الاثنين ١٧ تموز (يوليو) ٢٠١٧
حتى حافظ إبراهيم يُخَـطّـأ
بقلم فاروق مواسي

في كلمة (البؤساء)؟

حافظ إبراهيم نذكره كلما ذكرنا الحرص على العربية، وهو الغواص الباحث عن صدفات البحر.
عرّب صاحبنا- شاعر النيل- كتاب فيكتور هوجو- Les Mise`rables - "البؤساء"، في لغة جزلة الألفاظ قوية التركيب، وأهداه إلى الأستاذ الإمام محمد عبده.

وقد اعترف أستاذنا طه حسين أنه استخدم المعجم أكثر من مرة لفهم مقدمته.

كل هذه الفصاحة لم تشفع لشاعرنا، فبعض اللغويين يخطّئونه، بحجة أن مجيء (فُعَلاء) جمعًا لوزن (فاعل) ليس مما يُسمع، بل لا يُقاس عليه، ويذهبون إلى أن (بؤساء) هي جمع (بئيس)- وهو الشجاع القوي.

انظر مصطفى جواد (قل ولا تقل، ص 16)

أسعد داغر (تذكرة الكاتب، ص 75)

زهدي جار الله (الكتابة الصحيحة، ص 35)

محمد العدناني (معجم الأخطاء الشائعة، ص 33)

مع ذلك، ورغم ذلك،

فيطّرد (فُعَلاء) جمعًا لوزن (فاعل) الدال على سجية- سواء أكانت مدحًا أم ذمًا، نحو:

عاقل- عقلاء

جاهل- جهلاء

صالح- صلحاء

شاعر- شعراء

عالم، نابه، راشد، فاضل...

صحيح أننا لا نستعمل هذا الجمع (فُعَلاء) لكلمات أخرى، مثل كاتب، حاكم، راكع، ساجد، رائد...

فهذا لا يعني عدم قبول بؤساء جمعًا لبائس، على نحو شعراء جمعًا لشاعر...

هناك من جمع (بائس) على (البُـؤْس) كقول تأبّط شرًا:
قد ضقت من حبها ما لا يضيّقني *** حتى عُددت من البؤْسِ المساكين

يجمع (لسان العرب) وزن "فاعل" جمع تكسير على وزن فُـعّـل، نحو رُكّـع، سُـجَّـد، بُـؤَّس، نُوَّم، صُوّم..

فتصوروا لو أن حافظ إبراهيم وسم كتابه بـ (البُؤَّس)؟

أظن أنه سيخسر ربع قرّائه على الأقل.

يقول بعضهم: فليكن (البائسون) جمعًا مذكَّرًا سالمًا!

أقول:

حسنًا، فالبائسون بمعنى الفقراء ملائمة، ولكن لماذا نرفض (البؤساء) وكثير على غرارها وارد جمعًا لفاعل؟

أدرِك تحفّظ معجم (المنجد) من ذكر البؤساء جمعًا لبائس، فقد اكتفى بلفظة (بُـؤَّس)، ولكن
لماذا أحجم معجم (الوسيط) الحديث؟ وهو معجم مجمع اللغة العربية، ومن أحرى منه أن يستقبل ويتقبل هذا الجمع؟

وبعد فقد وجدت الشاعر أحمد شوقي يستخدم اللفظة في أكثر من بيت، ومن ذلك:

وانظر إلى البؤساء نِظرة راحم
قد كان يُسعد جمعَهم ويُجير

ومن شعر مصطفى صادق الرافعي- مؤلف أحد الكتب المعنونة بـ (إعجاز القرآن)، وهو متشدد في لغته:

وأرى الحظوظ ألِفنَ كلَّ مرَفّـهٍ
ونأت بجانبها عن البؤساء

وفي كتاب المُرادي (سلك الدرَر في أعيان القرن الثاني عشر) كان قد استخدم في ترجمة "سليمان السمان" هذه اللفظة جمعًا للبائس الفقير ذي الحاجة.

ثم إني أرى أن الأدباء من دأبهم أن يجددوا في اللغة، فهم يبتدعون ويبدعون، فلنفترض أن الجمع جديد مبتكر، فهل نقول لشاعر النيل: أخطأت!

اللغة في اشتقاقاتها مرنة، وطيّعة، وتتقبل الجديد المستساغ.


مشاركة منتدى

  • اعتقد أن اللغة العربية ليست أصيلة في مصر ولم تكن يوما لغتهم الأم . حتى ان اللغة التي سبقتها وهي القبطية كانت خليطا من اليونانية والمصرية القديمة وكانت لغة حامية غير سامية . انما لو لاحظتم تأصل العربية في الجزيرة واليمن والعراق والشام وفلسطين للاحظتم الفرق فالناس هناك تحترم العربية وتقدرها وتعتبرها رمزا قوميا بوجه باقي اللغات المجاورة كاللغات الايرانية مثلا من فارسية وكردية وغيرها او مجموعة اللغات التركية كالتركية الاناضولية او التركمانية علاوة على احترامهم لباقي اللغات السامية المتواصلة مع العربية وهن شقيقاتها كالعبرية والارامية والكلدانية والاشورية والسريانية والامة في تلك البلاد تعتبر العربية رمزا للرجولة والفصاحة وتربي ابنائها منذ نعومة اظفارهم على اهمية اللغة وضرورة محبتها وتفضيلها على لغات العجم كما لو ان ثمة حرب ثقافية فكرية غير معلنة بين العرب وباقي الالسن في العراق وسوريا مثلا او في دول الخليج وعمان . اما المصريون فقد استخدموا اللغة العربية كاستخدام العالم للانجليزية اليوم مجرد اداة تواصل فكري لكونها لغة الحكام الجدد بعد روما واليونان . اما عن عظمة شعرائهم وادبائهم فهذا شأن اعلامي تختص به مصر دونا عن سائر الدول العربية او الاسلامية بحكم موقها الرابط بين قارات العالم القديم الثلاث . وكم من امير كان اجدر من شوقي بامارة الشعر العربي وكم من اديب كان اجدر من نجيب محفوظ بنيل نوبل في الادب العربي . لكن الاعلام يدخل في كل مجال . انا لا انكر ابداعهم ولكن في غير العربية كان ابداعهم اكثر خصوصا في التمثيل والسياسة والزراعة ومنهم اطباء ومهندسون اجلاء لهم كل احترام وتقدير . انما في اللغة العربية فهي لم ولن تكون يوما شغلهم الشاغل وهذا واضح من جمهورهم وميوله .

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى