صورة المرأة في الشعر العربي الحديث
اختلفت صورة المرأة في الشعر العربي الحديث عن صورة المرأة في الشعر القديم، حيث بدأت المرأة في هذه المرحلة الشعرية تدخل بحلة جديدة مختلفة عن الصورة التقليدية التي أخذتها في الشعر العربي . [1].
واشتد هاجس الرفض عند احتكاك المرأة أو المجتمع العربي بقيم المجتمع الغربي تولد عندها الرغبة في الشعور بالحرية ورفض كل القيود التي كان المجتمع العربي القديم يربطها بها وبالتالي دعت إلى حرية مثل حرية المرأة الغربية، نتج عنه انحلال خلقي للمرأة ومجاراتها لقيم المرأة الغربية.
ولقد عبرت الأشعار العربية عن التحولات الحاصلة في الساحة الاجتماعية العربية وانعكاساتها على الوعي حيث:»جاءت صورة المرأة فيها لتفصح عن توقها إلى الحرية والتحرر وفق الأنموذج الغربي. « [2]
فعصر القرن العشرين يعتبر عصر حضارة لا بداوة فيه تزخر المدن بمظاهر الترف والعمران وهذا يدعو إلى شيء كثير من حرية المرأة وخروجها إلى شوارع الحياة تاركة الأزقة والأفاريز، تشارك الرجل فيما يعمل وتكد لتحصل هي أيضا على أداة الحياة مادام الزواج يتناقص، ومادام عدد النساء يتزايد كل يوم حتى ضاقت المرأة ذرعا بذلك وقد انصرف عنها الرجل إلى درجة ما. [3]
ولقد انعكس هذا كله على الشعر وتغير تناول الشعراء لصورة المرأة وصوروها بكل معاني الانحلال وتراجعت كل معاني الدفء والأنوثة والحب التي كانت تحيط بصورة المرأة إلى أن صوروها جسدا بلا روح كما صوروها مومسا بغيا تبيع عواطفها من أجل المال كما صوروها أيضا امرأة لعوبا تعبث وتلهو هنا وهناك...إلخ ونحن في دراستنا هذه بصدد التركيز على هذه الصور الثلاثة درسا وتحليلا وبيان جوانب ارتباطها بموضوع بحثنا ألا وهو- ظاهرة إفلاس الحب- وكيف كانت جزءا من ثقافة هذا الإفلاس وجزء من معاناة إنسان القرن العشرين؟.
صورة المرأة الجسد في الشعر العربي الحديث:
كانت عناية الشاعر قديما بالمرأة وتصويرها تصويرا جسديا واهتم بها اهتماما نكاد نقول مبالغا فيه إذ احتلت مساحة كبيرة في الشعر غزلا ووصفا، حينما صور جسدها بكل تفاصيله الأنثوية لشغفه بها وحبه الكبير لها إذ»تشكل صورة المرأة في القصيدة الجاهلية انطلاقا مما تتميز به من انفلات وتعدد»جغرافية متنوعة للمتعة« [4] والتأمل، تستدعي تجربة عشقية بالغة العمق«. [5]
وصورة المرأة في حركة الحداثة الشعرية غير واضحة وضوح صورتها في الكلاسيكية والرومانسية، فالمرأة هناك موضوع قائم بنفسه، يسعى الشاعر إلى توضيحه من خلال التحليل أو التركيب والكشف عن الإحساسات الدفينة وبيان العلاقة القائمة بينهما، وهي هنا مستوى من مستويات القصيدة، متداخلة في موضوعات عدة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وهي رمز أو معلم من معالم الحياة، يستخدمه الشاعر في مواجهة معالم أخرى في بناء قصيدته بناء عضويا دراميا متكاملا. [6]
وهنا نقول أن موضوع المرأة في حركة الحداثة أو في القصيدة الحديثة يندمج مع موضوعات أخرى أو يعبر عنها من خلال الرمزية، ولذلك فإن صور المرأة في القصيدة العربية الحديثة جسدتها المواصفات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وكلها مواصفات أرادت للمرأة أن تكون حجر الكيمياء القارئ لأسرار الحياة والمجتمع. [7]واندمجت مع الموضوعات الحداثية الأخرى وتنوعت بذلك دلالاتها ونحن هنا بصدد بيان صورة المرأة الجسد ودلالاتها في بعض أشعار الحداثيين منهم :
بدر شاكر السياب حيث»تتوزع صورة المرأة الجسد على المرحلتين الوسطى والأخيرة في شعره ، ويستشف المرء منهما أن شهوة عارمة تصحب هذه الصور، ولكنها مقرونة باليأس والحرمان والانهزام، ولذلك جاءت مختلفة كل الاختلاف عنها في الغزل الصريح المقرون بالأمل والإشباع والانتصار ،وليست الشهوة في شعر السياب غاية، وإنما هي وسيلة إلى غاية أخرى، فهي شهوة يرافقها التشفي من المجتمع الذي أذله ومن الحرمان الذي قهره. « [8]
ونلحظ في قصيدته حفار القبور تصوير لجسد المرأة بكل معاني الانطفاء والإفلاس إذ استحالت إلى »ضحية بامتياز بعد أن فقدت بريقها الوضاء وأنوثتها الظالمة وتوثبها السريالي:
تلك الجلود الشاحبات وذلك اللحم النثيرحتى الشفاه يمص من دمها الثرى –حتى النهودتذوي وتقطر في ارتخاء من مراصفها المغيرواها لهاتيك النواهد والمآقي والشفاهواها لأجساد الحسان أيأكل الليل الرهيبوالدود منها ما تمناه الهوى؟ و اخيبتاههل كان عدلا أن أحن إلى السراب ولا أنالإلا الحنين وألف أنثى تحت أقدامي تنامأ فكلما اتقدت رغاب في الجوانح شح مال؟
وواضح أن هذه الصورة الخريفية التي رسمها السياب للمرأة المشتهاة تشف عن ظروف صنعت هذا الموقف المأساوي، ويتعلق الأمر بفساد الأنظمة وميوع المدينة وانتشار الفاقة وانحلال القيم وتراجع الفضيلة وطغيان الرذيلة، ما أدى إلى نتيجة طبيعية تمثلت في واقع موبوء وموجوع من جميع مناحي الحياة بما في الحب والوئام والتواصل. « [9]
ويقول الدكتور خليل الموسى معلقا على هذه القصيدة : (ويلوذ السياب في المرحلة الوسطى وبدايات المرحلة الأخيرة إلى التصريح بشهواته الوجودية اليائسة، فيلجأ إلى الوصف الجسدي لنساء فارقن الحياة، وتتجلى بدايات ذلك في قصيدته الطويلة «حفار القبور»، فيحسد على لسان الحفار التراب والدود على أجساد الحسان اللواتي يرقدن في المقبرة، وفي شهواته انهزام من المجتمع وتشف منه، فهو الذي لا يحظى بأمثالهن في الحياة وكأنه يرد على المجتمع الذي نبذه وأذله بالتعدي على عاداته وقيمه الموروثة.) [10]
وقد يؤثر عامل الزمن –زمن القرن العشرين- على صورة المرأة الجسد ويصورها الشعراء بمختلف تحولاتها، كما هو الحال في قصائد خليل حاوي: »فالأنثى لا تبق على حال، فجنية الشاطئ تحولت بفعل الزمن في المدينة من تفاحة الوعر الخصي إلى عجوز شمطاء تنبش في المزابل عن قشور البرتقال، وتحولت زوج لعازر بعيشها إلى جانب رجل عقيم من حلوة سمراء رشيقة صدرها ريان من جمر وطيب وخمور، إلى أفعى عتيقة، وهذا ما نجده في شخصية شجرة الدر التي لم تحسب حسابا للزمن ففقدت كثيرا من جمالها وتأثيرها، ولذلك أخذت ترثي في ذلك مستقبل الأنثى في الشرق، فتأثيرها في دوام نضارتها، وهذا أمر مستحيل، ولذلك لا تجد في دورها سوى دور بغي لا مستقبل لها. « [11]
وبذلك كان أثر زمن القرن العشرين على جسد المرأة كبيرا كما كان لهذا تأثير سلبي على موضوع الحب بشكل عام، فلا هي أصبحت في متناول الشاعر حينما أثرت عليها المادية والمدنية فأضحت جسدا وسلعة لا يشتريها الفقراء كما هو الحال عند بدر شاكر السياب: »أفكلما اتقدت رغاب في الجوانح شح مال«، كما أن المدينة بكل أزماتها الموبوءة أفقدت المرأة أنوثتها بعد أن كانت تنضب بالحيوية المفعمة كما هو الحال في قصائد خليل حاوي.
وفي المقابل نجد من يصور المرأة من خلال الأسطرة في شعره بأن يقدم لها صورة كما يحبها هو أو كما يحلم بها، حيث يقول عمار عكاش: فقد تحولت الحبيبة في معظم الأحيان إلى حلم من خلال الأسطرة التي تعكس محاولة الشاعر رسم تصور معين لأنثاه مفتقد في الواقع، فالشعراء في معظم الأحيان كانوا يتنفسون من خلال قراءاتهم في تصوير علاقتهم بالمرأة بسبب افتقادهم إلى علاقات حقيقية مع الأنثى كونهم جزء من مجتمع شرقي بائس. [12]
ولأن العالم الذي يعيش فيه الشاعر فاسد ومليء بالكره فإنه يحتاج إلى تغيير وهذا التغيير لا يكون إلا بطاقة سحرية تحول هذا الكره إلى حب، وتحول المدن الفاسدة إلى مدن صالحة لمستقبل سعيد وذلك كانت صورة عائشة متحولة أسطورية [13] لدى البياتي الذي يعرفها بقوله: (وعائشة هنا أو- خزامى امرأة أسطورية : وهي رمز الحب الأزلي الواحد الذي ينبعث ، فيضيء ما لا يتناهى من صور الوجود، وهي الذات الواحدة التي تظهر فيما لا يتناهى من التعينات في كل آن، وهي باقية على الدوام على ما هي عليه.) [14]
ولذلك تظهر هذه الأنثى الأسطورية في صورة غزالة أو فراشة أو صفصافة أو ناعورة تبكي على ضفاف الفرات، وهي الوحيدة القادرة على أن تعيد الحياة إلى ما هو موات وأن تهب الخلود لما هو زمني وأن تعيد الحرية إلى العالم والإنسان. [15]
بيد أننا إذا تصفحنا صورة المرأة في الشعر العربي المعاصر لا نجدها تقتصر على صورة المرأة الجسد، وكما صورها أسطورة تعيد التوازن إلى الأشياء صوروها بكل معاني الانحطاط وما تبع ذلك من انتشار الرذيلة وتراجع الفضيلة في مجتمع القرن العشرين حيث أضحت صورة مصغرة له، وسنحاول بيان ذلك في الحلقة القادمة من خلال صورة المرأة المومس في الشعر العربي الحديث.
قائمة المصادر والمراجع:
- عمار عكاش، صورة المرأة في الشعر العربي المعاصر، الحوار المتمدن، العدد:1131-2005/3/8. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=33170
- عبده بدوي، دراسات في النص الشعري: العصر الحديث، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، ص144.
- ليال فردان النويس، صورة المرأة في القصيدة العربية عموما والعراقية خصوصا. النور : مركز إعلامي ثقافي فني مستقل،
- أحمد الشايب، الغزل في تاريخ الأدب العربي، دار المعارف للطباعة والنشر ، سوسة، تونس.
- محمد نور الدين أفاية، الهوية والاختلاف في المرأة : الكتابة والهامش، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء.
- حفيظة رواينية، صورة المرأة ودلالاتها في ثلاث مقطوعات شعرية جاهلية ، نشر في مارس1990، التواصل : مجلة العلوم الاجتماعية والانسانية تصدرها جامعة عنابة- الجزائر، دراسات في اللغة والأدب ،ع8، جوان 2001.
- خليل الموسى، الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر، دمشق، مطبعة الجمهورية، ط1، 1991.
- محاضرة بشير مخناش، مخطوط.
- صورة المرأة في الشعر العربي المعاصر ،الحوارالمتمدن،ع1131، 2005/3/8.
- بدر شاكر السياب، الأعمال الكاملة، دار العودة بيروت، لبنان.1971.
- عبد الوهاب البياتي، الديوان، دار العودة ، بيروت، لبنان ، ط1،1987.
مشاركة منتدى
25 شباط (فبراير) 2013, 02:19, بقلم salim kiram
إليك أيتها الاخت الكريمة أنا احضر رسالة بحث أكاديمي حول صورة المرأة في الشعر الجزائري المعاصر فإن أجد لديك التفضل في مساعدني في إنجاز بحثي هذا و لك مني كل التقدير و الشكر
3 نيسان (أبريل) 2013, 06:51, بقلم عمار عكاش
أشكر لك مساهمتك المفيدة لي، ما عنيته من أن الشعراء العرب يتنفسون من خلال قراءاتهم بأنه لا توجد علاقات حرّة بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا، فكثير من الشعراء لم يكونوا على هذا القدر مًن التواصل الجسدي والنفسي مع المرأةـ فلذلك كثيرا ما نجد تصويرهم الجسدي للأنثى فحولة شعرية تعوض عن نقص نفسي في الواقع وأخص بالذكر مظفر النواب والسياب كمثال، و افقتر الكثيرون منهم إلى تجربة حياتية ملموسة تمكنهم من الكتابة عن الأنثى، فانصرفوا إلى تقليد سواهم، لذلك أقول بأن الشعرية العربية المعاصرة لم تحرر الجسد، بل فرضت عليه باستيلاً جديداً، هي لم تضف في هذا المجال إلا بضعة هوامش على ما قدمه كتاب ألف ليلة وليله الموؤود .
وشكراً لك
عمار عكاش - كاتب ومترجم سوري
6 حزيران (يونيو) 2013, 04:59, بقلم عمار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخت آمنة عمايرية اتمنى ان تكوني بخير وصحه جيده انا عمار من الجمهوريه العربيه السوريه اريد منك مساعدتي في شيء جزاك الله خيرا
هناك قصيده شعريه لا أعلم من قالها ولا اعرف كيف أجدها وأعثر عليها
هي قصيدة قالها الشاعر بلسان اللغه العربيه ويقول فيها
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
هذا كل ما أعرفه عن تلك القصيده والشطر الأول من هذا البيت صحيح ولا ادري ان كان الشطر الثاني صحيح
وأظن انها قصيده لشاعر مهجري
ولك مني كل تحية وسلام
10 شباط (فبراير) 2014, 15:54, بقلم rania
صورة المراة في الشعر العربي الحديثصورة المراة في الشعر العربي الحديث
28 آب (أغسطس) 2014, 20:22, بقلم WbVZMUzDXRx
Z91PYE bbwfzeykgdxe, [url=http://cmsaqpozblfj.com/]cmsaqpozblfj[/url], [link=http://ycaohfgajyjk.com/]ycaohfgajyjk[/link], http://oefbugqbueqd.com/
17 تشرين الأول (أكتوبر) 2014, 15:05, بقلم nouf
موضوع جميل
27 كانون الأول (ديسمبر) 2014, 17:51, بقلم سمير بودوخة شاعر
حوا كلانا يعيش عمرا لاعمران لست اناواحد بل اثنان شاعر وعاشق ونحن لكي محبان
22 شباط (فبراير) 2017, 20:31, بقلم شهرة
اشكرك على هذه المعلومة القيمة ان رسالة بحثي تتمحور حول البعد الانثوي في الشعر الحديث قصائد مختارة لنزار قباني ارجو المساعدة وشكرا
24 شباط (فبراير) 2017, 06:46, بقلم منتصر
منتصر مباركي
عمل جيد