الخميس ١ أيار (مايو) ٢٠٠٣
بقلم عبد السلام العطاري

عائد إلى حيفا عائد إلى بغداد

بين غسان كنفاني والوطن حالة عشق وحكاية طويلة ،خبأتها حبة برتقال يافاوية واكتست من لونها حبة زيتون مزروعة في تلال وجبال نابلس تعانق الشمس وتشرب من عين الحقيقة ومن جداول تستحم في انهار الوطن ،حكاية يرددها الحصّادون على البيادر في ليلة فلسطينية عاشقة لموسم الحصاد.

حين تجلت روعة كنفاني بروايته عائد الى حيفا كان الحلم الطويل الذي داعب غسان طوال رحلة الشقاء ورحلة التهجير والتشريد ورحلة اللاعودة إلى الجغرافيا والعودة الى وطن الحلم وبقاء وطن الحقيقة على مذبح الحرية يسجل روايته بالدم وبالتضحية .
غسان وغيره ممن كتبوا في الأدب المقاوم ،الأدب الذي حرك الثورة بقدر ما كانت الثورة تحترق على طريق العودة وعلى طريق الرغبة بالخلاص ليكون وطن الحقيقة هو ذاته الشمس التي تلاقح الأرض المتعطشة للحرث كي تنبت سنابل القمح على يد أهلها وليكون الزعتر الفلسطيني نار تحرق من لا يقدر على طعمه.
هكذا كان الوطن المحتل وهكذا كان القلم وهكذا كانت ومزالت طريق الحرية المعبدة بالأشواك وبالأسلاك الشائكة .

قدرنا ان تكون هناك حيفا المحتلة لنكتب عنها ويكتب غسان عائدته الى حيفا،قدرنا ان تكون فلسطين رباط للجهاد، وللنضال وقدرنا ان يكون صراعنا ليس فقط على حدود كما يظن البعض بقدر ما هو صراع تاريخ ووجود ودين ... لذلك كان أدب المقاومة الفلسطينية، وكان أدباء المقاومة، وأقلام محرّضة على الثورة وعلى الاستمرار بالمقاومة .
والسؤال هنا من سيكتب رواية عائد إلى بغداد؟! ومن سيكون كنفاني العراق ؟!
ولماذا فرض على بغداد أن يكون هناك من يكتب لها ،إن وجد ؟! ومن رغب بأن يكون للعراق غسانه؟!
حيث كنا نكتب للوطن المحتل لحيفا ويافا والرملة والقدس وغزة من بغداد ، وننشد للوطن المحتل من بغداد ونهتف للقدس في شوارع بغداد !،والحكمة كما قيلت إن أردت أن تكون شاعرا او كاتبا عليك أن تعرّج على مرابد بغداد الشعرية والأدبية ، وان تقف في حضرة عبق التاريخ والحضارة وتستنشق رحيق حروف التاريخ المرصعة في كل زاوية بغدادية و بابلية .
من عائد إلى حيفا...( إلى ) إلى عائد بغداد تصبح عين الحقيقة في مربعها الكبير مربع لا يمتلك سوى ان المدن التي تحفل بالمجد وبالتاريخ المجيد مجرد رواية ومجرد حكاية وسنبقى نغني لوطن الحلم والحقيقة وحدها تدفع الثمن ، واي ثمن ؟!!
وما اصعب حين تصبح مدننا حكاية للشعراء ورواية للأدباء فقط حين يكون مهرها الدم دون سواه .
ومن بغداد التي كانت تكتب فيها الرواية إلى بغداد التي أصبحت هي الرواية والحكاية وربما ستكون الصورة الكاملة تحتاج الى دمشق .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى