قضايا في تجارب نقدية
يواصل نادي القلم المغربي بالدار البيضاء أنشطته المنفتحة على أسئلة النقد والإبداع، وعلى مختلف المقاربات والرؤى.وفي هذا الإطار عقد ندوة في موضوع (النقد وقضاياه) بفضاء المشروع – الحي المحمدي بالدار البيضاء يوم السبت 12 مايو 2007 حيث ترأس الجلسة شعيب حليفي الذي أشار إلى مسارات النقد الأدبي العربي المرتبط بتصور عام للمعرفة والتطورات المتصلة بالمجتمع والحضارة وبالتالي بالثقافة النقدية والعلوم في ترعرعها ضمن فلسفات وقيم وأسئلة.
بعد ذلك فحص الأدوار المتبادلة بين النصوص النقدية والفكرية والإبداعية من جهة، ودور التلقي والتواصل والمثاقفة من جهة ثانية ليخلص إلى موضوع الندوة (النقد العربي وقضاياه)عارضا –في تمهيد عام-لتجارب عفاف عبد المعطي ومصطفى الضبع وسعيد الوكيل من مصر والذين يشكلون جيل الشباب باعتبارهم جزء من المشهد النقدي الأكاديمي المرتبط بالتصور العام الذي يشيد النقد الأدبي بمصر ، ويبحث في آن عن متابعة الأداة والنص بانفتاح على رؤى ومساحات جديدة خصوصا أنهم باحثون تأطروا في فضاء الدراسات الأدبية على يد ومع أساتذة نقاد لهم مكانتهم العلمية في واقعنا الثقافي .
وعن النقد التونسي الذي يحضر فيه كتاب محمد الباردي تحدث شعيب حليفي عن عدد من الأسماء الجادة في الجامعة التونسية والتي تشتغل على محاور تزاوج البحث في المفاهيم وفي الإبداع القديم والحديث.
كما تحدث عن أهمية وضرورة هذا اللقاء إدريس زنزول مدير فضاء المشروع..بعده تناول الكلمة د/شمس الدين بلقايد الذي قارب مؤلف (السرد بين الرواية المصرية والأمريكية)للدكتورة عفاف عبد المعطي( الجامعة الأمريكية بالقاهرة) حيث اعتبر ان مؤهلات الكاتبة باعتبارها ناقدة أدبية ومترجمة وباحثة جامعية جعل التنوع سمة لكتاباتها النقدية.فقد سبق لها – يقول د/ بلقايد – الاشتغال على نصوص روائية من المغرب العربي ، وعلى نصوص المرأة العربية من رؤية سوسيولوجية.واعتبر الباحث إن كتاب ( السرد بين الرواية المصرية والأمريكية) هو مرجع أساسي في ها المضمار، لكونه لامس قضايا غير مسبوقة في النقد الأدبي العربي ، وعلى الخصوص واقعية القاع.
وفي مرحلة أخرى ناقش الباحث تطور مفهوم الواقعية ، وكيف تعاملت معه د/ عفاف... والتي استطاعت استيعاب تحولاته ، والتقاط عمقه التاريخي والفلسفي لبناء تصور نظري يؤطر الفصول التحليلية، وهو تصور تأسس على رصيد نقدي عربي وانجلوسكسوني ليقارن د/ شمس الدين بين هذه التصورات و معطيات الواقعية الفرنسية منذ القرن الثامن عشر.
وفي مفصل آخر ناقش الباحث تكامل الفصلين الأول والسادس/الأخير، بمعنى الرؤية المنهجية والتركيبية للمفهوم ، ثم للمكونات الروائية لواقعية القاع.وحول تفعيل القضايا النقدية ضمن تحليلات نصية مقارنة، عبر البحث عن الرؤية النسقية المتحكمة خلف بناء واقعية مصرية بصوتين شامخين في الأدب الروائي وهما يوسف القعيد وصنع الله إبراهيم ..وتشكل الواقع ضمن رسومات متعددة لنسيج المجتمع المصري المتحرك.
في الجانب الآخر عالجت الناقدة عفاف أبعاد هذه الواقعية بإرثها المتنوع عند رتشارد فورد وبول أوستير...وهو ما قاد الباحث إلى استخلاص عدد من النقط المميزة لهذا الكتاب في معالجته لقضايا غير مطروقة في النقد الأدبي العربي، خصوصا من رؤية مقارنة.
المداخلة الثانية لعبد الحق ناجح حول كتاب (الأشياء وتشكلاتها في الرواية العربية) للدكتور مصطفى الضبع(كلية دار العلوم – القاهرة) باسطا لموضوعه بالحديث عن كتابيه السابقين: رواية الفلاح ،فلاح الرواية الصادر سنة1998 وإستراتيجية المكان (1999) وكيف أن الباحث قد انطلق في وعيه النقدي من قضايا تيماتية وكيفيات تشييد صورة الفلاح في مراحل تاريخية/ ثقافية ..بينما عمل على محور آخر اقل اهتماما بالتاريخي ومتصلا أكثر بالأبعاد السردية.
بعد المدخل تحدث الباحث عن كتاب ( الأشياء وتشكلاتها في الرواية العربية) وكيف تم بناء المباحث الأربعة بناء نقديا يناقش ويقترح تصورات ومفاهيم يستنبطها من فاعليات متعددة في النص وكيفيات تشكل الأشياء وحالاتها المتبدلة ضمن دائرة التخييل.
وعلق الباحث على مقاربة الناقد مصطفى الضبع ولغته النقدية القوية والتي تنبئ عن قدرته المتحررة من سلطة المرجعيات والمتصلة بسلطة النصوص والمفاهيم.
وختم د/ ناجح مداخلته بسرد أهم القضايا الواردة في المؤلف باعتبارها دوالا تحليلية ذات وظائف متبدلة تشتغل بلغة نقدية رصينة على تنوع النصوص الروائية.
في ورقة الشريشي لمعاشي ( باحث - رئيس نادي القلم المغربي)اهتم الباحث بقراءة مؤلف سعيد الوكيل ( الجسد في الرواية العربية) منطلقا من توصيف عام للكتاب ، وتفكيك للمنظورات الثلاث التي توزعته، حيث تعددية المفهوم والخلفيات النظرية والجمالية المسندة له للخلوص إلى أن الجسد في الرواية يتمظهر عبر التمثيل الرمزي بواسطة اللغة وهو ما قاد الباحث إلى التنقيب عن ملامح التمايز في طرائق الإبداع بناء على نوع التمثلات الجسدية في الروايات المشتغل عليها.
وقد د/ شريشي قراءة نقدية للمفاهيم الموظفة وكذلك للتحليلات والوعي المؤطر لهذا الكتاب ضمن الوعي الجمالي العام.خصوصا التمثيلات العرفانية والإيديولوجية و الميتولوجية للجسد في نماذج عربية.
أما المداخلة الأخيرة لعبد اللطيف محفوظ (جامعي وباحث في السيميائيات والنقد الأدبي)، فكانت تحت عنوان " خصوصيات التحليل الشعري عند محمد الباردي" وقد وقف فيها على الخلفيات المعرفية والجمالية للنظرية الشعرية وأشكال تحققاتها في النقدين الغربي والعربي، مبرزا فهم الباردي المتميز لها، وكيفيات توظيفه لآلياتها. وفي هذا السياق ركز محفوظ على المفاهيم الموجهة لقراءة النصوص الروائية التي شكلت المتن المدروس في كتاب " إنشائية الخطاب في الرواية العربية الحديثة" وأيضا على المفاهيم المغيبة قصدا من قبل الناقد محمد الباردي. وقد فسر محفوظ لعبة التوجيه والتغييب تلك، بحرص الناقد على الوفاء للنصوص بالاقتصار على آليات التحليل التي تناسبها فقط.
ثم تعرض الباحث لأهم المصطلحات التي شكلت آليات للقراءة، حيث ركز، إلى جانب الحكاية والخطاب والسارد ، على مفهومي التشخيص والواقعية، معللا تركيزه عليهما بكونهما مركزيين في قراءة الباردي للرواية العربية خلال قرابة خمسة عقود، تبدأ من ستينيات القرن الماضي. مشيرا إلى أنه قد نظر إلى التشخيص بوصفه مفهوما متعدد الأبعاد، على اعتبار أن الرواية تفترض بالضرورة ذاتا ساردة تتولى مهمة التشخيص لكنها أحيانا تتحول هي نفسها خاصة مع التبئير الداخلي إلى موضوع للتشخيص، وبذلك يصبح التشخيص مضاعفا، وأكد محفوظ أن شكل فهم وتوظيف الباردي للتشخيص قد أسعفه في رسم منعرجات تطور الخطاب الروائي العربي خلال عقود، وساعده على ضبط تحولات الواقعية ودرجات حضورها وعلاقاتها بموضوعات التشخيص المتراوحة بين اللغة والتاريخ والنصوص، كما أسعفه في ضبط الأشكال التي اعتمدها التجريب الروارئي العربي والتي تجسدت بطرق مختلفة أسلوبا ومضامين، ومن أهم تحققاتها الانحياز إلى خلخلة البنيات التقليدية عن طريق بناء حكايات تمتح من العجيب والغريب أو من تشخيص ضمني للواقع كما يتبدى من خلال اللغات الاجتماعية أو النصوص الفعلية السياسية أو الأدبية..
وخلص الباحث عبد اللطيف محفوظ في الأخير إلى الإشارة إلى نجاح محمد الباردي في تطويع المنهج الشكلي للدراسة وتجلية أهم خصوصيات الرواية العربية عن طريق قدرته على انتقاء المناسب لإبراز خصوصية كل نص، ومن خلال تطويعه لمفاهيم لم تكن في الأصل موجهة لتجلية خصوصيات الواقعيات المتعددة التي جسدتها الرواية عبر مسيرة تطورها، لكنها بفضل هذا الصنيع أمكنها أن تستجيب لذلك. وقد خلص في الأخير إلى القول إن الكتاب " إنشائية الخطاب في الرواية العربية الحديثة" إلى جانب كتاب المزامن له " سحر الحكاية" الذي خصصه محمد الباردي لدراسة روايات إلياس خوري، يقدمان الدليل على إمكانية تجديد النقد الروائي وكشف خصوصيات الرواية إذا استطعنا أن نجدد وعينا بالمرجعية النظرية الشعرية (الإنشائية بتعبير الباردي)، واستطعنا أن ننصت أكثر إلى النصوص.
في نهاية اللقاء عرف النقاش منحى قرائيا جديدا حول وظائف النقد الأدبي والتلقي .وضرب الحاضرون موعدا جديدا لاستكمال حلقة ثانية من هذا اللقاء في ورشة تطبيقية بعنوان (نصوص وقراءات) يوم السبت 19 ماي 2007.