مستقبل التعليم في عالم متغير
إن مستقبل التعليم في عالم متغير بلا شك أنه سيتأثر كثيرا بتكنولوجيا المعلومات وثورة المعلومات. وبنفس القدر سيتأثر بكيف يستخدم المدرسون والطلاب أنفسهم لهذه التكنولوجيا للإعداد لتعلم مستديم (Lifelong Learning) في مواجهة التغيير المستمر المتسارع.
نحن نعيش في عالم متغير في جميع مناحي الحياة وخصوصا من ناحية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. يعتقد أن المعلومات تتضاعف كل سنتين على الأقل في العالم بأسره. ولكي نفهم أهمية تأثير معدل سرعة تضاعف المعلومات فلنتخيل أن كمية المعلومات المتوافرة في العالم في هذه اللحظة تتمثل بخط مستقيم طوله سنتمتر واحد. وعندما يدخل طفل ما المدرسة فكم يا ترى سيبلغ طول هذا الخط عندما يتخرج من الثانوية العامة بعد 13 سنة من الآن؟ 5سم؟ 10سم؟ ولكن الصحيح هو عندما يصبح هذا الطفل في الصف الثاني عشر سيبلغ طول الخط 64سم ليمثل كمية المعلومات التي ستتوفر آنذاك.
قد يقول قائل أن كثرة هذه المعلومات حاليا غير صحية ففيها الغث والسمين وليست ذات فائدة وربما تفتقر إلى الدقة أيضا مما يجعل المهمة أكثر صعوبة وتصبح تحديا كبيرا. ففي عالم يتسارع فيه تدفق المعلومات فكيف نصل إلى المعلومة الصحيحة والدقيقة وكيف نقرر دقتها وصحتها ومدى علاقتها بما نريد؟ هذه مهارة مهمة يحتاجها كل شخص وعليه أن يتعلمها ويستوعبها بأسرع ما يمكن.
لقد اختصرت الثورة المعلوماتية عالمنا هذا وجعلته في متناول أيدينا على شاشة الكمبيوتر. فالمعلومات متاحة لكل من يريد. فمثلا الحصول على معلومات عن الأسواق والخدمات متاح للجميع دون تمييز لكل من يستطيع استخدام التكنولوجيا. وهذا يعني أن أي مؤسسة أو شركة لها حضور على شبكة الإنترنيت لديها القدرة على ممارسة العمل افتراضيا حول العالم. وهذا السوق العالمي متاح للأفراد كما هو متاح للشركات الكبيرة.
وبالمثل أن تأثير شبكة الإنترنيت على عملية التعلم والتعليم عميق وكبير أيضا. وقد تم استخدام هذه الوسيلة بطرق جديدة ومختلفة مما أتاح للطلاب الحصول على آخر ما توصلت إليه البحوث والاكتشافات العلمية قبل ظهورها بسنين في المراجع. وأكثر من ذلك يستطيع الطلاب أن يقوموا بأبحاثهم الخاصة بهم في مختلف المواضيع وينشروا نتائجها على شبكة الإنترنيت ليطلع عليها ويقيمها طلاب ومدرسون وباحثون آخرون. لقد قامت الإنترنيت بدمقرطة –إن صح التعبير_ نشر المعلومات بطرق لم يتوقعها أحد منذ بضع سنوات.
فتغييرات بهذا الحجم تتطلب إعادة النظر في عملية التعلم والتعليم جذريا فيما يخص المناهج وطرق التدريس لكي نضمن لكل طالب تعلم كل المهارات المطلوبة والتي يحتاج إليها في عالم القرن الحادي والعشرين المتحرك الديناميكي.
فبالإضافة إلى تعلم المهارات الأساسية المطلوبة كالحساب والقراءة والكتابة، على كل طالب أن يتقن المهارا ت الرئيسة الثلاثة الضرورية لتكنولوجيا المعلومات ألا وهي: الاتصالات والتعاون والإبداع لإيجاد حلول للمشاكل الفنية. وهناك مهارات أخرى تساويها في الأهمية وهي معرفة استخدام الأرقام والبيانات في الحياة العملية، والقدرة على إيجاد وتطويع المعلومات المتعلقة بالمهمات المباشرة، وكذلك االسلاسة التكنولوجية، والأهم من ذلك مهارة التفكير التي يحتاجها كل متعلم
طوال حياته.
إن السلاسة التكنولوجية خطوة ما بعد ما يسمى بمحو أمية التكنولوجيا. ولكي تكون ماهرا أو طليقا في استخدام التكنولوجيا يعني أنك تجلس إلى الكمبيوتر في مكتبك وتستخدمه بسهولة وسلاسة تامة كأنك تقرأ كتابا بللغة الأم. ومن التحديات العظمى التي تواجه التعليم هذه الأيام هي إعداد الطالب الإعداد الجيد بحيث يمتلك مهارة متطورة في استخدام تكنولوجيا الاتصالات والكمبيوتر. والفشل في التعامل مع هذه القضية فورا يديم الفجوة المتسعة أصلا ما بين الذي يملك المعلومات والذي لا يملك.
فإذا كانت مهمتنا مقتصرة على إعداد الأفراد لأنواع من الوظائف المتوافرة حاليا فمعنى ذلك أننا ما نزال في حاجة ماسة إلى عمل أكبر للمستقبل فالتحديات المفروضة علينا أكبر وأكبر كثيرا مما نتصور. فعلينا إيجاد واختراع وظائف المستقبل والإعداد لها الإعداد الجيد سلفا.
ولنأخذ مثلا على ذلك: من الوظائف المطلوبة حاليا ما يطلق عليها (ويب ماستر) وهو الذي يقوم بتصميم وتطوير ومتابعة مواقع على شبكة الإنترنيت. فهذه الوظيفة لم تكن موجودة في سوق العمل قبل 15 سنة تقريبا. وهذا يعني أن الأشخاص الذين يعملون في هذا المجال قد اكتسبوا مهاراتهم وطوروها بمجهودهم الشخصي.
ولكي نتقدم في هكذا عالم متغير علينا تعلم المهارات الضرورية المواكبة للتغيير لنصبح متعلمين مواكبين لكل تغيير طيلة الحياة وعلينا أن نمرر هذه المهارات والتجارب لكل الطلاب.
وفي هذه الأيام توفر التكنولوجيا منخفضة التكاليف وسهلة الاستعمال تتيح لنا فرص التعلم في أي مكان وأي زمان. وبلا شك أنه سيكون لهذه التكنولوجيا أكبر الأثر على الطلاب من كل الأعمار. ولنأخذ مثلا على ذلك: شارب للأليكترونيات اليابانية طورت كميبوترا بحجم اليد بشاشة ملونة. وقد يتصل بهذا الجهاز كاميرا رقمية أو لوحة كتابية وحتى برنامج يمكن بواسطته تصفح شبكة الإنترنيت لا سلكيا دون توصيلات.
وهذا أتاح للشركات الكبرى اللجوء في تطوير موظفيها إلى الإنترنيت حيث يتاح للموظف أن يكتسب أو يتعلم مهارات جديدة عندما يحتاج إليها. والأكثر من ذلك يستطيع الموظف أن يكتسب المهارات التي يريدها وهو جالس بكل اطمئنان في مكتبه أو في بيته دون أن يتكبد عناء السفر من بلد إلى بلد أو من مدينة إلى مدينة لحضور ورشة عمل أو محاضرة ما. إن ذلك أصبح من المتاح وليس من المتخيل لكل الدارسين عند امتلاكهم التكنولوجيا المتطورة في بيوتهم. عندئذ تأتي إليهم كل مصادر التعلم الملائمة لكل الأعمار في البيت. وهذا يمد اليوم التعليمي إلى ما بعد انتهاء اليوم الدراسي.
من المشروعات العظيمة فعلا في هذا الصدد التي كان لها كبير الأثر على عملية التعلم والتعليم مشروع أطلق عليه النظام الرفيق Buddy System الذي بدأ في مدارس ولاية إنديانا الأمريكية في عام 1994. لقد تم تزويد طلاب 80 مدرسة في الولاية بأجهزة كمبيوتر وأجهزة مودم لاستخدامها في البيوت. وتمت مراقبة المشروع على مدى تسع سنوات ومتابعته من قبل باحثين متخصصين. وجدوا أنه كان لهذا العمل الأثر الكبير وكأنه أضاف 30 يوما دراسيا دون أن يكلف المدرسة عناء تواجد الطلاب فيها ودونما أي تكلفة تذكر إذا علمنا أن تكلفة المشروع لا تعادل أكثر من عمل المدرسة ليوم إضافي واحد. وهذه المعادلة (1:30) هي نتاج لحماس الطلاب أنفسهم للتعلم باستخدام التكنولوجيا التي تم توفيرها لهم في بيوتهم.
وعندما تصبح هذه التكنولوجيا رخيصة الثمن في متناول جميع الطلاب، عندئذ سيصبح التعلم المستديم في متناول الجميع. والأهم من ذلك هو إشاعة فكرة التعلم المستديم على أنه مهارة بقاء واستمرار في هذا العالم. ولهذا يجب العناية والأهتمام بهذه الفكرة بها دونما انتظار اختراع تكنولوجيا جديدة.
وبإيجاز شديد، بلا شك أننا نواجه تغيرات سريعة جدا في وسط عالم متغير اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعلميا وتكنولوجيا. فالتحدي الذي يواجه النظم التعليمية في بلادنا كبير. لقد عبر المدير التنفيذي لشركة جنرال اليكتريك عن ماهية هذا التغيير ونتائجه قائلا: "إذا كان معدل التغيير داخل أي مؤسسة تعليمية أقل من معدل التغيير الحاصل خارجها فلننتظر عندئذ نهايتها في المدى المنظور."
فالنظام التعليمي الذي يتجاهل المستجدات والتغييرات التي تشكل الغد ينهي بذلك ذا علاقته أو ارتباطه بحياة الطلاب وسيضمحل شيئا فشيئا. ولهذا يجب إعادة صياغة مؤسساتنا التعليمية منذ ما قبل المدرسة إلى الكلية لنعد طلابا الإعداد المناسب للمستقبل وليس للماضي.