الأحد ١١ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم حسن الشيخ

صناعة الخطاب الثقافي عند اليوسف

عرفت الشيخ عبد الله اليوسف منذ فترة طويلة، وبالرغم من ندرة اللقاءات بيننا إلا إنني تعرفت على فكر الشيخ اليوسف بشكل دقيق من خلال كتاباته، ومتابعة نشاطاته الفكرية والمنبرية والاجتماعية. وكان الشيخ عبد الله يدهشني دائما، في كل لقاء بيننا ببساطة طرحه، وعمق أفكاره. الأمر الذي رسخ عندي اليقين بقدرة الشيخ اليوسف على توليد خطاب ثقافي وديني، ومنهج حواري متكامل خاص به، لا يتوجه للشباب فقط بل لكل الشرائح الاجتماعية.

وهذا الخطاب الثقافي المتعدد الأوجه، تحول إلى منهج سلوكي في شخصية الشيخ اليوسف. يتميز بالتواضع والانفتاح على مختلف الأفكار و الشرائح الفكرية والاجتماعية. لذلك تجده متواجدا بين مختلف الشرائح العلمائية، والفكرية، والشبابية، متعلما ومعلما.

ولكني الآن لا أريد التركيز على هذا الجانب البهي في شخصية الشيخ اليوسف، لسطوعه ووضوحه لكل من عرف الشيخ عن قرب. بل لكل من عرف الشيخ في منطقة القطيف وسيهات والأحساء. بحكم تواجده فكريا وعمليا بين أهله وطلبته ومحبيه. وسأكتفي – في هذه العجالة – بتسليط الضوء على آخر إصداراته الفكرية، والتي تصلني باستمرار عبر زميلنا الأستاذ علي المحمد علي، وأستمتع بالإطلاع عليها، وأعتز باقتنائها في مكتبتي، وأستفيد منها بالرجوع إليها من حين لآخر. والكتاب الجديد للشيخ اليوسف جاء بعنوان (الشباب والثقافة المعاصرة) يطرح فيه شيخنا الفاضل رؤية قرآنية متوازنة في معالجة التحديات الثقافية الراهنة . وهو بذلك يسعى نحو بناء ثقافة قرآنية متكاملة لمجتمع الشباب المسلم.

والكتاب الجديد ينسجم مع منهج الشيخ عبد الله اليوسف كما أشرنا. فالشيخ اليوسف له معالجات فكرية جريئة في هذا السياق. فقد كتب كتابا عن الشباب وهمومهم، وكتب كتابا ثانيا عن تساؤلاتهم الجديدة. وثالثا عن كيفية صعودهم للقمة، وآخر عن بناء شخصياتهم الناجحة. الأمر الذي يشكل بالمقابل قدرة الشيخ اليوسف على صناعة خطاب شبابي ثقافي إسلامي خاص به، مجتمعاتنا في شديد الاحتياج إليه.

ولكن السؤال الأهم الآن لماذا نحن بحاجة إلى خطاب ثقافي خاص بفئة الشباب ؟. الشيخ عبد الله اليوسف يرى أهمية خاصة لدور شريحة الشباب الفاعل في المتغيرات الحياتية. ولكل عملية إصلاحية نجد الشباب في مقدمة تلك العمليات الإصلاحية. بالإضافة إلى أن هذه الفئة تحديدا، تواجه – دون غيرها – تحديات هائلة، تستهدف التأثير عليها، وتغيير اتجاهاتها. أما المتهم الأول في نظر الشيخ اليوسف، فهو الغرب، الذي يملك من الأساليب والخداع والتكنولوجيا مالا يملكه غيره. وبالتأكيد هناك متهمون آخرون يسعون إلى التأثير على سلوكيات الشباب وأخلاقهم، إلا أن الشيخ اليوسف لم يشر إليها في هذا الكتاب. وركز جلّ خطابه الثقافي الإصلاحي، على اعتبار أن الغرب بما يملك من وسائل إعلامية، يحاول التأثير على الشباب عبر إشاعة الغرائز، ونشر الصور المتحركة، والزج به في صراع الموضات الحديثة، وتحريضه على الاهتمام بالأذواق والأمزجة الشبابية. كل هذه الوسائل بهدف إضعاف معنويات الشباب، وتغيير بنيتهم الثقافية، وإفسادهم أخلاقيا.

ولمعالجة تلك التحديات يطرح الشيخ اليوسف الرؤية القرآنية المتكاملة لتحدي الموجة الثقافية المشبوهة المعاصرة. ويحصرها في محورين رئيسيين: الأول يسميه (الأساليب الوقائية) . حيث تقي الشباب المسلم من الانزلاق للرذيلة. فلابد من تزكية النفس، وتقوية الإرادة، وإعمال العقل، والزواج المبكر. أما المحور الثاني فهو (الأساليب العلاجية) وتتمثل هذه الأساليب بالرجوع إلى الدين، والتوبة من كل ذنب، وتعديل الغرائز والميول، والتركيز على عيوب الثقافات المادية، بالإضافة إلى إيجاد البدائل للشباب المسلم.

وبهذا الكتاب والكتب الأخرى للشيخ عبد الله اليوسف نستطيع أن تلمس محاولات الشيخ لصنع خطاب ثقافي مميز. خطاب خاص بالحوار مع تلك الفئة الشبابية. لحمايتها من الانزلاق الثقافي. و لعل من سمات خطاب الشيخ اليوسف إتكائه على المفاهيم القرآنية، والأخذ بدلالات السنة النبوية الشريفة. واستخدام لغة معاصرة قريبة من فهم الشباب، وأفكارهم، وتطلعاتهم. لغة حوارية – مكتوبة ومنطوقة - سهلة، تعتمد على توظيف الأمثال، والعضة، والقصة، والتساؤل.

وبهذا الخطاب الثقافي الخاص الذي يتميز به الشيخ اليوسف، استطاع أن يصل إلى عقول وقلوب الشباب المسلم في مجتمعنا. واستطاع خطابه الثقافي أن يقي بالفعل شريحة كبيرة من الشباب المسلم من الانزلاق الثقافي.

ولا نجد في كتابات الشيخ اليوسف إلا الكلمة الحسنة، ولا نجد المجادلة إلا بالتي هي أحسن. بأسلوب بليغ، ولغة ناصعة، وعبارات واضحة لا لبس فيها. ذلك لان الشيخ بخطابه الثقافي يهدف لإصلاح المجتمعات. مبتعدا في جميع – كتبه وحواراته – عن الخلافات المذهبية، والتيارات الدينية، والمعارك الفكرية التي لا يرى إقحام الشباب فيها جدوى أو فائدة. فمهمة المصلح الاجتماعي أن يصنع خطابا توافقيا بين شرائح المجتمع، بعيدا عن العنف والتحريض والمشاحنات.

ولابد من الإشارة إلى أن محاولات الشيخ اليوسف لصناعة خطاب ثقافي خاص به، ليست هي موقف كتابي فقط. بل أن خطابه هو منهج سلوكي حياتي. يتجسد يوميا في نشاطاته المختلفة. ومن أبرز سمات هذا الخطاب انفتاحه على كل الشرائح الشبابية، وهمومها، وتطلعاتها والعمل معها على تخطي المعوقات التي تصادفها.

بقي أن نقول أن (الخطاب الثقافي) بالأمس لم يكن سوى محاضرة عابرة أو طبع كتاب صغير. أما مفهومنا للخطاب الثقافي اليوم هو (صناعة) تحتاج إلى الكثير من الجهد والمال، عبر وسائل إعلامية ضخمة ومتعددة من إذاعات، ومحطات فضائية، وصحف، وشبكة عنكبوتيه. وقد أدرك الشيخ اليوسف المفهوم الجديد للخطاب الثقافي. فشارك بجد وساهم بالكثير في كل تلك الوسائل المختلفة من أجل صناعة خطابه الخاص به.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى