السبت ٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم عادل الأسطة

في ذكرى عبد الرحمن منيف

الثلاثاء 29/1/2008 تحل الذكرى الخامسة لرحيل الروائي العربي عبد الرحمن منيف. ولا أدري إن كانت جامعة عربية ما، أو مؤسسة عربية ما، أو مركز ثقافي عربي ما، أعد العدة لإحياء الذكرى. ولا أعرف أيضا ماذا سنقرأ من مقالات تنجز عنه في هذه المناسبة.

وأنا أتجول في المكتبات أشاهد رواياته، فما زالت ذات حضور، وقد يستبد بي الفضول فأسأل صاحب المكتبة إن كان هناك إقبال عليها. لكن من يعرف أحوال الثقافة في العالم العربي يعرف الإجابة مسبقا: ليس كما يجب. طبعا منيف كان ذا خطوة، فقد طبعت رواياته مراراً، وكتبت عنه دراسات وأبحاث ورسائل جامعية، أنا الآن أشرف على واحدة منها، ولقد خصصته بغير دراسة ومقال. لو لم يكن أسرني لما كتبت عنه، فأنا أكتب عن النصوص التي تروق لي، ولا مجاملة في ذلك.

وأنا أتجول في المكتبات، هنا وفي عمان التي زرتها صيف 2007، اقتنيت أعمالاً جديدة لمنيف لم تكن صدرت في حياته. اقتنيت "أم النذور" (2005)، واقتنيت "أسماء مستعارة" (2006) و"الباب المفتوح" (2006). الأولى "أم النذور" رواية، والثانية والثالثة مجموعتان قصصيتان. ولم ترق لي هذه الأعمال، كما راقت لي "شرق المتوسط" و"الأشجار واغتيال مرزوق" وروايات أخرى أصدرها المؤلف في حياته. وربما، بعد أن أنهيت قراءة هذه الأعمال وشكلت انطباعي عنها، ربما تساءلت: ألهذا لم ينشرها الكاتب نفسه؟ ألم ترق له هو أيضا؟

الأعمال المذكورة، أعني التي صدرت بعد موته، هي باكورة نتاج الروائي. كتبها ولم ينشرها. لقد كانت تامة، وأنجزها قبل أن ينجز أيا من رواياته التي ذاع صيتها، ولكنه احتفظ بها لنفسه، حتى نشرها ورثته. هل كانت هذه هي وصيته؟ لا أدري بالضبط. هل أراد أن يقول لنا، إن كانت هذه وصيته، شيئا؟

حين نقرأ أعمالنا الأولى، أكثرنا طبعا، لا تروق لنا. وقد نسخر منها، ونتمنى لو لم ننشرها. قسم من الكتاب لا يدرجها ضمن أعماله الكاملة، حين يطبع أعماله الكاملة. يتنصل منها، لأنها لا ترضيه جماليا وربما فكريا وسياسيا. قد يخجل منها، لأنه يرى فيها طفولته الأدبية والسياسية التي لم يعد معجباً بها. عبد الرحمن منيف الذي بدأ حياته سياسيا، وفي فترة لاحقة تخلى عن النشاط السياسي لينشغل بالهم الثقافي، عله يصلح من خلاله ما أفسدته السياسة في العالم العربي، عبد الرحمن منيف لم ينشر أعماله الأولى في حياته، لأنها لم ترق له جماليا. هل كان لا يريد أن يعطي قراءه انطباعا سلبيا عن مستواه كاتبا، حتى لا يظل هذا الانطباع عالقا في أذهان بعضهم، وحتى لا يؤثر سلبا على أعماله اللاحقة؟ ربما.

كثيرون ما يشكلون انطباعا أوليا عن كاتب ما، أو باحث ما أو دارس ما أو ناقد ما، ويظل هذا الانطباع يقبع في أعماقهم، وقد لا يبدلونه ويغيرونه، حتى لو اختلف الكاتب والباحث والدراس والناقد، وطور نفسه، وولد ولادات مختلفة. ساتذكر مقولة محمود درويش: ولدت على دفعات. لماذا لا يغير هؤلاء انطباعهم. ربما لأنهم لا يقرأون جديد الكاتب أو الباحث أو الدراس أو الناقد. نعم ربما.

يقول النقاد إن الرواية الأولى للكاتب غالبا ما تكون أشبه برواية السيرة- أي أنها تتمحور حول حياة صاحبها. ويقول النقاد- أو بعضهم على الأصح- إن الروائي يكتب رواية واحدة في حياته هي سيرته. قد يكون هذا صحيحا وقد لا يكون. وقد ينطبق على بعض الكتاب وقد لا ينطبق على كتاب آخرين.

كانت الرواية الأولى التي أنجزها منيف "أم النذور" أشبه برواية السيرة، بل هي كذلك وإن اكتفت بالكتابة عن مرحلة الطفولة. وأنا أكتب هذا إنما أعتمد على السيرة التي كتبها منيف لمدينة عمان: سيرة مدينة (1994): عمان في الأربعينات"، وكان عاش في عمان وتعلم فيها وظلت عالقة في ذاكرته. ومن يقرأ "سيرة مدينة" و"ام النذور" فإنه سيذهب إلى ما ذهبت إليه.

سيكتب منيف في "أم النذور" عن الطفولة ومعلم الكتاتيب ونشأة المدرسة، وسيبرز صورة لمعلم ذلك الزمان، لمعلم الكتاتيب ومعلم المدرسة، وسيكتب عن الأثر السلبي للتعليم بالعصا. هل كان عبد الرحمن منيف هو ذلك الطفل الذي كره تعليم الكتاتيب والشيخ المعلم؟ ربما.

وحين أقرأ المجموعتين القصصيتين "أسماء مستعارة" و"الباب المفتوح" وأقارن بداياتي القصصية ببدايات منيف لا أخجل من طفولتي القصصية. الفرق أنني نشرت قصصي ولم ينشر هو قصصه في حياته. كان انبهارنا بمنيف من خلال روايته "شرق المتوسط" أسلوبا وموضوعا. ترى لو كان منيف نشر "أم النذور" ومجموعتيه القصصيتين المذكورتين في بداية السبعينات، هل كان سيلتفت إليه، كما التفت إليه حين نشر "شرق المتوسط" و"النهايات"؟ مجرد سؤال.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى