبْتُمْ هُنَا لِلاخْتِبَاءِ بَعْدَ أَنْ جُرِحَ زَوْجِي؟ ...أََجِبْنِي؟... لِمَ أَنْتَ مَبْهُوتٌ هَكَذَا؟".

انْدَهَشَ الشَّابُّ وَرَدَّ عَلَيْهَا بِصَوْتٍ مُرْتَعِشٍ:" مَنْ أَخْبَرَكِ بِذَلِكَ؟...كَيْفَ عَرَفْتِ؟".
فَصَرَخَتْ فِي وَجْهِهِ :" ذَاكَ المُفَتِّشُ وَالِدِي ... أَيُّهَا المُجْرِمُ... أَسَمِعْتَ ؟ ...نََعَمْ ... وَالِدِي... صِهْرُ زَوْجِيَ المُحْتَرَمِ ...رَفِيقِكُمْ وَشَرِيكِكُمْ فِي الجَرِيمَةِ... لِمَاذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ ؟... كُلُّكُمْ مُجْرِمُونَ ... قَتَلَةٌ ...سَفَّاحُونََ ...كَيْفَ أَنْ دَخَلَ زَوْجِي فِي صُفُوفِكُمْ؟... أَيْنَ غَيَّبْتُمْ عُقُولَكُمْ ؟... أَيـــْنَ؟...مَاذَا تُرِيدُونَ مِنَّا ؟... أَلَمْ تَكْفِكُمُ الدِّمَاُء التِّي سَفَكْتُمُوهَا ؟ أَلَمْ تَرْتَوُوا بَعْدُ ؟ ".

وَقَامَتْ مُسْرِعَةً إِلَيْهِ ...وَ أَمْسَكَتْهُ مِنْ قَمِيصِهِ وَهُوَ فِي حَالَةِ ذُهُولٍ ...وَ صَرَخَتْ فِي وَجْهِهِ :" مَاذَا تُرِيدُونَ مِنَّا ؟ ...مَاذَا تُرِيدُوووووونَ ؟... سَفَّاحُونَ ...قَتَلَةٌ ... مُجْرِمُونَ ... خَوَنَةٌ "... وَبِحَرَكَةٍ قَوِيَّةٍ مِنْهَا دَفَعَتْهُ بَعِيدًا عَنْهَا ... دُونَ أَنْ يُبْدِ أَيَّ حَرَكَةٍ... وَهَرَعَتْ إِلَى غُرْفَةِ النَّوْمِ وَ ظَلَّتْ تَطْرُقُ بَابَهَا بِقُوَّةٍ...حَتَّى فُتِحَ لَهَا ... فَقَفَزَتْ إِلَى السَّرِيرِ وَ أَمْسَكَتْ رَأْسَ زَوْجِهَا بَيْنَ ذِرَاعَيْهَا ... وَهُوَ يَئِنُّ ... وَصَبَّتْ جَمَّ غَضَبِهَا عَلَى وَجْهِه...صَارِخَةً :" لمِاَذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ؟... لِمَاذَا اخْتَرْتَ المَشْيَ فِي هَذَا النَّفَقِ ؟... أَيْنَ كَانَ رُشْدُكَ ...وَحِكْمَتُكَ التِّي كُنْتَ تَتَبَاهَى بِهَا دَوْمًا ؟...مَاذَا سَتَجْنِي مِنْ وَرَاءِ قَتْلِكَ وَالِدِي ؟...أَ هَذَا هُوَ جَزَاءُ المَعْرُوفِ ؟...أَ هَذَا هُوَ جَزَاءُ مَنْحِهِ إِيَاكَ شَرَفَ مُصَاهَرَتِهِ ؟... أَلَمْ تُفَكِّرْ بِي ؟..بِنَا مَعًا؟...بِحَيَاتِنَا ؟ ...بِمُسْتَقْبَلِنَا ؟... لِمَاذَا اخْتَرْتَ هَذَا الدَّرْبَ؟...لِمَاذَا؟...أَخْبِرْنِي ؟...لِمَاذَا حَكَمْتَ عَلَى مُسْتَقْبَلِكَ وَمُسْتَقْبَلِنَا مَعًا بِالِإعْدَامِ ؟... لِمَاذَا تُهْتَ فِي دُرُوبِ الظَّلَامِيَّةِ الُموحِشَةِ؟ لِمَاذَا؟.. قُلِّي؟.. أَجِبْنِي بِرَبِّكَ؟".

أَشَاحَ بِوَجْهِهِ عَنْهَا ... وَلَمْ يَنْبِسْ بِكَلِمَةٍِ...فَاحْتَضَنَتْ رَأْسَهُ وَ هِيَ تَبْكِي بِجُنُونٍ ...فَمَدَّ ذِرَاعَهُ نََحْوَهَا وَاحْتَضَنَهَا هُوَ الآخَرُ... وَكُلُّ مَنْ حَوْلَهُمَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا,ثُمَّ رَفَعَتْ نَظَرَهَا نَحْوَ الطَّبِيبِ ...وَ سَأَلَتْهُ عَنْ حَالِهِ ...فَطَمْأَنََهَا وَ انْصَرَفَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الغُرْفَةِ ,َانْتَفَضَتْ مِنْ مَكَانِهَا وَاتَّجَهَتْ نَحْوَ الدُّولَابِ... وَهِيَ تُكَلِّمُهُ َبِنَبْرَةٍ أَكْثَرَ اتِّزَانًا و َتَعَقُّلًا...حَيْثُ اسْتَأَذَنَتْهُ فِي زِيَارَةِ وَالِدِهَا فِي المُسْتَشْفَى إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ لَفَظَ أَنْفَاسَهُ بَعْدُ وَ الوُقُوفِ بِجَانِبِ أَهْلِهَا فِي مِحْنَتِهِمْ هَذِهِ ...ثُمَّ وَعَدْتُه بِأَنْ تَكْتُمَ سِرَّهُ ...فَشَكَرَهَا وَ أَذِنَ لَهَا بِذَلِكَ ...فَغَيَّرَتْ ثِيَابَهَا...ثُمَّ اسْتَدْعَتْ سَيَّاَرَةَ أُجْرَةٍ وَانْطَلَقَتْ إِلَى المُسْتَشْفَى.

وَصَلَتْ إِلَيْهِ ...فَنَزَلَتْ مِنْ السَّيَارَةِ...وَهِيَ تَسِيُر بِخُطًى مُتَسَارِعَةٍ فِي كُلِّ أَجْنِحَتِهِ ... حَتَّى لَمَحَتْ وَالِدَتَهَا جَالِسَةً عَلَى كُرْسِيٍّ فِي مُؤَخَّرِ قَاعَةِ الانْتِظَارِ... قُرْبَ حُجْرَةِ العَمَلِيَّاتِ...فَارْتَمَتْ عَلَيْهَا... وَاحْتَضَنَتْهَا و َهِيَ تَبْكِي كَصَبِيِّ تَاهَ عَنْ أُمِّهِ ... ثُمَّ أَعَادُوهُ إِلَيْهَا , رَبَّتَتْ وَالِدَتُهَا عَلَى رَأْسِهَا ... وَ وَشْوَشَتْ في أُذُنِهَا بِكُلَّ حَنَاٍن وَ هُدُوءٍ :" لَا تَبْكِ بُنَيَّتِي...لَا اعْتِرَاضَ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ... الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَضَى وَ قَدَّرَ ...جَفِّفِي دُمُوعَكِ...فَلَيْسَ ثَمَّةَ مَا يُمْكِنُنَا فِعْلُهُ الَآنَ سِوَى الدُّعَاءِ لَهُ...فَهُوَ بَيْنَ يَدَيِّ البَارِي تَعَالَى... وَلَنْ نَكُونَ أَحَنَّ مِنُهُ عَلَْيهِ... فَأَكْثِرِي مِنَ الدُّعَاءَ لَهُ...وَاصْبِرِي وَصَابِرِي ".

فَجَثَمَتْ عَلَى الَأرْضِ وَسَأَلَتْهَا:"كَيْفَ حَاُلهُ الَآنَ أُمَّاُهُ ؟…كَيْفَ هُوَ؟…أَحَالَتُهُ خَطِيرَةٌ ؟".
نَظَرَتْ إِلَيْهَا أُمُّهَا نَظْرَةَ حُزْنٍ ...ثُمَّ أَرْخَتْ طَرَفَهَا إِلَى الَأْرضِ وَقَالَتْ بِلَهْجَةٍ مِلْؤُهَا التَّسْلِيمُ وَالحُزْنُ :" إِنَّ لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ بُنَيَّتيِ ... البَقَاءُ لِلَّهِ وَحْدَهُ ".
سَقَطَتْ مَغْشِيًا عَلَيْهَا...بِمُجَرَّدِ سَمَاعِهَا تِلْكَ العِبَارَةِ... فَهَرَعَتْ إِلَيْهَا المُمَرِّضَاتُ ... وَحَمَلَنْهَا عَلَى المِنْقَلَةِ إِلَى إِحْدَى غُرَفِ الاسْتِعْجَالَاتِ... أَيْنَ حَقَنَّهَا بِحُقْنَةٍ مُهَدِّئَةٍ.

ظَلَّتْ عَلَى حَالِهَا مُدَّةَ يَوْمَيْنِ كَامِلَيْنِ...كُلَّمَا اسْتَفَاقَتْ... هَمَّتْ بِِالصُّرَاخِ وَالبُكَاءِ بِهِسْتِيرِيَّةٍ وَجُنُونٍ...فَيُعَادُ حَقْنُهَا بِحُقْنَةٍ مُهَدِّئَةٍ مَرَّةً أُخْرَى... وَأَهْلُهَا حَوْلَهَا يَعْتَنُونَ بِهَا ... وَيُهَدِّؤُونَ مِنْ رَوْعِهَا ... إِلَى أَنْ خَفَّ وَقْعِ الصَّدْمَةِ عَلَيْهَا... فَنُقِلَتْ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهَا... وَظَلَّتْ هُنَاكَ .

فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ...نُقِلَ جُثْمَانُ وَالِدِهَا إِلَى مَثْوَاهُ الَأخِيِر ...فِي مَوْكِبٍ جَنَائِزِيِّ مَهِيبٍ ... وَكَأَنَّهُ شَهِيدٌ يُزَفُّ لِلْحُوِر العِيِن ... وَالجَمِيعُ يَذْكُرُ مَحَاسِنَ الرَّجُلِ وَتَدَيُّنَهُ وَوَرَعَُه... وَيَسْتَنْكِرُونَ عَلَى مَنْ أَقْدَمَ عَلَى هَذِهِ الجَرِيمَةِ … وَهِيَ تَسْمَعُ وَلَا تَقْوَ عَلَى الرَّدِّ …بَلْ تَكْتَفِي بِالبُكَاءِ… أَوْ قِرَاءَةِ القُرْآََنِ وَالتَّرَحُّمِ عَلَى رُوحِهِ الزَّكِيَّةِ .

عَاشَتْ بَعْدَهَا فَتْرَةً عَصِيبَةً ... مَرِيرَةً … ظَلَّتْ طِيلَتَهَا ...حَبِيسَةَ غُرْفَتِهَا التِّي احْتَفَظَ لَهَا وَاِلدُهَا بِهَا بَعَدْ زَوَاجَهَا … وَمَا كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْهَا إِلَّا بِيْنَ الفَيْنَةِ وَالفَيْنَةِ …لِتُقَابِلَ بَعْضًا مِنَ الَمعَارِفِ …أَوْ لِتُسَاعِدَ وَالِدَتَهَا فِي شُؤُونِ البَيْتِ ,أَمَّا بَاقِي الوَقْتِ …فَكَانَتْ تُسَافِرُ فِيهَ إِلَى التَّعَبُّدِ وَالبُكَاءِ تَارَةً...فَتَقُومُ فِي الأَسْحَارِ...وَتَظَلُّ سَاجِدَةً رَاكِعَةً بَيْنَ يَدَيِ المَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ ...بِقَلْبِ مُنْكَسِرٍ وَدُمُوعٍ رَقْرَاقَةٍ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ... وَهِيَ تَدْعُوهُ فِي تَذَرُّعٍ وَخُشُوعٍ ...أَنْ يَغْفِرَ لِوَالِدِهَا ... وَلِمَنْ قَتَلَهُ ...وَأَنْ يُلْهِمَهَا القَرَارَ الصَّحِيحَ... وَ يُلْهِمَهَا صَبْرًا يُمِدُّهَا بِشَجَاعَةٍ تُمَكِّنُهَامِنْ مُوَاجَهَةِ الأَيَّامِ القَادِمَةِ بِكُلِّ ثَبَاتٍ وَرَبَاطَةِ جَأْشٍ, وَ تَارَةً أُخْرَى تُسَافِرُ إِلِى التِّيهِ وَالحَيرَةِ...إِذْ كَانَتْ تُمْضِي السَّاعَاتِ الطِّوَالِ... تُكَلِّمَ فِيهَا نَفْسَهَا...وَتُشَاوِرُهَا فِيمَا عَلَيْهَا فِعْلُهُ فِي الأَيَّامِ القَادِمَةِ...وَتَنْهَرُهَا كُلَّمَا حَنَّتْ إِلَى زَوْجِهَا وَإِلَى حُبِّهِ... أَوْ حَاوَلَتْ الدِّفَاعَ عَنْهُ... وَ إِيجَادَ الأَعْذَار ِلَهُ... وَتَأْمُرُهَا بِالكَفِّ عن ذلِكَ لِأَنَّ مَا تَفْعَلُهُ يُحَرِّضُهَا عَلَى التَّسَتُّرِ عَلَى جَرِيمَةٍ نَكْرَاءَ... فَيَصْرُخُ قَلْبُهَا مِنْ بَيْنِ ضُلُوعِهَا مُسَانِدًا نَفْسَهَا وَ مُؤَيِّدًا لَهَا...وَ مُطَالِبًا إِيَّاهَا بِالتَّفْكِيرِ مَلِيًا فِيمَا تَنْوِي الِإقْدَامَ عَلَيْهِ... فَذَاكَ حَبِيبُ القَلْبِ... وَعَشِيُر أَجْمَلِ سِنِينِ العُمْرِ... وَمِنَ المُمْكِنِ أَنْ يِتُوبَ وَيَرْجِعَ إِلَى رُشْدِهِ... فَلِمَ تَخْسَرُهُ؟... لِمَ لَا تُحَاوِلُ التَّحَاوُرَ مَعَهُ عَلَّهُمَا يَصِلَانِ إِلَى حَلٍّ مُرْضِ لَهُمَا مَعًا ؟... وَمَا إِنْ يَنْطِقُ قَلْبُهَا حَتَّى يَحْمِلُهَا الحَنِينٍ وَ الشَّوْقٍ إِلَيْهِ... فَيَسْتَشْعِرُ عَقْلُهَا خُطُورَةَ المَوْقِفِ ...وَ يَنْتَفِضُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ ...وَ يُصَرِّحُ آمِِرًا إِيَاهَا بِالتَّعَقُّلِ وَالحِكْمَةِ ...وَ عَدَمِ الاسْتِسْلَامِ لِمَشَاعِرِ القَلْبِ فِي مَوَاقِفَ كَهَذِهِ... بَلْ عَلَيْهَا التَّفْكِيرُ بِكُلِّ نُضْجِ وَرَصَانَةٍ,وَ يَسْتَرْجِعُ لَهَا ذِكْرَيَاتِ غِيَابِ زَوْجِهَا عَنِ البَيْتِ وَ تَغَيُّرِ طِبَاعِهِ... وَتَغَيُّرِ أُسْلُوبِ كَلَامِهِ وَتَفْكِيِرهِ... وَ يَسْخَرُ مِنْهَا بَلْ مِنْ نَفْسِهِ ...إِذْ صَرَفَ شُكُوكَهُ فِي تَأَخُّرهِِ عَنِ البَيْتِ لِكَوْنِهِ قَدْ تَزَوَّجَ ثَانِيَّةً وَعَافَهَا... لَكِنَّ الحَقِيقَةَ انْكَشَفَتْ لَهُ وَلَهَا... وَبَيَّنَتْ لَهَا الأَمْرَ الخَفِيَّ... الذِي لَمْ يَكُنْ فِي الحِسْبَانِ... ثُمَّ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الحُسْبَانِ؟... كَيْفَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَتَصَوَّرَ ذَلِكَ الزَّاهِدَ العَابِدَ... المُلْتَُزِمَ السُّنِّيَّ ...يَتَحَوَّلُ إِلَى وَحْشٍ قَاتِلٍ؟... وَمَنْ تَكُونُ ضَحِيَّتَهُ ؟... وَالِدُهَا ؟... الرَّجُلُ الذِّي قَدَّمَ لَهُ جُزْءًا مِنْهُ كَيْ يَكُونَ لَهُ وَنَسًا... وَكَانَ كَالأَبِ لَهُ ؟وَ يُذَكِّرُهَا كَيْفَ أَصْبَحَ يَتَحَاشَى زِيَارَةَ بَيْتِ أَهْلِهَا فِي المُدَّةِ الأَخِيرَةِ ...وَكَيْفَ كَانَتْ تَرْتَسِمُ عَلَى مُحَيَّاهُ عَلَامَاتُ الانْزِعَاجِ كُلَّمَا حَدَّثَتْهُ عَنْهُمْ وَعَنْ رَغْبَتِهَا فِي زِيَارَتِهِمْ...وَ عَنْ وَالِدِهَا خُصُوصًا...فَسَرَعَانَ مَا كَانَ يُغَيِّرُ المَوْضُوعَ... أَوْ يَسْتَأْذِنُ بِالانْصِرَافِ...وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَعْتَذِرُ لَهَا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ مُرَافَقَتِهَا إِلَى بَيْتِهِمْ بِسَبَبِ انْشِغَالِهِ فِي عَمَلِهِ...رُبَّمَا لِتَحَاشِي مُوَاجَهَةِ نَظْرَةِ وَالِدِهَا التِّي قَلَّمَا أَخْطَأَتْ فِي سَبْرِ أَغْوَارِهِ ... فَأًغْوَارُهًُ كَانَتْ قَدْ بَدَأَتْ تَسْوَدُّ وَتُظْلِمُ ...فَهَابَ أَنْ يَكْشِفَهَا حَدْسُ وَالِدِهَا بِنُورِ بَصِيَرتِهِ فَلا يَقْدِرُ عَلَى الكتِمْاَنِ... فَتَفْشَلَ كُلُّ خُطَطِهِ؟ ...أَوْ رُبَّمَا كَانَ يَشْعُرُ بِتَأْنِيبِ ضَمِيٍر لِمَا كَانَ يُبَيِّتُهُ لَهُ ... فَفَضَّلَ تَحَاشِيهِ حَتَّى يُنَفِّذَ جَرِيمَتَهُ بِكُلِّ دِقَّةٍ وَإِحْكَامٍ ...مَنْ يَدْرِي؟؟؟؟.

اسْتَجَمَعَتْ شَتَاتَ تَفَاصيِلَ كُلُّهَا تُنْبِئُ عَنْ تَغَيُّرِ طِبَاعِهِ...و لَمْ تُعِرْهَا أَيَّ اهْتِمَامٍ مِنْ قَبْلُ ... كَيْ لَا تُغْضِبَ شَرِيكَ حَيَاتِهَا... وَكَيْ تُحَافِظَ عَلَى سَكِينَةِ مَعْبَدِهَا الثَّانِي... وَتَصُونَهُ ...وَ تَخْدِمَهُ كَرَاهِبَةٍ ...تُطِيعُ فِيهِ سَيِّدَهَا وَسَيِّدَهُ ...طَاعَةً عَمْيَاءَ ... كََمَا عَلَّمَهَا وَالِدُهَا وَكَمَا كَانَ يُوصِيهَا دَائِمًا:" كُونِي لَهُ أَمَةً يَكُنْ لَكِ عَبْدًا"... كُونِي لَهُ زَوْجَةً تُغْنِيهِ عَنْ نِسَاءِ الكَوْنِ جَمِيعًا... وَشَقِيقَةً لِرُوحِهِ تُفَرِّجُ عَنْهُ هَمَّهُ وَكَرْبَهُ ... حَافِظِي عَلَيْهِ فِي حَضْرَتِهِ وَغِيَابِهِ... وَفِي صَحْوَتِهِ وَمَنَامِهِ ... كُونِي غَانِيَةً بَيْنَ يَدَيْهِ... رَاهِبَةً فِي غِيَابِهِ" ...كُونِي ... وَكُونِي ... وَ كُونِي ...كَانَ يَحُّثُهَا أَنْ تَكُونَ كَمَا أَرَادَهَا أَنْ تَكُونَ ...فِي بَيْتِهِ ...وَفِي بَيْتِ زَوْجِهَا ... وَكَانَ يُوصِيهَا بِأَلَّا تُطَالِبَ بِأَكْثَرَ مِنْ اليَسِيرِ... لِأَنَّ القَنَاعَةَ كَنْزٌ يُغْنِي صَاحِبَهُ عَنَاءَ الطَّمَعِ كَمَا كَانَ يُرَدِّدُ لَهَا دَائِمًا ,وَامْتَثَلَتْ لِأَمْرِهِ...فَمَاذَا جَنَتْ غَيْرَ أَلَمٍ... وَ حُزْنٍ ...وَ حَسْرَةٍ ...وَ تَحَطُّمِ جُسُورِ ثِقَةٍ ...وَ مَوَدَّةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِسَبَبِ انْحِرَافِهِ إِلَى دَرْبِ الظَّلَامِ ؟...لَقَدْ كَانَتْ لَهُ نِعْمَ الزَّوْجُ ...فَلِمَاذَا انْقَلَبَ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ ؟...أَمَاتَ حُبُّهَا فِي قَلْبِهِ ؟... أَمْ قَلْبُهُ الذِّي مَاتَ ...وَلَمْ يَعُدْ يَعْرِفُ مَعْنَى الحُبِّ... لَا لَهَا ...وَلَا لِسِوَاهَا...بَلْ وَلَا حَتَّى لِلْحَيَاةِ ؟...لِمَاذَا امْتَلَأَ قَلْبُهُ كَرَاهِيَةً وَحِقْدًا...بَعْدَ أَنْ كَانَ فَيَّاضًا بِالحُبِّ وَالرَّحْمَةِ ؟ ... وَعَلَى مَنْ ؟ ...عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ وَ أَحَبِّهِمْ إِلَيْهِ ؟.

