الخميس ٦ آذار (مارس) ٢٠٢٥
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

قراءة في مذكرات الإعلامية هالة جوراني

تقدم مذكرات هالة جوراني، "لكنك لا تبدو عربية"، رؤية مقنعة وشخصية وعميقة للهوية والانتماءات الثقافية والتحديات المهنية. تعكس جوراني، وهي صحفية سورية أمريكية، تجاربها في النشأة كطفلة من الشتات العربي التي شكلت بها تراثها وحياتها ومسيرتها المهنية. من هنا يمكن القول بأن عملية السرد التي تقدمها جوراني تمثل رحلة اكتشاف للذات والمصالحة، والإبحار بين هويات متعددة في الولايات المتحدة وفرنسا وسوريا.

في قلب مذكرات جوراني يكمن صراعها مع الانتماء. عندما كانت طفلة، أطلق عليها أقاربها في سوريا لقب "هالة الأمريكية"، لكنها في الولايات المتحدة وفرنسا شعرت بأنها مختلفة تماما بسبب جذورها العربية. وفي ضوء ذلك، يجسد عنوان كتابها، "لكنك لا تبدو عربية"، هذه الثنائية - مسلطا الضوء على الكيفية التي أثرت من خلالها الصور النمطية عن العرب على تفاعلاتها مع المجتمعات الغربية، وفي بعض الأحيان، مع زملائها العرب. تنتقد جوراني هذه الصور النمطية، وتتحدى التصورات حول ما يعنيه "أن تبدو عربيا" وتدعو إلى فهم أكثر شمولا للهوية العربية. تتردد تأملاتها بعمق مع الشتات العربي الأوسع، حيث يشترك العديد منهم في صراعات مماثلة من حيث اعتبارهم غرباء في جميع الأماكن التي يسمونها الوطن.

تتعمق مذكرات جوراني أيضا في حياتها المهنية في الصحافة، وتروي الحواجز التي واجهتها كامرأة عربية تقتحم وسائل الإعلام الدولية. في وقت مبكر من حياتها المهنية، شعرت بالحاجة إلى التقليل من أهمية هويتها العربية، وإزالة اللغة العربية من سيرتها الذاتية وتبني اسم والدتها قبل الزواج، جوراني، لتجنب التمييز. هذه القرارات، على الرغم من كونها عملية، تؤكد على التحيز الشامل الذي واجهته.

وعلى الرغم من هذه التحديات، بنت جوراني حياة مهنية رائعة، وحققت اعترافا عالميا بتقاريرها الميدانية خلال أحداث مثل الثورة المصرية عام 2011 والصراع السوري. من هنا أصبحت جوراني صوتا بارزا لوجهات النظر العربية في وسائل الإعلام الدولية، وحصلت على جائزة إيمي عن عملها. تعكس مذكراتها التوازن الدقيق بين تمثيل الهوية العربية في مجال غالبا ما تشكله السرديات الغربية. ويُعد فحصها الدقيق للتحولات الثقافية الغربية والعربية عنصرا مميزا في الكتاب. تسلط جوراني الضوء على التنوع داخل العالم العربي وتنتقد تجانس الهوية العربية في الخطاب الغربي. كانت تجاربها في تقديم برنامج CNN Inside the Middle East، حيث سافرت عبر العالم العربي للتعرف على ثرائه الثقافي، محورية في إعادة تشكيل فهمها لتراثها. كما تتأمل ملاحظاتها عن الغرب، مشيرة إلى الاختلافات الكبيرة بين دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا، وكيف شكلت هذه الاختلافات هويتها الشخصية والمهنية.

ويُعتبر تأمل جوراني الذاتي قوة أساسية في مذكراتها. لا تتردد جوراني في مشاركة لحظات الضعف التي مرت بها، وشكوكها، وخطواتها الخاطئة، والتكلفة الشخصية للتنقل عبر وسائل الإعلام الدولية. ومع ذلك، فإن لحظات الضعف هذه متوازنة بنموها وقدرتها على الصمود. تكتب جوراني بصراحة عن تعلم تأكيد نفسها، وخاصة في المقابلات عالية المخاطر، ورحلتها نحو احتضان تراثها العربي. هذه الصراحة تجعل قصتها قابلة للربط وملهمة، خاصة للأجيال الأصغر سنا من النساء العربيات اللواتي يسعين إلى شق طريقهن في عالم معولم.

بالإضافة إلى سرد تجاربها، تأمل جوراني أن تلهم قصتها الآخرين، وخاصة النساء العربيات، للتغلب على الحواجز المجتمعية واحتضان هوياتهن، حيث يتألق تواضعها وشجاعتها وتصميمها في جميع أنحاء المذكرات. ومن خلال مناقشة تحدياتها وانتصاراتها بصراحة، تقدم خارطة طريق للتنقل في التفاعل المعقد بين الهوية والثقافة والمهنة.

تمثل السيرة الذاتية "لكنك لا تبدو عربية" مذكرات قوية تتجاوز قصة جوراني الفردية. إنها تأمل في الهوية والانتماء والمرونة المطلوبة لسد الفجوات الثقافية. بالنسبة للقراء في الشتات العربي وخارجه، لا توفر تأملات جوراني نافذة على حياتها فحسب، بل توفر أيضا تعليقا أوسع على التحديات والانتصارات التي تتحقق من خلال التنقل عبر عوالم ثقافية متعددة. إنها قراءة ضرورية لأي شخص مهتم بفهم التقاطعات بين الثقافة والإعلام والهوية في المشهد العالمي اليوم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى