لابد من ذلك
تقلبت مريم في سريرها يمينا ويسارا، لا تقوى هذه المرة على النهوض، إحباط شامل يلفها، تثاءبت، وفركت عينيها بكفيها كأنما تود الغوص مجددا في سباتها، المهم لم تنس اطعام عصفورها الصغير في قفصه، هذا موعده بالتحديد، إنها الثامنة والنصف، شعرت بألم حاد يعتصر عظام رأسها، وبانقباض موجع ينهش صدرها، ماذا جرى لها اليوم بالذات؟ وما مصدر هذا الذي اكتسحها من غير أن تدرك كنهه؟
شهيتها مسدودة عن آخرها، لا تظن أنها تشاطر أفراد عائلتها ارتشاف قهوة الصباح مع تناول مربى اليقطين، كل صبيحة تقوم بواجبها الانساني تجاه عصفورها إذ تطعمه من يديها الناعمتين، لا تحبذ تأخير دقيقة واحدة في سبيل اطعامه حيث تناولت كمشة من القمح، وقذفت بها داخل علبة بلاستيكية، ومن ثم ارتقت السلم الرخامي الذي يفضي إلى السطح المكشوف، وبخطوات وئيدة دنت من القفص حتى كادت قدماها تلامسانه، وسرعان ما ارتعش جذعها المياس كأنما صعقة كهربائية رجت جسدها، ومن يدها الحانية تهاوت العلبة على الأرض فتناثر الحب المشتهى مثلما تتناثر حبات الماس النفيسة من جيد غادة هيفاء، كتمت صرختها لهول ما رأت، واكتفت باستجماع ريشه الناعم الملطخ بالدم.
قريبا منها تقرفصت قطة قرنفلية اللون، وبعينين تملأهما نشوة الانتصار تتأمل ذلك المشهد وتهز ذيلها اغتباطا، أليست هي من اقترفت هذه الجريمة النكراء؟
سألتها مريم متوسلة والدمع السخين يطفر من عينيها العسليتين: بالله عليك ألم تكوني أنت صاحبة الفعلة الشنعاء؟ هيا اعترفي أيتها القطة.
ـــ أنا التي انقضضت عليه، وافترسته بأنيابي ومخالبي، فما الغرابة في الأمر؟
ـــ ها أنت تعترفين بدناءتك دون أن تؤنبي ضميرك على ذلك، أنت ظالمة ولئيمة، لم ترحمي ضعفه ولا ضآلته.
القطة: لست ظالمة كما تتوقعين، افترسته لأسد جوعتي، وأتشبث بحبال الحياة، أليس لي كامل الحق في العيش مثلك على هذه الأرض؟
توارت مريم خلف نقاب الصمت وهي تقلب كلام القطة من جميع أوجهه.
القطة: لم أتلق منك ردا صريحا يا عزيزتي، أصابع اتهاماتك التي تشهرينها في وجهي كلها باطلة ومغشوشة.
مريم: ماذا عساي أن أقول؟ كنت أفكر بجد في أن أزج بك في زنزانة حالك سوادها، وأتلذذ بموتك البطيء على مرآى من عيني، ولكن....
ـــ ولكن ماذا؟
ـــ لقد تراجعت عن فكرتي الطائشة التي عنت في زوايا رأسي، لن أفجر عليك براكين ظلمي، أنت تستحقين العيش مثلي.
وأخيرا شيعت مريم القطة بعين الرأفة، وهبطت السلم وهي حاملة في علبتها ريش عصفورها الملطخ بالدم.