الثلاثاء ١٩ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم حسن أحمد عمر

عصاتى ومعزاتى ( دعوة للتسامح)

يحكى أنه فى العصور السابقة ذهب قوم من الدعاة لنشر دين الله تعالى فوقع نظرهم على جزيرة نائية مهجورة فلم يتوقعوا وجود أحد يقطنها ولكنهم حتى يريحوا ضمائرهم صمموا على التوجه إليها بمركبهم ، فلما أتوها ورست مركبتهم على شاطئها نظروا فوجدوا خيمة بسيطة وبعض الأطفال وسيدة هى أمهم ورأوا رجلاً يرعى بعض الأغنام ويلبس ثياباً رثة فتوجهوا نحوه وسألوه : هل تعرف الله خالق الأرض والسماء والحياة ؟؟ قال نعم أعرفه فقالوا : وهل تعبده ؟؟ فقال نعم أعبده فقالوا كيف تعبد الله تعالى ؟؟ فقال : أقول كلما طلعت الشمس أو غربت : عصاتى ومعزاتى يارب اغفر لى سيئاتى فتعصب عليه أحدهم وقال له : أهذه صلواتك يا رجل ؟؟ هل هذا كل ما عرفته عن عبادة الله تعالى وعن دينه ؟؟ فقال نعم لا أعرف غير ذلك … فقالوا لبعضهم إنه معذور فمن الذى يعلمه دين الله فى هذه الجزيرة المهجورة ؟ عموماً علينا أن نعلمه أصول الدين حتى نخلص من ذنبه ..

وقضوا معه يوماً كاملاً يعلمونه أصول الدين والتدين من الألف إلى الياء ولم يتركوه حتى تأكدوا أنه قد استوعب الدرس وفهمه جيداً فغادروه مطمئنين ودعا لهم بالتوفيق والسداد وبعد أن تركوه وركبوا مركبتهم وتحركوا داخل البحر نسى الرجل كل ما قيل له من تعاليم الدين فأسرع ليلحق بهم وإذا به يسير فوق الماء بسرعة مذهلة حتى أصبح قاب قوسين أو أدنى من مركبهم فقال لهم بالله عليكم لقد نسيت كل شىء فنظروا له جميعاً فى عجب شديد حيث رأوه يسير على الماء دون أن يدرى فأدركوا قيمته عند الله لأنه إنسان طيب وعلى الفطرة ولم يؤذ أحداً طوال حياته فأحبه الله تعالى لدرجة أنه يسير على الماء دون أن يدرى وهم يحتاجون لركوب المركب ليعبروا به إلى الشاطىء الآخر رغم أنهم وهبوا حياتهم للدين والدعوة فقالوا له : عد ايها الشيخ من حيث جئت واعبد ربك بالطريقة التى تعبده بها فأنت أفضل منا جميعاً عند الله تعالى والبرهان واضح أمام عيوننا جميعاً فتركهم عائداً إلى أهله وأغنامه وهو يردد عصاتى ومعزاتى يارب اغفر لى سيئاتى "".

لست صوفياً ولن أكون ولا أؤمن بالخرافات ولا توجد معجزات لغير الأنبياء والمرسلين أللهم إلا المعجزات العلمية مثل الإختراعات المذهلة كالكمبيوتر والإنترنت والراديو والتلفزيون والموبايل وغيرهم ..

لقد سقت هذه القصة الجميلة التى كان ابى يقولها لى كلما ضيقت عليهم الخناق فى الصلوات والفرائض فى بداية شبابى وايام النشوة والرعونة وعندما كنت أظن أننى سأصلح الكون وأغير السىء إلى الأصلح فكنت متشدداً لدرجة كبيرة ولكن الله تعالى تولانى برحمته فكرهت التشدد والعصبية وآثرت التسامح والحب وهما أعظم ما تعلمت من كتاب الله تعالى الذى قص علينا خلق الأنبياء والمرسلين والصالحين من عباد الله تعالى وعلمنا كيف نخاطب الناس وحتى هؤلاء الذين يخالفوننا الرأى والفكر والدين وانظروا جميعأ كيف طلب الله من نبيه موسى أن يخاطب الفرعون وبأى اسلوب ؟ هل طلب منه أن يعنفه أو يضغط عليه أو يخيفه أو يقول له يا كافر … لا بل ( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ) ، وتعلمنا كيف نعفو عند المقدرة وكيف ننشر روح التسامح والمحبة ، وتعلمنا من القرآن العظيم كيف نتعامل مع الآخر بكل محبة وتسامح ولا نفرض عقائدنا على مخلوق ولا نقهر أحداً لكى يؤمن بما نؤمن به أو يفعل ما نفعله ، بل دعوة سلمية كلها المحبة والحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتى هى أحسن لأن الله تعالى هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين .

ألقصة البسيطة التى سقتها فى البداية تحمل بعض المعانى الهامة وعلى رأسها أن الله تعالى يحب الإنسان الذى لا يؤذى الآخرين ولا يحمل فى قلبه حقداً أو غلاً تجاههم ولا يغتابهم ولا يتناولهم بالسباب واللعنات ولا يحقر من شأنهم ولا ينقص من قدرهم ويقابلهم بوجه بشوش صبوح ولا يتوعدهم فى كل وقت بالويل والثبور وعظائم الأمور ، يحب الله تعالى الإنسان الذى يهتم بأمره وشئونه ويسعى من أجل العيش الحلال ويشارك فى بناء وطنه بكل ما حباه الرحمن من علم وقوة وشباب وصحة ، ويسعى فى الأرض ليصلح فيها لا ليفسد فيها ويعمرها لا ليهدمها ولينيرها بفكره وعلمه ونظرياته لا ليملأها ظلاماً وظلماً ، ولينشر مبادىء العدل والسلام والحب أينما ذهب وأينما راح ، لا ليعيث فيها فسادأ ويهلك الحرث والنسل ، يحب الله السلام ودعاته والعدل ورجاله والحب وكماله ، ولا يحب القتل والقتال ( إلا من أجل الحق ) ولا يحب الله الظلم ولا يحب الله الكره والحقد .

لا أطلب أن نعتزل عن الناس فى جزيرة كما فعل بطل القصة السابقة ولكن أتمنى أن نطهر قلوبنا وألا نتمنى جهنم لغيرنا وأن ندعو بالجنة والمغفرة لكل إنسان ، فمن يدرى ؟ الا يمكن لكافر أن يتوب فجأة ويصبح من الصالحين ؟ بل إن التاريخ ملىء بكافرين تابوا وعرفوا ربهم وعبدوه فاستحقوا عفوه ومغفرته ، والتاريخ ملىء بمؤمنين كفروا وعصوا وارتكبوا الفحشاء والمنكرات وماتوا على ذلك فاستحقوا غضب الله وعذابه وسخطه .

قضيتى الرئيسية هى أن نؤمن جميعاً أن تقييم التقوى والإيمان مرده إلى الواحد الديان وليس من حق مخلوق أن يتدخل فى قلب إنسان ويفتش فيه ويصدر عليه أحكاماً متقمصاً دور الله تعالى عما يشركون ، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، وعيب على الواحد منا أن يزكى نفسه أو يعتقد أنه من المفلحين فهو بذلك يأمن مكر الله ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، فمهما كان عند الإنسان من علم فهو جاهل لو قارن نفسه بالكون العظيم ، ومهما قرأ وتثقف وشعر أنه امتلأ علماً وفكراً وفهماً فعلمه قطرة من محيط بل أقل ، وفوق كل ذى علم عليم .

أرجو أن ألا نجعل للحقد مكاناً فى القلوب ، وأن نستبدله بحب وسلام وجمال وكمال ، أرجو أن نتعامل مع بعضنا البعض بروح الجسد الواحد الذى لو مرض منه عضو لسهر له بقية الأعضاء حتى يشفى ، ارجو ألا نحاسب بعضنا على المعتقدات والأفكار والآراء وأن يكون النقد بناءأ وذا أغراض شريفة وأن يقدم كل منا أغلى ما عنده من أجل سعادة بلده وأهله وكل من حوله ولنتأكد جميعاً أن يوم العرض على الرحمن آت لا ريب فيه ، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى