الأحد ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
حول تأسيس الحزب الأمازيغي وما جاوره:
بقلم محمد الحنفي

هل يتجه المجتمع المغربي نحو التشكيل الطائفي؟

1) إذا ثبت لدينا أن ما يجري في العراق، الآن، هو من صنع رأسمالي عالمي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه تم التحضير له بتنسيق مع العملاء الذين حولوا العراق، الآن، إلى دولة طائفية بامتياز، منذ عدة عقود من أجل الوصول إلى هذه المرحلة التي تحول فيها بلد كالعراق إلى كعكة يتم توزيعها بين مختلف الطوائف على يد العملاء، وبإشراف الولايات المتحدة، فإن ما يجري التحضير له على مستوى مجموعة من البلدان العربية، وغير العربية، يسير في هذا الاتجاه، وأن هذا التحضير يستحق الوقوف من أجل التتبع واستخلاص ما يجب.

ومن البلدان التي يشملها استهداف ما يسعى إلى تحقيقه النظام الرأسمالي العالمي: المغرب الذي يقتضي منا العمل على تتبع ما يجري فيه، من تحضير، يمكن أن نأخذه بعين الاعتبار في استشراف الآفاق المستقبلية للمغرب. لأن ما يسعى إلى تحقيقه النظام الرأسمالي العالمي في المغرب، كما في غيره، يتجسد في إفراز مجموعة من الطوائف الدينية، والعرقية، والجهوية، واللغوية.

فالسماح بقيام تنظيم: العدالة والتنمية، على أساس ديني، والتودد الأمريكي للعدل والإحسان، والسماح بتأسيس أحزاب دينية أخرى، ودفع جهات معينة إلى قيام أحزاب جهوية، أو لغوية، يدخل في هذا الإطار. ومن ذلك التكتل الهادف إلى تأسيس حزب سياسي أمازيغي، يكون بداية لظهور أحزاب سياسية أمازيغية، وغير ذلك، مما يمكن اعتباره وسيلة لإضعاف قوة المجتمع المغربي، وجعله غير قادر على إفراز أحزاب سياسية قوية، وخاصة تلك التي تؤطر الطبقة العاملة، وتنظمها، وتقود نضالاتها في أفق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

فلماذا تسعى الرأسمالية العالمية إلى إشاعة التشكيل الطائفي في البلدان ذات الأنظمة التابعة؟

ولماذا يرتبط متزعمو إشاعة التشكيل الطائفي بالنظام الرأسمالي العالمي؟

ولماذا يعمل مؤدلجو الأمازيغية على إقامة الطائفية وترسيخها في المجتمع المغربي؟

ولماذا يسعى هؤلاء إلى تأسيس حزب أمازيغي من أجل العمل على تقرير الطائفية؟

وهل يمكن اعتبار الدعوة إلى دسترة الأمازيغية، دعوة إلى دسترة الطائفية في نفس الوقت؟

وما العمل من أجل تجاوز النزعة الأمازيغية الطائفية؟

إننا نعتبر أن طرح هذه الأسئلة، وأسئلة أخرى في نفس السياق، يعتبر مسألة أساسية بالنسبة إلى المصير الذي يهدد الشعوب المغلوبة على أمرها، ومن أجل استفزاز الأذهان، وجعلها غير قادرة على إهمال دور الطائفية في تمزيق أوصال الشعوب في البلدان ذات الأنظمة التابعة، حتى تتكرس تبعيتها، وإلى ما لا نهاية، وتبقى الرأسمالية هي القوية، والمتجددة باستمرار، وتبقى دولها بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، راعية الطائفية في العالم، هي المتحكمة في كل شيء، بما في ذلك رعاية استنبات الطائفية في المجتمع المغربي، عن طريق دعم التوجهات المؤدلجة للأمازيغية.

2) وإن سعي الرأسمالية العالمية إلى إشاعة التشكيل الطائفي في البلدان ذات الأنظمة التابعة، ليس من أجل التشكيل الطائفي فقط، بل من أجل جعل الصراع الطائفي/ الطائفي يؤدي دوره لصالح الرجعية ذات الطبيعة الطائفية من جهة، ومن أجل منع قيام قيادة دولة قائمة خارج مجال النظام الرأسمالي العالمي. وسعيا إلى تحقيق خدمة مصالح الرأسمالية العالمية من جهة أخرى.

وإذا كان النظام الرأسمالي العالمي يسعى إلى إشاعة النظام الطائفي، فإن المغرب لا يمكن أن يبقى بعيدا عن ذلك. لأن قيام النظام الرأسمالي العالمي بدعم قيام الأحزاب، والجمعيات، والنقابات، على أساس ديني. فإن ذلك يعني أن هذه الأحزاب، والجمعيات، والنقابات، تنحو إلى قيام النظام الطائفي على أساس ديني في المغرب، ومن لا دين له، عليه أيضا أن يشكل طائفة، والعلماني يسعى إلى قيام طائفة العلمانيين، وهكذا..... وما قلناه عن دعم الطوائف الدينية في المغرب، يمكن أن نقوله أيضا عن دعم الطوائف اللغوية، والعرقية، والجهوية. ومن ذلك يتم دعم الأحزاب، والجمعيات، والنقابات الأمازيغية، من أجل أن تقوم بدورها في تحويل المجتمع إلى مجتمع طائفي قائم على أساس أدلجة الدين، واللغة، والعرق، والجهة، وغيرها مما يمكن أن يساهم بشكل فعال في إيجاد مجتمع طائفي، لا يقوى على مواجهة تحديات النظام الرأسمالي العالمي، بقدر ما يصير أسيرا له من خلال تبعية النظام الطائفي، الرجعي المتخلف إلى النظام الرأسمالي العالمي، ومن خلال قيام النظام الطائفي، بالامتثال لتعليمات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمؤسسات المالية الدولية.

والأمازيغيون أو مؤدلجو الأمازيغية، قاموا على أساس العمالة للنظام الرأسمالي العالمي، كما يتجلى ذلك من خلال ما يتلقاه الكونكريس العالمي للأمازيغية، ومن خلال ارتباط مكونات هذا الكونكريس بالدول الرأسمالية المختلفة، وفي مقدمتها أمريكا. وهذه المكونات ترتفع عملتها بقدر ما تترسخ الطائفية في المجتمع المغربي، وبقدر ما تتهيكل في شكل أحزاب أو نقابات، أو جمعيات ثقافية، وتنموية، وتربوية، حتى تمتلك القدرة على التأثير في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي الذي يصير موصوفا بالأمازيغية في مناطق متعددة من المغرب، وبمختلف اللهجات الأمازيغية، المنتشرة في جميع الجهات المغربية، والتي تأخذ على عاتقها محاربة العربية، ولهجاتها المختلفة، لينحرف بذلك الصراع عن مساره الحقيقي، ليصير بذلك التحريف صراعا طائفيا، يقود، بالضرورة، إلى إضعاف الدولة المغربية، في أفق الاستيلاء على أجهزتها، من قبل هذه الطائفة، أو تلك. ولا شك أن ضعف أي دولة لا يعني، في عمق الأشياء، إلا خضوع تلك الدولة إلى الجهات الخارجية.

3) ولماذا يرتبط متزعمو التشكيل الطائفي، أو متزعمو الأمازيغية، بالنظام الرأسمالي العالمي؟

إننا عندما نتعامل مع الطائفية، نجد أنفسنا أمام حالات شاذة، وشذوذها يأتي من كونها صارت متجاوزة تاريخيا. ولذلك، فهي لا يمكن أن تكون مقبولة إلا على مضض، ومتزعموها يعملون ضد التاريخ، وضد الإنسانية، وضد قوة الإنسان، وضد تكامل البشرية، في أفق توحدها اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا. وانطلاقا من ذلك، نجد أن هؤلاء المتزعمين، يستقوون بالنظام الرأسمالي العالمي، الذي لا تخدمه وحدة كل شعب على حدة، بقدر ما تخدمه التجزئة التي تضعف تلك الشعوب، كما تضعف الدول التي تصير بدورها عاملة على الاستقواء به.

والنظام الرأسمالي العالمي، يدرك جيدا أن الطائفية تضعف الشعوب، كما تضعف الدول، وضعف الشعوب، إلى جانب ضعف الدول، قوة للرأسمالية العالمية. لأن الطائفيين، ومن حيث لا يدري الطائفيون، ورغم تياسرهم في معظم الأحيان، عندما يسعون إلى تكريس الصراع الطائفي-الطائفي، إنما يعملون على تحريف الصراع الطبقي عن مساره الصحيح. وهو ما يمكن اعتباره أكبر خدمة يقدمها الطائفيون إلى الرأسمالية المحلية، والعالمية في نفس الوقت، لأن تحريف الصراع معناه غياب الوعي، وغياب الوعي، يعني انعدام إمكانية قيام تنظيم نقابي، أو جمعوي، أو حزبي يؤطر خوض الكادحين للصراع في مستوياته المختلفة، ليبقى الكادحون مستلبين، إلى ما لا نهاية، ليسود تعميق الاستغلال إلى ما لا نهاية. فكأن التاريخ توقف، وبصفة نهائية، عن التطور، وصار واقفا عند مرحلة النظام الرأسمالي العالمي، بفعل النظام الطائفي، الذي يعرقل حركة التاريخ التي تصير على عكس طموحات البشرية في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

ولذلك نجد أن متزعمي أدلجة الأمازيغية، من المتياسرين، ومن غيرهم، إنما يسعون إلى إقامة الطائفية، القائمة على أساس اللهجة، والضغط في اتجاه دسترة تلك اللهجة، حتى تصير الطائفية مدسترة، ويصير الدستور مشرعنا للطائفية، ليصير الالتزام ببنوده، التزاما بخدمة النظام الرأسمالي المحلي والعالمي. وهو بذلك يصير منطلقا لتضليل الكادحين، وقمعهم، حتى لا يتجرأوا في ظل النظام الطائفي، على التفكير في ممارسة الصراع كما يجب.

4) فلماذا يعمل مؤدلجو الأمازيغية على إقامة الطائفية، وترسيخها في المجتمع المغربي؟

إن الأمازيغيين في وطنهم، لا يرغبون في أن يصيروا طائفة قائمة بذاتها، كما يدل على ذلك اندماجهم في الواقع المغربي، دون حساسية تذكر، وكما يدل على ذلك سعيهم إلى احتضان اللغة العربية، كلغة رسمية، يمكن اعتمادها لتحقيق مجتمع لا فرق فيه بين الأمازيغيين، والعرب، وبين سائر مكونات الشعب المغربي.

والدعوة إلى إقامة الطائفية، الأمازيغية، ليست دعوة أمازيغية محصنة، بقدر ما هي دعوة إيديولوجية، لا فرق بينها وبين أدلجة الدين الإسلامي.. ولا تسعى أبدا إلى إقامة مجتمع موحد، ومتفرغ لبناء المغرب المتقدم، والمتطور، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. وأصحاب هذه الدعوة الإيديولوجية، الأمازيغية، الذين يركبون الحقوق الثقافية، الواردة في المواثيق الدولية، إنما يسعون إلى الإساءة إلى وحدة مكونات المجتمع المغربي، بتمزيقه إلى طوائف، تسعى كل منها إلى السيادة على باقي الطوائف الأخرى، ليسود في المجتمع المغربي صراع طائفي- طائفي. وهذا النوع من الصراع لا يمكن أن يخدم إلا:

أ- التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى، التي تقوم بعملية أدلجة الأمازيغية.

ب- الطبقة الحاكمة المغربية، التي تجد في السعي إلى تطييف المجتمع المغربي كوسيلة لفرض الاستبداد بالمجتمع، وتأبيد ذلك الاستبداد..

ج- الطبقات المستفيدة من الاستغلال، والتي ينشغل عنها الكادحون، بالانخراط في الصراع الطائفي الطائفي، غير المنتج للقيم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

د- النظام الرأسمالي العالمي، الذي يعتبر شيوع الطائفية في المجتمعات المتخلفة ضمانة كبرى تؤدي إلى إضعاف الشعوب من جهة، وإلى إضعاف الأنظمة القائمة من جهة ثانية.

وهو إلى جانب ذلك، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى إضعاف:

أ- الجهات المؤدلجة للأمازيغية، التي تستقوي، باستمرار، بالجهات الخارجية، التي تدعم، أي ممارسة، مهما كانت بسيطة، من أجل تطييف المجتمعات العربية، ومجتمعات بلدان المسلمين بالخصوص، وباسم حماية الأقليات.

ب- جعل الشعوب عاجزة عن بناء الأدوات المناضلة، التي تسعى إلى قيادة النضالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. والنضال من اجل الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

ج- جعل التنظيمات المناضلة، منشغلة بالطائفية، عن الأمور الأساسية، التي يقتضيها خوض الصراع، بدعوى هضم حقوق الأقليات، كما هو الشأن بالنسبة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي تنشغل بموضوع: "دسترة الأمازيغية"، بدل التفرغ للنضال من أجل احترام حقوق الإنسان المختلفة، وحقوق العمال بالخصوص، وعلى جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسة.

د- تمكين الطبقة الحاكمة من التلاعب بعواطف المغاربة، فتجعل كل طائفة أمازيغية، تحلم بأنها، في يوم ما، تستطيع السيادة في المجتمع المغربي، وهي في الواقع، إنما تتوهم، لأن الطبقة الحاكمة لا يمكن أن تلغي سيادتها، ولا يمكن لسيادتها أن تستمر إلا بوجود مبرر للقمع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

وبذلك نصل إلى أن سعي مؤدلجي الأمازيغية إلى إقامة الطائفية في المجتمع المغربي يهدف إلى تحقيق تطلعاتهم الطبقية البورجوازية الصغرى، وخدمة الطبقة الحاكمة، وإعلان الوفاء للرأسمالية العالمية، وإظهار حسن النية تجاه إسرائيل، لكسب ود الولايات المتحدة الأمريكية.

5) ولماذا يسعى هؤلاء إلى تأسيس حزب أمازيغي من أجل العمل على تقرير الطائفية؟

إن العمل على مستوى تشكيل الجمعيات الثقافية الأمازيغية الساعية إلى الاعتراف بالأمازيغية، والمطالبة بدسترتها، صار غير منتج، بالنسبة لمؤدلجي الأمازيغية، وصار مطلب الاعتراف بالأمازيغية، ودسترتها، غير مفيد بالنسبة إليهم. ولذلك نجد أنهم يغيرون تكتيكهم بالمطالبة بالعمل على تأسيس حزب أمازيغي، لرفع درجة مستوى الخطاب الأمازيغي من خطاب ثقافي، إلى خطاب حقوقي، ثُم إلى خطاب سياسي مباشر.

فخطاب دعاة الأمازيغية الثقافية، كان لا يتجاوز مجرد النضال من أجل الاعتراف بالأمازيغية، كمكون من مكونات الثقافة المغربية. وقد أدرك مؤدلجو الأمازيغية، فعلا، أن تحقيق هذا المطلب قائم في الواقع، وبدون الحاجة إلى وجود الجمعيات الثقافية الساعية إلى تحقيق هذا المطلب.

وحتى يدعي مؤدلجو الأمازيغية قيام قمع ثقافي، في اتجاه الأمازيغية، فإنهم يعتبرون أن القضية الأمازيغية، قضية حقوقية، تصير مطروحة في الجمعيات الحقوقية، وخاصة في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وفي النقابات وفي الجمعيات الثقافية، فكأن الأمازيغيين يعانون من القمع الشرس، وكأن السجون المغربية تمتلئ بهم، وكأن المنظمات الحكومية، وغير الحكومية، تهدف إلى استئصال شيء اسم الجنس الأمازيغي من المجتمع المغربي، والواقع غير ذلك.

ولما تبين أن المطلب الحقوقي الأمازيغي، صار غير ذي موضوع، وخاصة بعد الوصول إلى الباب المسدود، على مستوى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي حاول غلاة الأمازيغية إقحامها في المطالبة بدسترة الأمازيغية، انتقل الأمازيغيون إلى مستوى الطرح السياسي للمسألة الأمازيغية، وكأنهم شعب يمارس عليه الاحتلال، والاستيطان. وعلى هذا الشعب أن ينظم نفسه في حزب سياسي، أمازيغي، يسعى إلى امتلاك السلطة من أجل القيام بإنشاء الدولة الأمازيغية، التي تعمل على تحرير الأمازيغيين، من الاحتلال الممارس عليهم، والذي دام ما يزيد عن ثلاثة عشر قرنا.

ولذلك كان مطلب تأسيس الحزب الأمازيغي، ضرورة، بالنسبة لمؤدلجي الأمازيغية، حتى يتمكنوا من العمل على الوصول إلى السلطة، من اجل جعل الأمازيغية مدسترة، ومعتمدة في جميع مناحي الحياة.

والمطالبة بتأسيس الحزب الأمازيغي هو الدليل على أن طرح المسألة الأمازيغية ليس إلا طرحا إيديولوجيا. والإيديولوجية عندما تتشكل تقتضي قيام تنظيم سياسي يتوسط بين الإيديولوجية، وبين الطرح السياسي، الهادف إلى التحريض السياسي للجماهير المعنية بذلك الطرح، حتى تتحرك من أجل وصول الحزب السياسي إلى مراكز القرار السياسي، من أجل الدخول في أجرأة البرنامج السياسي الأمازيغي.

فمن هي الطبقة التي تسعى إلى تحقيق البرنامج السياسي للحركة الأمازيغية المؤدلجة للأمازيغية؟

إن أي طبقة عندما تكون مؤهلة لإنتاج إيديولوجيتها، كما هو الشأن بالنسبة للطبقة الإقطاعية، والطبقة البورجوازية، والطبقة العاملة، لا تحتاج إلى افتعال إيديولوجيات غير معبرة عن مصالح الطبقات الاجتماعية.

والطبقة التي تمارس التوفيق، والتلفيق، والتضليل، هي البورجوازية الصغرى، التي تقوم تارة بأدلجة الدين الإسلامي، وأخرى بأدلجة قضية العاطلين، وتارة بأدلجة معاناة الطبقة العاملة، وسائر الكادحين، وأخرى بأدلجة الأمازيغية. وأعني بالأدلجة هنا، جعل مختلف القضايا، والمسائل المطروحة في الواقع، وسيلة من وسائل تحقيق التطلعات الطبقية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. وانطلاقا من هذا المعطى الخاص بالطبقة البورجوازية الصغرى، فإن المسألة الأمازيغية، تتم أدلجتها، حتى يتم الركوب عليها، لتأسيس حزب سياسي أمازيغي، يسعى إلى ضرب الوحدة التاريخية، والموضوعية، والواقعية، والمستقبلية للشعب المغربي، الذي لا توجد فيه أمازيغية واحدة، بقدر ما توجد فيه عدة أمازيغيات، وعدة لهجات عربية، أي أنه بقيام الحزب الأمازيغي، ستتم شرعنة قيام الأحزاب على أساس طائفي، أو عرقي، أو أي طائفة لغوية أو دينية أخرى.

ولذلك نجد أن السعي إلى تأسيس حزب أمازيغي، بناء على أدلجة الأمازيغية، هو ممارسة بورجوازية صغرى، تهدف إلى توظيف الأمازيغية، من أجل توظيف الممارسة الأمازيغية، لتحقيق التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى.

6) فهل يمكن اعتبار الدعوة إلى دسترة الأمازيغية دعوة إلى دسترة الطائفية في نفس الوقت؟

إن أدلجة الأمازيغية، والدعوة إلى تأسيس حزب أمازيغي، لا يمكن أن يكون إلا ممارسة تسعى إلى فرض أدلجة الأمازيغية، على مستوى الدستور، لإيجاد مبرر لقيام الحزب، أو الأحزاب الأمازيغية التي تصير دستورية.

و الدولة عندما تقدم على دسترة الأمازيغية، فإنها تسعى بذلك إلى الإقرار الدستوري بوجود طوائف مغربية، أمازيغية، وغير أمازيغية، دينية، وغير دينية، حتى يتأتى قيام كل طائفة بما يلزم من أجل جعل الممارسة الطائفية ممارسة اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، ومدنية، وسياسية. ليصير المجتمع عبارة عن مجموعة من الطوائف المنغلقة على نفسها، والساعية إلى أن تكون، كل واحدة منها، متحكمة في باقي الطوائف الأخرى.

ونحن في معالجتنا هذه لا يمكن أن نميز بين طائفة، وأخرى، فمن حق كل طائفة عرقية، أو دينية، أو لغوية، أو جهوية، أو قبلية، أن تصير مدسترة في حال دسترة الأمازيغية، وحينها، عندما ستكون الجهات الداعية إلى دسترة الأمازيغية في حيص بيص، عندما يتبين لها أن الأمازيغية هي مجموعة من اللهجات. وهي مجموعة من الجمعيات التي تسعى كل منها إلى تأسيس حزبها، وأنه لا يوجد ما يوحد هذه الجمعيات. وبالتالي، فإن الضرورة تقتضي دسترة الأمازيغيات، لأنه لا يوجد عندنا شيء اسمه اللغة الأمازيغية بنظامها النحوي، والصرفي، والمعجمي، يمكن أن يحكم جميع المتكلمين، بمختلف الجهات التي تتكلم الأمازيغية.

وانطلاقا من هذا التنوع في الطوائف الأمازيغية، والدينية، والعرقية، والجهوية، فإن الساعين إلى دسترة الأمازيغية، سيجدون أنفسهم، وقد عملوا في يوم ما، وقد هدموا أسس وحدة المجتمع المغربي، الذي يتحول إلى مجتمع محكوم بدستور طائفي. ولنا فيما يجري في العراق خير مثال على ما يمكن أن يحصل في المغرب، مع اختلاف في الصيغة، وفي النتيجة، بسبب الاختلاف في الشروط الذاتية، والموضوعية. وسيجد هؤلاء أنفسهم وقد جلبوا إلى المغرب الخراب، والدمار. وهو ما يجب أن يسعى المغاربة إلى تجنبه، بتجنب دسترة الأمازيغية، حتى لا يقوم على أساس ذلك حزب، أو أحزاب، أمازيغية، أو طائفية أخرى، وحتى لا يتحول غلاة الأمازيغية إلى عملاء للولايات المتحدة الأمريكية، وحتى لا تجلب عمالتهم إلى المغرب الخراب، والدمار، وحتى لا ندخل في دوامة إعادة الإعمار، التي لا تعني في العمق إلا جعل المغرب محتلا من قبل الشركات العابرة للقارات، وحتى لا يصير المغاربة تحت رحمة تلك الشركات.

7) فما العمل من أجل تجاوز النزعة الأمازيغية الطائفية؟

إن من واجب المغاربة جميعا، شعبا، وأحزابا، ومنظمات جماهيرية، أن يدينوا الدعوة إلى دسترة الأمازيغية في المغرب، باعتبارها دعوة إلى دسترة الطائفية، التي تقود إلى خراب المجتمعات، وانهيار الدول، ومن أجل المحافظة على وحدة المجتمع المغربي، وحتى لا يتم جر المغاربة إلى إنتاج صراع طائفي غير شرعي، وسعيا إلى تكريس الصراع الطبقي، في مفهومه الصحيح، لتحقيق وحدة الكادحين الطبقية، التي تعتبر أفضل حصانة ضد الدعوات الطائفية.

ولتجاوز النزعة الأمازيغية وما يترتب عنها من دعوة إلى دسترة الطائفية في المغرب، لجر المغاربة إلى صراعات هامشية، تصرفهم عن ممارسة الصراع الطبقي الحقيقي، فإننا نرى:

أ- ضرورة المحافظة على وحدة الشعب المغربي، بنبذ كل الدعوات الطائفية، اللغوية، والعرقية، والدينية، وغيرها، وبالعمل على تقوية، ودعم قيم الوحدة، والتضامن، والتضحية، وحقوق الإنسان، حتى يشعر الشعب المغربي بانسجامه مع نفسه، ومع تاريخه، ومع طموحاته المستقبلية.

ب- تجريم الدعوة إلى تكريس العناصر المؤدية إلى قيام الطائفية في المغرب، حتى يتم ضمان تجنيب المغرب، والشعب المغربي، الوقوع في الفخ الطائفي.

ج- تجريم قيام أحزاب على أسس عرقية، أو لغوية، أو دينية، أو جهوية، حتى لا يؤدي ذلك إلى قيام الطائفية في المغرب، وحتى لا تتم الإساءة إلى الشعب المغربي، الذي يصير موزعا بين طوائف مختلفة، ومتناقضة تناقضا عرقيا، أو لغويا، أو أي شيء آخر غير مشروع، وغير ناتج عن إفراز طبيعي لانقسام المجتمع إلى طبقتين رئيسيتين، طبقة مستغلة، وطبقة مستغلة (بالفتح).

د- العمل على إيجاد دستور ديمقراطي متلائم مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى يصير أساسا لسيادة الشعب المغربي على نفسه، ومنطلقا لتقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي.

ه- إقامة ديمقراطية حقيقية من الشعب، وإلى الشعب، وبمضمون اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، ومدني، وسياسي، واعتبار تلك الديمقراطية شرطا لقيام نظام الحكم، حتى يطمئن الشعب المغربي على مصيره.

و- التربية على الحقوق الإنسانية، كما هي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. وفي ميثاق إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والميثاق الدولي المتعلق بحقوق الطفل، وغيرها من باقي المواثيق العامة، والخاصة، حتى ينشأ أبناء الشعب المغربي على احترام الحقوق الإنسانية، وفي مقدمتها حق الشعب المغربي في وحدته، وفي تقرير مصيره.

وبذلك يمكن أن نتجاوز النعرة الطائفية التي يسعى البعض إلى إشاعتها في المجتمع المغربي، الذي لم يتمكن غلاة الطائفية، والتطرف، إلى بثها بين صفوفه قديما، ليصير مهددا بها في عصرنا هذا.

8) والخلاصة التي نخلص إليها: أن الرأسمالية العالمية تسعى إلى إشاعة التشكيل الطائفي في البلدان ذات الأنظمة التابعة، حتى تضمن استمرار ضعفها، وتبعيتها، وأن متزعمي إشاعة التشكيل الطائفي في كل بلد، لا يمكن أن يقوموا بدورهم إلا في إطار الارتباط بالنظام الرأسمالي العالمي، وأن مؤدلجي الأمازيغية المعتمدين، أساسا، على النظام الرأسمالي العالمي يسعون، وباستماتة، إلى إشاعة الطائفية، وترسيخها بين صفوف الشعب المغربي، سعيا إلى تحقيق تطلعاتهم الطبقية. ولدعم ذلك التضييق، فإن غلاة الأمازيغية يسعون إلى إنشاء حزب أمازيغي، ويطالبون، وبواسطة الجمعيات الحقوقية، بدسترة الأمازيغية التي لم ترق بعد إلى مستوى اللغة، التي يمكن أن تعتمد لغة رسمية للدولة المغربية. لتكون بذلك الدعوة إلى دسترة الأمازيغية، دعوة إلى دسترة الطائفية في نفس الوقت. وهو ما يستوجب المناهضة، والمقاومة، من اجل المحافظة على وحدة الشعب المغربي، الذي يجب تحصينه، بالنضال المرير، من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

فما هو الدور الذي تلعبه البورجوازية الصغرى في إشاعة الفكر الطائفي في المجتمع المغربي؟

ابن جرير في 30/08/2005


مشاركة منتدى

  • الولايات المتحدة تعمل في العراق وكل بلدان العالم ما يوافق مصالحها المادية فقط ، بغض النظر عن القيم الحضارية والمثل الإنسانية العليا والمبادئ الأخلاقية السامية : فهي مثلاً تسرق ثروات الشعوب ، وتحتل أراضيها ، وتحطم سيادنها ، وتنتهك استقلالها ، وتضرب بحقوق الإنسان في بلدانها بعرض الحائط من أجل مصالحها الخاصة ومن غير أن تنظر إلى مصالح الآخرين بذات العين أو الدرجة .. فهي لا تسمح لأحد أن يحتل شبراًُ من أرضها ، ولا نهب سنت من ثرواتها ، ولا انتهاك حرمة أجوائها أو مياهها الإقليمية بحجة أنها حريصة على أمنها وأمن شعبها .. فلماذا إذن تنتهك أمن الآخرين ؟ إن الولايات المتحدة تطبق في العالم قوانين الغاب أو الغلبة للأقوى والأكبر ولكنها تغلِّف هذه القوانين بأغلفة ( الديمقراطية ) و( السلام ) و( حقوق الإنسان ) وغيرها .. ومادام العالم المعاصر والعالم غير المعاصر يسير على قوانين الغاب فهل يجوز لنا أن نسير على قوانين الملائكة ؟ أم أن مناداتنا بقوانين الغابة تعبير أصلاً عن عجزنا وقلة حيلتنا نحن العرب ؟ وأنا أرجح الثاني .. والسؤال المهم : الحق على من ؟ هل الحق على أمريكا التي تستبيحنا في كل مكان ؟ أم الحق علينا نحن ؟ ألسنا نحن من يسلم مقاليد القوة التي نملكها إلى أمريكا بل إلى إسرائيل أيضاً : القرار السياسي ، والافتصاد ، والثقافة ، وحتى الموسيقى .. ونحن الذي تخلينا عن عقيدتنا ، وعن وحدتنا ، وعن مصالحنا بأيدينا إما كفراً وإلحاداً وإما خوفاً وجبناً من الأقوياء .. ولتمسح بكرامتنا كل مراحيض الأقوياء ما دمنا نأكل ونشرب كالحيوان ونمارس التكاثر كالذباب والسلام .

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى