الأحد ١٣ نيسان (أبريل) ٢٠٢٥
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

المتلاعب الفارغ

صورة للشخصية المتشبثة، الحسودة، السامة في مكان العمل

في كل بيئة اجتماعية أو مهنية، توجد شخصيات تبدو وكأنها تتغذى على الصراع والتلاعب والخداع. ومن هذه الشخصيات - المتخفية وراء سحر ظاهري، لكنها مليئة بالحسد وانعدام الأمن - شخصية المتلاعب المتشبث والماكر. غالبا ما يُحسن هذا الشخص تقدير نفسه (أو نفسها)، ويتحدث بثقة غير مبررة، ويزدهر بالمراقبة، ونشر الشائعات، والتدمير الممنهج لعلاقات الآخرين. لكن تحت السطح، يكمن فراغ عاطفي، مُقنّع بادعاءات كاذبة وحاجة قهرية للشعور بالأهمية.

 الأبعاد النفسية: انعدام الأمن مُتنكرا في هيئة وتضخم الشخص المهم
في جوهر هذه الشخصية، يكمن انعدام أمن متأصل. يفتقر الشخص إلى التصديق الداخلي، ويسعى باستمرار إلى فرض سيطرته أو تفوقه بطرق خفية، وغالبا ما تكون خفية. ينبع تشبثهم من قلقهم من الرفض الاجتماعي، بينما تُشكّل ادعاءاتهم الكاذبة ومبالغاتهم آليات لتضخيم غرورهم الهش.

من منظورٍ نفسي، غالبا ما يتوافق هذا السلوك مع سمات تُلاحظ فيما يلي:

 اضطراب الشخصية النرجسية (NPD): وخاصة النوع الفرعي الهش، حيث يبالغ الشخص في تعويض مشاعر النقص من خلال الغطرسة والتلاعب.

 الميول التمثيلية: تتميز بالحاجة الملحة لجذب الانتباه، وغالبا ما تلجأ إلى التمثيليات والقصص المبالغ فيها.

 سمات جنون العظمة: حيث يؤدي الشك إلى التجسس ونقل الكلام، مع الخوف الدائم من أن يتحدث الآخرون من وراء ظهورهم أو يدبرون ​​لهم المؤامرات.

قد تلجأ هذه الشخصية أيضا إلى أساليب التحرش والتقويض، وخاصة تجاه الجنس الآخر، كمحاولة مُضلّلة لتأكيد الهيمنة أو إخفاء انعدام الأمن الجنسي. لدى الرجال، قد يتجلى هذا في تحرش خفي او مباشر، أو تعليقات عدوانية سلبية، أو تخريب مهني متعمد يستهدف النساء.

 التأثيرات الثقافية والاجتماعية: عندما تُمكن البيئة المتلاعب
يمكن للسياق الاجتماعي أن يضخم أو يكبح هذا السلوك. في البيئات التي يسود فيها التسلسل الهرمي أو المحسوبية أو النميمة، وتنخفض فيها المساءلة، تجد هذه الشخصية أرضا خصبة. قد يتحالف مع شخصيات السلطة، متظاهرا بالولاء، بينما يسمم العلاقات بين الزملاء بمهارة. غالبا ما يستغل الفرد المعايير الثقافية - مثل الشرف أو الرجولة أو الأدوار الجندرية

 لتبرير أو إخفاء سميته.
وفي الثقافات الأكثر جماعية، حيث يكون لحفظ ماء الوجه والسمعة وزن كبير، يصبح هذا الشخص ماهرا في التلاعب بالمظاهر. يعمل بمثابة "عيون وآذان" لرؤسائه، ويقدم تقاريره بشكل انتقائي للحفاظ على حظوظه وحماية مكانته. بل قد يصل الأمر لتمرير معلومات إدارية خاطئة وتصورات خاطئة تجعل رؤساءه يتخبطون، ويزدادون ضعفا واحتياجا له!!

 أنماط وتكتيكات السلوك
يمكن التعرف على هذا النوع من الشخصية من خلال السلوكيات المتكررة التالية:

 نقل الكلام: إخراج المحادثات من سياقها لإثارة الصراع أو انعدام الثقة بين زملاء العمل.

 الضحية الزائفة: تقديم أنفسهم باستمرار على أنهم يساء فهمهم أو مستهدفون لكسب التعاطف.

 التجسس العاطفي: الاستماع باهتمام لمحادثات الآخرين ثم استخدام المعلومات لاحقا ضده.

 الحسد المرضي: عدم القدرة على الاحتفال بنجاح الآخرين، فيحاولون التقليل من شأنه أو تخريبه.

 التحرش في مكان العمل: خاصة إذا كان الشخص ذكرا، فقد ينخرطون سرا في سلوكيات تحرش تجاه النساء - من خلال استعراضات خفية للقوة، أو تلميحات، أو إقصاء.

 لماذا يفعلون ذلك: المكافآت النفسية والسلطة الاجتماعية
غالبا ما يستمد هؤلاء الأفراد شعورا بالقوة من التلاعب، إذ يمنحهم ذلك وهما بأنهم محور الشبكة الاجتماعية. عندما ينجحون في خلق خلافات أو إحباط الآخرين، فإنهم يهربون مؤقتا من شعورهم بالنقص. يشعرون بأنهم "محتاجون" من قبل من يزودونهم بالمعلومات، وبأنهم "أقوياء" في معرفة ما يجهله الآخرون.

ومع ذلك، فهذا مكسب قصير المدى ذو عواقب طويلة المدى. في نهاية المطاف، تظهر أنماط سلوكية، ويبدأ الآخرون بإدراك الطبيعة التدميرية لسلوكهم. ومع ذلك، غالبا ما يقاوم هؤلاء الأفراد التأمل الذاتي والمساءلة، مما يجعل التدخل صعبا دون حدود تنظيمية أو اجتماعية.

 الخلاصة: التعامل مع المتلاعب الفارغ

يُعد فهم الخلفية النفسية والاجتماعية لهذه الشخصية أمرا أساسيا لإدارة تأثيرها. وبينما قد يكون التعاطف مبررا - نظرا لفراغهم الداخلي وصدماتهم التي لم تُحل - فإن الحدود الواضحة ضرورية. يجب على المؤسسات تعزيز التواصل الشفاف، ووضع سياسات حازمة ضد النميمة والمضايقة، وتشجيع السلامة النفسية للحد من تأثير هذه الشخصيات المتلاعبة. وهنا يجب التأكيد على أن المتلاعب المتشبث والحسود يزدهر في الظل. إن تسليط الضوء على أساليبه ودوافعه ونقاط ضعفه هو الخطوة الأولى في تحييد قوته واستعادة الانسجام في أي بيئة اجتماعية أو مهنية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى