متى تلجأ السلطات الإسرائيلية إلى الإعتقال؟؟
الحلقة الثانية
السلطات الإسرائيلية في معظم الأحوال إن لم يكن جميعها لا تعتقل المواطن للتحقيق إلا بعد أن تعمل على تجميع معلومات واسعة عنه تساعدها في فتح التحقيق ، ومحاولة انتزاع الاعتراف وتعتمد إسرائيل في الغالب بتجميع المعلومات على الأساليب التالية:
أ)
جمع معلومات من خلال المراقبة والمتابعة.
ب) جمع معلومات من خلال الأصدقاء والأقارب الذين يتم استدعاؤهم مثل ميول المعتقل، هل يصلي، هل يشرب، ماذا يدخن، هل يلعب قمار.. الخ.
ت) معلومات يتم جمعها من خلال ضبط وثائق معينة لدى مداهمة بيت أحد المطلوبين، أو لدى الإغارة على مكاتب المنظمات الفلسطينية في لبنان، كما حدث في عام 1972 عندما اقتحمت إسرائيل بيوت الشهداء كمال ناصر، كمال عدوان، ومحمد يوسف النجار، وعثرت على أرشيف كامل لعناصر الداخل مع أسمائهم الحركية.
ث) معلومات تحصل عليها من خلال عملائها المزروعين في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية الذين يكشف أمرهم باستمرار.
ج) معلومات تستنتجها المخابرات من خلال تحليل المعلومات السابقة ومقارنتها والخروج باستنتاجات جديدة ومعلومات جديدة.
في غرف التحقيق
بعد اعتقال المواطن الفلسطيني ينقل فوراً الى غرف التحقيق حيث يكون المحققون في الغالب بانتظاره.
التحقيق لدى أجهزة المخابرات الإسرائيلية المدربة ليس أسلوباً ميكانيكياً فحسب، فالمحققون يستخدمون أساليب مختلفة وحيلاً منوعة تختلف من معتقل لآخر وحسبما يراه المحقق مفيداً في
تحقيق أهدافه والتي هي أساساً انتزاع معلومات جديدة من المعتقل.
يخطئ من يعتقد أن المخابرات الإسرائيلية تعتقل المواطن للتحقيق عشوائياً، إلا إذا كان ذلك في أعقاب انفجار قنبلة مثلاً، ولكن في حالات الاعتقال المنظم فإن الهدف الأساسي لدى المحقق هو انتزاع الاعتراف ليس إلا، وهو أي المحقق وإن كان يبدو أحياناً هادئاً أو مهاجماً يقدم الضربات المتتالية للمتهم، إلا أنه في الحقيقة يكون على أعصابه، متوتراً ينتظر لحظة الانتصار على المتهم، وفي كل دقيقة تمر دون حصول المحقق على أي شيء فإنه أي المحقق يكون كمن يتلقى الضربات القوية من المتهم ولكنها ضربات غير مرئية.
أساليب التحقيق في السجون الإسرائيلية كثيرة ومتنوعة وهي تهدف بالأساس ليس الى قتل المعتقل بل الى انتزاع الاعتراف منه، وسنعطي لمحة موجزة هنا حول أشهر أساليب التحقيق وليس جميعها لأن المحققين يكتشفون كل مرة أساليب جديدة، ولن نهب في شرح أساليب التحقيق لأنه موضوع شائك وواسع وأكثر تعقيداً من مجرد الكتابة عنه بأسلوب عابر.
1)
أشهر وسائل التعذيب
التي تستخدم حالياً مع جميع المعتقلين هو أسلوب "الشبح" أو كما يسميه معتقلون آخرون "الصلبة"، حيث يقوم المحققون بوضع رأس المعتقل في كيس من القماش الوسخ والسميك _ ليصعب معه التنفس _ ثم توضع "الكلبشات" حول يدي المعتقل الى الخلف، ويتم ربط المعتقل الى ماسورة حتى لا يستطيع الحركة أو الجلوس، ويترك على هذه الحال ساعات طويلة، وأيام وصلت أقصى حد لها _ حسب معلوماتي _ الى أسبوع كامل، لم يسمح خلاله للمعتقل بالذهاب لدورة المياه لقضاء الحاجة، حيث قضاها وهو مصلوب كما صلب السيد المسيح عليه السلام، وتمدد فترة الشبح حسب رغبة المحقق وطريقته في إدارة عملية التحقيق ويتخلل الشبح عمليات تحقيق يومية، يقدم للمعتقل الماء ولكن ليس بانتظام كي لا يموت، أما الأكل فأحياناً يمنع عن المعتقل فترات أطول من الماء وأحياناً يقدم حسب مواعيده، على كل حال فالطعام المقدم في التحقيق هو طعام لا يسمن ولا يغني من جوع، وغالباً ما يؤدي الى إصابة المعتقل بالإمساك.
أسلوب الشبح هو أهم أسلوب تستخدمه السلطات الإسرائيلية، وهو أسلوب تعذيب "حضاري" لأنه لا يترك أي أثر للتعذيب على الجسم، لكنه في نفس الوقت أسلوب وحشي يؤذي المعتقل ويرهقه، بعض المحققين يجبرون المعتقل على قضاء مدة الشبح والأيدي مرفوعة، وحتى يضمنوا بقاءها مرفوعة يتم ربطها بالجنازير أو الحبال.. الخ. من أساليب التفنن في التعذيب ، كما يجدر الإشارة الى أن الأكياس المستخدمة في تغطية الرأس تكون أحياناً مليئة بروائح نتنة مثل رائحة "الخراء" الذي يوضع خصيصاً لذلك.
2)
الإرهاب النفسي،
مثل تهديد المعتقل بالتسفير من البلاد "الإبعاد"، أو سجنه مدة طويلة إذا لم يعترف، أو منعه من الدراسة إن كان طالباً أو تهديده باغتصاب زوجته..الخ من التهديدات التي يحاول المحققون بواسطتها إشعار المعتقل أنها تهديدات جدية خلال التحقيق، وتختلف التهديدات من معتقل لآخر وتستند الى ثقافة المعتقل وعاداته والبيئة التي تربى فيها.
3)
استخدام الماء البارد
خصوصاً في فصل الشتاء يستخدم المحققون الماء البارد في تعذيب المعتقل، حيث يتم صب الماء البارد على المعتقل أثناء الشبح الذي كثيراً ما يتم والمعتقل عريان كما ولدته أمه، ثم ينقل بعد ذلك الى غرف دافئة ليخرجوه بعد ذلك الى الماء البارد وأمطار الشتاء حتى يزرعوا الأمراض والأوبئة في جسمه من خلال هذا الأسلوب الخبيث.
4)
التهديد بالعقم
وقد نجح لفترة طويلة في انتزاع الاعترافات من الشبان، خصوصاً الشبان المحافظين وعديمي التجربة في أساليب التحقيق، فقد كان المحققون يهددون المعتقل بأنهم سوف "يضربونه إبرة" تؤدي الى العقم وأنه لن ينجب أطفالاً إذا تزوج..الخ، وحتى يؤكدوا صحة أقوالهم فقد كانوا بالفعل يحضرون إبراً حقيقية مليئة بسائل غير معروف يوهمون المعتقل به أنه السائل المؤدي للعقم، ثم يدخلون الإبرة في قضيب المعتقل ثم يقذفون السائل داخل القضيب، وهي عملية معقدة لا يقوم بها إلا محققون مدربون على استخدام الإبر ، وعندما كان المحققون يلاحظون عدم اهتمام المعتقل بالإبرة يوهمونه أنها تؤدي للعقم 10 سنوات مثلاً ثم يهددونه بالإبرة الثانية المؤدية الى العقم الدائم.
5)
غرف العملاء أو غرف العار،
وتسمى أحياناً بغرف "العصافير" وهي غرف داخل السجن أو في مراكز التحقيق يكون جميع نزلائها من العملاء والمتعاونين مع المخابرات الإسرائيلية، التي تضعهم في غرف خاصة للأهداف التي سنذكرها لاحقاً.
بعد مراحل معينة من التحقيق _ حسب مزاج المحقق _ يقوم المحقق بإيهام المعتقل أن التحقيق معه انتهى، وأنه سوف ينقله الى غرف السجن، ثم ينادي السجان ويأمر بنقل المعتقل مع أمتعته الخاصة الى غرف السجن، وهكذا ينقل المعتقل الى إحدى هذه الغرف وهو متوهم أنه الآن بين اخوته ورفاقه الذين يستقبلونه استقبالاً حاراً، ويقيمون له احتفالاً خاصاً ويعرفون أنفسهم عليه بأن هذا مسؤول فتح مثلاً، وذاك مسؤول الشعبية..الخ، وبعد ساعة من التعارف والطرب يجتمع معه مسؤول التنظيم الذي اتهم المعتقل بالانتماء اليه ليطلب منه تقريراً مكتوباً عن التحقيق معه وعن أوضاعه خارج المعتقل ليسلمها بدوره وبطريقته الى قيادة التنظيم في الخارج.
وإذا انطلت هذه الحيلة على المعتقل، وكثيراً أما انطلت على معتقلين فإن ما كتبه سوف يكون في اليوم التالي أمام مسؤول التحقيق الذي سوف يواجهه به، وإذا تردد المعتقل أو رفض فإنه سيتعرض للضرب والاعتداء من قبل العملاء الذين يتهمونه بأنه عميل ويعتدون عليه باسم الثورة والثوار..
غرف العملاء أصبحت معروفة جداً هذه الأيام، لذلك لا ترسل لها السلطات المعتقلين أصحاب السوابق أو نشطاء المؤسسات الجماهيرية الذين تدرك المخابرات علمهم بهذه الأساليب القذرة.
6)
الضرب،
كأسلوب من أساليب التحقيق، تستخدم السلطات الإسرائيلية خلال التحقيق الضرب بأنواعه سواء ضرباً بالعصا أو بالأيدي..الخ، وأحياناً تستخدم السلطات أسلوب الضرب "بالمسطرة" على الجهاز التناسلي أو تثبيت الأيدي والأصابع على طرف الباب ثم إغلاق الباب بقوة.
في المحصلة فإن أساليب التحقيق متنوعة وكثيرة وقد أتينا على أهمها كأمثلة ليس إلا لأن عنوان موضوعنا ليس الحديث عن أساليب التحقيق، ولكن الحديث عن أوضاع المعتقلين في السجون الإسرائيلية ، وباختصار فإن المحقق يستخدم مع كل معتقل أسلوباً أو عدة أساليب يراها تحقق أهدافه، حتى يصل الى مفترق طرق انتزاع الاعتراف، أو اقتناع المحقق أن لا فائدة من استمرار التحقيق مع المعتقل، لأنه فعلاً لن يعترف، وإذا وصل المحقق الى القناعة الأخيرة من البداية فإنه سينهي التحقيق على الفور، أحد المعتقلين الفلسطينيين هدده المحققون بعد استخدام عدة أساليب معه بالتكسير حتى الموت أو الاعتراف، وأعطوه مهلة ساعة في الزنزانة ليعودوا اليه فإذا به عريان كما ولدته أمه، فسألوه لماذا خلعت ملابسك، فقال: انتظاراً للتكسير حتى الموت، فأنهوا التحقيق معه.
معتقل آخر هدده المحقق باللواط ولب منه خلع بنطلونه وعندها خلعه وشلح كلسونه على الفور، ولم يهتم بقيام المحقق بخلع بنطلونه، عاد المحقق وطلب منه لبس ثيابه ثم أنهى التحقيق معه.
الحركة الوطنية الفلسطينية تؤكد أن الصمود في التحقيق ممكن لكل شخص يضع نصب عينيه هدفاً واحداً وهو عدم إعطاء أية معلومات لأحد سواء كان محققاً أو غيره، وإن الشعارات التي
على المعتقل رفعها في التحقيق هي: "لا اعتراف ولا تخاذل ولا حتى كلمة واحدة أمام جلادي الاحتلال"، وأن "عين أمي تبكي أفضل من أن تبكي عيون كل أمهات شعبي".
أشهر سجون الاحتلال
بعد انتهاء التحقيق مع المناضل الفلسطيني ينقل _ إذا لم يفرج عنه _ من الزنزانات وغرف التحقيق الى أحد سجون التوقيف انتظاراً لاستكمال المحاكمة، وفي الغالب فإن سجون التوقيف تكون قريبة من أماكن التحقيق كما هو الحال في الضفة والقطاع، أما داخل إسرائيل (حدود 1967) فإن سجون التوقيف هي بمثابة أقسام منفصلة نسبياً في السجون المركزية.
وسجن التوقيف هو السجن الذي يقضي فيه المعتقل المدة بين انتهاء التحقيق حتى إصدار قرار الحكم عليه، حيث ينقل بعد ذلك الى أحد السجون المركزية.
فترة التوقيف تمتد من عدة أسابيع الى سنة، وهناك حالات استمرت محاكمتها لأكثر من ذلك. في الإطار العام فإن ظروف الاعتقال في السجون المركزية وسجون التوقيف متشابهة، إلا أن سجون التوقيف بسبب تغير نزلائها كل شهر وأحياناً كل أسبوع، وضعف خبرة معتقليها بإدارة السجون تساهم في جعل سجون التوقيف أسوأ، والى حد ما من السجون المركزية.
السجون المركزية
بعد صدور قرار الحكم على المعتقل ينقل فوراً الى أحد السجون المركزية، عبر سيارة خاصة تسمى "البوسطة".
بعض المعتقلين ينقل الى قسم خاص في سجن الرملة لعدة أيام أو أسابيع حتى تقرر إدارة السجون السجن الذي سترسله اليه والقسم الخاص المذكور في سجن الرملة يسمى بـ"المعقار".
وتعتبر الشروط الصحية في هذا القسم من أسوأ الشروط في كل السجون الإسرائيلية، مع العلم أن المعتقلين المرضى الذين يعتقلون للعلاج في مستشفى "سجن الرملة" _ وهو المستشفى المركزي للسجون _ يقضون "المعقار" عدة أيام قبل نقلهم الى المستشفى للعلاج حتى تزيد أوضاعهم الصحية سوء على سوء.
أبرز السجون الإسرائيلية
السجون التي تستخدمها إسرائيل لسجن المعتقلين الفلسطينيين بعضها موجود في الضفة والقطاع، والقسم الأكبر داخل إسرائيل، وقبل افتتاح سجن "جنيد المركزي" في نابلس عام 1984 والذي يضم حوالي ثمانمائة سجين فلسطيني فقد كانت جميع السجون كبيرة العدد داخل حدود إسرائيل _ حدود 1967.
السجون المركزية في الضفة قبل استلام السلطة الفلسطينية
سجن نابلس، سجن جنيد (نابلس)، سجن رام الله، سجن الخليل، سجن جنين، سجن طولكرم (أغلق بعد افتتاح سجن جنيد للترميم)، سجن الفارعة (للتحقيق والتعذيب)، سجن غزة المركزي، أنصار 2 في غزة.
أما السجون المركزية في إسرائيل فهي:
سجن النقب (افتتح بالانتفاضة ويضم حوالي أربعة آلاف معتقل، وهو مكون من الخيم) وموجود في صحراء النقب.تم إغلاقه لعدم صلاحيته ثم اعيد افتتاحة في الانتفاضة الأخيرة التي عرفت بإسم انتفاضة الأقصى التي اندلعت في ايلول ـ سبتمبر 2003 .
سجن نفحة بـ النقب، سجن بئر السبع _ بعد افتتاح جنيد أغلق أمام المعتقلين السياسيين _، سجن عسقلان في عسقلان، سجن الرملة بالرملة، وهو من أكبر وأقدم السجون في إسرائيل، سجن الدامون بحيفا، سجن تلموند، سجن هشارون الذي خصص للنساء السياسيات بعد نقلهن من سجن الرملة للنساء، سجن شطة، كفاريونا، وينقل أحياناً بعض المعتقلين خصوصاً الذين يعتقلون من لبنان الى سجن عتيلت وصرفند.
لمحة تاريخية
قبل الحديث عن مشاكل المعتقلين وظروف اعتقالهم لا بد من إعطاء لمحة قصيرة عن ظروفهم السابقة مقارنة بالحالية.
في مطلع السبعينات كان المعتقلون الفلسطينيون يعيشون في غرف مكتظة، وينامون على قطعة بلاستيك تسمى "جومي" ارتفاعها نصف سنتيمتر، وهي بمساحة متر وثمانين سم × 60 سم، ويحصل كل معتقل على ثلاثة بطانيات، واحدة يضعها فوق قطعة البلاستيك المذكورة والثانية يستعملها كمخدة والثالثة يستعملها كغطاء، لم يكن في السجون راديو، أو تلفزيون، أو قلم أو دفتر
أو كتاب، الفطور عبارة عن نصف بيضة وأربع حبات زيتون، وقطعة مرجريتا وأربع قطع من الخبز توازي في حجمها رغيف كماج من الحجم الصغير، أما المعتقلون اليوم فيهم ينامون على أسرة من حديد، ولديهم أجهزة راديو، وتلفزيون، وكتب، وأقلام..الخ.
أنواع الطعام المقدمة أفضل بكثير نسبياً عن الفترات السابقة، يمنح كل معتقل ثلث قالب الخبز الذي يزن كيلو غراماً، أي 2ر2 من الباوند عن كل وجبة، ويشكل أدق قالب خبز يومياً لكل سجين.
التغيرات الهامة التي طرأت على أوضاع المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية لم تأت دفعة واحدة ولم تكن هبة من إدارة السجون للمعتقلين، ولكن انتزعها المعتقلون بالإضرابات عن الطعام وتقديم عشرات الشهداء ومئات المرضى والمشوهين، وكانت السلطات الإسرائيلية باستمرار تماطل في تقديم الخدمات المطلوبة للمعتقلين حتى بعد أن تتعهد بذلك للمعتقلين أثر كل إضراب عن الطعام.
خلاصة القول فإن معتقلينا الفلسطينيين قد انتزعوا مكاسبهم في السجون الإسرائيلية عبر تضحيات جسام وتراكمات طويلة استمرت أكثر من عشرين عاماً.
خطوة الألف ميل
لم يكن للمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية في بداية السبعينات أية خبرات اعتقالية أو تنظيمية تساعدهم في ترتيب أوضاعهم الداخلية وتمتين علاقاتهم في السجون، كما هو الحال في الوقت الحاضر.. ولهذا شهدت السجون حالة من الفوضى، وتسيباً أمنياً استغلته إسرائيل بشكل جيد من خلال عملائها المعتقلين، حيث كانت تثير المشاكل في صفوفهم وتدفعهم للاقتتال فيما بينهم، كما انتشرت ظاهرة الإقليمية بين المعتقلين وهي ظاهرة تعصب كل عدد من المعتقلين من مدينة أو قرية واحدة لبعضهم بعضاً، ولذلك انتشرت الشللية والمحسوبيات، كما عملت السلطات الإسرائيلية على تشغيل المعتقلين لحسابها حيث دفعت بهم الى المصانع التي تنتج أجهزة ومواد للجيش الإسرائيلي مثل الشبك الذي يستخدم للدبابات ولم تدخر الصحافة الإسرائيلية جهداً لتصوير المعتقلين، وهم يقومون بأعمالهم لتكتب ساخرة أن "المخربين" يصنعون المواد المطلوبة لجيش الدفاع الإسرائيلي وهو ما كان القشة التي قصمت ظهر البعير، لقد كان "ترويض المخربين" كما سمته إسرائيل الطلقة الأخيرة على العمل في السجون".
لم يستمر هذا الوضع طويلاً، فقد بدأ المعتقلون الأكثر وعياً وانضباطاً بمحاولات جادة لإصلاح أوضاع السجون وتطويرها، وكانت تعليقات الصحافة الإسرائيلية لسعات موجعة لهم تشجعهم للمضي في مهمتهم الكبيرة، وللحقيقة فإن الفضل يعود الى عشرات المعتقلين اللذين مهدوا الأجواء لهذا التغيير الكبير، ولكن ذلك لا يمنع الإشارة الى أبرز هذه الوجوه التي تركت بصماتها على أوضاع المعتقلين وهم أبو علي شاهين من غزة، ويعقوب دواني أبو حسان، أعتقد أنه من طولكرم، وعمر محمود القاسم من القدس، وثلاثتهم غير موجودين في السجون الآن، الأول والثاني خارج الوطن _ مبعدين _ والثالث استشهد في السجن في 4/6/1989، بعد أن قضى فيه 21 عاماً _ أطول مدة يقضيها سجين فلسطيني حتى تلك الفترة _.
التحرك الأول للمعتقلين كان إيقاف العمل في أية مشاريع أو مصانع إسرائيلية، وموافقتهم فقط للعمل في المرافق التي تقدم الخدمات لهم مثل المطبخ، ساحة السجن "المردوان" لخدمة المعتقلين، المغسلة لغسل ملابس المعتقلين وهو ما يقومون به اليوم، ولم يكن هذا التحرك بالأمر الهين بل كان من أبرز التحركات التي واجه فيها المعتقلون إدارة السجون، ومنعهم من الخروج من الغرف ونقل بعض المعتقلين من سجن لأخر بالنجاح.
لقد كانت الخطوة النضالية الرائدة المذكورة مناسبة دائمة لتثقيف المعتقلين بالأهداف السياسية لقضيتهم، ومحاولة لإلغاء كل المظاهر السلبية بينهم، وهو ما دفع الى فتح ملف العلاقات الكفاحية بين المعتقلين، حيث أدى ذلك الى تحقيقات أمنية واسعة مع العديد من المعتقلين المشبوهين أو الى اكتشاف عدد لا بأس به من العملاء الذين نجحت إسرائيل بإسقاطهم، والذين كانت إدارة السجون تسند لهم مهمة إثارة الفتن والاقتتال، ونقل المعلومات الخاطئة والمحرضة للمسؤولين من المعتقلين، وكان معظم متزعمي الشللية والإقليمية من العملاء والمتساقطين.
هذا الاكتشاف ساعد المعتقلين على تفهم أفضل لأوضاعهم وترتيب علاقاتهم التنظيمية، حيث ألغيت مظاهر التعصب الإقليمي ونمت على النقيض منها أواصر علاقات تنظيمية كفاحية حيث تشكلت في السجن هيئات قيادية لكل تنظيم، وأصبح لها الصلاحية في ترتيب أوضاع المعتقلين مع إدارة السجون.