رَبيعُ البَحْر

لِلْبَحْرِ رَبيعٌ وَحيد،

لِلْبَحْرِ ِمزاجٌ فَريد،

كَذلك حين يَخْضَرُّ نارًا،

و يَشْتَعِلُ ماسًا و فِضَّة،

في سَواقي التَّغْريد،

و جِنانُ السَّبيل.

فما مِن حيلَة،

بِدون رَفيقَة.

 

(2)

 

لِلرّبيعِ بِحارٌ كِثار،

و خَواطِر جِدّ بَعيدَة،

مِن مُبْتَداهُ إلى حَدائِقِه،

نُشورُ الضِّياء يَعْلو رُبوعَه.

و بِالحُبّ يَلعَبُ الفارِس،

و بِالقُلوبِ الغَرومَة،

حينَ تَكْبُر الآمال،

و يَسْرَح في العُيونِ شَذاها،

و تَخْضَرّ بِفِعْلِ الصّبابَة القُلوبا.

 

(3)

 

لِلّربيعِ في كُلّ جِنان حَريق،

نُوّار و قُرُنْفل،

و وَرْدٌ و ياسَمين،

و ظِلّ و خَرير لُجَيْن،

و ماءٌ سَلْسَبيل مِن مَعين.

و على تيجان الأَشْجار،

تُعَرِّسُ عَصافيرُ الدّار،

و تَفَتّح في القُلوب،

شَبابيكَ عَشيقَة.

 

(4)

 

كَذا الرّبيعُ في طَنْجَة،

لَمّا يَجْري في بَسَماتِ العُيون،

في ضَحِكاتِ الأَطْفال،

و حِشْمَةَ مَخابِئ الفُقَراء،

و دورِ الأَغْنِياء.

و يَنْثُرُ بَهاؤُه،

في كُلّ مَكان،

و يَتَبَخْتَرُ و يُغازِل.

 

(5)

 

و تَرى المَآذِنَ تَسامى،

و تَسْمَع لَها آذان الرّبيع،

حين تَجَلّى لِلّه رَحْمَة،

في عٍنانِ آفاقِ السّماء،

و تَنَزّلُ على اليَتامى،

و تَسْري في شَرايين الأَرامِل،

و تَنْشُرُ ضِياءَ النّسيم،

و تُبارِكُ مَن تُبارِك،

و تَهادى.

 

(6)

 

كَذا طَنْجَة حينَ تُعَرِّسُ باِلرّبيع،

و تَنْشُرُ فِتْنَة حَدائِقِها،

على شُرُفاتِ الدّور.

و تُوَشْوِشُ زُهورُ الجاردينيا،

رَحيقَها في عُيونِ الحور.

ثم يَسْري العِشْقُ في الحَدائِق و الجِنان،

و المُنْتَزهاتِ و الشّواطِئ و القُصور.

 

(7)

 

كَذا هِي روحُ الرّبيع،

حينَ تَرْسُمُ بِالزّرْقَة،

مَناديلَ بَساتينِ البَديع،

و تُلَوِّن بِالخُضْرَة الحَمْراء،

كَما بِالصّفْرَة الخَضْراء،

تُزُيِّن مَباهِجَ المَدينَة،

و تُداعِبُ أَمينَة،

و تُلاعِبُ أَميرَة،

و تُناغي قوتَ القُلوب.

 

(8)

 

كَذا هو أَمَلُ الرّبيع،

لِشاعِرٍ ما نَوى الفِراق،

و لا هِجْرَة الخَيالِ المَنيع.

لِشاعِر غَنّى ميلادَ الرّبيع،

و فارَقَ حُزْنَ هذا البَحْر،

و خُضْرَة حَليب أُمٍّ سَكْرانَة،

و دُموعَ مَدينَة شِبْهَ نَشْوانَة،

و أَقارِِبَ في انْتِظارِ لَيْلَة اللِّقاء.