وَحَاوَلَتْ فَاشِلَةً …التَّجَمُّلَ أَمَامَ الجَمِيعِ بِصَبْرٍ تَعَلَّمَتْهُ عَنْ وَالِدِهَا ...وَحَتَّى صَبْرُهَا فَشِلَ هُوَ الآخَرُ فِي إِخْفَاءِ مَعَالِمِ تِلْكَ الحَيْرَةِ التِّي أَخَذَتْ مِنْهَا مَأْخَذًا لَا تُحْسَدُ عَلَيْهِ ,وَظَلَّتْ طَوَالَ تِلْكَ الفَتْرَةِ تَتَهَرَّبُ مِنْ سُؤَالِ أَهْلِهَا عَنْهُ ... وَتَتَحَجَّجُ بِعَدَمِ تَمَكُّنِهَا مِنَ الاتِّصَالِ بِهِ... أَوْعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الاتِّصَالِ بِهَا... بِشَتَّى الحُجَجِ, وَكَانَتْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تُفَكِّرُ فِي إِخْبَارِهِمُ الحَقِيقَةَ...ثُمَّ تَتَرَاجَعُ ...لِتَعُودَ لِلْحَيْرَةِ وَ التَّسَاؤُلِ مِنْ جَدِيدٍ...كَيْفَ عَسَاهَا تَتَصَرَّفُ حِيَالَ هَذَا الوَضْعِ ؟... أَ تُؤْذِيهِ وَهِيَ تُحِبُّهُ حُبًّا لَمْ تُحْبِبْهُ امْرَأَةٌ رَجُلًا مِنْ قَبْلُ؟ ...إِنَّهُ زَوْجُهَا وَ حَبِيبُهَا ... وَقَدْ عَلَّمَهَا وَالِدُهَا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِعْمَ الزَّوْجُ وَالأَنِيسُ وَالشَّرِيكُ ... وَكَاتِمَةُ أَسْرَارِهِ... فَهَلْ تُفْشِي سِرَّهُ اليَوْمَ ؟... أَمْ تَسْتَمِرُّ فِي الصَّمْتِ وَتُكْمِلُ مَعَهُ الِمشْوَارَ؟ ...وَكَيْفَ يُمْكِنُهَا أَنْ تُكْمِلَ هَذَا الِمشْوَارَ ...وَ تَغْفِرَ لَهُ زَلَّةً هَزَّتْ دَوَاخِلَ قَلْبِهَا... وَزَلْزَلَتْه؟...كَيْفَ؟...لَوْ غَضَّتْ الطَّرْفَ عَنْ هَذِهِ الزَّلَّةِ ... فَقَدْ يُكْمِلُ السَّيْرَ فِِي هَذَا الدَّرْبِ المُظْلِمِ...أَيُمْكِنُهَا السُّكُوتُ عَلَىذَلِكَ بَعْدَهَا ؟ لَا... أَبَدًا ...فَمَا تَعَلَّمَتْ ذَلِكَ وَمَا حَفِظَتْهُ... لَا عَنْ وَالِدِهَا وَلَا عَنْ دِينِهَا قَطُّ ؟...مَاذَا عَلَيْهَا أَنْ تَفْعَلَ ؟.. أَتَشِي بِهِ ...أَمْ تَتَسَتَّرُ عَلَيْهِ وَعَلَى شُرَكَائِهِ ؟.. لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهَا تُشَارِكُهُمْ جَرِيمَتَهُمْ ...وَسَيَسْتَمِرُّونَ فِي تَقْتِيلِ الأَبْرِيَاءِ غَيْرَ وَالِدِهَا ...ذَاكَ الرَّجُلُ الطَّيِّبُ ... الذِّي لَمْ يُؤَدِّ فَرِيضَةً يَوْمًا إِلَّا جَمَاعَةً... وَكَانَ يَسْعَى أَنْ تَكُونَ حَيَاتُهُ وَحَيَاةُ أَوْلَادِهِ إِسْلَامِيَّةً عَفِيفَةً ... لَقَدْ كَانَ بَيْتَهُ المَعْبَدَ الأَوَّلَ الذِّي تَعَلَّمَتْ فِيهِ أُصُولَ الدِّينِ وَ تَعَاليِمَهُ... وَكَمْ مِنْ فَلَقَةٍ اسْتَحَقَّتْهَا لِإِهْمَالِهَا حِفْظَ جُزْئِهَا مِنَ القُرْآنِ عَلَى يَدِ مُعَلِّمِهَا وَمُرَبِّيهَا الأَوَّلِ ... ذَاكَ الذِّي سَمَّوْهُ طَاغُوتًا... وَاسْتَبَاحُوا قَتْلَهُ , كُلُّ الأَهْلِ وَالخِلَّانِ وَالمَعَارِفِ وَحَتَّى زُمَلَاءَ العَمَلِ يَشْهَدُونَ بِسِيرَتِهِ العَطِرَةِ...وَيَعْتَرِفُونَ بِنَزَاهَتِهِ وَصَرَامَتِهِ فِي حَيَاتِهِ وَ فِي عَمَلِهِ... فَكَيْفَ يُصْبِحُ اليَوْمَ طَاغُوتًا يَسْتَحِقُّ القَتْلَ؟... مَنْ أَفْتَى بِذَلَكِ ؟... وَكَيْفَ تَجَرَّأَ عَلَى الإِفْتَاءِ بِذَلِكَ؟... وِفْقَ أَيِّ مَذْهَبٍ أَفْتَى بِذَلِكَ ؟ ...وَوِفْقَ أَيِّ عَقِيدَةٍ اسْتَبَاحَ قَتْلَ نَفْسٍ تَلْفِظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَيْلَا...نَهَارًا؟... فِي أَيِّ قُرْآنٍ وَجَدَ ذَلِكَ؟... مِنْ أَيِّ سُنَّةٍ اسْتَخْلَصَ ذَلِكَ ؟... كَيْفَ سَمَحَ لِنَفْسِهِ بِتَضْلِيلِ شَبَابٍ آمَنُوا بِالدِّينِ وَاسْتَعَدُّوا لِتَقْدِيمِ أَنْفُسِهِمْ فِدَاءً لَهُ؟... لِمَ غَرَّرَ بِهِمْ ...وَ زَجَّ بِهِمْ فِي مَتَاهَاتِ الضَّيَاعِ ؟ ...وَهُمْ؟ ... أَيْنَ كَانَتْ عُقُولُهُمْ ؟ ...كَيْفَ سَيَلْقَوْنَ رَبَّهُمْ غَدًا : المُفْتِي وَالمُنَفِّذُُ عَلَى السَّوَاءِ؟...أَهُمْ الآَنَ فَرِحُونَ بِمَا يَقُومُونَ بِهِ؟ ...أَيَظُنُّونَ فِعْلا أَنَّ ذَلِكَ يُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى؟... أَفِعْلًا قَتْلُ النَّفْسِ وَالتَّخْرِيبُ يُرْضِي اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟...حاَشَا للَِّهِ ... تَعَالَى سُبْحَانُهُ وَتَنَزَّهََ عَنْ ذَلِكَ... وَدِينُهُ بَرَاءٌ مِنْهُمْ ...بَراءَةَ الذِّئْبِ مِنْ دَمِ يُوسُفَ... لَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَ النَّفْسِ التِّي اسْتَبَاحُوا دَمَهَا هُمْ ...بِحُجَّةِ إِقَامَتِهِمْ لِدِينِهِ ...فَأَيُّ دِينٍ هَذَا الذَّي يَسْعَوْنَ لِإِعَادَةِ أَمْجَادِهِ عَلَى رُفَاةِ أَبْنَائِهِ ؟ ...أَيُّ دِينٍ يَرْضَى بِمَوْتِ أَبْنَائِهِ وَفَنَائِهِمْ ؟ ...مَاذَا يُرِيدُونَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ ؟... مَنْ هُمْ ؟... مِنْ أَيِّ كَوْكَبٍ جَاؤُوا ؟ ...كَيْفَ يُفَكِّرُونَ؟... تُرَاهُمْ بَشَرٌ مِثْلُنَا مِنْ قَلْبٍ يَنْبِضْ وَعَقْلٍ يُفَكِّرْ؟ ...أَمْ هُمْ آلَاتٌ بَشَرِيَّةٌُ صَنَعَتْهَا إِيدْيُولُوجِيَاتٌ فَتَّاكَةٌ ...مُدَمِّرَةٌ هَدَفُُهَا الوَحِيدُ ضَرْبُ الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَةِ فِي صَمِيمِهَا بِتَشْتِيتِ وِحْدَتِهَا ..وَتفْرِيقِ صُفُوفِهَا؟ ...مَا أَعْظَمَ الذُّنُوبَ التِّي يَقْتَرِفُونَ... وَالسَّاكِتُ عَنْهَا مُجْرِمٌ مِثْلُهُمْ ...لَا... لَا... وَأَلْفُ لا... لاَ يَجِبُ السُّكُوتُ عَنْ جَرَائِمِهِمْ ...تِلْكَ جَرِيمَةٌ أَخْطَرُ فَتْكًا وَ أَشَدَّ وَقْعًا مِنْ جَرَائِمِهِمْ .

و َهَكَذَا انْقَضَى اُُُسْبُوعُهَا...بَعْدَمَا عَاشَتْ فِيهِ فُصُولَ مُجَادَلَةٍ ...وَمُحَاكَمَةٍ بَيْنَ قَلْبِهَا المُحِبِّ لِزَوْجِهَا حُبًّا جُنُونِيًّا... وَعَقْلِهَا الآَمِرِ لَهَا بِالتَّصَرُّفِ بِحِكْمَةٍ حِيَالَ هَذَا الوَضْعِ...لِتَصِلَ فِي النِّهَايَةِ إِلَى قَرَارٍ بَعَثَ فِي رُوحِهَا المُعَذَّبَةِ سَكِينَةً وَ طُمَأْنِينَةً حُرِمَتْ مِنْهُمَا طَوِيلًا ,فَاسْتَأْذَنَتْ أَهْلَهَا فِي الانْصِرَافِ لِبَيْتِهَا ...بِحُجَّةِ انْتِظَارِ عَوْدَةِ زَوْجِهَا...وَ طَلَبَتْ سَيَّارَةَ أُجْرَةٍ نَقَلَتْهَا إِلَى هُنَاكَ ...مُصِرَّةً عَلَى عَدَمِ إِزْعَاجِهِمْ بِمُرَافَقَتِهَا...لِكَثْرَةِ انْشِغَالِهِمْ بِتَحْقِيقَاتِ الشُّرْطَةِ وَ حُشُودِ المُعَزِّينَ.

وَصَلَتْ مَعْبَدَهَا الثَّانِي... فَوَجَدَتْ زَوْجَهَا مُلْقًا عَلَى السَّرِيرِ...وَمَا إِنْ رَآَهَا حَتَّى وَثَبَ جَالِسًا...فَسَلَّمَتْ ...و اسْتَفْسَرَتْهُ عَنْ حَالِهِ بِبُرُودَةٍِ لَمْ يَعْهَدْهَا مِنْهَا ...فَبَادَرَهَا قَائِلًا:" أَنْتِ نَاقِمَةٌ عَلَيَّ... أَرَى ذَلَكِ فِي عَيْنَيْكِ ".

فَأَجَابَتْهُ بِاسْتِهْزَاءٍ :" لَاااااااا... أَبَدًا مَوْلَايَ الأَمِيييييرُ ...أَنَا جَارِيَةٌ بَيْنَ يَدَيْكَ...أَتُرِيدُ مِنِّي مُبَايَعَةً عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ؟...عَرَفْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَمِيرُ الجَمَاعَةِ... أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ جُنُودِكَ ....هَنِيئًا لَكَ الإِمَارَةَ... يَا مَوْلَايَ".
فَهِمَ أَنَّهَا نَاقِمَةٌ عَلَيْهِ ...فَجَثَمَ سَاكِتًا يَنْظُرُ إِلَيْهَا ...فَتَمَدَّدَتْ عَلَى السَّرِيرِ بِجَانِبِهِ... وَ بِنَبْرَةٍ أُنْثَوِيَّةٍ حَنُونٍ حَطَّمَتْ جِدَارَ الصَّمْتِ بَيْنَهُمَا قَائِلَةً :"مَوْلَااااااايَ ...حَبِييييييييبِي ...جِئْتُكَ اليَوْمَ ... وَكُلِّي طَمَعٌ فِي كَرَمِكَ و َنُبْلِكَ ..وَ أَتَرَجَّاكَ فِي عَتْقِي وَمَنْحِي حُرِّيَّتِي...طَلِّقْنِي رَجَاءً".

نَظَرَ إِِلَيْهَا مُنْدَهِشًا...فَاسْتَمَرَّتْ فِي كَلَامِهَا مُتَجَاهِلَةً رَدَّةَ فِعْلِهِ... وَمُتَحَاشِيَةً النَّظَرَ إِلَيْهِ :" أَنْتَ تُدْرِكُ مَدَى حُبِّي لَكَ ...وَبِالمُقَابِلِ تَعْرِفُ أَنَّهُ ... مِنَ الاسْتِحَالَةِ أَنْ نَسْتَمِرَّ مَعًا ... مُسْتَقْبَلُ عَلَاقَتِنَا أُجْهِضَ عَلَى يَدَيْكَ بِفِعْلَتِكَ ... فَأَرْجُو أَنْ تَتَفَهَّمَ وَتُوَافِقَ عَلَى طَلَبِي... إِذْ لَا يُمْكِنُنِي بَعْدَ اليَوْمِ أَنْ أَنَامَ بَيْنَ ذِرَاعَيْنِ أَعْلَمُ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّهُمَا قَتَلَتَا وَالِدِي ذَاتَ يَوْمٍ".

فَأَجَابَهَا بِصَوْتٍ مُنْخَفِضٍ :" أَنْتِ تَعْرِفِينَ مَدَى حُبِّي لَكِ ... عَلَيْكِ أَنْ تُفَكِّرِي مَلِيًّا ... ثُمَّ دَعِينِي أَشْرَحُ لَكِ الأَمْرَ:نَحْنُ لَمْ نَقْصِدْ قَتْلَهُ... وَإِنَّمَا... "
فَقَاطَعَتْهُ بِنَبْرِةٍ مُسْتَهْزِئَةٍ:" نِعْمُ الزَّوْجُ أَنْتَ ....لَقَدْ أَحْبَبْتَنِي لِدَرَجَةٍ قَتَلْتَ فِيهَا وَالِدِي ...صَدَقَ مَنْ قَالَ: وَمِنَ الحُّبِ مَا قَتَلَ...أَ تَعْرِفُ أَنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ هُوَ فَحَسْبُ؟ …بَلْ قَتَلْتَنِي أَنَا أَيْضًا… قَتَلْتَ كُلَّ جَمِيلٍ كَانِ فِيَّ...أَسَمِعْتَ؟".
فَغَضِبَ مِنْهَا... وَقَالَ:" لَمْ نُخَطِّطْ لِقَتْلِهِ ...لَكِنَّ القَدَرَ جاَءَ هَكَذَا ... لَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ أَسْلِحَتَهُمْ فَقَطْ ...هُوَ ... وَرَجُلَيْهِ...فَرَفَضُوا تَسْلِيمَنَا إِيَّاهَا... وَقَاوَمُونَا... فَكَانَ مَا كَانَ...قُلْتُ لَكِ أَنَّ الأَمْرَ جَرَى عَلَى غَيْرِ مَا أَرَدْنَا... أَلَا تَفْهَمِينَ ؟".

فَرَدَّتْ عَلَيْهِ بِأَسَفٍ :" أَلَسْتَ نَادِمًا عَلَى فِعْلَتِكَ؟... أَلَا تَرَى أَنَّ مَا تَقُومُونَ بِهِ جَرَائِمَ لا تُغْتَفَرُ ...أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّرْبَ الذِّي اخْتَرْتَ السَّيْرَ فِيهِ ... دَرْبُ ضَيَاعٍ ... وَتِيهٍ ؟".

فَأَجَابَهَا بِنَبْرَةٍ فِيهَا مِنْ مَعَانِي الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ الكَثِيرَ :"أَنَا وَمَنْ مَعِي نُدَافِعُ عَنْ قَضِيَّةٍ لَا يُمْكِنُنَا التَّنَازُلُ عَنْهَا أَبَدَا ... وَنَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ لِلتَّضْحِيَةِ...حَتَّى بِأَنْفُسِنَا لِأَجْلِهَا ".

انْتَفَضَتْ مَذْعُورَةً غَاضِبَةً ...ثُمَّ اتَّجَهَتْ نَحْوَهُ حَتَّى وَقَفَتْ قُبَالَتَهُ وَقَالَتْ لَهُ:" أَنْتَ مُسْتَعِدٌ لِلتَّضْحِيَةِ حَتَّى بِوَالِدِي...بِي...بِحُبِّنَا... بِمَاضِينَا...بِمُسْتَقْبَلِنَا... بِحَيَاتِنَا؟... أَيُّ قَضِيَّةٍ هَذِهِ ؟...وَ مَا أَغْلَى ثَمَنَهَا! ".

رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا وَرَدَّ عَلَيْهَا :" إِي وَاللَّهِ... إِنَّهُ أَغْلَى مِمَّا تَتَصَوَّرِينَ...إِنَّهَا إِعَادَةُ بَعْثِ الخِلَافَةِ الإِسْلَامِيَةِ ... أَهُنَاكَ غَايَةٌ أَنْبَلُ مِنْ هَذِهِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ؟...وَاللَّهِ إِنَّهَا أَنْبَلُ غَايَةٍ آَمَنْتُ بِهَا...وَأَنَا عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِلْمُضِيِّ قُدُمًا فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِهَا...وَعَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ مَا نَفْعَلُهُ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِهَا...يُقَرِّبُنَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ؟".

نَظَرَتْ إِلَيْهِ نَظْرَةً مِلْؤُهَا الحُزْنُ وَ الأَسَى... وَقَالَتْ :" إِذًا الأَنْفُسُ التِّي تَقْتُلُونَ... وَالفَسَادَ الذِّي تَنْشُرُونَ فِي الأَرْضِ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ؟...مَا أَغْبَاكَمْ... وَمَا أَصْغَرَ أَحْلَامَكُمْ ...أَنْتُمْ مَسَاكِينٌ ... تُعَسَاٌء ...لَكِنَّكُمْ خَطِرُونَ ...أَرْجُوكَ دَعْنَا نَفْتَرِقُ بِالحُسْنَى كَمَا الْتَقَيْنَا ...فَمَا عَادَ هُنَاكَ كَلاَمٌ بَيْنَنَا ".
فَرَدَّ عَلَيْهَا :"المَفْرُوضُ أَنْ تُؤْمِنِي مِثْلِي بِنُبْلِ هَذِهِ الغَايَةِ... وَعِظَمِ شَرَفِهَا عِنْدَ اللَّهِ... وَتَقِفِي إِلَى جَانِبِي وَتَكُونِي نِعْمَ العَوْنُ وَالسَّنَدُ لِي...بَدَلَ طَلَبِ الطَّلَاقِ ".

فَرَدَّتْ عَلَيْهِ :" تَطْلُبُ مِنَِي مُسَانَدَتَكَ فِي جَرَائِمِكَ ؟... مُسْتَحِييييييييلٌ ... وَأَيًّا مَنْ كَانْتْ الضَّحِيَّةُ...سَوَاءٌ كَانَتْ وَالِدِي أ‍وْ وَالِدُ... أَوْ زَوْجُ ... أَوْ أَخُ ... أَوْ ابْنُ غَيْرِي...فَأَنَا أَكْفُرُ بِدِينٍ يَقْتُلُ الأَبْرِيَاءَ ... وَيَسْلُبُهُمْ حَقَّهُمْ فِي الحَيَاةِ دُونَ ذَنْبِ اقْتَرَفُوهُ ... وَأَرْفُضُ المُشَارَكَةَ فِي جَرَائِمَ كَهَذِهِ ...عَلَّي الذَّهَابُ لِبَيْتِ أَهْلِي... وَقَدْ وَعَدْتُكَ وَأَنَا فِي ذِمَّتِكَ أَلَّا أَشِي بِكَ ... وَأَنَا عِنْدَ وَعْدِي ".
سَكَتَ بُرْهَةً...ثُمَّ أَجَابَهَا:"لَمْ أَتَعَوَّدْ يَوْمًا ...أَنْ أَرْفُضَ لَكِ طَلَبًا...فَلَكِ مَا تُرِدِينَ...وَأَنْتِ حُرَّةٌ طَلِيقَةٌ".

هَالَهَا مَا سَمِعَتْهُ ...فَخَرَّتْ جَالِسَةً عَلَى السَّرِيرِ....ثُمَّ تَنَفَّسَتْ الصُّعَدَاءُ... وَقَالَتْ مَاسِحَةً وَجْهَهَا بِكَفَّيْهَا :"الحَمْدُ لِلَّهِ... الآَنَ نَفَذْتُ بِجِلْدِي مِنْ دَوَّامَةٍ لَا يَعْلَمُ مُنْتَهَاهاَ إِلَّا اللَّهُ"... ثُمَّ قَامَتْ ...وَ الْتَقَطَتْ حَقِيبَتَهَا... فَفَتَحَتْهَا ...وَ تَوَجَّهَتْ نَحْوَ الدُّولَابِ ...وَ بَدَأَتْ تَلْتَقِطُ بَعْضًا مِنْ ثِيَابِهَا مِنْهُ ...فَبَادَرَهَا بِالسُّؤَالِ :"وَ لَكِنَّكِ تَعْرِفِينَ أَنَّ الدِّينَ يُوجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَعْتَدِّي هُنَا... فِي بَيْتِكِ...فَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ... طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ".

فَأَجَابَتْهُ بِاسْتِهْزَاءٍ :"مَا أَفْقَهَكَمْ ...أَيُّهَا العُلَمَاُء الأَجِلَّاءُ...هَذَا دَأْبُكُمْ...تَخْتَارُونَ دَائِمًا الفَتَاوَى المُنَاسِبَةَ لِأَهْوَائِكِمْ... أَلَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ حِينَ قَتَلْتَ وَالِدِي أَنَّ الدِّينَ يُحَرِّمُ قَتْلَ النَّفْسِ إِلَّا بِالحَقِّ ".

ظَلَّ جَالِسًا عَلَى حَافَّةِ السَّرِيرِ...ي‍َنْظُرُ إِلَيْهَا وَ هِيَ تَرْمِي أَشْيَاءَهَا فِي حَقِيبَتِهَا بِصُورِةٍ فَوْضَوْيَّةٍ...دُونَ الرَّدِّ عَلَيْهَا.

أَحْكَمَتْ إِغْلَاقَ حَقِيبَتِهَا...وَ انْصَرَفَتْ دُونَ أَنْ تَنْبِسَ بِكَلِمَةٍ...لَكِنَّهَا عَادَتْ أَدْرَاجَهَا...فَوَجَدَتْهُ عَلَىحَالِهِ تِلْكَ...وَرَأْسُهُ مُرْتَكِزٌ عَلَى يَدِهِ...فَرَفَعَ نَظَرَهُ إِلَيْهَا وَقَالَ :" عَدَلْتِ عَنْ رَأْيِكِ أَخِيرًا ".

نَظَرَتْ إِلَيْهِ نَظْرَةَ مُتَفَحِّصٍ ثُمَّ رَدَّتْ :"أَبَدًا...لَكِنِّي عُدْتُ لِأَقُولَ لَكَ أَنَّ الدَّرْبَ الذِّي اخْتَرْتَهُ سَيَجْعَلُكَ تَخْسَرُ كُلَّ مَا تَعِبْتَ فِي بِنَائِهِ طَوَالَ حَيَاتِكَ...لَقَدْ نَزَلْتَ مِنْ قِمَّةِ الرُّوحَانِيَةِ...إِلَّى حَافَّةِ الهَمَجِيَّةِ...وَلَا يَسَعُنِي إِلَّا وَعْظُكَ بِأَنْ تَتُوبَ إِلَى رُشْدِكَ...وَتَسْتَغْفِرَ رَبَّكَ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ...عَلَّكَ تَسْتَدْرِكُ نَفْسَكَ عِنْدَهُ...أَمَّا أَنَا فَسَأَظَلُّ أَدْعُو اللَّهَ...أَنْ يَغْفِرَ لَكَ ...الوَدَاعُ حَبَيبيِ"...ثُمَّ انْصَرَفَتْ وَتَرَكَتْهُ عَلَى حَالِهَ .

رَجَعَتْ فِي سَيَّارَةِ الأُجْرِةِ التَّي جَاءَتْ فِيهَا...فَقَدْ طَلَبَتْ مِنْ سَائِقِهَا الانْتِظَارَ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ لَهُ مَا أَرَادَ... وَبِمُجَرَّدِ وُصُولِهَا... وَضَعَتْ حَقِيبَتَهَا فِي وَسَطِ المَدْخَلِ...وَ نَادَتْ شَقِيقَهَا الجَالِسَ عَلَى الأَرِيكَةِ المُقَابِلَةِ لَهَا ...وَ طَلَبَتْ مِنْهُ إِحْضَارَ مُفَتِّشِ شُرْطَةِ مُكَافَحَةِ الإِرْهَابِ...مُتَجَاهِلَةً اسْتِفْسَارَاتِ أَهْلِهَا عَنْ زَوْجِهَا...وَعَنْ سَبَبِ رُجُوعِهَا بِحَقِيبَتِهَا بِتِلْكَ السُّرْعَةِ ,وَظَلَّتْ صَامِتَةً... تَنْتَظِرُهُ إِلَى أَنْ جَاءَهَا...وَهُنَاكَ... أَبْلَغَتْهُ بِمَا حَدَثَ فِي جَلْسَةٍ مُغْلَقَةٍ .
طَمْأَنَهَا بِقِيَامِهِ بِكُلِّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ القِيَامُ بِهِ إِحْقَاقًا لِلْحَقِّ ... وَشَكَرَهَا عَلَى شَجَاعَتِهَا...وَنُصْرَتِهَا لِلْحَقِّ...وَ الدِّينِ القَيِّمِ ...وَلَيْسَ دِينِ البَاطِلِ المُبْتَدَعِ مِنْ طَرَفِ مَرَدَةٍ حَوَّلُوُا دِينَهُمْ مِنْ دِينِ سَلَاٍم... إِلَى دِينِ قَتْلٍ وَسَفْكٍ لِلدِّمَاءِ.

فَرَدَّتْ عَلَيْهِ بِثَبَاتِ مُحَارِبَةٍ مِقْدَامَةٍ :" حَضْرَةَ المُفَتِّشِ ...لَا تَظُنَّ أَنَّ الأَمْرَ كَانَ سَهْلًا عَلَيَّ...لَقَدْ احْتَرْتُ...وَ تَلَظَّيْتُ بِنِيرَانِ الحِيرَةِ كَثِيرا... وَ اهْتَدَيْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ إِلَى أِنَّهُ لَا يَجِبُ إِحْقَاقَ غَيْرِ الحَقِّ مَهْمَا حَدَثَ... وَقَدْ كُنْتُ وَعَدْتُهُ بِأَلَّا أَفْشِي سِرَّهُ وَأَنَا زَوْجُهُ وَفِي عِصْمَتِهِ... أَمَّا وَقَدْ فَكَكْتُ حُرِّيَّتِي مِنْهُ... فَلَا شَيْءَ يُجْبِرُنِي عَلَى إِمْسَاكِ الوَعْدِ... لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنَ الاحْتِقَارِ...وَ أَنَا الآَنَ أَكْثَرُ ارْتِيَاحََا مِمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ ذِي قَبْلُ... وَتَرَكْتُ مَعْبَدَهُ ...بَعْدَ أَنْ خَدَمْتُهَ فِيهِ سِنِينَ طَوِيلَةً بِكُلِّ تَفَانٍ ... وَحُبٍّ ...وَإِخْلَاصٍ...لِأَعُودَ لِلْمَعْبَدِ الذِّي دَرَجْتُ فِيهِ مُعَزَّزَةً مُكَرَّمَةً...أُرْثِي فِيهِ مَنْ عَلَّمَنِي الدِّينَ الصَّحِيحَ ".

وَ انْصَرَفَتْ صَمَّاءَ عَنْ تَسَاؤُلَاتِ أَهْلِهَا المُنْدَهِشِينَ أَمَامَ مَا يَحْدُثُ ...لغُرْفَتِهَا بَاكِيَةً...مُتَحَسِّرَةً ...مَاشِيَةً إِلَى الأَمَامِ بِخُطُوَاتٍ مُتَثَاقِلَةٍ...تَجُرُّ نَفْسَهَا جَرًّا...مُثْقَلَةً بِمَاضٍ مُكَدَّرٍ بِدِمَاءِ وَالِدِهَا...وَبِجُرْحِ حُبٍّ صَدَقَتْهُ... فَكَذَبَهَا... وَثِقَتْ بِهِ... فَخَانَهَا... غَرَسَتْ فِي رِيَاضِهِ وُرُودَ الحُبِّ... فَغَرَزَ فِي فَلَاةِ قَلْبِهَا صَفَائِحَ الصَّبَّارِ...أَهْدَتْهُ الحُبَّ... فَأَبْدَلَهَا بِهِ كُرْهًا وَحِقْدًا... وَفَّرَتْ لَهُ الأَمَانَ ... فَرَمَاهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ... وَسَوَّدَ صَفَحَاتِ أَيَّامِهَا بِغَدْرٍ لَا تَمْحُوهُ بِحَارُ الكَوْنِ بِأَسْرِهَا,سَتَبْكِي عَلَيْهِ وَمِنْهُ ... وَلَنْ تَنْدَمَ يَوْمًا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ بَتُولَهُ يَوْمَ أَنْ كَانَ حَبِيبُهَا... وَيْومَ أَنْ صَارَ عَدُوَّهَا ....صَارَتْ عَدُوًّا لَهُ...فَقَدْ عَلَّمَهَا مُرَبِّيهَا أَنْ لَا تَأْخُذَهَا فَي الحَقِّ لَوْمَةُ لِائِمٍ... وَأَيُّ لَائِمٍ ؟... سَفَّاحٌ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِمَّا سِيُفْعَلُ بِهِ هُوَ وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى شَاكِلَتِهِ... مِمَّنْ أَمَرَ ... أَوْ أَفْتَى ... أَوْ نَفَّذَ عَلَى السَّوَاءِ.

دَخَلَتْ غُرْفَتَهَا ...وَ أَقْفَلَتْ بَابَهَا... وَ انْطَوَتْ عَلَى نَفْسِهَا فِي سَرِيرِهَا كَسَجَّادَةٍ بَالِيَةٍ , وَلِأَوَّلِ مَرَّةٍ فِي حِيِاتِهَا تَشْعُرُ بِرَاحَةٍ لِعَدَمِ إِنْجَابِهَا مِنْهُ... فَارْتِيَاحُهَا اليَوْمَ بِقَدْرِ هَمِّهَا ذَاتَ يَوْمٍ, غَيْرَ أَنَّهَا تَتَنَفَّسُ حُزْنًا مُلَوَّثًا يَعْتَصِرُ رِئَتَيْهَا اعْتِصَارًا ...وَيَرْبِضُ عَلَى قَلْبِهَا وَيَسْحَقُهُ سَحْقًا ...لَقَدْ فَقَدَتْ كُلَّ جَمِيلٍ فِي حَيَاتِهَا...فِي وَمْضَةِ عَيْنٍ ... فَكَيْفَ تُوَاجِهُ يَوْمًا جَدِيدًا ...بِأََمْسٍ أَحْمَرَ قَانٍ ؟...لَكِنْ مَا عَسَاهَا تَفْعَلُ غَيْرَ التَّجَمُّلِ بِالصَّبْرِ... وَالتَّوَجُّهِ بِالدُّعَاءِ لِرَافِعِ السَّمَاءِ,ثُمَّ رَفَعَتْ نَظَرَهَا إِلَى السَّقْفِ وَ دَعَتْ مُرَدِّدة :" الحَمْدُ لَكَ يَا رَبُّ عَلَى مَا تَمْتَحِنُنَا بِهِ...سَلَّمْنَا بِحُكْمِكَ...فَارْفَقْ بِنَا وَ ارْحَمْ".

تَقَلَّبَتْ فِي سَرِيرِهَا يُمْنَةً وَيُسْرَةً... مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ... وَهِيَ تَبْكِي وَ تَشْهَقُ ,ثُمَّ تَنَهَّدَتْ تَنْهِيدَةً عَمِيقَةً ...وَقْعُهَا كَوَقْعِ الرُّعُودِ فِي لَيَالِي الشِّتَاءِ المَاطِرَةِ ... شَقَّتْ بِهَا سُكُونَ الغُرْفَةِ المُظْلِمِ... بَعْدَ أَنْ َتَذَكَّرَتْ كَلَامَ وَالِدِهَا:"أَيَا بَتُولاً تَرَبَّتْ فِي خِدْرٍ طَيِّبٍ...تَيَقَّنِي أََنَّ الحَيَاةَ حِرْبَاءٌ مُتَلَوِّنَةٌ...كُلُّ يَوْمٍ هِيَ فِي شَكْلٍ...فَمَهْمَا كَانَتْ بَشَاعَةُ وَ قَسَاوَةُ الأَشْكَالِ التِّي سَتُظْهِرُهَا لَكِ...لا تَنْهَزِمِي أَمَامَهَا وَتَضْعُفِي...بَلْ تَمَاسَكِي ... وَ تَمَسَّكِي بِمَا عَلَّمْتُكِ إِيَّاهُ ... وَكُونِي صَبُورَةً ... قَوِيَّةً ... شَامِخَةٍ كَنَخْلَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ "... ثُمَّ جَفَّفَتْ دَمْعَهَا فِي مَعْبَدِهَا الطُّفُولِيِّ ...الأَوَّلِ... وكُلُّهَا حَنِينُ لِأَنْ تَعُودَ صَبِيَّةً تَجْرِي وَتَمْرَحُ فِيهِ كَسَابِقِ عَهْدِهَا ...بِقَلْبٍ خَالٍ مِنْ كُلِّ هَمٍّ وَ حُزْنٍ...لَكِنْ هَيْهـــَاتَ...أَنْ يَعُودَ مَا فَاتَ...بَعْدَ أَنْ غَابَ سَيِّدُهُ.. وَبَعْدَ أَنْ صَارَ حَبِيبُهَا عَدُوَّهَا,وَ مَعَ ذَلِكَ فَرُوحُ وَالِدِهَا الزَّكِيَّةِ مَازَالَتْ تَسْرِي فِيهِ... وَ رَوَائِحُهَا العَطِرَةُ تُتَنَسَّمُ فِي كُلِّ زَوَايَاُه... وَكَلََامُهُ ...وَوُعُودُهَا لَهُ... يُجَلْجِلَانِ فِيهِ كَأَوْرَادٍ أَقْسَمَتْ ...هِِيَ ... أَلَّا تُخْلِفَهَا... وَلَنْ تُخْلِفَهَا... وَسَتْجِري فِي شَرَايِينِهَا مَجْرَى الدَّمِ مِنَ العُرُوقِ ...وَ سَتَظَلُّ تَتَرَدَّدُ عَلَى مَسَامِعِهَا كَتَرَانِيمَ أَحْسَنَ مُرَتِّلُهَا آدَاءَهَا ... وَأَبْدَعَ... وَسَتَظَلُّ بَتُولًا كَمَا سَمَّاهَا.

وَقَامَتْ مُنْتَفِضَةً تُلَبِّي نِدَاءَ رَغْبَتها فِي الامْتِثَالِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا... فتَوَضَّأَتْ ...وَاخْتَمَرَتْ...ثُمَّ فَرَشَتْ سَجَّادَهَا عَلَى الأَرْضِ ...وَ وَجَّهَتْ وَجْهَهَا لِمَنْ لَا تَخْفَ عَلَيْهِ خَافِيَةٌ...وَ هَمَّتْ فِي التَّبَتُّلِ إِلَيْهِ بِقَلْبٍ بَاكٍ ...شَاٍك...دَامٍ ... لَكِنَّهُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ غَيْرَ نَاقِمٍ ...رَاجٍ رَحْمَتَهُ ...وَ رِضَاُه ...طَامِعٍ فِي أَنْ يُلْهِمَهُ صَبْرًا وَثَبَاتًا...يَكُونَانِ لَهُ السَّنَدَ وَالعَوْنَ فِي تَحَمُّلِ فِرَاقِ الأَحِبَّةِ ...مِنَ الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ ...وَرَفَعَتْ يَدَيْهَا بِحَرَكَةٍ مِلْؤُهَا السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ...وَ أَدَّتْ كَلِمَةً فِيهَا مِنْ مَعَانِي التَّسْلِيمِ وَالطَّاعَةِ لَهُ الكَثِيرَ...وَفِيهَا مِنْ مَعَانِي التَّأْكِيدِ عَلَى ضَعْفِ الإِنْسَانِ وَعَجْزِهِ وَاحْتِيَاجِهِ لَهُ دَوْمًا أَكْثَرَ... وَأَكْثَرَ ...رَغْمَ تَصَنُّعِهِ قُوَّةً لَمْ…وَلَنْ تُغْنِهِ عَنْ رَبِّهِ أَبَدًا...وَتَرَنَّمَتْ بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ جمَيِِِِلٍ وَقَالَتْ :" اللَّــــــــهُ أَكْبَرُ".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى