الثلاثاء ٢٤ آذار (مارس) ٢٠٢٠
قـرأت لك..
بقلم عمرو صابح

كتاب (البحرين فى زمن جمال عبد الناصر)

"لدى أمنية بالنسبة للخليج العربي، وهى ألا تفقد العروبة أى موقع هناك، سواء فى البحرين أم غير البحرين، لا بد أن نحافظ على عروبة منطقة الخليج".

الرئيس جمال عبد الناصر – عام 1969.

الإعلامى والكاتب البحرينى الكبير الأستاذ إبراهيم راشد الدوسري كان من الذين قرروا تنفيذ تلك الأمنية للرئيس جمال عبد الناصر، فقرر تخليد ذكرى مئوية ميلاد جمال عبد الناصر عبر إصداره لكتاب وثائقي يمثل مرجع عام لتأريخ العلاقات المصرية البحرينية فى عهد جمال عبد الناصر.

قام الأستاذ إبراهيم راشد الدوسري بتقسيم كتابه إلى جزءين.

 الجزء الأول تناول فيه العلاقات المصرية البحرينية خلال الفترة من 23 يوليو1952 حتى 28 سبتمبر 1970، عبر استعراض للدور المصري فى تحرير البحرين من الاحتلال البريطانى، ودور البعثات التعليمية المصرية، والطلاب البحرينيين الذين يتلقون العلم فى مصر فى إثراء وتغيير المجتمع البحريني، وأثر النهضة الشاملة بمصر خلال تلك الحقبة على الأوضاع فى البحرين ومنطقة الخليج العربي، والدور الثوري الهائل لإذاعة صوت العرب فى تجييش المشاعر الوطنية.

 الجزء الثانى من الكتاب هو بمثابة أنشودة حب وتقدير ووفاء وعرفان بحرينية تجاه مصر، فقد استطاع مؤلف الكتاب أن يجمع شهادات لمجموعة كبيرة من رموز وقمم النخبة السياسية والثقافية والعلمية فى البحرين عن دور جمال عبد الناصر وأثره فى حيواتهم، وانعكاس ثورته وأفكاره وأهدافه القومية على الشعب البحريني، ثم خصص المؤلف ملحق ضم مجموعة من قصائد كبار الشعراء العرب فى رثاء الزعيم جمال عبد الناصر، وملحق أخر ضم مجموعة من الصور النادرة لعبد الناصر.

قدم مؤلف الكتاب جرعة تاريخية مكثفة عن تطور العلاقات المصرية البحرينية خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ودور مصر فى استقلال البحرين، والدور البحرينى فى دعم الثورة المصرية، يمكن استعراضها فى التالي:

بعد استقرار الأمور للنظام الثوري فى مصر بنهاية أزمة مارس 1954، وبظهور معالم سياساته القومية الداعية لاستقلال كل أقطار العالم العربي وتحرير الدول المحتلة فى قارتى أفريقيا وأسيا، تحولت القاهرة إلى قبلة لكل ثوار العالم، فى شهر يوليو من عام 1954 سافر المناضل البحرينى عبد الرحمن الباكر إلى القاهرة، والتقى بمجموعة من المسئولين المصريين المكلفين بملف تحرير دول العالم العربي، ظل المناضل عبد الرحمن الباكر بالقاهرة لمدة خمسة عشر يوماً، ونجح فى الحصول على مساعدة مصر فى دعم طلب استقلال البحرين، وتحسين ظروف العمال فى البحرين وفى المنطقة الشرقية من السعودية، أسس الأستاذ عبد الرحمن الباكر ومعه مجموعة من المناضلين البحرينيين، هيئة الاتحاد الوطنى العام فى أكتوبر 1954، الذى قام بقيادة كفاح الشعب البحرينى من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية، وتبنى برنامجاً للاصلاح السياسي، وجعل شركة النفط بابكو إلى تغيير سياساتها وعدم التمييز بين العمال البحرينيين والعمال الهنود بإعطاء البحرينيين نفس حقوق الهنود.

مقابل هذا الدعم المصري لحقوق الشعب البحرينى، لعبت هيئة الاتحاد الوطنى العام دوراً هاماً فى دعم سياسات نظام جمال عبد الناصر، فعندما هبطت طائرة الرئيس جمال عبد الناصر بمطار البحرين للتزود بالوقود فى 2 مايو 1955 خلال رحلة عبد الناصر لمؤتمر باندونج، خرجت جموع الشعب البحريني لاستقبال عبد الناصر، بل انهم منعوا طائرته من الاقلاع قبل أن يصعد وفد من قادتهم لتحيته، وشرعت هيئة الاتحاد الوطني فى جمع التبرعات من البحرينيين لدعم الجيش المصري والمساهمة فى تسليحه، ونجحت الهيئة فى جمع مبلغ 44366 دولار تبرعاً للجيش المصري.

وأرسل الرئيس عبد الناصر رسالة شكر لشعب البحرين فى 4 يناير 1956، قال فيها:

"تفضلتم فقدمتم مبلغ 44366 دولار مساهمة منكم فى تسليح الجيش لاستكمال وسائل الدفاع عن الوطن المفدى، فتقبلوا خالص شكري على نبيل مشاعركم وصادق وطنيتكم".

 استمر نضال الشعب البحرينى دفاعاً عن سياسات مصر، فعندما هبطت طائرة وزير الخارجية البريطانى سلوين لويد فى مطار البحرين فى 2 مارس 1956، استقبله البحرينيون بمظاهرة حاشدة، ورشقوا موكبه بالحجارة، وهم يهتفون لمصر وعبد الناصر.
وعندما تم اعلان جلاء قوات الاحتلال البريطانى عن مصر، اندلعت المظاهرات الشعبية فى شوارع البحرين للاحتفال بالحدث، وازدانت شوارع وبيوت البحرين بأعلام مصر وصور جمال عبد الناصر، وعند اعلان عبد الناصر قراره بتأميم قناة السويس اندلعت المظاهرات المؤيدة له على امتداد البحرين، وفور وقوع العدوان الثلاثي على مصر، هاجم البحرينيون منازل موظفي سلاح الطيران البريطانى فى مدينة المحرق، وأشعلوا الحرائق فى المصالح البريطانية، وفى مدينة المنامة أحرق البحرينيون شركة مكنزى والشركة الشرقية للتجارة ومستودعات البنزين، ومبانى مطابع الخليج الاستعمارية، ودائرة أشغال حكومة البحرين، وقد قامت السلطات البريطانية بالقبض على قادة هيئة الاتحاد الوطني وسجن بعضهم فى معتقل جزيرة سانت هيلانه، ونفى الأخرين فى الكويت فى عام 1957.

كان المناضل البحريني جاسم أبو حجي أحد قادة هيئة الاتحاد الوطني، واحد من المنفيين بالكويت، وقد عمل كحلقة وصل بين النظام المصري وبين عائلات زعماء الهيئة والمحامين الذين يتولون الدفاع عن الزعماء المسجونين فى جزيرة سانت هيلانه، وقد أمر الرئيس جمال عبد الناصر بتوفير كل الدعم الأدبي والمادي من أجل إطلاق سراح زعماء هيئة الاتحاد الوطني، فتم دفع مبلغ مليون جنيه استرلينى من مصروفات رئاسة الجمهورية المصرية لفريق المحامين الذي يدافع عن زعماء هيئة الاتحاد الوطني، وفى عام 1961 تم الإفراج عن زعماء هيئة الاتحاد الوطني.

 بعد الإفراج عن زعماء هيئة الاتحاد الوطني، قام جاسم أبو حجي بتجميع مبلغ المليون جنيه استرليني من القوميين العرب الكويتيين والبحرينيين المتواجدين بالكويت، وسافر إلى القاهرة، وقابل الرئيس جمال عبد الناصر لكى يسلمه المبلغ الذى دفعته مصر دفاعاً عن زعماء البحرين، فرفض عبد الناصر قبول المبلغ لأن دعم مصر للنضال البحرينى هو من صميم واجباتها القومية، ولكن جاسم أبو حجي قال للرئيس عبد الناصر، أن المناضلين البحرينيين يقدرون الدور العظيم لمصر، ولكن مصر وجيشها فى أمس الحاجة لتلك الأموال.

كان رد الرئيس جمال عبد الناصر:

"أن هذه هى المرة الأولى التى تدعم فيها حكومته جهة وقضية مادياً، ثم تسترد أموال الدعم مجدداً، مما يؤكد على النزاهة المالية لأعضاء هيئة الاتحاد الوطنى".

بعد هزيمة 5 يونيو 1967، جمع البحرينيون التبرعات لدعم إعادة بناء الجيش المصري، ونظموا العديد من الفعاليات لصالح شهداء وضحايا الحرب.

جاءت الوفاة المفاجئة للرئيس جمال عبد الناصر بمثابة صدمة مروعة للعرب وللأحرار فى كل مكان بالعالم، وكانت انعكاساتها بالغة الحدة على الشعب البحرينى، وهو ما يمكن رصده عبر كل شهادات رموز وقمم النخبة السياسية والثقافية والعلمية فى البحرين فى الكتاب، فقد تم تنظيم جنازة شعبية حاشدة للرئيس عبد الناصر فى البحرين، وأقيمت صلاة الغائب عليه فى كل مساجد البحرين، وساد شعور بالحزن واليتم لفقده، وبكاه الجميع.

لم يذهب كفاح جمال عبد الناصر من أجل تحرير البحرين سدى، فبعد رحيله بأقل من عام، حصلت البحرين على استقلالها فى 15 أغسطس 1971.

وصدق المناضل البحرينى عبد الرحمن الباكر عندما قال:

"نحن نعتبر مصر قلعتنا الحصينة ومعقل الأحرار بعد ثورة 23 يوليو".

كتاب هام يؤرخ لحقبة ثرية بالأحداث فى تاريخنا المعاصر، وقد بذل مؤلفه جهداً كبيراً فى صياغته وتجميع تلك الشهادات التى تمثل وثائق حية عن العلاقات المصرية البحرينية فى زمن جمال عبد الناصر، ويحسب للمؤلف الأستاذ إبراهيم راشد الدوسري كونه الكاتب العربي الوحيد خارج مصر، الذى قدم للمكتبة العربية كتاباً عن جمال عبد الناصر فى الذكرى المئوية الأولى لميلاده.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى