لا حرمة لمدينة محتلة
ترجمة عن العبرية
ألموج بيهار… [1]
أ-
جئنا بالطبول في صعود طريق نابلس. وأنا كل الطريقكنت أخشى أن يزعج الضجيج راحةَ الجيرانإذ تذكرت أني لا يسعدني أن يمرّوا بالطبول في حيّيوكنت أخشى أنّ الإيقاع أكثرُ ابتهاجاً من التعبير عن وجعمن أُلقوا إلى الشارع. غضبِ من جاءوا من الشارع.
ب-
يهوديٌّ بلحيةٍ أنا.. بكاسات شاي.. بمسيحٍلن يأتي بعدُ. بوصايا عدةٍ منذ أجيالٍ أمنّيالقلبَ بصونها فلا أفلح بذاكرة قداسة كلمات عربيةبحرفٍ عبريّ. وللحظة، من جانبَي الجدار المحبوكالذي ترعرع عند عتبة بيت عائلة غاوي الملقاة إلى الشارعالتقينا أبناءَ ديانتين مختلفتين إنما أختين.له أيضاً لحيةٌ وذكرياتٌ ووجهه يتجزأ عبر الجدار إلى عشراتالأجزاء، وهو يرميني بتهمٍ قاسيةٍ كأخ،أن غدوتُ مهجريّاً [2]، أنّني حانق، يأكلني الكره لذاتي، أحبّالعرب, خائنٌ، أشي بأبناء شعبي في أشعاري، أكثر خطورةًمن اللاساميين، “كابو” [3]، وهو يذكّرني بفظاعةٍبمحارق أوشفيتز ويده الممتدّة إلى إله يعِدبإعادة أرضه إلى شعبه أو شعبه إلى أرضه.لوهلةٍ فكّرتُ بإمكانيّة أن نعود ابنَي ديانةٍ واحدةيهوديّين أنهكتهما الاتهامات. تناولتُ يدَهواقترحتُ عليه أن نذهب كلانا إلى قبر شمعونالصدّيق، ونغدقَ الدّموع على الصدّيق وعلى الندوب التي أندبنافي قلبه العجوز، لعلّ الصدّيق يبكي علينا وعلى عمق الصّدعالذي يهدّد بتصداعنا وأرضِ إسرائيل، بين ألمانيا وفلسطين
ج-
ما أن وصلتُ إلى الشيخ جراح حتى رحتُ أبحث عن يهود.كما في وصولي لبلد بعيد إذ أبحث عن رفقةٍ ليكتمل نصابُ الصلاةأو ركنٍ بطعامٍ حلال وولائمِ السبت والعيد . وأنا على بُعدعشرين دقيقة سيراً من بيتي، من كنيسي. وقتُ دخولالسبت يلحّ، وأنا أهمس لإلهي أن يتقبّل صرخةالشعارات كما لو كنتُ استقبلتُ السبتَ أمامهبأكمل وجه، وكما لو صليتُ له صلاة مساءالسبت بأكمل النوايا.
د-
وأردتُ عبورَ حاجز الشرطةوالهبوطَ للصلاة في قبر الصدّيق مع المصلينالقادمين جميعُهم مستحمّين متزيّنين. ننشد أمام الصدّيقبجذلٍ كبير ونستقبل السبتوأستسمحه أن أصلي مع الخطّائينوأرجوه أن يلتمس العذر للمتظاهرينالذين يفسدون السبت كي يقدّسوا وجهَ الله في أورشليم.
هـ -
وكان أن حلمتُ في إحدى الليالي: نأتي للشيخ جراح متظاهرينجماعاتٍ جماعاتٍ من المطرودين ، وبيننا يسير اليمنيون الذين طُردوامن مستوطنة كنيرت، ولاجئو الخليل اليهود منذ 1929وعربُ البقعة، الطالبية، القطمون، مئا شعريم، لفتاوعين كارم الذين طُردوا في النكبة، ولاجئو الرّبع اليهوديالذين في 48 طردهم الأردنيون، وفي 67 أممت بيوتهم بيدحكومة إسرائيل لتباع غالياً ويبقوا لاجئين،والفلسطينيون الذين طُردوا من القرى المحيطة باللطرون في 67والشرقيون الذين طُردوا من حيّ يمين موشيه ، بعد سنينفي مرمى القنّاصة ، كي يفسحوا مكاناً للفنانين والرسامين،وسكانُ القرى غير المعترف بها في النقب، ومتضررو القروض البنكيّةالمقذوفون من بيوتهم بأوامر دائرة الإجراء ، وسكانُ يافا والمصرارةالمدفوعون لإخلاء بيوتهم لصالح غنيٍّ منهم ، وأهالي سلوانالذين تهددُ أوامرُ الهدم بيوتَهم.
و-
وكان أن حلم عمدة أورشليم في إحدى الليالي : الشيخ جراحتغدو إسفلتاً، ساحةً كبيرةً لوقوف السيارات، ومن رأى فيها تينةومن رأى فيها زيتونة، من رأى فيها كرماً، سيرى سياراتٍ في موقفٍ عملاق،حتى آخر الأفق، كما مركز تجاريّ في مدينة أمريكيّة هادئة.في الشيخ جراح سيحلّون مشاكل ساحات السيارات في أورشليم، ربمافي إسرائيل يحلّون كلّ مشاكل الساحات في العالم،فلسطين كلُّها ستُكسى إسفلتاً ، لأن الحلّ يكمن في الإسفلت الذي سيهدّئ أخيراًالصراعَ على قداسة الأرض، التي ستختفي..
ز -
ووقفنا مئات المتظاهرين أمام حاجز الشرطة في مدخل الحي.نتقدّم ثمّ نتراجع، نتهرب من الشرطة ثم نعودإلى ذراعيها، نتحرك في دوائر، نكاد نصل إلى الشرطيينثم نلتفّ هاربين، فيما هم يضربوننا كما آباءٌ غاضبونيتلهفون لتربية أبنائهم،كما طلابُ مدارس يصرّون على إعادة ما تلقّوا من ضرباتونحن لا ندري هل نرجوهم أن يرأفوا بالشيوخ،بالنساءِ الحوامل والأطفال، هل نقف ونتلقّى الضربات بحبٍّأم نلتفّ هاربين مجدَّداً ، حتى نعود من جديد.
ز-
ووقفنا مئاتٍ من المتظاهرين أمام حاجز الشرطة في مدخل الحيّ.ونظراتُ رجال الشرطة، الذين وصلوا للتوّ من دورتهم التعليمية،متعَبين من المناوبة الإضافية الني فرضناها عليهم،من الأجرة القليلة، من صيحات الضبّاط والمتظاهرين،قلقةٌ أن تمتدّ المظاهرة حتى دخول السبت هذا الأسبوعَ أيضاًوقائدهم يأمرهم بصدّنا من الشارع، إذا لم يصدّواسيلغي لهم إجازة السبت، ونحن مع كلّ ضربةٍ نكرههموننسى قائدَهم، عمدةَ المدينة، والمحكمة.وتمنيت في أعماقي لو أعبر لجهة رجال الشرطة ، أتناول البوقمن قائدهم، وأطلب بألمٍ من المتظاهرين أن يتفرّقوا، أنادي:هذا الأسبوع نحن لا ندّعي بأنّ المظاهرة غير قانونية، لا،إننا نرجوكم فقط أن تنتبهوا لذاك الأجر الذي يتقاضى كلٌّمنا كذا وكذا شواقل عن كلّ ساعةٍ من المظاهرة،مقابل وُعودنا لنسائنا بأن نأتي لوليمة السبت،من فضلكم، اذهبوا هذا الأسبوع وتظاهروا في بيت عمدة المدينة،رئيسِ الحكومة، أو المليونير الذي يشتري لهما البيوت،في صالونات أهاليكم وجيرانكم ، أريحونا فقط هذا الأسبوعَ، رجاءً.
ح-
في الطريق للمظاهرة أذّن المؤذن من مئذنة المسجد بمقام الصَّباوكنتُ أنشد بهدوءٍ لإلهي في ذات اللحن:“وتشهد أعيننا عودتَك لصهيون بالرحمات، بالرحمات” [4]
ط-
شمعون الصدّيق من بقايا الكنيس الأكبر كانتلميذَ عزرا الكاتب، سيّدَ أنطيجنوس رجل سوخووكان يقول: على ثلاثةٍ يقف الكون:على التوراة وعلى العبادة وعلى العمل الصالحونحن لسنا تلاميذَه ولا تلاميذَ تلاميذِهولا تقع علينا الفروض السماويّة بعدُ كما على تلاميذه،ولسنا مطالبين بالعمل الصالحإلا مع أنفسنا، والكونُ لم يعد قائماًنسينا أن كنّا غرباء في أرض مصر، نسيناأن التوراة واحدة ، وحكمها واحد لنا وللغريبالمقيم معنا، نسينا أن أبناء عائلة حانون ليسوا غرباءفي هذي البلاد, أن أبناء عائلة الكرد ليسوا غرباءفي هذي البلاد, أن أبناء عائلة غاوي ليسوا غرباءفي هذي البلاد, وما زلنا ننسى.
ي-
عند ساحة عائلتي الكُرد وحانون المطرودتين، جنديّ من حرس الحدوديناديني: ماذا تفعل هنا؟ يسألني ما كنتُ أبغي سؤاله عنه.منذ عامٍ فقط قرأنا معاً آريسطو، موشيه بن ميمون، الغزالي وجوانغ ديزيه،وها هو الآن يعمل على إبعاد العقولمن بيوت المطرودين. “إنه معلمي”، يقول مرتبكاًلجنديّ آخر ينضمّ إلى الحديث متذمّراً: كلهم يكرهوننا،غاضبون منا أكثر من طيار يُلقي بالقذائف،يشتموننا، وعلينا في النهاية أن نفصل هنابين الأولاد المتقاتلين كما لو كنّا حاضنات، ماذا تقول في هذا؟وأنا لم أقل شيئاً، كنت لا أزال أحاول في ذهني أن أربطبين موشيه بن ميمون والغزالي وبين الطرد من الشيخ جراح.