قيامة
بكفٍّ رجيفٍ، طرقتُ بابَ الغريبةِ،
مسحتُ على سرّةِ الخوفِ،
لذعَتني نارُ الغوايةِ،
خرجَ الجنّيُ منْ بطنِ الحريقِ، سألني عن سُلالاتي ونسلي.
قلتُ لهُ:
أنا ابنُ إلهِ المتعبينَ في الأرضِ، العارمينَ في السّماءِ، الخاسرينَ أحلامهمُ، الداخلينَ من نوافذِ القلوبِ، الخارجينَ من الجراحِ المنكوءةِ.
أمّي ربّةُ الجوعِ وسادنةُ العطشِ، حاملةُ سلالِ الألمِ، وقارئةُ أسفارِ الشتاتِ.
أنا المترعُ الخاوي كعرشِ السّلطانِ،
الأليفُ أُلفةُ السُنونو للخرائبِ الدافئةِ،
الضّاري كضراوةِ اللهبِ،
الهُلاميُ المنزلقُ من قبضةِ التنينِ، العالقُ بطيّاتِ الريِحِ،
الشرقيُ الوديعُ كالحنطةِ، المتكبّرُ كهرِّ الأميرة،
أنا الموشّى بألوانِ الحربِ، ولدتُ بعدَ انتصارِ الهزيمةِ، وقبلَ حجيجِ قبيلةِ الحزنِ،
أنا المسافةُ بينَ عتوِّ الصقيعِ، وارتعاشِ الهجيرِ.
(أنا الذي لم يرَ المبصرُ أدبي،
فلا خيلَ عندي أهديها ولا مالٌ).
أنا سارقُ الكُحلِ من رمشِ الغُرابِ،
لمْ أبارحْ جنّتي،
أخبزُ العمرَ العويصَ فوقَ أحطابِ الخرافةِ،
أقشّرُ بيضةَ الوجعِ،
(أبكي وأضحكُ لا حزناً ولا فرحا)
ألوّحُ للقاصدينَ مضاربَ النّدمِ،
أحسدُ القاصفينَ تحتَ ظلِّ القدرِ،
أرثي السّاهينَ على دكةِّ الاحتضارِ.
أغسّلُ موتيَ كلَّ صباحٍ، وأجففهُ على حبلِ القصيدِ، إلى أنْ يهتفَ البشيرُ نداءَ القيامةِ.
لم أصدّقْ خيانةَ الطّرخونِ، باركتُ حملَ الغزالةِ، عاصرتُ صلاحَ الملحِ، ومدحتُ نواميسَ الغابةِ.
ألملمُ شملَ النازحينَ إلى خيامِ الرجاءِ،
أقيمُ لأجلهِمُ صلاةَ الشفاعةِ، وأتلوَ عليهم خطبةَ العصيانِ.
ضعضعتُ خمدةَ الرمادِ،
حرّضتُ صافرَ النّارِ، ليأجَ العسيسَ في أرحامِ الأراملِ.
أعرفُ أنّي مدبرٌ عنْ نهرِ المشيئةِ، أمضي إلى مصيرٍ عميمٍ، ورائي عِظاتُ المنابرِ، وأمامي صحبةُ الورقِ.
قضى الموتُ نحْبَهُ، وما زلتُ أخمّرُ فرحي في الجرارِ الدافئةِ،
سأشربهُ معي،
يومَ أحبُّ، ويومَ أغنّي، ويومَ أعودُ إليَّ.