مقتطفات من حياة الفلسطينيين ما قبل النكبة
كانت بعض المناطق ممتلئة ببساتين (بيارات) مزروعة بأشجار الحمضيات لكبار العائلات، مثل عائلة أبي رمضان وعائلة خيال وعائلة أبي خضرة، وعائلة غزال والنخالة وشعت وشراب وأبي شعبان والحلو، والعلمي والصوراني وأبي مِدِّين وجميعهم من أفندية غزة.
.... وغيرهم، وكانت تلك البساتين وتبدأ بري أشجارها بعد العصر، كان في كل بستان (بيارة) ما تعارف الناس على تسميته في ذلك الوقت بـ (البابور) أي موتور ضخم في غرفة كبيرة أو ماكنة ضخمة لسحب الماء من البئر.
وبمجرد أن يبدأ الموتور أو الماكنة بضخ الماء من داخل الأرض إلى الأشجار، كنت ترى الرجال يتوافدون لتعبئة الماء ومعهم أوعيتهم الفخارية الجميلة، وكانت عبارة عن قطع مختلفة الأشكال والأحجام من الفخار المحروق المصنوع من الطين (اللبن)، ومن أنواع الآنية الفخارية الزير و الشربة و القدرة و الجرّة واللجّان والزبدية والبلبل (للأطفال) والكراز والكشكولة.....
وفي شهر رمضان المبارك، كان كل رجل يخرج قبل الغروب وقد ربط بجانب ثيابه وعاءً فخاريا صغيرا اسمه (لجّانة)، من أجل تعبئته من بابور الماء، استعدادا لتناول طعام الفطور في شهر رمضان المبارك، أو خوفا من العطش الشديد الذي كان يواجهه وهو في طريقه إلى مسجد هاشم ابن عبد مناف، حيث ارتفاع درجة الحرارة صيفاً.
ما سبق حدثني به بعض كبار السن المذكورة أسماءهم في نهاية الكتاب، والذين عاينوا تلك الحقبة التاريخية.
الثوار الفلسطينيون : كان من ثوار فلسطين الأبطال – من منطقة التفاح في غزة - في فترة ثورة (1936) كل من : الحاج مصطفى القطاع، الحاج صبحي أبو الليل، الحاج رضوان غزال، الحاج يوسف الزهارنة، الحاج محمد خليل السبعاوي (رحمهم الله).
وكان جنود الاستعمار البريطاني يتمركزون أعلا الحاووظ (مكان تجمع المياه ولا زال موجودا حتى اليوم)، من أجل مراقبة حركة الثوار الفلسطينيين، وكان السلاح الذي يمتلكه الثوار في ذلك الوقت من النوع القديم الذي يطلق طلقة واحدة فقط، ولا يتم إطلاق الطلقة الأخرى إلا عند تحريك الرصاصة في بيت النار، عن طريق ما كان يعرف حينئذ بالميكانزما، وكل من كان يُضبط بحوزته من الفلسطينيين رصاصة واحدة ينفذ فيه البريطانيون حكم الإعدام، في الوقت الذي كانوا يمدون العصابات الصهيونية بالسلاح والعتاد.
خرج الثوار الأبطال لمهمة جهادية، فجهزوا الحبال الغليظة، وبدؤوا بربطها في قضبان السكة الحديد التي كانت تربط ما بين مدينة القاهرة المصرية ومدينة حيفا في شمال فلسطين، وكانت طريق السكة الحديدية تلك هي الطريق الوحيد لعبور قطارات البريطانيين محملة بالجنود والسلاح والعتاد، وقبل وصول القطار بعشرات الأمتار، وفي منطقة ما بات يعرف اليوم بــ (تلة الإدارة المدنية الواقعة في شارع صلاح الدين قرب جباليا، وهو أحد الشوارع الرئيسة في غزة، حيث موقع السكة الحديدية، إضافة إلى محطة أخرى وهي مكان حديقة أو متنزه المحطة اليوم، ومحطة ثالثة وهي مكان السوق الشعبي في أول منطقة الشجاعية).
هناك ربط الثوار الحبال ببعض القضبان، وقاموا بسحبها تمهيدا لعرقلة سير القطار، ونجح الثوار في مهمتهم الجهادية، وانقلبت عربات القطار، وأطلق الثوار الفلسطينيون النار على جنود الاحتلال البريطاني، ووقع عدد كبير منهم بين قتيل وجريح، ولا زالت مقبرة ما يُعرف اليوم بمقبرة الانجليز تشهد على ذلك (وهي مقبرة تقع في شارع صلاح الدين شمال غزة بالقرب من مفترق زِمُّو).
قام الجنود البريطانيون بالرد على إطلاق النار، وأصيب أحد الثوار، بينما تمكن الباقون من الفرار، وتمكن الجنود فيما بعد من إلقاء القبض على الثائر الجريح، وأطلقوا النار عليه مرة أخرى في نفس مكان إصابته، ثم اقتادوه إلى مستشفى تل الزهور المركزي الوحيد في غزة في ذلك الوقت، وكان يُعرف بتل السكن، ثم تحول اسمه إلى تل الزهور، وهو مكان بلدية غزة الحالي وسط ميدان فلسطين الرئيس، الواقع في شارع عمر المختار المركزي.
وسمي بتل السكن لأن الفلسطينيين كانوا يحرقون على هذا المكان الفخار الذي تسبب بأكوام من السكن، والسكن هو المادة المحترقة الناتجة عن احتراق الخشب والفخار وما شابه ذلك (الرماد)، ومن كثرة الحرق تحول المكان إلى تل من السكن، وعندما عرف الثوار بأن جريحهم في مستشفى تل الزهور، طلبوا من الأطباء العاملين فيه إلهاء الحراس البريطانيين عن طريق خداعهم بإقامة احتفال ما.... لهم، نجح الثوار في مخططهم فخطفوا الثائر الجريح، وفروا به داخل مناطق البساتين (البيارات) الواسعة ؛ وظل يتنقل من بستان لآخر بإشراف طبي خاص، حتى تماثل للشفاء.