الجمعة ١١ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم حسناء طالبي

مهزلة دوليـــة

دخل الجمهور الى القاعة ، واحتشدت بالوافدين من كل أقطار البلدة ، ساقني الحشد الى الداخل ، جلس الحضور ، وبعد ضجة عارمة , يعم السكوت تمهيدا لبداية العرض، أسأل أحدهم عن طبيعة العرض الذي سيقدم الليلة ، فيجيبني أن الموضوع فكاهي بعنوان " مهزلة دولية" ، أثار العنوان فضولي ، كما أنني أحسست أن هذا الحشد لا يمكن أن يحضر مسرحة كوميدية ، وان كانت كذلك فلابد ان تكون ساخرة ، ولها أبعاد ومعاني عميقة فقررت حضورها..

بعد برهة من الزمن , وتحت تصفيقات الجمهور ، يُرفع الستار على شاشة صغيرة الحجم ، لنلاحظ دخول دمية صغيرة , وقد رُبطت أطرافها بخيوط شفافة ، تُحركها أيادي خفية من فوق الشاشة , يتوالى ظهور الدمى ، الواحدة تلوى الأخرى ، كلٌ تلقي خطابا سياسيا ، لم يحتوي العرض على أحداث ، لكن من خلال الخطب أدركت ان الحكاية تدور حول حرب ضروس أكلت الأخضر واليابس في ثلاثة بلدان متجاورة و العدو واحد ، أبرياء قُتلت وأرواح اُ نتهكت ، خِلت الأمر محزنا ولكنني فُوجئت بضحك الجمهور وقهقهتهم المتعالية ، لم أفهم ما المُضحك في الأمر ، ولكن متى كان للدمى قلب تحس وتشعر به ؟

سئمت من مشاهدة هذه المهزلة أحسست بالغربة في صفوف هذا القوم ، فقررت الانسحاب ، لو لم يدخل القاعة رجل وامرأتنا وقد غطت الجروح أجسادهم النحيفة..
تقدمت الأمرأتان تبكيان ، قالت احداهن " اغتصبوني ومزقوني وقد كنت أطهر امرأة على وجه الأرض ، يا قوم ، أفيقوا من هذا التنويم المغناطيسي " ، ثم تقول الثانية وهي تتوجع من فرط الألم " كتبوا لي نفس مصيرها , ولاسباب تافهة وبحجة أنهم أرادوا أن أكون أغنى فأصبحت أفقر ، أجمل فأصبحت أبشع , أعلم فأصبحت أجهل ، أن أكون أقوى فأصبحت أضعف ، لا تصدقوا لا هذه الدمى ولا من يحركها" ، يتعالى الضحك مجدادا قبل أن يتقدم الرجل وهو منهار وقد اٍغبر وجهه و كثرت الجروح في جسده , يحبس أنفاسه ، ويقول " أنا الضحية الثالثة وكم سيكون بعدي من ضحايا ، أموت موتا بطيئا , ففي كل يوم لِيد الظلم موعد في جسدي لِتغتال عضوا أو ركنا جديدا منه , أنا آمركم بالضحك لتستمر المهزلة..." ، يضحك الجمهور بحدة أكبر وصوت أعلى ، أما أنا فما استطعت مواصلة المشاهدة , وقفت وسط الحشد وصرخت بأعلى صوتي "كـــــــــــــــــــــــفـــى" ، "كفى سئمت هذه المهزلة التي فرقت بين المرء وأهله ، من حشت أرض العرب الطاهرة بجثمان المجزار ، تبا لبشر يستمتعون بقتل الأبرياء وتدبيحهم وبآخريين يضحكون عند سقوط كل حصن ، لا يعلمون انهم سيكونون اضحوكة في يوم من الأيام لغيرهم ما دامت الدمى تلعب في المسرح والأيادي لم تشل بعد ، حان الوقت لنرسم معا نقطة نهاية لهذه المأساة."
ولم أفق الا على صوت امي تفيقني من النوم قاتلةً " انهضي لقد قُصف بيت عمك صابر وتوفي كل من فيه تجهزي سنذهب للغزاء. "


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى