

ليلتان من ليالي السندباد
إلى أبي في أرض الوطن
(1)أَعْرِفُ أَنَّكَ كُنْتَ غَريبافي أَرْضِ الرُّومِ غَريباتَلْتَهِمُ الأَوْراشُ دِماك الفَوَّارَةَتَأْتيكَ مِنَ الأَحْبابِ رَسائِلُبَلْ تَأْتيكَ قَنابِلُتَفْتَحُهَا: لِتُحِسَّ الغُرْبَةَ تَقْطَعُ أَوْصالَكَفَالْحَرْفُ أَمَامَكَ غابَةُ صَفْصافٍمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَقْتَحِمَ الغابَةَمِنْ غَيْرِ سِلاحٍآهٍ مَنْ يَقْدِرْ(2)مُدُنُ الرُّومِ تَمُوتُإِذَا هَبَّتْ ريحُ الأَحَدِ البارِدِتَمْتَدُّ عَلَيْها قاماتُ الصَّمْتِ القارِسِتَهْجُرُها الْحَاناتُ الأَسْواقُ الأَطْيارُ الدُّورُلِماذا مُدُنُ الرّومِ تَمُوتُ صَباحَ الأَحَدِ البارِدِ****هَذَا الشّارِعُ تَمْتَدُّ عَلَى وَجْهَيْهِ ظِباءُ الأَصْداءِتُطَوِّقُهُ غيلانُ البَيْداءِوَفي صَدْرِكَ يَقْدَحُ زَنْدُ البَيْنِوَنارُ الوَحْشَةِ تَرْمِي قَلْبَكَ بِالْجَمْرِوَأَنْتَ تَسيرُ عَلَى بَعَرِ الآرامِ وَحيدا.تَرْمِي قَدَمَيْكَ عَلَى الأَرْضِ وَحيدا.لا تَسْمَعُ إِلا صَوْتَ القَدَمَيْنِ الْمُتَوَرِّمَتَيْنِ وَحيدا.لا تَسْمَعُ أَحْياناً إِلا قِطّا حينَ يَمُوءُ وَحيدالا تُبْصِرُ في الأَرْضِ سِوَى ظِلِّكْ.****مُدُنُ الرُّومِ إِلَيْها الرّوحُ تَعودُإِذَا هَبَّتْ ريحُ الإِثْنَيْنِ عَلَيْهاأَمّا أَنْتَ فَتَبْقَى مَيْتالا يَحْيا فيكَ سِوَى عَضَلاتِكْ(3)عَجَباً..كَيْفَ طَحَا بِكَ قَلْبٌفي حُبِّ بِلادٍ داسَتْ بِسَنَابِكِهاقَلْعَةَ صاحِبِكَ الأَعْرابـيِّتُتَمِّرُ لَحْمَ بَنيهِ جِهارا في كُلِّ السّاحاتِتَبيعُ لِـخَيْبَرَ كُلَّ دُروعِكَكَيْفَ دَخَلْتَ مَهامهَ حُبِّ بِلادِكَكَيْفَ تُناديها: أُمّيوَهْيَ تَبيعُكَ لِلرّومِ صَباحَ مَساءتَبْعَثُ بِالْغَيْثِ إِلَيْهاوَهْيَ تُمِدُّكَ بِالْمِلْحِ وَبِالصَّلْصَالِ اللافِحِتَسْتَرْضِعُها أَطْفَالَكَ لَكِنْحينَ البَحْرُ الْهَائِجُ تَعْبُرُهُتَلْقَى ثَدْيَيْهافي فَمِ هَذَا الرُّومِيِّ الْمُنْتَفِخِ الأَوْداجِفَواكَبِِدا مِنْ حُبٍّ تَقْرَأُهُ وَحْدَكَواكَبِدَا مِنْ زَفَرَاتٍ لَيْسَ لَهُنَّ فَنَاءُقالوا: لَوْ أَنْتَ تَشاءُ سَلوْتَ السّاعَةَ عَنْهَابِاللهِ عَلَيْكَ أَحَقّا أَنْتَ تَشاءُ(4)كِنْدَةُ أَطْلالٌبَعَرُ الآرامِ كَحَبِّ الفُلْفُلِفي ساحَتِها الدَّكْناءٍِ تَبَعْثَرَأنَّى لَكَ أَنْ تَجْعَلَها مَمْلَكَةًلا تَغْرُبُ عَنْها الشَّمْسُوَأَنْتَ صَغيراً ضُيِّعْتَكَبيراً حُمِّلْتَ دَمَ الوَطَنِ الْمَقْهورِهَجَرْتَ مَمالِكَهُ الظَّمْأىفَالْهَمُّ أَمامَكَوَالْهَمُّ وَراءَكَلَيْسَ لَكَ اليَوْمَ سِوَىأَنْ تَرْسُوَ في صَدْرِ حَبيبِكَأَنْ تَطْلُبَ مِنْهُ الرَّحْمَةَقَيْصَرُ لا تَنْثُرُ عَيْنَاهُ الرَّحْمَةَضُيِّعْتَ صَغيراً وَكَبيراً ضُيِّعْتَوَها هِيَ ذي الغُرْبَةُتَمْتَدُّ جَزائِرُها قُدَامَكَتَمْتَدُّ وَرَاءَكَوَالرُّومُ حُصونٌ رَفَعَتْ زَنْداكَ قَوَاعِدَها(5)كُلُّ صُخورِ الرّومِوَكُلُّ بِحارِ الرّومِوَكُلُّ بِلادِ الرّومِ تَقولُ لَكَ: ارْحَلْتَرْحَلُ؟!كَيْفَ؟! وَأَنْتَ شَبابُكَ مَدْفونٌ فيهاوَنَضارَةُ وَجْهِكَ مُودَعَةٌ في أَوْجُهِ كُلِّ بَنيهاوَدِماكَ تَشُدُّ حِجارَ مَبانيهاتَرْحَلُ؟! كَيْفَ؟! وَكُلُّ جَواريكَ الْتَهَمَتْها النِّيرانُتَقولُ لَكَ ارْحَلْ هِيَ تُعْطيكَ جَواريها(6)هُوَ ذا الوَطَنُ الْحُلْمُ أَمامَكَأَجْهَشْتَ لَهُ حينَ رَأَيْتَ سَنَابِلَهُ الْخُضْرَوَهلَّلَ لِلرَّحْمانِ وَكَبَّرَحينَ اشْتَعَلَتْ عَيْناكَ عَصافيراًأَذْريْتَ دُموعَ العَيْنِوَناداكَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍوَدَعَا أَنْ ضَعْ قَدَمَيْكَ عَلَى الشّاطِئِقبِّلْ تُرْبَتَهُ الْخَضْراءَوَحَدِّقْ في حَبَّاتِ الرَّمْلِ جِهاراوَاسْجُدْأَنْ عُدْتَ وَرَأسُكَ ما زالَتْ بَيْنَ الكَتِفَيْنأَنْ عُدْتَ وَما زِلْتَ تَسيرُ عَلَى قَدَمَيْن****هُوَ ذا الْوَطَنُ الْحُلْمُ أَمَامَكَحُلْوٌ فَمُ هَذَا الْمَحْبوبِ السّاحِرِخَدَّاهُ كَفَلْقةِ رُمَّانهْعَيْنَاهُ خَمِيلَةُ طِيبٍ تَقْطُرُ شَهْداً شَفَتَاهُوَأَطْلَسُهُ ذَهَبٌ إِبْريزٌداخِلُهُ عاجٌ أَبْيَضُ غُلِّفَ بِالياقوتِ الأَزْرَق****هَذَا الوَطَنُ الآنَ أَمَامَكَلِلرّيحِ الْجَبّارةِ بَوّابتُهُ مُشْرَعَةٌتَدْخُلُها حامِلَةً زَوْبَعَةَ الْجِنِّ عَلَى كَتِفَيْهاأَمَّا أَنْتَ فَهَلْ كُنْتَ الرّيحَوَهَلْ كُنْتَ الْجِنّْهُوَ ذا الْجُمْرُكُ يَسْتَوْقِفُ هَيْكَلَكَ العَظْمي:- ما اسْمُك؟مِنْ أيِّ بِلادٍ أَنْت؟-"............"تُوقِظُكَ الدَّهْشَةُ تَصْحو:فَإِذا الْجُمْرُكُ رومٌاَلشُّرْطَةُ في الشّارِعِ رومٌاَلشّاشَةُ في بَيْتِكَ رومٌزَوْجُكَ..أَبْناؤُكَ.. رومٌرومٌرومٌتَشْعُرُ أَنَّ عَلَيْكَ لِباسَ الْخَوْفِعَلَيْكَ لِباسَ الدَّهْشَةِلَكِنْ تَثْبُتُتَعْلَمُ أَنَّ السّاعَةَ غُرْبَتَكَ الصُّغْرىأوْدَعْتَ لَوافِحَها في جَوْفِ البَحْرِوَأنَّكَ تَدْخُلُ غابَةَ غُرْبَتِكَ الكُبْرىهَلْ أَعْدَدْتَ لَها زاداً في حَجْمِ فَيافيها؟****أَنْتَ أتيْتَ بِلادَكَ فَارْبِضْ في دارِكَ ظَبْياًهِيَ دارٌ مَحْروبٌ مَنْ حَلَّ حَدائِقَهاإِمّا مَقْتُولاً أَوْ مَهْمُوماًهِيَ دارٌإِنْ يَكُ حُوِّلَ مِنْها الأَهْلُ فَلا بَدِئٌإِنَّ الأيَّامَ لَها حُكْمٌ هَجْرُأَوْ يَكُ أَقْفَرَ مِنْها الْجَوُّوَعادَ إِلَيْها الْمَحْلُفَكُلٌّ مَكْذوبُكُلٌّ سَفْرُهِيَ دارٌقَدْ يُوصَلُ مِنْها النّائي الْمَكْلومُوَقَدْ يُقْطَعُ ذو السُّهْمَةِ وَهْوَ قَريبُهِيَ دارٌ أَرْضٌ تَخْتَرِقُ الغابَةُ ساحَتَهالَكِنّكَ تِرْبِضُ فيها ظَبْياًتَسْمَعُ صَوْتاً كَرِياحِ الأَغْوالِيُزَمْجِرُ داخِلَ أَحْشَائِكَ:- اُهْجُرْ- أَيُحِبُّ الأَحْباشُ اللَّحْظَةَمَنْ هاجَرَ كَالْغَيْمِ إِلَيْهِمْ- ا ُهْجُرْ- هَلْ تَفْتَحُ يَثْرِبُ أَذْرُعَها لِلْغُرَباء- اُهْجُرْ- لا.لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ الْمَيْمُونِعَظيمٌ أَنْتَ وَأَنْتَ هُنا تَثْبُتُ في أَرْضِكَكَالنَّخْلِ الواقِفِ في الصَّحْراءِوَكَالْمِلْحِ السّارِحِ في البَحْرِوَكَالْحُبِّ النّابِضِ في قَلْبِ الْمَجْنونِعَظيمٌ أَنْتَ وَأَنْتَ تُعِدُّالزّادَ لِغُرْبَتِكَ الكُبْرىهَلْ بُشِّرْتَ بِأنَّ الفَجْرَ عَلَى الأَبْواب