الخميس ٢٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم شهد أحمد الرفاعي

هل يموت الحب؟

قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم:

" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة ورحمة " (الروم 21).

بداية فلنتأمل هذه الآية الكريمة.. وما تحمله بين ثناياها من معنى ومنهج للحياة الزوجية فهى توضح لنا قوام العلاقة الزوجية والتى تقوم على التفاهم والرحمة والمودة وليست من طرف واحد وإنما من الطرفين معاً.. فيجب عليهما شحن هذه العلاقة باستمرار بشحنة من العواطف والمودة ودفء المشاعر الحميمة المتبادلة بينهما..هكذا يتكامل المعنى فى علاقة السكن الذى جاء ذكرها فى الآية.

فالعلاقة الزوجية من أسمى العلاقات بين البشر فعليها يقوم بناء مجتمع بأكمله وبمدى التواصل بين الزوجين وصحته ونجاحه.. وبمدى الإختلال والإضطراب العاطفي والزواجى بينهما..تقاس نسبة النجاح والفشل بهذه العلاقة.وقد سن الله تعالى ووضع الأسس لهذه العلاقة والمودة في القاموس اللغوى تعنى (المحبة).. أي الحب بكل ما يحمله الحرفان من معانٍ جميلة، تترجمها التصرفات والتعاملات الحياتية بين الزوجين على مدار رحلتهما الزوجية، من ود وبشاشة وتواضع وصفاء وإحترام متبادل..إلخ،والسكن..معناه هنا هو كل ما سكنت إليه النفس وأستأنست به..وعندما أشار الله تعالى بالآية بقوله (أنفسكم) أى أن آدم وحواء من كيان واحد.. فمنه خلقت ولذلك يظل الطرفان فى حالة شوق لبعضهما البعض.

ولكن فى بعض العلاقات الزوجية وحينما يتوقف أحد الزوجين عن آداء دوره الإيجابى بهذه العلاقة يقع النشاز باللحن وتصبح هذه العلاقة معزوفة مملة لكلا الطرفين وتبدأ الآوتار فى التمزق وتضيع أبجديات المعزوفة الزوجية وربما آتت معزوفة آخرى بلحن جديد أكثر طرباً لتحل محل المعزوفة النشاز هذه. فعلاقة السكن والتآلف الزوجى تحتاج لشحن متواصل من المشاعر بكل صورها الحسية والمادية، وإلا اهتزت وانهارت هذه العلاقة.
في بداية الزواج تكون شحنة العواطف شديدة التوهج، والرومانسية طاغية، ولكن بمرور الوقت يفتر الحب وتغادر الرومانسية الديار ربما مستأنسة أو ساكنة ديار غير الديار.
ويتسرب أيضاً الفتور والبرود للعلاقة الحميمية الزوجية بين الزوجين فيصيبها التوتر والبرود وتصبح عملية حيوانية وظيفية روتينية بحتة؛ وربما يرجع ذلك لضعف الرغبة المتبادلة بين الزوجين ببعضهما البعض..
فيقع الطرفان فريسة لشرك الإهمال وسلبية التعامل وقد يكون ذلك من البداية نابعا من أحد الطرفين فقط ولكن و بمرور الوقت يتسرب للطرف الآخر نتيجة برود المشاعر التى يجدها لديه.

وذلك يأتي بنا للسؤال: هل يموت الحب؟؟؟

بداية الحب.. البعض يعرفه على أنه مزيج من المشاعر المختلطة من الانفعال والإعجاب بالآخر بما فيه من صفات مثالية تلقى القبول والإعجاب بها فتتتقل من الشعور بالإعجاب إلى الشعور بالراحة والسكن لهذا الآخر.

والحب بمعناه الطبيعي لا يموت أبداً - هذا برأيي المتواضع- الحب موجود بداخلنا ولكن ربما يكسوه ببعض الآحيان بعض الصدأ تغلفه سحابات الصمت مشاغل الحياة مواقف ترسل به للعناية المركزة ويصبح فى حالة احتضار.

ولكن من يتأمل ما يحدث بين أى زوجين كان الحب يوماً ما يسكنهما وبصدق وليس بزيف مشاعر، نرى أنه مهما كُبتت وغلفت هذه الاحاسيس بسكون الآيام وبرودة الليالى ومتغيرات الزمن، يظهر هذا الحب عند أول كبوة يتعرض لها أحد الزوجين؛ فلو مرض الزوج.. ستجد أن أول من ستجرى وتحاول الإطمئنان عليه زوجته التى أهملها يوماً.. والعكس صحيح أيضاً.. سيظل الزوج بجوار زوجته حتى تمر من أزمتها.. ويذهب أي خلاف خلف جزر النسيان..وتنفك عقدة الآلسنة وعصيان القلوب المؤقت.

هنا أستطيع القول بأن ما يحدث بين الزوجين من خرس عاطفي ليس موتا للحب.. بقدر ما هو نوع من البرود العاطفي.

قد تكون أحد أسبابه: فتور مزمن أو مؤقت للعلاقة بينهما، تباين الاهتمامات بين الزوجين، والتباين الثقافي والإجتماعي والفكري، وقولبة الرجل لزوجته فى إطار المتعة الحسية والجسدية المؤقتة فقط.

وقد يكون هناك صمت زوجي مرضي، كأن يكون أحدهما يمر بحالة اكتئاب مؤقتة، وعلى الطرف الآخر المحاولة المستمرة لإخراجه من هذا الجو.. إلى أن يتم له التوفيق من عند الله..

وهناك الجمود العاطفيِ، والذي يكون من حالة التعود على الآخر واعتياد وجوده؛ فالحياة أصبحت نمطا روتينيا مقولبا.. فقد حفظ كل منهما الآخر وأصبح الرمز يحل مكان الحرف: فالعين واليد والبسمة تحل محل الحرف.. وذلك يكون ناتج من طول مدة الزواج (العشرة ) فعرف كل منهما أبجديات الآخر فيقل الكلام وتستبدل مساحته بمعانٍ ووسائل آخرى.. ولكن لابد من القول بأنه لا بديل عن الكلمة فى أى حال من الأحوال. فالآذن تتوق لسماع الكلمة الطيبة وتؤكدها اللمسة الحانية وتغلفها النظرة الحالمة.. فتكتمل الصورة ويتم التفاعل الصحى الصحيح..

ويجب أن نفرق هنا أيضاً بين الصمت المؤقت والمزمن: فالصمت المؤقت يكون فى أوقات الخلافات وهذا شىء حميد.. ويفضل أن لا يطول الصمت.. ولكن يجب المناقشة وتعرية المشكلة تماماً حتى يمكن القضاء على جذورها.. وتستأنف الحياة الزوجية الطبيعية.

والصمت المستعصى يكون بمثابة المسمار الأول بنعش الحياة الزوجية. هنا يكون القلب قد فقد البوصلة الخاصة به، فيحتار ويسير أحياناً بمسارات خاطئة قد تزيد من حالة البرود العاطفي الموجودة لدى الزوج أو الزوجة، فيصنع حائلاً بينهما ويحول الحب لنفور ويتحول الزواج من سكن ومودة إلى مباراة من مباريات الضربة القاضية. وتكون الصعوبة في إمكانية عودة الحب من جديد بينهما.. فقد فقدت العلاقة بينهما صفة الإمتنان والمودة.

ولابد من معرفة سبب هذا النفور الذى آدى لهذا الصمت الزوجى بينهما، فلابد من جلسة ودية وصافية فى مكان مريح ووقت مناسب..حتى تتم إذابة وتسييل ما علق بالنفوس من تراكمات.

والتذويب للصمت العاطفي لا يكون بإلقاء التهم على الآخر واللوم وتحميل الخطأ لطرف دون الآخر ولكن يكون بحسن الاستماع والوصول للب المشكلة والغوص بمعاناة الآخر. فالحل ليس بمحاكمة طرف لطرف بقدر ما هو بحث عن أسلوب يكون قوامه المودة والرحمة ويكون هناك استعداد من كلاالطرفين وعقد لنية تجاوز هذا الخرس العاطفي..
والمصارحة بما تضيق به النفس بشكل دورى يقلل من هذا الصمت المذموم.. فالتوافه فى الحياة أحياناً تكون أصل جبال الصمت العاطفي فى حياتنا.

ويتبقى بعد المصارحة، المشاعر الدفينة المتراكمة فى النفس وما خلفه الصمت العاطفي هذا من إساءة..هى لا تزول وتظل فى الداخل..قد تتحول من الشعور إلى اللاشعور وقد يتم ترحيلها من الوعى إلى اللاوعى..ولكنها موجودة..ومهما حاولنا اخفائها ستبقى جداراً حائلاً ولو شفافاً بين الزوج وزوجته إلى أن يجعل الله لها مخرجاً.

قد تكون هناك طريقة للتنفيس عن هذ التراكم الموجود فى اللاشعور، قد تكون طريقة إنتقامية وقد تريح النفس ولكنها ستقضي على كامل الحياة الزوجية وستكون رحلة ذهاب بلا إياب.

وهناك طريقة دعانا الله إليها.. في كتابه الكريم وذكرت فى محكم آياته وذكرها لنا رسولنا الكريم، وهي المسامحة والعفو.. أن تعفو وتغفر لمن أساء إليك لهو الثواب العظيم عند الله وعندما نتعامل مع الله الخالق..فنحن ننحى المخلوق جانباً.. أن تسامح الغير من القلب وليس بلسانك فقط.. لهو الكرم بعينه.. والمقدرة الحقة على تجاوز ما علق بالنفس.. لهو قمة الطهر والإيمان.

وكظم الغيظ والعفو من أفضل الخصال الإنسانية..وقد قال الله سبحانه وتعالى فى محكم آياته: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين، الذين ينفقون فى السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" ( آل عمران 133/134))

وأخيراً.. قد يكون الملل الزوجي أحد أهم أسباب الخرس أو الصمت العاطفي. فليحاول كل من الطرفين البحث فى أهم أسباب هذا الملل ومحاولة الوصول لطريقة تقضى على هذا الملل وإن لم يستطع فعليه باستشارة من يثق بهم والأفضل الذهاب لمختص يزوده بالنصيحة الجادة. ولكن تجنب الأصدقاء العابرين فى حياتك؛ فلا تفضي بمشاكلك إلا لمن تثق به.. وإلا وقعت فيما لا يحمد عقباه.

ولكم أرق تحية وكل المنى بثرثرة عاطفية تروى عطش مشاعركم وما علق بها من جفاف عاطفي..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى