السبت ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
..الأدب والسياسة..
بقلم الشربيني المهندس

مع ثقافة الصــورة

ربما تري الصورة جميلة ولكن عندما تقترب تختلف وجهات النظر.. ويبدو لعالمنا الذي قفـز من المسموع الي المرئي أنه قد تراجعت قيم كثيرة منها الفكر والعقل، وظهر بدلا منها الشكل والمظهر والإطار وحرية التجريب مع تداعيات التيارات النقدية المحتلفة الحر منها وغيره..

ومع تيارات الوعي واللا وعي ما زال تفاوت التطور التقني علميا وثقافيا بين عالمنا العربي والعالم الحديث يلقي بظلاله الرمادية التي تتسع مع مرور سنوات ما بعـد حادثة الأبراج الأمريكية الشهيرة وذلك علي منطقتنا..

لقد طرحت نظريات الحداثة وما بعدها ظلالها بالعالم الغربي مع ابهار الصورة وصولا الي التفكيكيه بينما كان العالم العربي ـ والذي اشتهر بأنه أمة صوتية ـ يحاول تطبيق نظريات ما قبل الحداثة ويتوقف فاغرا فاهه أمام البنيوية.

ويبدو ان هذه النظريات كانت في حاجة الي ميدان رماية لتطبيقها واخراجها من نطاق التخييل والواقع الأدبي إلي العالم الآخر أو رؤية الصور عمليا لهذه النظريات..

وجاء عالمنا العربي وبنيوته الساكنة وحيث موت المؤلف وسقوط النص بين براثن المتلقين ليشغل بقوة مركز الصدارة لتطبيقات عالم ما بعـد الحداثة، وتتم تجارب التفكيكية وإعادة تركيب النص في اكثر من منطقة باراضيه، مع انشغال مثقفوها بمعارك دون كيشوتيه..

مع التكنولوجيا والأدب قد يكون البعض قد مارس متعة حقيقية وصور المعارك الشرسة تنقلها الفضائيات كل ثانية، ويشارك في الحرب من منازلهم طارحا خياله الأدبي بين حبات اللب والسوداني، وربما تأذت مشاعر البعض ـ رغم المساحيق ـ مع انتهاكات حقوق الانسان وفضائح السجون وصور التعذيب بكل الألوان.

لكن أبلغ الصور مابين التفكيكية والبنوية أو الواقع والنظرية من وجهة نظر أدب حضارة الصورة كانت تلك المفارقة لظلال الصورة والواقع ومع هذه اللمحة..

عشية حرب الخليج الأولي والانتصار لحرية الضعيف رفع جورج بوش الأب كأسا عاليا تحية للعـرب الذين اطلقوا اسم بوش علي ابنائهم لتبدو ملامح الصورة أكثر بريقا في عيون المارينز وماكدونالد وهوليوود والطريق الممهد للشرق الجديد..

وسعت الإدارة الأمريكية لصنع نماذج عملية لتأكيد رؤية هؤلاء الثلاثة، واختارت بتوصية من الأصدقاء حليفها السابق ـ لتبدو ملامح الصورة أكثر ضبابية ـ ليكون الأنموذج.. وبالحرب علي العراق وتفكيكها وسجن ومحاكمة رئيسها السابق كان الهدف ان تكون (نموذجا) اجتماعيا وسياسيا، وحضاريا للشعب العراقي (وكمقدمة لتعميم النموذج في المنطقة) ويكون الجزاء المماثل لمن يحاول تغيير الصورة..

واختلفت الصورة بعد حرب العراق وزينتها ما بين التزييف والمونتاج، وتعـددت وتنوعت المشاركات المحسوبة والعشوائية مع الموسيقي الصاخبة في تكوين ملامح الصورة.. والأمثلة التي تنقلها شاشات الفضائيات أو أدب حضارة الصورة ليست أدل من هـذه القصـة المخزونة بالذاكرة لتكتمل الصورة :

هل أتاكم ـ مثلا ـ نبأ ـ الغلام العراقي أسامة نبيل (10 سنوات)..؟..

انه يفكر في ترك المدرسة وهجر التعليم..!!.. لماذا...؟..

لأن ملامحه العامة تشبه ملامح جورج بوش الابن.. وبمقتضى هذا التشابه: أخذ أقران أسامة في المدرسة يطلقون عليه اسم بوش، فامتلأ الغلام غيظا من إطلاق اسم بوش عليه. وفكر في هجر المدرسة والتعليم وقال:

«ما زال أبي يحاول إقناعي بالبقاء في المدرسة، لكن إصرار زملائي في المدرسة على إطلاق اسم بوش عليّ جعلني أشعر بالحزن ففضلت العزلة، وأفكر في ترك المدرسة لأن هذا الاسم أصبح ملتصقا بي وأتمنى الخلاص منه بأية وسيلة كانت»!!

وبتكبير الصورة واتساع مدلولاتها الشكلية والجوهرية، يبدو حجم النحس للحداثة أكبر من المخطط له من جهة، وتطرح وجهة النظر الأخري نفسها بقوة تفوق المستهدف، وتتعدد القراءات مع الزوايا المختلفة للصور الجديدة، وكأن شخصيات الصورة تتحرك بمعـزل عن الكاميرا والقمر الصناعي.. ونظل نتساءل هل ما زال العقل زينة مع ما سيحدث ـ بعد موت المؤلف ثم موت النص ـ ومع نبيل أو المستقبل القريب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى