على عتبة مرآة
تساءلت ؟...لماذا هؤلاء البشر ظالمون؟...نظرت إلى المرآة بحسرة ...تدحرجت على خديها دمعة ساخنة...أنا راضية بما قسمه الله لي...أنا فعلا راضية...اشد ما يؤلمها نظرة شفقة لا يبخل عليها بها احد ممن حولها ... يا ليتهم يتركوها بسلام ...لأنها ببساطة راضية ...أتراه ذنبها ...إن كانت قليلة الحظ من جمال خارجي...هل السعادة حكر على صاحبات العيون الخضراء والقامات الهيفاء ...لو كان الأمر كذلك لكانت ملكات الجمال وحدهن صاحبات الحق في السعادة...
لازالت جروح دامية من ليلة أمس تنزف في قلبها البريء...عاودت التحديق في المرآة...هل كان عليهم جرحها بهذه القسوة ...ليست هي من طلب منهم المجيء...إنها لم تطلب شيئا من احد... وهي لا تذكر أنها طلبت شيئا من احد في يوم من الأيام ...انه ذنب الخاطبة التي اعتقدتهم يبحثون عن فتاة على قدر كبير من الأدب والأخلاق ...مدبرة بيت ممتازة...لا تعرف من الشارع غير فتحة صغيرة بباب البيت الخارجي التي تطل منها لتعرف من القادم...لن تنسى كيف استقبلتهم والدتها والسعادة لاتسع أما حلمت أن ترى ابنتها في بيت زوجها ناعمة بالاستقرار وأطفالها يجرون ويلعبون هنا وهناك ...لن تنسى دمعة فرحة أبت إلا أن تفر من عينيها وهي تزغرد معلنة لكل الجيران أن ابنتها التي طالما نبذوها وتحدثوا عنها قد جاءها العريس طالبا يدها ...لن تنس مائدة أعدتها والدتها بكل ما أتقنت يداها وروحها وقلبها...لقد كادت أن تيأس من قدوم هذا اليوم... رغم أنها لم تحسسها بأنها مختلفة عن الأخريات ... لكنها كانت تلمس ذلك في بكائها كلما تزوجت إحدى جاراتها أو قريباتها ...
رحبت بهم والدتها بكل روحها ...تحدثوا في كل شيء ...تحدثوا عن فتيات سافرات لا يراعين التقاليد ولا الحشمة ... حتى أنهن خرجن للعمل مع الرجال والعياذ بالله ...انتهت المقدمات وحان وقت رؤية الفتاة ... هل كان عليهم قول كل ذلك ... كان في الإمكان اختلاق أي عذر والذهاب دون أي وعود ...كان في الإمكان الرحيل بصمت ...فقد اعتادت العذاب في صمت ...دخلت عليهم تحمل صينية القهوة ... نظرت إلى والدتها التي بادلتها نظرة حملتها كل الحنان والحب الموجودان على هذه الأرض ...لم ينتظروا حتى لتسلم عليهم ...لم ينتظروا أن تقول مساء الخير ...لم ينتظروا أن يتذوقوا أطيب قهوة صنعت في هذا البيت ... وسكبت في أغلى الفناجين ...لم ينتظروا حتى يعرفوا كيف تفكر ...وماذا عن طيبتها وعفويتها ...ماذا عن حسن أخلاقها وحساسيتها ...وماذا عن الحب الذي يملأ قلبها ...أحست أنهم مزقوا نفسها ...قطعوا روحها ... هدموا إنسانيتها ...لم تدر إلا وهي تصعد الدرج باكية ...مغتالة الأحلام ...تردد : إنها بشعة جدا ...لا تصلح لابني...ابني يستحق أجمل بنت في البلاد ...ثم قاسمتها الخاطبة التجريح...هل أنت عمياء ؟ الم تريها قبل أن تورطيننا في هذه الزيارة ...إنها بشعة جدا ...بشعة جدا ... بشعة جدا ...ترددت الكلمة في نفسها مثل طعنات سكين حاد...ترامى إلى مسمعها انغلاق الباب الخارجي ...ثم بكاء مرير من أم تحس أنها مسئولة عن حال ابنتها ...لكن هل نسيت أمها كما نسي هؤلاء أن الخلق لله وحده ...وأننا ما أراد الله سبحانه ...لو انتظروا قليلا ... لو منحوها فرصة لتظهر لهم ما في باطنها ... لو نظروا إلى داخلها لرؤوا ملاكا طاهرا على هذه الأرض ... أحست أن الكون ضيق على رحابته ...بعدما كان لا يتسع لأحلامها ... إنها تتمزق حزنا ليس على نفسها بل على والدتها ...
لقد خيبت حلمها في رؤيتها بالفستان الأبيض ...ملاها إحساس بالانقباض وهي ترى كل ما حولها كئيبا حزينا ...ملاها إحساس موحش بالظلم...وهي ترى والدتها التي لم تكن أفضل منها حالا...إن أكثر ما كان يضايقها حزن أمها الواضح ودموعها التي لا تجف ...وحسرتها المدفونة في أعماقها...وفي الليل الصامت ...قامت إلى المرآة القابعة قرب فراشها ...نظرت إلى صورة يمقتها البشر الظالمون ...انهمرت عبراتها في صمت...فكرت قليلا في كل ما مر بها ...ومن خلال غشاوة الدمع العالق في مقلتيها ...انطلقت ضحكة عالية معلنة عن انفعال غريب متمرد ...هرعت إليها والدتها باكية فزعة وسألتها في جزع : ما بك يا حبيبتي؟ فأجابتها في لهجة مستغفرة :أمي أنا راضية بحالي كفي عن تعذيب نفسك أرجوك... استطاعت أن تنقل إليها إحساس الرضا ...واختبأت في حضنها الحاني الآمن ...وودت لو يطول استقرارها فيه...
مشاركة منتدى
26 تموز (يوليو) 2005, 17:58, بقلم عبداللطيف الضويحي
تقول العرب ليس من سمع كمن رأى و أقول ليس من قرأ كمن كتب. عدد من العوامل تجعل القاريء يشترك مع الكاتب و ليس كلها. و قمة الإلتقاء بين من من يرسل و من يستقبل، هو عندما يجد القاريء أنفاسه مقبوضة إلى النص و شخوصه حداً يتعذر معه التوقف دونما الوقوف عند النقطة النهائية في السطر النهائي في الجملة النهائية.
و مما يرفع وتيرة إنقباض تنفس القاريء و إنبساطه، قدرة الكاتب على الحد من فعل "قال" خاصة في القصة القصيرة، و براعته في توظيف المنالوج الداخلي لأن النص قصير لا يسمع بالإطالة و لأن الشخوص قليلة لا تعطي المدى اللزم للكاتب ليسترسل، و كتابة القصة القصيرة بلاشك أعقد و أصعب من بعض النصوص الأدبية أو الإعلامية. ليلى في تصوري المتواضع، حدت كثيرا من فعل "قال" و فعًلت المنالوج و كذلك الديالوج في الموضوع دونما حاجة إلى "قال" و هو ما يشد القاريء باللاوعي في الغريزة الدرامية لدينا معشر البشر
"على عتبة مرآة" عمل يمتزج فيه العاطفي بالفكري، كما الرئة و الهواء.
الكاتب أو القاص و الروائي متهم بأنه متحيز. متحيز في إختيار موضوعه و متحيز في إختيار الأسلوب الأدبي أو الإعلامي لتناول هذا الموضوع، كما أنه متحيز في إختيار شخوصه الكفيلة بنقل رؤيته للموضوع.
ليلى بنت الجزائر، البلد العربي الذي لا أذكره أو أسمع إسمه أو أحد رموزه إلا و يتملكني حالة عربية طموحة، لا تختلف عن أي بلد عربي في طموحاتها و مشكلاتها و بالتالي في ثقافتها، عندما تطرق موضوعا كهذا، هي تبلور النظرة إلى المرأة بين من يريدها شكلاً متحفياً و لو مفرغا من المضمون و بين من يريدها مضمونا حيوياً فاعلا نابضاً وإنسانيا. شتان بين هذه المدرسة و تلك، مع أنهما ليسا بالضرورة ضدين، و ليس بالضرورة أن لا يتمتع الأول بالصفة الثانية أو العكس بالعكس.
تمنيت لو أن الكاتبة المتألقة ليلى إختارت الرواية وعاء لهذا الموضوع الذي في تقديري له تداعيات حديثة تفوق جرح المشاعر بإنتقاص الجمال،
فمن ناحية، نتفق على أن "الشكل" أو "الجمال" نسبي على المستويين الثقافي و الشخصي. فمن ناحية ثقافية، مايراه الصينيون جمالاً، قد لا يراه الكنديون كذلك، و ما يراه العرب جمالا قد لا يراه الهنود كذلك. أما على المستوى الشخصي، فحدث و لا حرج، فالجمال لا يقاس حتى بالميكروسكوبات.
و من ناحية أخرى، "عولمة" الجمال على الطريقة الأمريكية، إذ أصبحت مسابقات الجمال في كل الدنيا تتبنى معايير غربية، فحتة العربي الذي كان لا يتغزل إلا بالوجه "المستدير" أو الوجه الذي يشبه "القمر" لم يعد يرى بمسابقات الجمال العربية وجوها "مستديرة" أو "قمرية".
كما أن عمليات التزوير الواسع أو التزييف و ليس التزيين للشكل فالشعر يزور و العيون تزور و الأسنان و الأظافر و الشفايف و كل أجزاء الجسم تزور تزويراً شرعياً الذي يتم بشكل واسع و كبير يجعلك تتساءل هل سيكون هناك إمرأة قبيحة "ثقافيا" أو "شخصيا" بعد الآن؟
من يدري؟ فربما نجحت عمليات الإستنساخ للأوادم، وقتها سوف لن نجد هناك حاجة للمكياج و يصبح معها هذا الماكياج سلوكا قديما متأخراً لتتكبد حينها الشركات المنتجة لها خسائر فادحة، إذ كيف تلون المرأة عدسة عينها باللون الأخضر أو شعرها باللون الأشقر، إذا كان بمقدورها أو أمها و أبيها إنتاج مخلوق يحمل هذه الصفات الوراثية؟
أخيراً، لست ناقدً لكني متذوق للنص الإبداعي و رأيي يحمل الخطأ كما يحمل الصواب.
صادق الود و التقدير
عبداللطيف الضويحي
4 آب (أغسطس) 2008, 02:22, بقلم عبد الحفيظ . م
تحية طيبة
اختاه قرأت مقالك على عتبة مرآة والشئ الملفت والذي اعجبني فيه اختيارك لموضوع القصة لآنه يعالج
واقع معاش في الجزائر هو زواج المصلحة عندنا ولآننا جزائريان فقد عايشنا هذا الوضع هذا ما جعلني
اساندك في هذا الرأي لكن ليس مجاملة و انما اعتراف بما هو موجود.
المقال قصة قصيرة تعالج قضية اجتماعية لغتها بسيطة لانها الآنسب لهذا الموضوع.
فهنيْالك بهذا التفوق الفكري وبهذه الالتفاتة نحو هذه القضية هذا هو دور المثقف فربما أخينا الذي اعاب
على المثقف دوره لم يتصفح كتاباتك ولو قرا هذا المقال لالتمس هذا الدور الذي افتقده.
ارجو ان تتقبلي رايي فهو دوما مجرد رأي.
وتقبلي تحياتي.
شكرا.
9 أيار (مايو) 2010, 13:38, بقلم يوسف ناصر
لقد تأثرت بما قرأت عن قصتك القصيرةأعطيك مثال لنفترض أن هناك شاب أراد الزواج من فتات.ولاكن يعوقه الامر المادي لايملك شيئ.هل ستقبل به المرأةهنا يحبط الرجل سافرت وأكثرت من التجوال.طالبا الحلال.لكني لاأمكث حتى أشد الرحال إعتقدت أنه طلب سهل المنال لكنه من المحال قالو هات المال لنعطيك الجمال.ذهبت لإقتنيه بالسؤال.فألزموني بكثرة الاعمال مرت السنين وفرحت بهذا المنال لم تكتمل فرحتي حتى أصابني المرض وساءت الأحوال
.
10 أيار (مايو) 2010, 14:30
شكرا لمرورك الكريم على كلماتي، لكن اعلم ان الدنيا تزخر بقصص تشبه قصتك وقصتي وقصصنا جميعا، كان الله في عون الجميع
تحياتي
ليلى بورصاص
10 أيار (مايو) 2010, 16:04, بقلم ناصر يوسف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد أسعدني وجودك بيننا في المنظمة المسمات ب:المنظمة الوطنية لترقية الشغل والتكوين ومحاربة البطالة.لقد قرأت ماكتبت .لديك أفكار جيدة واصلي فللقلم سحره في الولوج في أعماق الأنفس.والله قد تأثرت بقصة (على عتبة مرآة)وأريد أن أعرف هل هي تجربة أم حكاية