
ثلاثية شعرية من حدائق حيوانات البشر

فراشات و ثعابين
3
فجأة قبل أن أشرع في كتابة ثالثة الثلاثية،
خرج الشاعر الحي صلاح عبد الصبور من قبره لثوان
وأنشد على مسامعي:
(يا أهل مدينتناهذا قوليانفجروا أو موتوارعب أكبر من هذا سوف يأتيلن ينجيكم أن تعتصموا منهبأعلى جبل الصمتأو ببطون الغاباتلن ينجيكم أن تختبئوا في حجراتكمأو تحت وسائدكم أو في بالوعات الحمامات).
وعلى الفور أنشدته ثالثة الثلاثية: أوطان أم مقابر
في وطنييخاف المرء من الرقابةفي دولة اللاّدولةتخنقني الرقابةفي وطني أناستتخمها المجاعةعن أي وطن تبحث...؟وأي وطن تنعى؟؟؟هل العيب في الوطنأم العيب فيكم ؟؟؟في وطني لصوصوالباقي شرطةسبب منفايالاثنيناللعنة لتلك اللجانأما ألعضو القاتلفإلى الجحيمخطواتي خائفة في كل اتجاههم كثر حوليلا أستطيع عدهميملؤون وقتي استفهاما... تعجبا... نقطا... فواصل...يملؤون سطوريجملاعبراحكماكرماحين أقرأ ما سطرواينتابني الإغماءآه عن الهزيمة بسبب الأصدقاءفي وطني جدرانخلفها ظلم...تعسف وبهتان...وبينها جدراندسائس ومكائدفي وطني جدرانمن خلفه ظلامتركته... ذهبت...في وضح النهارعندما مل صبريتعوّذت من الشيطانلكن الشيطان ما زالفي دسائسهمشغولاكم هي باهظةأثمان أوطانكموقيمتها بالنسبة لكملا تتحدىعقولكمفاهنألأن رأسك لم يكنأغلى من الوطنجالسني شاركني سيجارتيوكوب الشايسألته من حيرتيهل صحيح أنت إنسانضحك وقال:إنسان أنالكنمعكغير ذلكفي زمن الحرمانوقفت توزع خبز روحهانهشوه!!!جائعوقف في الطابورطويلامنتظرا دورهشهورا وسنيناسلموه رغيفاأكتشفأنهبلاأسنانغنائي... بكائيرقصي... لطميفي عينيكلا شيءيا وطنحفرتها بفأسكلوثتها بيدكفلسفتك حربفخضها لوحدكطبيبحضورك غيابكسيانفجرحي ليس له دواءأصواتكم طاعونصورة للموتطيفكم يؤذييؤلم ويجرحكفوا عني أصواتكمكفوا عني إرهابكموطنيأرضك لا تثمرثمارك لا تشبعأزهارك تموتفكيف لي أن أرجعبعدما صارالجفافوطنيهربت منكلكي أنسىقطعت مسافاتومازلت أمشيوهمي يلاحق حزنيعلى جرح على شرخعلى سلخ على حرقوألم حتى الآن قائموطنيتركتك كرهاوما زلت أمشي بعيداقطعت الفيافي سكنت المنافيأتذكركأشتاق إليكأزوركفإذا بكتهجم عليلتسلخني من جديدوطنيأوجاعيمرغتها مشاعركحزن الإنسان الم ألإنسانفي وطنيأوجاعيلكن أوجاعكليست أوجاعيكيف أفتح نافدتيوالسم في الهواءينفث هواجسوأمراضا نفسيةفي قلبكوطنيطلّ من الشباكفتح لي البابجلست بقربهالتفت إليهودمعي على خذيسامحني كثيرالظلمك ليأمطري يا سماءوبالامن ناركفموتي يريحني...فهمت كل الوجوهإلاواحدا يرعبنيوجهكدموعي منسكبةعلى مخلوقين:في وطنيكلاب وجنودولتأخذ كل البنادقحارب ولا تقصرلطخ يديك...لوثأهجم ولا تقصرإن كان ذاكيطفئجحيمكهربت منكلجأت لغربة روحيوفي قلبيقارات من الأحزانفأغلق البابفتحت أبواب قلبيكنت أحبه من كل قلبيكنت أرى فيه مثلابطلاشريفاكنت أراه نزيهاشجاعالكنهجباناتوارى خلفاسم مستعارفي عيونه..مدن تنزف،ومدن تلملم أحزانا..منفي بلا مدينهمرمي خلف جدران..يبحث عنها..يبحث بلا انتهاءقتل كل شيء.صغيرة كنت أراهشاهق الارتفاعلقامتي الصغيرةصغيرة كنت...وبقربي فراشته....تحومقامتي الصغيرة....يستحيل عليها التسلق...مخيلتي كانت مملوءةبالحيرة...لمعرفة كوامن ذلك الارتفاع....ويبقى السؤالما خلف الارتفاع....؟يأتيني صوت من خلف الحائط:ليست لك حدائق...ليست لك ورود...يلتفت إلى فراشته يقول:هذه لا تعرف الورود...أريها يا فراشتيلتعرف الورود...ذهلت لذلك الشامخوفراشته الحمقاء...أخرجت الفراشة وردةوأهدتني كفنشممت الوردةرحيقها سماقتلني ألف مرة...وبعد سنينوفي يوم عاصفجاء ذلك الصوت الشاهقليسقط أمام قامتي الصغيرةفي اندهاش...جرداء... قحطاء... عديمة الرحيق...تنظر للحائط الشاهقالمعبق بالورودليسقط أمامي ويسقط و يسقط...فلم أجد ورودا ولم أجد زهوراولم أر رحيقاوجدت سجنا مهجورا...نوافذه محطمة....في تلك المدينة المعتمة... المظلمة الحزينة....وعبق الموت والذكرياتلصورة ذاك الشاهق الارتفاع....فراغ قصيدة.....وحلمي الجميل...اختفى خلف عتمة الجدران.غادرتك منذالأزللأني لم أر إلا جسدا ليسمن طينة الإنسانوطنيلم اجدهإلا في خياليما عدت أستطيعأن ارسم على وجهك وفاءلأنك قتلتهفعلك لا زال يقتلنيكل مرة ألف مرةيزهر الغم في قلبيفوق غربتيومنفايوأنا أفتش في قلبكعن بقايا وطنلم أره في جدارك الشاهقأجمعهن كلهنوزع كما شئت عليهنمن أحزمة ناسفةواذهبوا جميعكمفي موتكمأنا لست من أوراقك الصفراءالميتة في منفاكصنمكملن يهبكم خبزامن نزف أحلامكم... من نسف أعماركم...واستباح نساءكم وأرضكمصنمكم باقلن يتخلى عن عرشههنااااكمن فوقيرىنفاق جبنكموأطلال مدنكمدموعكمدماءكمتقتات من أحزانصنعتهاأياديكمصنمكم يعلم بعويلكملكنه باق هناكعاليافي عرشهينظر لحزنكم وجوعكم ودمعكمصنمكم لم يطرق أبوابكمحياتكمتصلب من جديدعن تاريخ طعنتمعن أشراف قتلتمعن طاغ داس عليكمفموتوا في سعاركمصنمكم لن يتخلى على عرشصنمكم يعلمغلمانكم وفقراءكمفي خزيهمسواءأحزانك لم تعد أحزانيففجرها على رأسغير راسيلا قيمة لشعب أماتهسم الطائفيةلا قيمة لشعب بصيرته معميةوأمة تزغرد كذبا باسم حب الإنسانيةوتركض بين التفكير والتكفير خوفا من العلمانيةآه عن الحاضروعن مستقبل كما الماضيعن شعوبعمتها الطائفيةعن أديان فهموا أنها تحث على العدوان والعدائيةعن أغنام تقودها رعاعوعن حاكم يقود تلك الرعاععن شعب منافقفي جحره مختبئيخاف السلم والحربولا يتقن سوى الثرثرة اللفظيةباسم العدل والديموقراطيةدخلوا مدينتكمليحيوا السلامويوقفوا الدماءبسفك الدماءليقضوا على لارهاب باسم الارهابفهنيئا لكم يا عاشقيالإرهابانتظرتك من هناكألوح بيديفي بحار من دموع بلا جدوىمن زمن رديءمتخم بوحشيةموبوءةبالدمع والسلاحأجوب الشوارعلأنسى الجراحذئابوقوادجيوش غزاةوقول وشجبوكتاباتفي سلة المهملاتومن حولي سرب من الطير تموتوأسمعنباح وعويل وعواءومازلت أمشيألوح بيديأبحث عنكوأنت مرميا خلفتلك الباب.
(هل سمع صلاح عبد الصبور ثالثة الثلاثية هذه؟ هذا ما أنا لست متأكدة منه!)
3