الاثنين ٣ آب (أغسطس) ٢٠٢٠
بقلم نايف عبوش

نعمات الطراونة.. والتواصل العصري الحي مع التراث

لعل ما يقلق المهتمين بالتراث اليوم، هو الانحسار المستمر، في ثقافة التراث،وخاصة لدى شريحة الجيل الجديد من الشباب ، حيث يلاحظ تلاشي الكثير من العادات، والتقاليد الاجتماعية المتوارثة ، ولاسيما بعد اضمحلال مجالس السمر في الدواوين، ورحيل المخضرمين العمالقة، من الرواة، والنسابة، والمدونين، والباحثين، الذين كانوا أدوات تناول جاد ، وتداول حي للتراث في مجالس السمر، والمناسبات الاجتماعية، ناهيك عن ضعف حس الإهتمام الجمعي بثقافة الموروث الشعبي في الوقت الحاضر.

ولاشك ان انفتاح الشعوب على التمدن والعصرنة، وهبوب رياح التغيير عليها بلا قيود، في ظل تحديات العولمة، كعامل موضوعي مضاف، بما يمتلكه، من قدرات فنية، ووسائل إعلامية هائلة، في ظل ثورة الاتصال والمعلوماتية، بفضائها المفتوح في كل الاتجاهات بلا نهايات، هو الآخر عامل تأثير وتفكيك فعال ، ويعمل بشكل سلبي على اضمحلال حيوية التراث،وخفوت وهجه، وذلك ما بات يشكل هواجس تحديات داهمة، تهدد التراث بالمسخ، والإقصاء، بل والكنس، والإفناء، عاجلا أم آجلا.

لذلك فان الأمر بات يتطلب من كل المعنيين بأمر التراث، من الكتاب، والأدباء،والشعراء، والرواة، وأعمدة القوم، تشجيع التواصل مع التراث،بكل مكوناته الإيجابية، والحرص على توثيق تاريخ، وتراث كل ديرة، وفي إطار تواصل استلهامي حي مع الماضي،في نفس الوقت الذي نتعايش فيه مع الإيجابي من معطيات العصرنة،وبالشكل الذي يحقق توأمة متوازنة إذا صح التعبير، وبالطريقة التي يمكن أن تبدد القلق الماثل أمامنا، على مصير التراث.

ولعل ذلك النهج هو ما يمكن تلمسه بوضوح، في المسعى النبيل، والجاد، للكاتبة المبدعة الدكتورة نعمات الطراونة، التي أخذت على عاتقها تناول التراث الريفي بالبحث، والتوثيق، في ومضات تراثية، بمقالات متتالية لها، نشرتها مجلة صدى الريف الورقية التي تصدر في الموصل، والتي قامت بجمع تلك المقالات التراثية، وتبنت طبعها في كتاب تحت عنوان( من ذكريات القرية )،ليكون مصدراً مكتوباً وموثقا في الموروث الشعبي الريفي، يمكن لكل المهتمين به، الرجوع إليه عند الحاجة في هذا المجال.

ولا ريب أن الكاتبة الدكتورة نعمات الطراونة باعتمادها مثل تلك الأسلوبية التوافقية المتوازنة في تعاملها مع الموروث الشعبي الريفي، وحرصها على توثيقها كتابياً، تكون قد ابتدأت الخطوة الأولى في مسار الحفاظ المنشود، على ما يمكننا الحفاظ عليه، من بقايا تراثنا الديني، والثقافي، والاجتماعي، والشعبي، المهدد بالاندثار، والانقراض السريع، باعتبار إن القطيعة مع التراث، وبتفاعلها مع عوادي الزمن، ستأتي على كل ملامحه، وما يترتب على مثل تلك القطيعة من استلاب للأصالة، ومس بنقاء الهوية، وضياع ملامحها.

وحسنا فعلت مجلة صدى في جمع المقالات، والمبادرة لطبعها في كتاب، ليأخذ مداه الواسع بين القراء والمهتمين بالتراث، في كامل الساحة الثقافية العرببة. ومن هنا فإنه لابد من الاشارة إلى أن كتاب الدكتورة نعمات الطراونة (من ذكريات القرية)، سيحظى بإعجاب الكثير من المهتمين بالشأن التراثي الشعبي في الساحة العراقية، ونظيراتها العربية، مع أن جوهر متن الكتاب، يركز على تناول الموروث الريفي الأردني بشكل خاص، وذلك بسبب طبيعة التماثل في العادات، والتقاليد التراثية الريفية في البلدان العربية، وتطابقها في كثير من المفردات، إلى حد كبير، رغم خصوصية البعض منها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى