الخميس ٣٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم حفيظة مسلك

مُشَاغَبَة الْحَوَاسّ

أكاد اليوم أن أكون إنسانة غير طبيعية، تجلتْ لي نافدة العالم الأخر، ونفضتُ روحي مما علق بها من روائع المحاكاة الليلية، بعد طول رحلة دامت لشهر بالتمام والكمال، رسمت لنفسي مائدة للحوار بدون خصوصيات، ومع توحد لسائر الأمور الطبيعية. هكذا رفعتُ رأسي لأجده في هيئة قبعة قديمة، رثة في مظهرها شاحبة في تأملاتها. وكآخر الطقوس جمعت حقائبي نحو المجهول، جن الغيمُ حينها واستغربت الرعشة من انسياب الصمت، فعلا قمتُ بخدش حياء الزوابع، وقررت أن أتمرد على ذاتي وأكشف حقيقة العوز الروحي لأحرق ما تبقى لي من مناديل الضباب الطالع وهو يضحك علي كل يوم، بخرافات مل منها فنجاني وامتدادات عمري الفاني. صفقتُ وبحرارة للغة الرحيل، وعصرت مخدتي من شتى أنواع الدموع، وشربت نخب هده الآتية لسياسة التغيير، فإما امرأة زخرفية أو شبح امرأة خرافية، حينها بعثرتْ نهاية الطالع نحو غيبوبة سأستيقظ على نغماتها ذات يوم وتبدأ اللوعة تقتنص مني ومن عواء المارة واتساع رعناء رئتي المملوءة بهواء الدخان، الذي رقص على أوراق الحرب، بطلتها ذكريات بلا أذرع و نكسات بدون عكاز.

يا أرض تمهلي؟؟؟ كفي عن الدوران ها أنا ألمس سطحك بكل هدوء !!!

وجدت نفسي أمام منزل كبير، صقل بلون أبيض من طابقين ونوافد زجاجية ستمتد أناملي لملامستها في دمث الخلق ومرآته الضوئية، دخلتُ فعقدت علاقة تعارف مع جدران هدا البيت الفسيح، تثاقلتْ خطواتي لمخاطبة هدا الباب الخشبي المنقوش برموز تكاد تصطف كجندي يحرس القلعة من بطش القادمين والزوار. ومع كل الوان السعادة البادية على أسقفه المخملية، وجدت أنات الصقيع تغمرني وتحتضنني، فهل أرجع من حيث أتيت؟؟؟ أم أقهر هدا الشعور الغريب وأحرر نفسي من الاعتقادات الخيالية !!!

لا.. إنتظري يا رفيدة لا تذهبي !!!

جربي أولا وامكثي هنا هنيهة وبعدها سنرى نهاية هذا الحديث.

منتهى الحماقة وأنا أستمع لعقلي وهو يهمهم علي في تبرج، وكأنني وقعت حبيسة القمع الداخلي، هيا انتفضي ولا داعي لهده البهرجة. صوت من بعيد خاطبني، يريد دفع همتي. إنه الغروب، زارني في خجل العشرينات ووقار الخمسينات، ينعم معي في ليل عنوانه لا للتفرقة العنصرية لضيفة جديدة، قد لا أخرج من هنا إما على قواف سارية او فياف جارية. رتبت حالي في سكون وأعلنت هدنة مع المكان، قلت لنفسي إن عالم الارقام أبله وأكيد عمارة الحروف ستشفع لي عند روح هده الزاوية،لا أعرف لماذا حينها تملكني الخوف لأنني لا اقدر على الابتعاد عن الحضن الدافئ حيث مملكتي الصغيرة، وفيها أعظم من أحببتهم طوال عمري، أمي الغالية وأبي صاحب النظرة الثاقبة، فهل أنا مهاجرة عنوة في رحلة قاسية.. أم فريسة أراد الزمن أن يفترسها لغياب الأسلحة؟؟؟

أصبح عقلي مبرمجا على انصياعه للأمر الواقع، والرضى بما قسمته الظروف، ليس بإمكاني الابتسام في وجه الفجر الجديد لأنه غاب في حلقة مترامية الأطراف، يرفض أن يصدق، أميرة الأمواج اختفت في لحظة جزر فانقلبت الموازين بضجيج وحركة صادمة، ومزلزلة للأعصاب، ينشق الضباب مني كل أمسية وأنا بعيدة عمَّن هم حياتي كلها. راجعت نفسي وسط هدا الهدوء القاتل فصور الأمس تطاردني. حاولت أن أغير السالب إلى الموجب، لأنسجم مع الجو القائم، حتى الشريان غير من سلوكه اتجاهي، تملكتني الحيرة فأنا لا أتقن بروتوكول الخطاب مع الوضع الجديد، حاولت أن أضع لنفسي جغرافيا بحثة لتواجدي وتاريخ المنطق الذي قادني إلى هنا. لم أعرف أن للهدوء أعتى الجلادين، فانا مُعتادة على الحركة في فلك لا ينضب له وريد ولا يستكين، أعانق الخوف في رعشة وأتحسر على فقدان الوصل والوصال، أصبحت قهوتي الصباحية نثر يركظ حافي القدمين، وليلي رغيف مارق امتزج فيه الجرح بالملح المتدحرج من أعلى غربتي. عانقتني دمعتي كموجة دافئة لأنني تذوقت معنى الابتعاد عن الحرارة العجيبة التي تولد معنا في سياق الكلام ومهد العلاقة الطبيعية لكل إنسان.

يا ألله.. هذه مناجاتي وبوح ذاتي..!! وفي جمر يُلهب أضلعي سئمت المداخلات القبْلية والبعْدية فمهما كان الفضاء عامرا بلذة العسل، تبقى لسعة الحنين لمكان مولدي أرقى من لمعان السياج ودفء السراج. صمت ثقيل أعياني بعد كل هده النفحات وقبل أن يلوذ بالفرار أيقظني اليوم الثلاثين على رنين هاتف ليخرجني من قوقعتي.

ابنتي استعدِّي سآتي لآخُذَكِ بعد قليل...

كانت تلك أياماً عشتها بحق الإرادة التي جعلتني أعيد فيها حساباتي لأدخل في برزخ الوصول إلى حقائق مبهورة الأنفاس وحيرة الذات مع الشعور والإحساس.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى