لا ديوان للعرب بدون قاعدة قرائية
عندما كنت طالبا جامعيا في بداية التسعينات من القرن الماضي، فاجأتنا مرة أستاذة مادة الشعر الإنجليزي الأمريكية إليزابت كريكلر، بعدما علمت أن جميع طلبة الأدب الإنجليزي المغاربة لتلك السنة الجامعية اختاروا كموضوع لبحث نيل شهادة الإجازة كل الأجناس الأدبية ما عدا الشعر، إذ قالت:
– « ليس الأمر مفاجئا لي على الإطلاق، فلقد كان أول ما عرفته عن الطلبة المغاربة عند قدومي إلى المغرب أنهم لا يحبون الشعر. هكذا قيل لي في المركز الثقافي الأمريكي.»
وبعد مرور أزيد من عقد من الزمن على هذا التصريح، قررت الدخول إلى عالم الكتابة القصصية والنشر، لفاجأني مسؤول في شركة سابريس للنشر أنهم أوقفوا خدمات توزيع الكتاب الإبداعي من شعر وقصة ورواية ومسرح إلى أجل غير مسمى لأن القارئ المغربي لا يقرأ الأعمال الإبداعية وأنهم بصدد التفكير في إنجاز بحث ميداني لفهم جذور المشكلة خلال سنة 2003.
وبعد سنة فقط قرأت على صفحات الجرائد المغربية خبر رفض القاص المغربي الكبير محمد بوزفور لجائزة المغرب للكتاب لسنة 2004 معللا رفضه:
– « أخجل أن أقبض جائزة على كتاب طبعت منه ألف نسخة، لم أوزع منها في أسواق شعب من ثلاثين مليون نسمة إلا خمسمائة نسخة، وهي ما تزال معروضة لم تنفد بعد، رغم مرور أكثر من عامين. لذلك كله، أعتذر عن عدم استطاعتي قبول جائزة وزارة الثقافة.»
ثم بدأت الأسئلة تتهاطل على دماغي:
لماذا لا يقرأ المغاربة الإبداع المكتوب؟
هل هو احتقار للحلم بغد أجمل؟ هل هو موقف من لا جدوى الإبداع؟
هل للحجم الهائل لنسبة الأمية سلطة وتأثير على القراءة عموما وقراءة الإبداع خصوصا؟
علينا أن نخجل من أنفسنا ونحن نتحدث عن التراكم الأدبي وعن ديوان المغاربة ونرفع الشعارات الكبرى لنرزح تحتها... علينا، ككتاب نطبع ألف نسخة، أن نخجل من أنفسنا ونحن نوهم أنفسنا بالتواصل مع القراء وبالإشعاع والتنوير والحضور... علينا أن نخجل من أنفسنا كقراء ونحن نرى حمى القراءة التي صاحبت صدور روايات ج.ك رو لينز الكاتبة الشابة ذات السبع والثلاثين ربيعا والتي طبعت من الجزء الأخير فقط من روايتها " هاري بوتر " مائتي مليون نسخة لغاية فبراير 2004: وهو الرقم الذي يعادل نسخة لكل مواطن عربي!!!...
الواقع أن لا ديوان لعرب اليوم وأن على الأجيال القادمة وحملة الهم الثقافي العمل على إنتاج هذا الديوان: لتكن القصة أو الرواية أو المسرح أو الشعر... المهم أن يكون ديوانا وعربيا وذا قاعدة قرائية جماهيرية وحسبنا ذالك.