الأربعاء ٧ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
بقلم أمل الجمل

سينما نيازي مصطفي .

أول مصري يطرق مجال الخدع السينمائية

يُعتبر كتاب "سينما نيازي مصطفي " ـ للناقد السينمائي محمد عبد الفتاح ـ الأول في المكتبة السينمائية عن المخرج السينمائي الراحل نيازي مصطفي الذي يتناول مسيرة حياته وعالمه السينمائي, مُوضحاً إتجاهه إلي التجديد, والابتكار في نوعية الأفلام الغنائية الاستعراضية, وطرقه مجال الخدع السينمائية واتقان أفلام الفروسية, والحركة وغيرها بما يجعلنا بحق نصفه بأنه مخرج سبق عصره.

الكتاب صادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ مصر ـ سلسلة آفاق السينما 43. ويقع في 327 صفحة وهو مُقسم إلي أربعة أبواب, كل منها مُقسم إلي عدد من الفصول فيما عدا الأول والأخير .. بعد المقدمة مباشرة يتناول الباب الأول رؤية للحياة والمُناخ العام الذي كان ساد مصر والعالم, ورؤية للحياة السينمائية في مصر, وصدور قانون الرقابة علي الأفلام في عام 1911, وهو العام الذي وُلد فيه المخرج نيازي مُصطفي. ورغم اختلاف المصادر حول تاريخ ميلاد " نيازي " إلا أن مؤلف الكتاب ينتصر لتاريخ 11/ 11/1911م. ولا يكتفي بذكر المعلومة, لكنه يذكر الآراء المتناقضة والمختلفة ويُفندها جميعاً إن أمكن في محاولة للوصول إلي الحقيقة قدر الإمكان. ويتبع المؤلف نفس الأسلوب في مُعظم أجزاء الكتاب الذي يُعد وثيقة تاريخية هامة.. إنه تأريخ لذاكرة فنان ترك بصمته الخالدة في تاريخ السينما المصرية.

وُلد نيازي ـ لأب من أصل سوداني, وأم تركية ـ في مدينة أسيوط. كان يذهب مع والدته إلي دار العرض الوحيدة بالمدينة والتي لعبت دوراً مؤثراً في حياته فيما بعد .. ويطرح المؤلف أكثر من قصة تربط بين إجادة نيازي للغة الإنجليزية ولغة السينما خاصة أثناء الدراسة الثانوية .. وإن كانت الروايات متناقضة لكنها بشكل أو بآخر تُكمل بعضها البعض. فالتردد علي السينما وهو بأسيوط قاده بطريقة ما إلي حب السينما والإهتمام بها. وزاد هذا العشق والتعلق والحب لها عندما انتقل إلي المدرسة الثانوية بالقاهرة.

لم يُعرف عن نيازي إنضمامه لأي من الأحزاب السياسية, لكنه كان يعد نفسه وفدياً كأغلب الشعب المصري في ذلك الوقت.
إحدى المجلات الفنية أشارت إلي أن نيازي مصطفي كان ممثلاً هاوياً بفرقة رمسيس قبل سفره إلي ألمانيا وأن هذه الفترة أفادته عندما اشتغل بالإخراج. لكن الناقد السينمائي محمد عبد الفتاح يُؤكد عدم صحة المعلومة السابقة مُضيفاً أن نيازي قام فقط بدورعربي "جمّال " أثناء وجوده بألمانيا. وهو دور أقرب إلي الكومبارس. وكان الفيلم من إنتاج شركة ميونخ.

حتي عام 1930م لم يكن في أوروبا مدرسة لدراسة السينما غير مدرسة الفيلم الألماني بميونخ. لذلك سافر نيازي في عام 1929م لدراسة السينما لمدة ثلاث سنوات. وفيها درس الطبع والتحميض والعدسات والتصوير والكهرباء, وكل ما له علاقة بفن التصوير والإخراج . وحصل علي إجازة التخرج عام1933م. وكان أول طالب مصري يدرس السينما بطريقة أكاديمية. فكل الذين سبقوه أو تلوه في السفر إلي الخارج مثل محمد بيومي أو محمد كريم كل منهما درس السينما من خلال الملاحظة لما يجري في الإستوديوهات فقط دون دراسة علمية أكاديمية.

في ألمانيا وأثناء فترة التدريب بعد الانتهاء من الدراسة تعرف نيازي علي مهندس الديكور والمخرج "ولي الدين سامح " الذي كان يدرس هناك وعرف منه أن طلعت حرب يقوم بانشاء ستوديو مصر, ونصحه بالعودة للعمل في هذا الاستوديو. وبعد عودته ساعده أحمد بدر خان ـ الذي كان يُراسله وهو بالخارج ـ في مقابلة طلعت حرب باشا.

منذ اليوم الأول لإفتتاح ستوديو مصرعمل نيازي رئيساً لقسم المونتاج, ثم بدأ في إخراج الأفلام القصيرة وأفلام الدعاية. وكان أول عمل له في ستوديو مصر عن شركات بنك مصر, كذلك قام بمونتاج كل أعمال ستوديو مصر كالجريدة السينمائية الأسبوعية. وقام بمونتاج الأفلام الأولي التي أنتجها ستوديو مصر : " وداد " ـ " لاشين " ـ "الحل الأخير ". وتدرب علي يديه في قسم المونتاج كثير من المخرجين وموولفي المونتاج مثل أخيه جلال مصطفي , وحسن الإمام, وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ ومحمد عبد الجواد, وإبراهيم عمارة.

بعدها بعامين أخرج نيازى مصطفي أول أفلامه " سلامة في خير" من إنتاج "ستوديو مصر " والذي رشحه لإخراجه أحمد سالم. في فيلمه الأول لم يقتصر دوره علي الإخراج فقط, لكنه قام بالمونتاج والتصوير مع محمد عبد العظيم, بالإضافة إلي كتابة السيناريو. بعد النجاح الكبير للفيلم اعترف نجيب الريحاني أن فيلم "سلامة في خير " أعاده عن قرار "تطليق السينما" واعتزالها , بل وفتح شهيته الفنية لأفلام آخرى.

كان فيلم "الدكتور " 1939 ثاني أفلام نيازي. لكن الفيلم لم يكن له بريق وتألق ونجاح التجربة الأولي. وفي فيلمه الثالث تكرر لقاء الريحاني ونيازي مرة آخرى في "سي عمر" لكنهما اختلفا وتدخل الريحاني في السيناريو مما عطل التصوير عام ونصف ليُسجل تجربة الفراق بين الاثنين. كما أن الفيلم لم يُحقق نجاح الفيلم الأول, ويُرجع مؤلف الكتاب أحد أسباب ذلك إلي تدخل الريحاني في السيناريو, واستئثاره بدور البطولة.

في فيلم " مصنع الزوجات " 1941 ـ التجربة الرابعة ـ اعتمد نيازي علي المزج بين الموسيقى والغناء والحوار في المشهد الواحد. وقامت فكرة الفيلم علي الدعوة لتحرير المرأة, والمشاركة في الحياة العامة وتعليمها. كانت الدعوة متقدمة وسابقة لعصرها مما عرض نيازي مصطفى لحملات صحفية شرسة, ومظاهرات نسائية تُهاجمه بتهمة التحريض علي تحرير المرأة ودعوته لها لممارسة حقوقها السياسية.

كان فيلم " مصنع الزوجات " نقطة تحول خطيرة في حياة نيازي مصطفي ـ علي حد قوله في جميع حواراته الصحفية ـ فلو تلقى ما يستحقه من تقدير لغير حياته تماماً. ويُؤكد مؤلف الكتاب أن "مصنع الزوجات " كان صدمة علي كافة المستويات. في البداية بسبب الرقابة التي اعترضت علي السيناريو إذ كيف تُشجع الفتاة المصرية علي الخروج علي التقاليد وتعلم الرقص التوقيعي. واضطر نيازي إلي التحايل علي الرقابة فطرح أفكاره من خلال الحُلم لكن التحايل من وجهة نظر المؤلف أخل بالفيلم.. ورفضه الجمهور والصحفيون الذين تجاهلوا ما قدمه نيازي من تجديد فني بالعمل.

للأسباب السابقة توقف نيازي مع نفسه, وتنازل عن أحلامه السينمائية وقرر التخلي عن الأفكار التقدمية, واتجه لأفلام الفروسية ـ الويسترن ـ العربية.. فقدم فيلم " رابحة " الذي نجح نجاحاً كبيراً وأصبح علامة فارقة في أفلامه. وأصبحت الأفلام البدوية ملمحاً خاصاً بسينما نيازي مصطفي وقدم عليها تنويعات كثيرة مثل " عنتر وعبلة ".

ساهم نيازي بشكل فعال ومؤثر في نشر الثقافة السينمائية, والحياة السينمائية النقابية في مصر. لذك تعددت أسفاره إلي الخارج للإحاطة بكل ما هو جديد في المجال السينمائي. في عام 1933 وعقب عودته مباشرة من الخارج شارك نيازي في تكوين "جماعة النقاد " التي ضمت أحمد كامل مرسي, وأحمد بدرخان, وحسن عبد الوهالب, وسراج منير, والسيد حسن جمعة, وأصدرت هذه الجماعة مجلة ناطقة باسمها .. وكتب فيها نيازي أكثر من مقال عن الحيل والخدع السينمائية. كما ساهم في إلقاء المحاضرات وإدارة الندوات قبل وبعد عروض الأفلام المختارة المعروضة بنادي السينما بنقابة السينمائيين.. كذلك اهتم نيازي بالعمل النقابي وحركة االنقابات الفنية ودراسة أهم الحركات النقابية وقونين ونظم اتحاد المخرجين.

تزوج نيازي من كوكا مساعدته وزميلته في قسم المونتاج وهي مثله من أب سوداني. قدمت كوكا أول أعمالها مع نيازي سنة 1941 "مصنع الزوجات" لكنها لم تحقق بريق الشهرة والنجومية إلا بعد فيلمهما "رابحة " 1943. واستمر صعود نجمها مع زوجها من خلال الأفلام البدوية ومنها "عنتر وعبلة " 1945.. وواجه نيازي إتهاماً بتفضيله زوجته وترشيحها لكل فيلم يُقدمه. لكن كوكا نفت مجاملة زوجها لها, في حين برر نيازي تفوق أفلامهما معاً بأنه يعمل تحت سلطان إحساسين هما قلبه وعقله.. ورغم التبريرات العديدة تناثرت الشائعات حول قوة شخصية كوكا المسيطرة علي نيازي.. ورغم زواجه المفاجيء من الراقصة نعمت مختار عام 1965, ـ لم يستمر هذا الزواج أكثر من شهر ـ عادت بعدها الحياة بين الزوجين هادئة, تربطهما علاقة صداقة متينة حتي رحيل كوكا عام 1980.

تميز نيازي مصطفي بأنه فنان شامل بل يُعد مدرسة فنية. يمتلك القدرات والمهارات التكنيكية بدءاً من كتابة القصة والسيناريو والحوار, مروراً بالتصوير والمونتاج .. وقدرة نيازي علي التصوير هي التي مكنته من أن يقوم بتصوير فيلم "طاقية الإخفاء " ليضمن نجاح الخدع والحيل السينمائية والتي يكاد يكون أول مصري يعتمد علي الخدع بصورة لافتة للنظر والتي تم تنفيذها بمستوى عالي, من النادر أن يراه المشاهد العربي إلا في الأفلام الغربية.

لم يعتمد نيازي كثيراً علي الأعمال الأدبية في أغلب أفلامه ماعدا القليل منها حوالي5% من مجمل أعماله مثل "رابحة " لمحمود تيمور ـ " فتوات الحسينية " لنجيب محفوظ ـ "فارس بني حمدان " لعلي الجارم ـ "التوت والنبوت " لنجيب محفوظ ـ" عنتر بن شداد " لمحمد فريد أبو حديد.. ويُبرر مؤلف الكتاب سبب عزوف نيازي عن التعامل مع الأعمال الأدبية إلي عدة عوامل منها ثقته بنفسه التي جعلته يُؤمن بأن حرفية المخرج وقدراته الفنية أهم من الإعتماد علي الأعمال الأدبية. والسبب الثاني إيمان نيازي بأن السينما للتسلية فقط, مؤكداً مراراً أن السينما تمتلك لغة خاصة تختلف عن لغة الأدب. وأن المخرج الجيد هو الذي لا يعتمد علي الأدب الجيد.. ويُرجع محمد عبد الفتاح هذا الموقف من الأدب إلي الصدمة التي تلقاها نيازي في بداية حياته كمخرج إثر عدم نجاح فيلمه "مصنع الزوجات".

رغم أن نيازي مصطفي ظل دائماً لا يعترف بأستاذية أحد له لكنه يُشير في أماكن متفرقة إلي بعض الشخصيات التي تأثر بها أو لعبت دوراً في حياته وتمنى أن يكون مثلها .. فهو يعترف بتأثره بالأستاذ يوسف وهبي عندما عمل معه كمساعد في الإخراج في فيلم "الدفاع" كما تأثر بنجيب الريحاني وبديع خيري أثناء عمله معهما في فيلم "سلامة في خير" .. كما يعترف بتأثره بالمخرج روبين ماموليان مخرج أفلام "الملكة كريستينا "ـ "ودماء ورمال". وتمنى أن يصل في يوم من الأيام إلي عظمة هذا المخرج. ويرجع سبب إعجاب نيازي بهذا المخرج إلي اهتمامه بالحركة بواسطة الأشخاص داخل المنظر نفسه إلي جانب اهتمامه بالناحية الدراماتيكية بالفيلم.
لم يُخفي نيازي مصطفي إعجابه بالسينما الألمانية, وتأثيرها عليه خاصة السينما الصامتة مثل : " متروبوليس " 1926 ـ " الملاك الأزرق " 1930 ـ ثم الكوميديات الموسيقية في السينما الناطقة. لكن التأثير الأكبر جاء من السينما الأمريكية التي عشقها كمتفرج عادي, والتي استهوته لما بها من اختزال, وتركيز, وسرعة. لذلك اتبع الأسلوب الأمريكي في إخراج أفلامه, وحرص علي اختيار موضوعات تعتمد علي الصور المرئية والحركة مع قلة الحوار.

بعد وفاة كوكا رفيقة رحلة العمر والنجاح توقف نيازي مصطفى عن العمل لمدة خمس سنوات نتيجة الاكتئاب والزهد في الحياة إثر فراقها.
يُنهي مؤلف الكتاب الباب الأول من كتابه والذي حمل عنوان "مسيرة حياة" بمفارقة أن أغلب أفلام نيازي مصطفي عرفت الجريمة الغامضة, لكنها لم تعرف الجريمة الكاملة. إلا إن حياته إنتهت بجريمة كاملة وظلت سراً غامضاً. ففي عام 1986 وبعد يوم تقريباً من تصوير آخر مشهد لفيلمه "القرداتي " قُتل نيازي مصطفى, ولم يعرفوا الجاني حتي لحظة كتابة هذه السطور.

يُعد الباب الأول من الكتاب بمثابة إطلالة شاملة لكنها سريعة وموجزة لحياة المخرج نيازي مصطفي. كانت أقرب ما تكون إلي نظرة الطائر من عنان السماء نظرة واسعة .. يتبعها في الباب الثاني نظرة مُقربة ـ zoom in ـ ورغم ما بها من استطراد, وتكرار سردي. لكنها تُصبح أكثر عمقاً وتحليلاً لموضوعات :

1. نيازي مصطفي في استوديو مصر.

2. البدايات التسجيلية.

3. مدخل إلي سينما نيازي الروائية.

4. البدايات المبشرة.

5. أفلام الوسترن العربي/ أفلام الفروسية.

6. أفلام الحركة.

7. الكوميديا في سينما نيازي مصطفي.

8. أفلام الخدع والحيل السينمائية.

9. أفلام ملتبسة.

أما الباب الثالث فخصصه محمد عبد الفتاح لمساهمات نيازي مصطفي الفكرية من دراسات ووثائق .. واختتم المؤلف كتابه بفيلموجرافيا تفصيلية لأعماله السينمائية سواء الأفلام الروائية التي أخرجها بإنتاج مصري أو غير مصري, وأعماله التليفزيونية. وأعماله كمساعد مخرج, وكاتب سيناريو لغيره من المخرجين, والأفلام التي قام بعمل المونتاج لها. وكذلك الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة التي أخرجها أو ساعد في إخراجها.

أول مصري يطرق مجال الخدع السينمائية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى