الخميس ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم أمينة شرادي

موت خديجة

قررت مهادنة الوقت في التجول عبر الشوارع والأزقة، علني أجد ما يشد انتباهي ويثير فضولي.ولجت إلى محل بائع المجوهرات، أبحث عن شيء ما دون أن أحدده مسبقا. تركت المحل دون تردد.أدفع خطواتي دفعا كأنها مكبلة بسلاسل حديدية.و أخيرا اهتديت إلى حديقة صغيرة،بها بعض الكراسي الفارغة.هويت بجسدي كمحارب أنهكته الحرب وأطلقت العنان لزفرات متتالية.استسلمت لرائحة المكان وهدوءه.و هامت روحي مع طيوره وأصوات أشجاره، كلما حل موسم الصيف بمدينتي، إلا ونعيش فترات متتالية من الحرارة المفرطة، التي تستوطن كل البيوت بشكل مجنون ويضطر أهاليها للفرار إلى الخارج مكونين أمواجا بشرية تتمايل يمنة ويسرة.تركت روحي تتلذذ بطيبة المكان حتى استيقظت بشكل مفزع على صوت واهن ومبحوح يناديني.كانت صديقة عزيزة علي.سرقها الزمان منذ مدة وانتمت إلى الماضي. كدت أن أمحوها من ذاكرتي. شاخت قبل الأوان.جسد،أخذ منه التعب كل ما هو جميل.استحالت إلى هيكل يمشي على الأرض.تضع نظارة ولا تستطيع الاستغناء عنها.جلست إلى جانبي وكل أطرافها ترتعش.تكلمنا كثيرا وسألتها عن حالها وحياتها. كانت إجابتها عادية، لا جديد فيها. فجأة، أجهشت بالبكاء بشكل هستيري، حاولت تهدئتها وسألتها:

 ماذا هناك يا خديجة؟
 لقد قضى علي ويريد أن يرميني في الشارع.
 من هو؟
 "ولد الحرام". زوجي.بعدما وهبت له كل ما أملك من مالي وشبابي،لم يعد يرغب في.
 كيف؟
 السكن في اسمه.مع أنني شريكة فيه بمالي..خدعني ووثقت به.لم تستطع أن تمنع دموعها.و استرسلت تكمل حديثها:
 يشبعني ركلا وضربا كلما رغب في ذلك. صرت أخاف على نفسي منه.. ولا أعرف ما أفعل.
 اطلبي الطلاق.قلتها بشكل منفعل ودون تفكير.
 لا أستطيع يا أختي.سأخسر كل شيء.
احتل الصمت المكان والفضاء. وقفت خديجة وطلبت مني أن أغفر لها ثرثرتها قائلة:
 سامحيني على إزعاجك بمشاكلي. وودعتني على أمل اللقاء في ظروف أحسن.

"سأخسر كل شيء"جملتها الأخيرة ظلت عالقة بذهني."و هل هي لم تخسر كل شيء؟"سألت نفسي بصوت عال.لم أعد أستطيع الإمساك بصفاء اللحظة.انشغل ذهني وقذفتني ذاكرتي إلى الوراء.يوم كانت "خديجة"حرة نفسها وعائلة عائلتها.لم يبق منها شيئا.

لم أتمكن التخلص من ذلك اللقاء اللعين.ظلت صورتها تطاردني.تحولت حياتي إلى أيام متتالية بدون معنى.أخذتني خطواتي ذات يوم بعد تردد كبير، إلى مقر عملها أسال عنها. ففاجأتني بابتسامتها الطيبة وصوتها المبحوح والحنون.همست إلي:

 ..إنني ما زلت أعيش تحت رحمة لكماته. أزاحت عن رجليها بنطلونها لتريني آثار ضرباته. وابتسمت.. كمن تقر بأنه قدر من الأقدار.لم أتكلم ولم أحزن.

عدت أدراجي مشتتة الأفكار، تائهة بلا هدف. أثار انتباهي لبعض الوقت، نساء في الشارع مبتسمات..أردت أن أسألهن" هل تحمل أجسادكن آثار الضرب ؟"اختلط علي كل شيء،فقدت صوابي. أصابني الأرق وتألمت كثيرا من وخز ابر ذلك اليوم. استوطنتني صورتها وأصبحت لصيقة بحياتي العادية.فكرهت موتها البطيء والممل. قررت أن أقوم بشيء يعيد إليها إنسانيتها المفقودة.عدت إلى مقر عملها أسأل عنها.انتظرت قليلا، فجاءني الرد:"توفيت بالأمس.."


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى