الخميس ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٤
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

مخاطر التسكع الأكاديمي

إن ظاهرة وجود بعض الباحثين/الباحثات العاطلين عن العمل في الفضاءات الأكاديمية، تعكس قضية أعمق داخل الثقافة والبنية الأكاديمية. فهؤلاء الأفراد، الذين غالباً ما أكملوا أطروحاتهم، وانتهوا منها، وحصلوا على شهاداتهم، يستمرون في التسكع في الفضاء الجامعي، بحثاً عن أي فرصة للحفاظ على مظهر من مظاهر الأهمية. وهم يفعلون ذلك دون أي عمل أو مساهمة أو دور أكاديمي جوهري ينعكس على الفضاء الأكاديمي العام. وبدلاً من ذلك، ينخرطون في سلوكيات رمزية تهدف إلى تأكيد وجودهم والتوافق مع بعض الشخصيات. ورغم أن السياق العام للباحثين/الباحثات محترم ومتسق يعكس جديتهم وانخراطهم في البحث العلمي، وانصرافهم بعد ذلك إلى شؤون حياتهم وأعمالهم الخاصة، فإن الوضع لا يعدم وجود نُتفة من الباحثين/الباحثات المتسكعين والمتسكعات، وهم/هن محور هذه المقالة الراهنة!!

وغالباً ما يكون هذا النوع من الباحثين مرئياً في المناقشات الأكاديمية أو الندوات أو التجمعات. وفي حين يبدو أنهم مفيدون أو منخرطون، فإن دوافعهم الحقيقية تدور حول الترويج الذاتي، والتواصل، والبحث عن فرص الاستفادة من مواقف الآخرين أو أبحاثهم. وعادة ما تكون أفعالهم جوفاء، وتفتقر إلى الفضول الحقيقي والتفاني والالتزام الذي يميز المهنة الأكاديمية الإنتاجية. وبدلاً من ذلك، يزدهرون على نقاط ضعف الفضاء الأكاديمي، مستغلين الافتقار إلى الحدود الواضحة والمساءلة في العديد من الفضاءات الأكاديمية. وهم أقرب للممثلين الجدد الذين يبحثون عن أي دور يقومون به، لذلك تجدهم يلتصقون بأصحاب القرار التمثيلي، عارضين أنفسهم على كل من هب ودب. وهذا السلوك الانتهازي غير أخلاقي لعدة أسباب:

استغلال الروابط الاجتماعية: يستغل هؤلاء الباحثون العلاقات الشخصية، على أمل أن يؤدي وجودهم الدائم وولائهم المتصور في نهاية المطاف إلى فوائد مهنية. وهذا النهج يقوض مبادئ الجدارة التي ينبغي أن تحكم التعيينات الأكاديمية.
وبدلاً من كسب الفرص بناءً على مساهماتهم البحثية أو قدرتهم على التدريس، فإنهم يحاولون اكتساب التأييد من خلال التفاعلات الشخصية.

خلق وهم المشاركة: من خلال حضور الندوات والمناقشات وغيرها من الأحداث الأكاديمية دون أي دور رسمي أو مساهمة أكاديمية، فإنهم يخلقون وهم كونهم أعضاء مشاركين في المجتمع الأكاديمي. ومع ذلك، فإن وجودهم سطحي، ويفتقر إلى الجوهر والالتزام الذي يميز الأكاديميين الجادين. إن أفعالهم تشتت الانتباه عن عمل أولئك الذين يكرسون أنفسهم حقًا للبحث والتدريس.

تقويض البيئة المهنية: إن وجود هؤلاء الباحثين العاطلين عن العمل، وخاصة عندما يتصرفون وكأن الفضاء الأكاديمي هو "مساحتهم"، يمكن أن يكون مدمراً للبيئة المهنية. وقد يشعر باحثون وطلاب وأعضاء هيئة تدريس آخرون بأن هؤلاء الأفراد يشغلون مساحة وموارد قيمة، سواء جسدياً أو فكرياً، دون المساهمة بأي شيء ذي قيمة. وهذا يقوض الأجواء الودية والمركزة اللازمة لازدهار العمل الأكاديمي.

إخضاع أنفسهم للإهانات والاستغلال غير الضروريين: على الرغم من الفوائد الملموسة للحفاظ على علاقات وثيقة مع أستاذ ما، يعوض هو الآخر ضعفا وهشاشة نفسية وتاريخية، فإن هؤلاء الباحثين غالباً ما يعرضون أنفسهم للإهانات والاتهامات الأخلاقية. وفي كثير من الحالات، يتحملون أشكالاً خفية أو صريحة من عدم الاحترام، حيث ينظر إليهم الآخرون على أنهم متطفلون على البيئة الأكاديمية دون استحقاق. وهذا لا يضر بكرامتهم الشخصية فحسب، بل وينعكس أيضاً بشكل سيء على المؤسسة، لأنه يخلق ثقافة حيث يشعر الأفراد بأنهم مجبرون على تحمل مثل هذه المعاملة على أمل الحصول على مزايا.

تآكل النزاهة الأكاديمية: إن سلوك الباحثين العاطلين عن العمل الذين يتسكعون في أرجاء الفضاء الأكاديمي، في انتظار الفرص دون المساهمة بشكل هادف، يؤدي إلى تآكل نزاهة المؤسسة الأكاديمية بشكل كبير. ويجب أن تقوم الأوساط الأكاديمية على السعي وراء المعرفة والابتكار والمساهمة العلمية. ومع ذلك، عندما ينخرط الأفراد في سلوكيات انتهازية دون إضافة قيمة أكاديمية، فإنهم يشوهون غرض المؤسسة، وهذا يقوض مصداقية الفضاء الأكاديمي ككل.

المحسوبية على أساس الجدارة: يعكس اعتماد هؤلاء الباحثين على العلاقات الشخصية والمناورات الاجتماعية قضية أوسع نطاقًا من المحسوبية داخل النظام الأكاديمي. عندما يتم توزيع الفرص على أساس العلاقات الشخصية بدلاً من الجدارة الأكاديمية، يتم تقويض مبدأ الجدارة. وهذا لا يضر فقط بنزاهة عمليات التوظيف والاعتراف الأكاديميين، بل يؤدي أيضًا إلى إحباط الباحثين الآخرين الذين يعملون بجد حقًا لتطوير حياتهم المهنية من خلال البحث والتدريس.

إهدار الموارد: على الرغم من عدم وجود مناصب رسمية، فإن هؤلاء الباحثين العاطلين عن العمل يستهلكون موارد قيمة داخل الفضاء الأكاديمي. إنهم يشغلون المساحة ويستهلكون الفضاء ويشاركون في المناقشات والفعاليات التي يمكن أن يستفيد منها الباحثون والطلاب الذين يساهمون بنشاط في المهمة الأكاديمية. إن تأثير الازدحام والاقتحام والحضور الجسدي البليد هذا يقلل من الفرص المتاحة للعلماء والطلاب المنتجين، ويحول الموارد عن أولئك الذين يستحقونها.

الثقافة الأكاديمية السامة: إن وجود الباحثين العاطلين عن العمل الذين يحاولون التحالف مع شخصيات أخرى انتهازية يخلق ثقافة أكاديمية سامة. وعندما يتم التسامح مع مثل هذا السلوك أو حتى مكافأته، فإنه يرسل إشارة إلى الطلاب والباحثين الآخرين بأن الانتهازية والعلاقات الشخصية أكثر أهمية من المساهمات الأكاديمية. ويمكن أن يؤدي هذا إلى تراجع الدافع لدى أولئك الذين يلتزمون حقًا بالتميز الأكاديمي، حيث يشهدون الانتهازيين يكتسبون الود دون استحقاق. وعلى المدى الطويل، يؤدي هذا إلى الإضرار بسمعة الفضاء الأكاديمي، مما يجعله أقل جاذبية للعلماء والطلاب الجادين.

السمعة والقضايا الأخلاقية: إن الموقف المرتبط بكون الباحثات الأكثر بروزًا في هذا السلوك يتعرضن للإهانات أو التدقيق الأخلاقي، يثير مخاوف أخلاقية متعلقة بالجوانب الأخلاقية. ففي البيئات الأكاديمية التقليدية، قد تكون النساء أكثر عرضة للقيل والقال، وتدمير السمعة، والأحكام الأخلاقية. إن سلوك هؤلاء الباحثات العاطلات عن العمل، اللواتي يتسكعن على أمل الحصول على الفرص، غالبًا ما يعرضهن لتصورات اجتماعية سلبية. وهذا يعزز الصور النمطية الضارة عن النساء في الأوساط الأكاديمية، حيث من المرجح أن يتم التدقيق في وجودهن وأفعالهن والحكم عليهن على أساس المعايير الثقافية والمجتمعية وليس عملهن الأكاديمي. فالتساؤل الدائم عن أسباب التواجد في فضاء لا يتعلق بهن هو في حد ذاته تساؤل مثير للقيل والقال!!

إضافة إلى ذلك، فإن ظاهرة الباحثين العاطلين عن العمل الذين يبقون في البيئات الأكاديمية هي أيضًا من أعراض القضايا النظامية الأوسع نطاقًا داخل الأبنية الأكاديمية. وتشمل هذه:

الافتقار إلى فرص ما بعد الدكتوراه: تفتقر العديد من الفضاءات الأكاديمية، وخاصة في البلدان النامية، إلى برامج ما بعد الدكتوراه المنظمة أو مسارات مهنية واضحة لحاملي الدكتوراه حديثي التخرج. وهذا يترك الباحثين في حالة من الغموض، حيث لم يعودوا طلابًا ولكن ليس لديهم دور أكاديمي واضح أو آفاق عمل. وبدون مناصب ما بعد الدكتوراه أو فرص أخرى لمواصلة أبحاثهم، لا يملك هؤلاء الأفراد خيارًا سوى البقاء في البيئة الأكاديمية، على أمل ظهور أي فرصة.

الشبكات المهنية الضعيفة: إن غياب الشبكات المهنية القوية أو خدمات الإرشاد المهني للباحثين يجعل الكثيرين يشعرون بالعزلة وعدم الاتجاه بعد إكمال درجاتهم. إن الباحثين الأكاديميين لا يستطيعون أن يحظوا بالفرصة التي تتيح لهم الوصول إلى الموارد التي قد توجههم نحو مسارات أكاديمية أو غير أكاديمية ذات مغزى، بل يعتمدون على شبكات وعلاقات غير رسمية مع البعض على أمل تأمين وظيفة. ويؤدي هذا الافتقار إلى الدعم المهني إلى تفاقم مشكلة الانتهازية.

المساءلة المحدودة: تفتقر العديد من الفضاءات الأكاديمية إلى قواعد أو إرشادات واضحة فيما يتعلق بأدوار وتوقعات الباحثين الذين أكملوا درجاتهم ولكنهم يظلون في البيئة الأكاديمية. وبدون حدود واضحة، يُسمح لهؤلاء الأفراد بالبقاء في المساحات الأكاديمية إلى أجل غير مسمى، مما يخلق ثقافة من التساهل تشجع السلوك الخامل. ومن الممكن أن تساعد تدابير المساءلة، مثل التقييمات المنتظمة للمساهمات الأكاديمية أو متطلبات ما بعد الدكتوراه الرسمية، في الحد من هذه المشكلة.

ولمعالجة هذه المشكلة، يمكن تنفيذ العديد من الإصلاحات لتحسين نزاهة النظام الأكاديمي وأدائه:

إنشاء برامج ما بعد الدكتوراه والمسار المهني: ينبغي على الفضاءات الأكاديمية أن تنشئ برامج ما بعد الدكتوراه المنظمة التي توفر الفرص للباحثين حديثي التخرج لمواصلة عملهم بطريقة ذات مغزى. ويجب أن تستند هذه البرامج إلى الجدارة وتركز على البحث الإنتاجي، مع ضمان منح أولئك الذين يساهمون فقط حق الوصول إلى الموارد والدعم.

تنفيذ إرشادات واضحة والمساءلة: يجب على الفضاءات الأكاديمية وضع إرشادات واضحة فيما يتعلق بوجود الباحثين الذين لا يعملون رسميًا. يجب أن تكون هناك حدود للمدة التي يمكن للباحث البقاء فيها في الفضاء الأكاديمي بعد إكمال درجته، ويجب إجراء تقييمات منتظمة لتقييم مساهماتهم. وهذا من شأنه أن يمنع الباحثين العاطلين عن العمل من شغل المساحة والموارد التي يمكن استخدامها بشكل أفضل من قبل الباحثين النشطين.

تعزيز الإرشاد والتطوير المهني: يجب على الفضاءات الأكاديمية توفير خدمات الإرشاد والتطوير المهني لخريجي الدكتوراه لمساعدتهم على الانتقال إلى أدوار أكاديمية أو غير أكاديمية. وهذا من شأنه أن يقلل من الاعتماد على العلاقات الشخصية ويضمن حصول الباحثين على الدعم الذي يحتاجون إليه لتطوير حياتهم المهنية على أساس الجدارة.

تعزيز ثقافة قائمة على الجدارة: يجب على المؤسسات الأكاديمية تعزيز ثقافة الجدارة، حيث يتم منح الفرص على أساس المساهمات الأكاديمية وليس العلاقات الشخصية. ومن شأن هذا أن يؤدي إلى خلق بيئة أكاديمية أكثر صحة وإنتاجية، حيث يتم تحفيز الباحثين على النجاح من خلال العمل الجاد والإنجاز الفكري بدلاً من السلوك الانتهازي.

وفي الختام، فإن ظاهرة الباحثين العاطلين عن العمل الذين يتسكعون في الفضاءات الأكاديمية الأكاديمية تشكل قضية أخلاقية بالغة الأهمية تضر بنزاهة الفضاءات الأكاديمية وكفاءتها. ومن خلال تعزيز ثقافة الانتهازية، وإضعاف مبادئ الجدارة، وإهدار الموارد، فإن هذا السلوك له آثار بعيدة المدى على المجتمع الأكاديمي. ومن الضروري إجراء إصلاحات هيكلية وتدابير مساءلة أقوى لمعالجة هذه المشكلة وضمان بقاء الفضاءات الأكاديمية كمساحات للبحث الفكري الحقيقي والتقدم القائم على الجدارة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى